fbpx

“شقيقي دبّر اغتصابي وصوّرني”…
جرائم ضد مصريات للاستيلاء على ميراثهن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“يدير أشقائي الذكور كل أملاك والدي الراحل وينتفعون بها ويعطونني (ملاليم) كمصروف شهري، وحجتهم أن لا داعي للتقسيم ما دمت غير متزوجة”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“توقفت سيارة كنت فيها مع شقيقي الأصغر (21 سنة) وصديقه في منطقة غير مأهولة بجوار الطريق السريع، اقتلع شقيقي المجوهرات الذي كنت أرتديها، وقيد ذراعيّ ثم وضع لاصقاً على فمي وأشار إلى صديقه كي يبدأ، تمادى صديقه في اغتصابي وشقيقي يصوّر بكاميرا هاتفه الجريمة”.

انتشرت صور وفيديوات  لفتاة مصرية تُدعى إسراء كانت تحاول الإفلات من حادثة اغتصاب داخل سيارة. إسراء ظهرت  بشعر أشعث وملابس ممزقة وتتطاير الدماء من فمها،  وبحسب ما ذكرت في شهادتها، فإن شقيقها حاول إجبارها على التوقيع على تنازل عن ميراثها بعد احتجازها داخل السيارة وعندما رفضت سمح لصديقه باغتصابها، وقام هو بتصويرها ليستخدم الفيديو لابتزازها وإجبارها على التنازل عن ميراثها.

الجريمة المروّعة فتحت مساحات كثيرة للتشكيك، على رغم الفيديو والصور المتداولة، بسبب ثقل تصور أن يدبر أخ اغتصاب أخته. كما أنه ادعى أنه كان يحاول تأديبها لأنه ضبطها في وضع” مخل”.  لكن إسراء قدمت أدلة مرئية من كاميرات المراقبة أمام شقتها وكاميرات الشارع الذي تسكن فيه في محافظة المنصورة، تثبت خروجها قبل دقائق من الحادث برفقة شقيقها ووقوفها أمام السيارة متعجبة من وجود شخص آخر فيها.

أثبتت التحقيقات بالاستعانة بالفيديو صدق ما روته إسراء التي ظهرت في الفيديو بذراعين مقيدتين ومجردة من ملابسها، وعلى جسدها آثار تعنيف شديد، النزاعات حول مسألة تقسيم الميراث وفق رواية خال إسراء تعزز روايتها حول ابتزازها للتنازل عن حقها الشرعي في الميراث، وهي البنت الوحيدة بين شقيقين.

اللعب على مسألة “الشرف”

تدرك المنظومة البطريركية الذكورية في مصر حساسية اللعب بموضوع “الشرف” على المستويين الاجتماعي والقانوني، وفي حالات موثقة يلجأ الزوج إلى ابتزاز زوجته بمقاطع خاصة بينهما، لتتنازل عن حقوقها بعد الطلاق، سواء حق حضانتها لأبنائها أو حقوقها المادية، وفي حالات أخرى يلجأ الزوج إلى استئجار شخص لاغتصاب الزوجة وتصويرها لتتنازل عن حقوقها مثلما وقع في الحادثة الشهيرة للقتيلة إيمان عادل.

لم يكن أخ إسراء الأصغر الشخص الوحيد الذي يدرك حساسية اللعب على وتر “الشرف”، ليقوم بتدبير جريمة اغتصابها وتصويرها، لكن الأخ الأكبر أيضاً ظهر في شهادة له مدافعاً عن شقيقه، و يقول: “هي حياتها مش تمام ودي حاجات محبش أتكلم فيها اتجوزت مرة واتنين وثلاثة عايزة تتصرف في حياتها من غير ما نتدخل فيها”.

مسألة الوصم في مصر تتطور بشكل تصعب ملاحقته أو فهمه، فالسيدة المتزوجة أكثر من مرة تصبح موصومة، والمستقلة التي ترفض التدخلات في قراراتها موصومة، وإسراء هي الشقيقة الكبرى وما أن بلغا السن القانونية حتى بدأت تعاني من فرط التعنيف والمساومات من أخوتها الذكور ليس في مسألة الميراث فقط بل في حياتها بالكامل بحسب ما تذكر في شهادتها.

إقرأوا أيضاً:

الزواج حيلة للحصول على ميراث العازبات

قصة إسراء تبدو الأكثر بروزاً الآن، إلا أن حوادث منع النساء من الحصول على ميراثهن أو تجميده في مصر لا حصر لها.

 سامية حسين (33 سنة) تلفت النظر من خلال قصتها إلى الحيل والشروط التي تضعها “الأعراف الاجتماعية” في بعض المناطق للتحايل على منح الفتيات ميراثهن الشرعي، أبرز هذه الحيل، تجميد حصولها على الميراث حتى تتزوج.

“يرى أشقائي أن لا داعي للتعجل بتقسيم التركة ومنحي ميراثي ما دمت غير متزوجة، يدير أشقائي الذكور كل أملاك والدي الراحل وينتفعون بها ويعطونني (ملاليم) كمصروف شهري، وحجتهم أن لا داعي للتقسيم ما دمت غير متزوجة”.

تخشى أسر مصرية كثيرة منح الفتيات ميراثهن الشرعي إذا كن عازبات، لأن هذا الميراث يعطي الفتيات فرصة للاستقلال المادي، بخاصة إذا كان يكفي لشراء سكن مستقل أو تأسيس مشروع أو السفر والهجرة خارج البلاد، فالاستقلال يأتي بالوبال والانفلات في اعتقاد الطبقة الوسطى المصرية، لذلك تحرم كثيرات من ميراثهن الشرعي حتى يصبحن “في عصمة راجل”  مسؤول عن زوجته وعن حياتها وتحولاتها.

“في أحيان كثيرة فكرت بأن أتزوج-  أي أحد- فقط كي أحصل على ميراثي الشرعي لأن الخيار القانوني الخاص برفع قضية على أشقائي ووالدتي سيفقدني عائلتي إلى الأبد وحبال القانون طويلة قد تأخد القضية سنوات في المحاكم”.

تحار  المرأة خصوصاً في ريف مصر بين أن تحصل على حقوقها الشرعية في الميراث أو أن تتسامح في جزء كبير منه، حتى لا تخسر رضا العائلة، خصوصاً إخوتها الذكور “السند”، وفق معتقدات البيئة المحلية. وما زالت تنتشر جلسات”الرضوى” و”الجلسات العرفية” التي تأخذ فيها النساء الوارثات نصيباً قليلاً من ميراثهن، ويتنازلن “راضيات ظاهرياً” عن البقية للأشقاء الذكور.

اختاري السند العائلي أو الحصول على الميراث

وفاء حسين (44 سنة) تقول لـ”درج” إنها أخذت ميراثها بالرضوى، مبلغ مالي لم يتعدَّ 50 ألف جنيه مقابل التنازل عن ميراثها من الأراضي الزراعية لإخوتها الذكور، على رغم أن سعر هذه الأراضى يقارب الملايين، “هذا العرف صعب الوقوف أمامه أو معارضته لأن أرض والدي المتوفي لا يجوز أن تذهب لرجل غريب (زوجي)، هكذا ينظرون إلى الأمور دائماً”.

تشير آخر إحصاءات متاحة لوزارة العدل المصرية حول نزاعات المواريث  أن 35 في المئة من السيدات اللواتي حرمن ميراثهن تعرضن للإيذاء الجسدي، و15 في المئة  لابتزاز مادي و50 في المئة اضطررن للتنازل عن حقوقهن عبر الابتزاز المعنوي وخوفهن من الخلافات الأسرية، وغضب الأهل وقطع صلة الرحم.

 وأشارت النسب وفق أصحاب الدعاوى المقدمة للمحاكم  إلى أن 50 في المئة من الحرمان من الميراث يكون من طريق الأشقاء الذكور و25 في المئة بسبب عناد الأمهات، ورفضهن حصول بناتهن على حقوقهم و25 في المئة من طريق الآباء الذين يكتبون وهم أحياء كل شيء لأبنائهم الذكور .

الناشطة والحقوقية المصرية لمياء لطفي توضح لـ”درج” إن “هناك طقساً شائعاً في الريف المصري خصوصاً في المواسم الدينية والاجتماعية، يسمى الزيارة ورمزيته لا تتلخص في الهدايا المحصورة في الأطعمة وحسب بل له رمزية تتعلق بعقيدة السند، حينما تحدث نزاعات على الميراث يهدد الأخ شقيقته بقطعه الزيارة، ما يعني أنها بلا سند (لن أزورك)، أمام أي مشكلات قد تتعرض لها مع زوجها أو الآخرين فتقبل بعض النساء بالرضوى أو حتى بالتنازل عن الميراث خوفاً من خسارة السند”.

بالنظر إلى صفحات الحوادث اليومية في مصر يبدو مفهوم “السند” مضللاً، خاصة مع حالات القتل المرصودة بشكل واضح مثلما يأتي البعض منها في حوادث كالتالي: قتل شقيقته طمعاً في الميراث.، حبس شاب متهم بقتل شقيقته بسبب خلافات الميراث، شاب يشرع في قتل شقيقته ويدهسها بسيارته لخلافات حول الميراث، يقتل أخته ويحاول قتل الثانية بسبب الميراث.

ترى الناشطة الحقوقية لمياء لطفي أن الكثير من السيدات في مصر يفضلن الحماية العائلية، لأن الحماية القانونية في مصر ليست كافية، وحال المواريث في المدن أفضل نسبياً مما عليه في الريف، فالآباء يعلمون حجم المشكلات المريرة التي ستمر بها بناتهم بعد رحيل الأب، فيقررون  إعطاءهن مستحقات مادية من التركة قبل الرحيل.

تبقى مسألة الميراث في مصر بعيدة تماماً مما يحدث في فضاءات عربية مجاورة، مثل تونس التي تقدمت أكثر في نقاش المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث وتشريع قوانين تضمن تسليم التركات من دون إبتزاز، في حين أن السهم الحقوقي في المواريث يعود إلى الخلف بطريقة متسارعة في مصر وكلمة السر “القسمة الشرعية وفق الشريعة الإسلامية”.

إقرأوا أيضاً: