fbpx

مجزرة أريحا… ثمن إعادة ترتيب
التوازنات العسكرية في الشمال السوري؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كان للمجزرة أثر سلبي على نفوس الناس في إدلب، وليس في إريحا فقط، وهناك تخوف من أن يتكرر استهداف الناس في الأسواق والمناطق التي تضم مدنيين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طفلان توأمان (عمر وعلي)، يبلغ كل منهما 7 سنوات. لا نعرف بماذا كانا يفكران حين استيقظا صباح يوم الأربعاء (ذ9 تشرين الأول/ أكتوبر 2021). ولا نعلم متى استيقظا، قبل موعد ذهابهما إلى المدرسة بساعة مثلاً؟ أم أقل؟ هل اعتادا تناول وجبة خفيفة قبل المدرسة؟ أم وضعت لهما أمهما وجبتَي طعام في حقيبتيهما؟

أتأمل صورة قديمة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تجمع عمر وعلي، وهما يجلسان على عتبة درج، ربما كانت عتبة منزلهما في أريحا في محافظة إدلب. ينظران إلى عدسة الكاميرا بشغف، نعم هذا ما شعرت به وأنا أتأمل الصورة، كان شغف مواجهة عين تراقبك باهتمام، عدسة كاميرا تحتفي بك. من التقط الصورة الأم أم الأب؟ لا ندري أيضاً. كما نلاحظ أن عمر وعلي ينتعلان أحذية رياضية من الموديل نفسه، ويرتديان أيضاً سروالي جينز، بجيوب جانبية عند منطقة الركبة. 

التوأمان عمر وعلي

قذائف كراسنوبول الروسية 

عند الساعة الثامنة إلا خمس دقائق تقريباً، وبالتزامن مع ذهاب عمر وعلي إلى المدرسة، هبطت قذائف صاروخية على سوق شعبي في وسط مدينة اريحا، هذه القذائف من نوع “كراسنوبول“، ويتم توجيهها من خلال تقنية “اللايزر”، عبر منصة أرضية أو جوية، تطلق إشعاع لايزر باتجاه الهدف، وتعمل أجهزة التتبع الموجودة في الرأس الحربي للقذيفة على ملاحقة الإشعاع واستهدافه. 

قَتلَتْ قذائف “كراسنوبول” 13 مدنياً بينهم 4 أطفال وامرأة، إلى إصابة 20 آخرين بينهم حالات حرجة. وتم توثيق 11 ممن قضوا في المجزرة، وهم: “قمر بلال حافظ هالة هرموش أريحا 1993/ زكريا أحمد بزي أبو احمد 1955/ يوسف محمد جمال الحسن/ ريماس يوسف الحسن– طفلة/ حسون احسان الخديجة معرة النعمان 1990/ ابراهيم عبد الوهاب الأمين -طفل شنان 2005/ عمر عبد العال العبود-  طفل/ محمود ياسر سارح 1998/ غسان شيخ إبراهيم أبو إسلام/ حسن حسين قدي (20 سنة) من قرية معترم / علي عبود مهجر من مدينة معرة النعمان العمر (10 سنوات)”. وهناك اثنان آخران ما زالا مجهولي الهوية.

عمر عبد العال العبود، هو الشقيق التوأم لعلي، والأخير نجا من الموت،  وتعرضت قدمه للبتر وأصيب بجروح خطيرة. 

وإذا كانت المعلومات التي تمَّ تداولها صحيحة ودقيقة حول عمر التوأمين (عمر وعلي) وهو سبع سنوات، فمعنى ذلك أنهما ولِدا عام 2015، أي، في العام الذي بدأت فيها روسيا بتدخلها العسكري بشكل رسمي في سوريا، من خلال توجيه ضربات جوية فوق أراضيها. 

ووفقاً لتقرير مبكر لمنظمة العفو الدولية حول التدخل العسكري الروسي في سوريا “في أواخر شباط/ فبراير 2016، استهدفت الطائرات الحربية الروسية عمداً المدنيين وعمال الإنقاذ أثناء عمليات القصف”. كما وثقت منظمة حقوق الإنسان هجمات على المدارس والمستشفيات ومنازل المدنيين. وقالت منظمة العفو الدولية إن “روسيا مذنبة بارتكاب بعض أفظع جرائم الحرب التي شهدتها منذ عقود”. وقالت مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في “منظمة العفو الدولية” في ذلك الوقت، تيرانا حسن، إنه بعد قصف أهداف مدنية، تعود الطائرات الحربية الروسية إلى شن هجوم ثان لاستهداف العاملين في المجال الإنساني والمدنيين الذين يحاولون مساعدة المصابين في الطلعة الأولى”، وذلك بحسب تقرير نشر في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في نسختها الإنكليزية. 

ووثقت عشرات التقارير من منظمات دولية ومحلية مقتل مئات المدنيين والأطفال، على يد النظام السوري وحلفائه، وبدعم كبير من روسيا تحديداً، والتي استخدمت فيها الأرض السورية والمدنيين السوريين، مسرحاً لتجريب جميع أسلحتها. 

إقرأوا أيضاً:

طفلة قُتلت مع والدها وأخرى فقدت والدها

نشرت صفحة “الدفاع المدني السوري” على “فايسبوك” صوراً لضحايا مجزرة أريحا، منها صورة لطفلة اسمها زهرة، وتبلغ من العمر 5 سنوات، وعلق الدفاع المدني على الصورة بقوله: “أصيبت زهرة بجروح عندما كانت مع والدها وابن عمها في سوق المدينة الذي تعرض لقصف مدفعي من قبل النظام وروسيا، نجت زهرة من الموت ولكن والدها قتل، فيما أصيب ابن عمها بجروح بليغة، ما حدث معها سيبقى جرحاً غائراً لا يمكن نسيانه كما لن ينسى أحد هذا الوجه الباكي الذي لونته الدماء والجروح”.

أما الطفلة ريماس يوسف الحسن، فقتلت وهي بصحبة والدها يوسف محمد جمال الحسن. ونشر “الدفاع المدني السوري” أيضاً صورة لريماس وهي بين يدي متطوعة، وعلق الدفاع على الصورة بقوله: ” اعتادت ريماس أن يصطحبها والدها إلى باب المدرسة كل صباح، ولكن هذا اليوم تبدد حلم الوصول عندما استهدفت قذائف قوات النظام وروسيا مدينة أريحا، وقتلت الطفلة ووالدها وأطفالاً كان أملهم الحصول على التعليم مثل باقي أطفال العالم بعيداً عن القصف والموت”.

المتطوعة منى التي أسعفت ريماس إلى المستشفى في محاولة لإنقاذها تقول: “صعب كتير ومؤلم حمل جثمان طفلة ذنبها أنها رايحة على مدرستها، وكل العالم لازم يشعر بألمنا ويتخيل ابنه مكان هي الطفلة، والآنسة قمر كمان قتلت بنفس القصف، الطالبة والمعلمة بيوم واحد ما بعرف ايمتا ممكن تتحقق العدالة للضحايا، بس يلي بعرفه أن الحق ما ممكن يموت”.

بعد المجزرة 

بعد ساعات من المجزرة، تواصل “درج” مع الناشط الإعلامي مهند اليماني من مدينة أريحا، الذي أكد المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام، عن أعداد الضحايا وأسمائهم، وقال إن جميع أهالي المنطقة يشعرون بالخوف والرعب بعد حدوث المجزرة والتزم الجميع بيوتهم، وفضلوا عدم الخروج إلى الشارع، كما أغلقت معظم المحلات في السوق. 

ويرى اليماني أنه يمكن اعتبار أن القصف على مدينة أريحا بهذه الطريقة، أي استهداف المدنيين بشكل مباشر، هو رسالة سياسية؛ ربما للضغط على لجنة التفاوض. لكن، هذه الوحشية التي يتعامل بها النظام السوري، ليست جديدة، وهو ليس بحاجة لذريعة أو سبب، لقتل المدنيين، بحسب تعبيره.

ويبدو أن روسيا والنظام على علم بأن مدينة أريحا، تتمتع بهذا الاستقرار النسبي، ويعيش فيها عدد كبير من المدنيين. 

إذ قال الشاب أحمد غجر من مدينة إدلب لـ”درج”: “في الآونة الأخيرة، عاد أغلب من غادر مدينة أريحا إليها، بعد الاستقرار النسبي الذي حدث فيها، حتى إن نسبة كبيرة من النازحين استقروا في مدينة أريحا، وذلك بسبب انخفاض الإيجارات في هذه المدينة، والخدمات الجيدة فيها”. 

وأضاف: كان للمجزرة أثر سلبي على نفوس الناس في إدلب، وليس في إريحا فقط، وهناك تخوف من أن يتكرر استهداف الناس في الأسواق والمناطق التي تضم مدنيين”. 

وثقت عشرات التقارير من منظمات دولية ومحلية مقتل مئات المدنيين والأطفال، على يد النظام السوري وحلفائه، وبدعم كبير من روسيا تحديداً، والتي استخدمت فيها الأرض السورية والمدنيين السوريين، مسرحاً لتجريب جميع أسلحتها.

حصة أريحا… عشرة صواريخ أسبوعياً 

الناشط والإعلامي زكريا قيطاز من معرة النعمان في إدلب، يوضح لـ”درج” أن المنطقة تتعرض للقصف منذ ثلاثة أشهر تقريباً، وتحديداً قبل اجتماع سوتشي الأخير، كما حصل تصعيد عسكري بالتزامن مع الاجتماع، بعدها هدأت المنطقة لمدة ثلاثة أيام، وعاد التصعيد العسكري مرة أخرى. والقصف ما زال مستمراً، وبخاصة في منطقة أريحا، التي تنال حصتها من القصف، عشرة صواريخ، في كل أسبوع تقريباً، لكن ما جرى يوم الأربعاء هو استهداف المدنيين هذه المرة، وتحديداً السوق الشعبي، الذي يعبره طلاب المدارس، أثناء ذهابهم إلى المدرسة، ما حدث هو استهداف لمركز المدينة بشكل مباشر”. 

وأضاف زكريا: “القصف كان يستهدف منذ ثلاثة أشهر– كما ذكرت سابقاً-  قرى جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، إلى جانب ريف إدلب الغربي، ومدينة جسر الشغور، وسهل الغاب. أي، جميع المدن والمناطق والقرى القريبة على خطوط التماس بين المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة، وبين مناطق سيطرة النظام، ويتم استخدام صواريخ كراسنوبول الروسية، وبالتأكيد أن روسيا هي صاحبة القرار في أي عملية قصف يتم تنفيذها”. 

النظام السوري يحشد عسكرياً

يقول زكريا إن النظام السوري يحشد عسكرياً منذ نحو عشرة أيام، “فهناك حشود عسكرية على خطوط التماس في ريف إدلب الجنوبي، وفي مناطق جبل الزاوية، ومناطق معرة النعمان، ومناطق ريف إدلب الشرقي في مدينة سراقب، وحتى في ريف حلب الغربي. رأينا الفوج 46 وكانت هناك حشود عسكرية للفرقة 25 والفرقة 11 (دبابات)، إضافة إلى الميليشيات والقوات الرديفة مثل “قوات النمر” وغيرها من لواء “الباقر” وبقية الفصائل العسكرية الشيعية، وهناك نيّة للهجوم والسيطرة على طريق M4، وكل المناطق التي تقع جنوب هذا الطريق، معرضة للسقوط بيد النظام السوري”. 

ويرى زكريا أن “هناك إعادة ترتيب للتوازنات العسكرية في المنطقة، فمن جهة النظام السوري يحشد عسكرياً، وتركيا من جهة أخرى، تحشد بشكل جزئي في مناطق جبل الزاوية، وتقوم بدعم قواعدها في تلك المناطق، وفي إدلب عموماً. كما يحصل حشد عسكري في مناطق ريف حلب الشمالي، ومناطق شرق الفرات، وتهدد بعمل عسكري على قوات سوريا الديموقراطية، وما تعتبره “تنظيمات إرهابية”. 

لذلك جميع الأهالي في إدلب يشعرون بالخوف، من حصول عملية تبادل مناطق، أي؛ أن تأخذ تركيا مناطق في الشمال والشرق، وتأخذ روسيا بالمقابل مناطق في إدلب، وتحديداً المناطق التي تقع جنوب طريق الـM4.

إقرأوا أيضاً: