fbpx

حرب الطيونة: رابحان وخاسرون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

القانون يبقى تفصيلاً يمكن تجاوزه أمام حقائق “السلم الأهلي”. وقصة “السلم الأهلي” لطالما لجأ إليها “حزب الله” لتدبير إحكامه الإمساك برقابنا!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 في غمرة الخسائر التي تصيبنا نحن اللبنانيين العاديين، ثمة رابحان في يوم الخميس الأسود. والإشارة إلى رابحيَن فيها تجاوز للخاسرين، لكن هؤلاء صاروا من نافل الكلام والتناول، ذاك أن دوائرهم تضيق على أهل الضحايا، وأطفالهم الذين سقط بالأمس لخمسة منهم أماً لم تقتل برصاصة طائشة، انما استهدفها قناص تحت أنظارهم في منزلها، وتتسع لتشمل أبناءنا نحن الذين توهموا أن منازلهم بعيدة من مكان المقتلة، فعدنا إليها بعد انقضاء ساعات الحرب الست، لنكتشف أننا أنجبنا أبناءً خلال سنوات الحرب الباردة الثلاثين المنصرمة، لا يعرفون عن الحرب شيئاً، وهم إذ سمعوا أصوات الـ”آر بي جي” اعتقدوا أن حرباً كونية بدأت في شارع بدارو المجاور!

لا بأس بالعودة إلى الرابحين في هذه الحرب الصغيرة، طالما أننا كلنا خاسرون. فـ”حزب الله” شق طريقاً عملياً هذه المرة للإطاحة بقاضي التحقيق في جريمة المرفأ طارق بيطار. والحزب ومهما ادعى أنه ولي الدم في مقتلة الطيونة، أنجز مهمة، وهو بصدد بلورة “خطاب السعة” الذي سينتقل فيه إلى الخطوات العملية. فـ”التحقيق سيفضي إلى فتنة أهلية” والحزب حذر من ذلك، والطريق صارت ممهدة لتغيير القاضي، وربما قد تواجه صعوبات قانونية لجهة عدم صلاحية الحكومة للقيام بهذه الخطوة، لكن القانون يبقى تفصيلاً يمكن تجاوزه أمام حقائق “السلم الأهلي”. وقصة “السلم الأهلي” لطالما لجأ إليها “حزب الله” لتدبير إحكامه الإمساك برقابنا!

لكن ثمة رابحاً ثانياً في هذا الشقاق الأهلي، وهو “القوات اللبنانية” التي توجهت إليها أصابع الاتهام بالوقوف وراء المقتلة! ففي ظل الانقسام المذهبي والوطني الحاد الذي تُوج بتظاهرة يوم الخميس وبالمقتلة التي رافقته، شهدنا تصاعداً في الاحتقان المذهبي كشفت الـ”سوشيل ميديا” جزءاً من فصوله وحملت مشاهد منه. فما كان من هذه المشاعر إلا أن انعقدت حول “المتصدين” لتغول “حزب الله” على الشارع المسيحي. والجهة المفترضة وراء هذا “التصدي” لم تبذل جهداً مقنعاً لنفيه، وهو ما جعلها نقطة ينعقد حولها الانقسام، ذروتها الأولى كانت شيعية توجتها جريدة “الأخبار” القريبة من “حزب الله” عبر تشبيه فوتوشوبي بين قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع وأدولف هتلر، وذروتها الثانية تتويج جعجع حامياً لمناطق المسيحيين وممثلاً لظلامتهم في ظل استباحة متواصلة لهذه المناطق منذ سنوات مديدة.

لكن يوم الخميس الدامي لم يقتصر على بلورة هذا الشقاق الأهلي وعلى دفعه خطوات إلى الأمام، فقد كنا أمام حرب أهلية مصغرة، حصلت وقائعها في المكان الذي اشتعلت فيه الحرب عام 1975، لكن تكثيفاً مشهدياً تولته الفيديوات المرسلة من مكان الاشتباك جعل الحرب في كل بيت، وهذا فارق جوهري فصل بين الحربين المنقضية والعتيدة، وهو أفضى إلى عدم قدرتنا على استعمال خبراتنا التي اكتسبناها. وهذه المعادلة تولى النقل التلفزيوني المباشر تكثيفها على نحو غريب. المقاتل الذي يحمل الـ”آر بي جي” ويستعد لإطلاقها فأصابته رصاصة وسقط أرضاً، وضعنا في حيرة من أمرنا، فالرجل كان يستعد لإطلاق قذيفة على مدنيين مثلنا، وأصابته رصاصة قناص أيضاً كان موجوداً أيضاً لقنص الناس، ومنهم الأم التي قتلها القناص في منزلها، فبماذا نشعر حيال مشهد من كان يستعد لاطلاق القذيفة، وبماذا نشعر حيال من قنصه؟ الأرجح أن لا مكان لمُشاهد من خارج وجدان المقاتلين. النقل المباشر لهذه المشاهد والفيديوات التي نقلتها الهواتف، لم تتح لمشاهدها أن يقف خارج الاشتباك، وهي شطبت مشاعرنا بما لم نعهده فيها. 

الحرب الصغيرة كانت قريبة جداً منا. إنها هناك في الشارع الذي يقع خلف بدارو، المنطقة التي انتقلنا إلى منازلها ومقاهيها بعدما دمر انفجار 4 آب/ أغسطس مار مخايل، والتي يختبئ خلفها الفقراء الذين تقود فتية منهم أحزاب الحرب المقبلة، ونحن إذ أخلينا الشارع في يوم الخميس الدامي، رحنا نشاهد فيديوات لمبان نعرفها ونعرف سكانها، وقد تحولت هدفاً لرصاصات تخلف ثقوباً في واجهاتها، هكذا وكأننا نشاهد فيلماً على “نتفليكس”، ولا نستطيع أن نربط بين ما نراه ووجوه أصدقائنا الذين يسكنون هناك. 

هل هذا ما كان يحصل حين كنا نحن من يطلق الرصاص في تلك الأيام الغابرة؟ الأرجح أن ليس هذا ما كان يحصل، ففي حينها لم يكن النقل مباشراً، وكنا نتقاتل في غفلة عن الضحايا. الحرب تحدث اليوم تحت أنظار الجميع، ومن أغرب ما شهده يوم أمس هو عدم قدرة الكاميرات على الوصول إلى وجوه القناصة.      

إقرأوا أيضاً:

   

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.