fbpx

متى يقول شيطان الحروب:
هذه ابنتك خُذيها وغادري بيروت؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قالت لي صديقتي: تمنيت وأنا راجعة من بلودان أن أنعطف يميناً على طريق بيروت. لقد اشتقت إليها. قلت لصديقتي أتمنى، لو أنّ لي جناحين لأنام كل ليلة بجانب ابنتي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل فاجأتك الحياة؟

نعم.

كانت طفلتي واثقة من مكانتها في قلوب من حولها. تحصد الإعجاب من نظرات الجميع وتتنقّل بدلال بينهم. 

وكنت وما زلت أمّاً مسكونة بالقلق الدائم. قلقت من أي فايروس يرفع حرارتها، قلقت من نوعية غذائها وقلقت من مستوى تعليمها ومن اختيارها لصديقاتها. قلقت من رأي أقاربي وجيراني ومعارفي فيها ومن مظهرها ولباسها وراقبت وزنها ونموّها ونوع ألعابها وهواياتها. 

حاولت أن أتوّغل في دمائها وأن أسكن في تلافيف هذا المخ الذي حسبته طويلاً عقلي أنا.

لكنّها خرجت من تحت عباءتي باكراً جداً. 

هربت وتمرّدت بشراسة.

ولم أتمكّن من حمايتها من نفسها. 

هناك أرواح تولد حرّة ولا تقبل العيش بأقلّ من الحرية.

وبينما عشت حتى هذه اللحظة من كهولتي صاغرة ضمن قوانين مجتمعي، كانت هي تحفر بإصرارٍ  نفق هروبها من سجن 

“التقاليد” و”الأصول” وكل ما يتعلّق بولادتها المشؤومة في مجتمع شرقي.

وعندما اختارت بكل جوارحها أن تدرس في بيروت، فرحت في سرّي، ساعة ونصف الساعة عن دمشق وثلاث ساعات ونصف الساعة بالطائرة من الرياض. ستكون قريبة. 

كلما أوغلت بالذكريات أكتشف أنني كنت عمياء وصمّاء وغبية

كيف لم أتنبّأ بهذا الخراب الكبير؟

لقد فكرت عشر سنين طويلة قبل أن أنجب. 

ولم أكن أعرف أنه سيأتي اليوم الذي سأكون فيه مع وحيدتي على بعد دمشق وبيروت ولا أستطيع أن أزورها لأجذبها من شعرها وأشم ّرأسها وأغزوها بالقبل. 

لقد تطورت التعقيدات على الحدود بين لبنان وسوريا حتى صار التنقّل شبه محظور. وساعدت ظروف الحرب على تبرير كل الإجراءات التعسفية التي يتعرض لها المسافر بين البلدين.

في بداية الأزمة السورية، كان الدخول سهلاً وتسرّب مئات الآلاف عبر الحدود وعندما أصبح  عدد اللاجئين رقماً خطيراً بدأ التضييق على الدخول من سوريا بشكل نظامي.

 بالإجمال غالباً ما تأتي الحلول المتأخرة بقوانين أقلّ ما توصف به هو الغباء. ومع ذلك تأقلم الشعب مع الوضع وازدهرت أعمال سائقي السيارات العمومية بين البلدين.

 ثم جاءت أحداث ثورة تشرين في لبنان ثم انهيار المصارف والانفجار الكبير الذي فجّر قلوبنا جميعاً ليزيد الأمور تعقيداً على سفرنا.  وأخيراً حلّ الوباء وانتظرنا سنة طويلة وبعدها سنة أخرى ولم يتغير أي إجراء على الحدود. ما زلنا ممنوعين من دخول لبنان من البر، إلا بداعي السفر من مطار بيروت أو مقابلة في سفارة أو موعد مستشفى وكلها تسمح بالعبور الموقت الذي لا يتجاوز في المواعيد الصحية 48 ساعة.

أذكر ويذكر معي جيلي أن السفر إلى بيروت كان “سيران” يوم الجمعة لأن الأسواق تكون مفتوحة وكنا  نعبر صباحاً ونعود قبل الليل. 

والذكريات القريبة جداً كانت العبور لفتح حساب في البنك لأن التسهيلات المصرفية في لبنان كانت الأرقى والأسلس. 

لقد أصبحنا نتابع أمور الحدود مع “أبطال الطريق” كل يوم. لأن الأوراق الثبوتية المطلوبة كثيرة ومتنوعة ومتغيرة. وصارت للطريق بين دمشق وبيروت صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي يتابعها آلاف المهتمين كل يوم بيومه، لأن الأخبار والإجراءات تتغير على مدار الساعة. 

لا ندري إذا كان ما يحصل جزءاً من المؤامرة التي يتحدّث عنها الجميع. لكننا نحن البسطاء نتمنى أن نزور لبنان من دون تعقيدات المؤامرات لأنه ملاذنا وعشقنا.

قالت لي صديقتي: تمنيت وأنا راجعة من بلودان أن أنعطف يميناً على طريق بيروت. لقد اشتقت إليها.

قلت لصديقتي أتمنى، لو أنّ لي جناحين لأنام كل ليلة بجانب ابنتي.

 متى يقول شيطان الحروب: لقد انتهيت من هذه البلاد؟

إقرأوا أيضاً: