fbpx

الكوتا النسوية في الانتخابات اللبنانية المقبلة:
إقرار حقّ أم تسطيح مطلب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثمة من يتعاطين مع “العنصر النسائي” ومع “المرأة اللبنانية” من منطلق عددي، وكأنهن أرقام. ينشطن في السياسة، أحياناً من خارجها، وغالباً، بنظّاراتٍ عازلة. يهلّلن لرجالات المنظومة ويشكرنهم ويهرعن للالتقاط الصور معهم في المناسبات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تصوّت اللجان النيابية المشتركة في المجلس النيابي اللبناني ضد اقتراح إضافة الكوتا النسائية على القانون الانتخابي الحالي، لتحسين التمثيل السياسي النسائي في لبنان. لم تصوّت ضد الاقتراح، ولم تصوّت معه. فالكتل النيابية رفضت نقاش الموضوع من أساسه، وأجمعت على اعتباره مضيعة للوقت، لأن أي نقاش في القانون الانتخابي بحسب زعم المشرعين، سيؤدي حتماً إلى تطيير الانتخابات.

ليس التصرف هذا بجديد ولا هو صادم. بالعكس، هو يؤكد اعتياد المشرّع اللبناني على التعامل مع قضايا النساء كالمُجبر، الحائر أمام إصرار المنظمات النسوية والمجتمع الدولي على نقاش هذه القضايا. لا يفهم المشرع لم عليه اتخاذ موقف في قضايا حقوق النساء، في بلدٍ يُعامل نساؤه باعتبارهن غير مرئيات، يُهمشهن في القانون والمجتمع، يُقصيهن في السياسة، يَحرِمهن الحماية في أماكن عملهن، ويقارب كل قضاياهن بحلول شكلية تعكس استخفافاً معلناً بمعاناتهن. وعليه فإن رفض التصويت هذا يشير الى نهج قديم من “تطنيش” عابر للأزمنة والعهود، بحيث لم يعد من داعٍ حتى لادعاء الحرص وابتكار الأسباب والحجج لإسقاط أي قانون يُنصف النساء. رأي المشرعين معروف إذاً وشلش الحياء قد قُطع، فأعتُمد “التطنيش”، وهي ممارسة يجيدها سادة البرلمان، لا سيما في قضايا النساء. يوم أُقر القانون لحماية النساء من العنف الأسري في نيسان/ أبريل 2014، تجاهلت الكتل الملاحظات التي قدمها “التحالف الوطني لحماية النساء من العنف الأسري” على النسخة المطروحة، والتي كانت قد أفرغته اللجنة النيابية التي درسته من روحيته، وأسقطت منه جرم الاغتصاب، وميّعت تخصيصه للنساء بالحماية. قبيل عرضه على التصويت، حصد التحالف عشرات التواقيع من نواب في كتل نيابية متعددة، على عريضة تعهدوا فيها بأن يناقشوا ملاحظات جوهرية تردّ بعضاً من روح القانون خلال جلسة مناقشته، ولكن على رغم ذلك، أُقر القانون مشوّهاً، بصيغته المفرَغة من جوهره. حصل ذلك في دقائق، وأكمل المجتمعون جلستهم، من دون أي اعتبار للتعهدات الموقعة بخط يدهم.

بعد الجلسة التي أسقطت اقتراح الكوتا الأسبوع الماضي، لم تُخفِ النائبة عناية عزالدين التي حملت المشروع الى البرلمان، امتعاضها من الموقف المُهين الناتج عن تجاهل واستخفاف زملاءها بطرحها، لا سيما اعضاء كتلتها النيابية “التنمية والتحرير”. يقتضي الطرح أن تُدخل كوتا نسائية لحجز 26 مقعداً للنساء من أصل 128، إضافة إلى إلزام تضمين اللوائح الانتخابية 40 في المئة؜ من النساء، هي الكوتا. 

وعند تجاهل النواب الطرح، أصرت النائبة عناية عز الدين على مناقشته، فأُسقط سريعاً بالتصويت لأن الكوتا، برأي المحتجين تؤدي إلى خلل تمثيلي. اذ لا يُمكن ان تسري على مقاعد الأقليات الطائفية (في حال كان للطائفة مقعد واحد، فسيكون حتماً لرجل).

استغرق التداول بهذه الحجة المضادة ما لا يزيد عن دقيقتين من وقت الجلسة الذي لا يُعوض.

غير أن عز الدين لم تكن المرأة الوحيدة التي عوّلت على هذا التعديل، والتي هالها الرفض. ففي حلقة من “نفس جديد” مع الإعلامي زافين قيومجيان عن المشاركة السياسية عُرضت قبل جلسة اللجان المشتركة، واستضاف فيها مؤسِسة ورئيسة منظمة fiftyfifty  جويل بو فرحات، والعضوة في “حزب مواطنون ومواطنات في دولة” نور كلزي، شددت بو فرحات على ضرورة إدخال الكوتا، لأن “ما بقا فينا نقول بدنا نعمل لبنان الجديد برجال فقط”. وعلى رغم إقرار بو فرحات بأن الصراع هو مع مجلس النواب ومع الأحزاب السياسية لأنها تقاعست عن دفع النساء داخلها إلى العمل السياسي، الا ان المنظمة متفائلة اليوم بحسب بو فرحات، لأنها تلمس “حماسة” لدى الأحزاب التقليدية تجاه الموضوع، وانهم (قادة الاحزاب)، للمرة الأولى، لم يصرفوا النظر عن الموضوع بحجة ضيق الوقت. بعد تأكيد عدم تعويلها على المجلس، استعرضت بو فرحات، في معرض الشكر، طرح أحد ابرز اقطاب المنظومة نبيه بري، الذي يقضي بحجز 20 مقعداً في البرلمان للنساء؛ واقتراح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يقضي بإدخال كوتا 30 في المئة على الترشح، وذلك بعدما أشادت بتبنّي النائبة عز الدين طرح المنظمة. 

لا يتوقف التناقض هنا، إذ يكمل الحديث بتعبير بو فرحات عن استغرابها من تقديم الرئيس ميقاتي لمشروع كوتا، في حين لم تتضمن تشكيلته الحكومية أكثر من وزيرة واحدة من أصل 24. وهذا يشكّل “نقطة ضعف كبيرة جداً”.

كل تلك النقاشات على أهمية ما تعكسه من جدل وتناقضات في آن، لم تتطرق إلى الفيل الأزرق الطائر في المجال النسوي اللبناني اليوم. أحدث مظاهر هذا التناقض كان رد الفعل على التشكيلة الوزارية الأخيرة. مباشرة بعد تشكيل حكومة ميقاتي الحالية، وبعد أكثر من عشرة أشهر من الوقت الضائع والحَرد الرئاسي، في خضم سقوطٍ اقتصادي- مالي- اجتماعي حرّ، يجد البعض في الجو النسوي اللبناني الوقت والطاقة للهلع لسببٍ واحدٍ، هو وجود وزيرة واحدة فقط في حكومة من 24 وزيراً. يزرع هذا الرقم، وهذا الرقم وحده على ما يبدو، ارتياباً لديهن من نية أهل الحكم غير الصافية تجاه النساء ومشاركتهن السياسية. وكأن هذا الرقم هو المؤشر الوحيد على مأساوية الوضع وذكورية الساسة في لبنان.

غير أن لبّ المشكلة ليست هنا، والفيل الأزرق هو، فعلياً، التفاوت في تشخيص علّة النظام؛ في الهوّة بين الراغبات بنصف المقاعد في الهيكل، وبين العازمات على هدمه. الفيل هو الشرخ بين المصرّات على مشاركة برلمان فاقد للشرعية والإنتاجية مع أقطاب منظومة ينعتْنها بالفشل والإجرام ليل نهار، وبين أخريات يرَين في المنظومة عدوّاً وجودياً طلّقنه منذ زمن إلى غير رجعة.

في الأوساط النسويّة، ثمة حانقات على الحكومة لأنها تضم وزيرة واحدة وليس 12 من أصل 24، وعلى المجلس لأنه لم يقر كوتا نسائية ضمن قانون الانتخابات، وليس لأنه قانون متمحور حول الكوتا الطائفية- المذهبية، ولا لأنه لا يحدّ من الإنفاق الانتخابي، ولا لأنه يعطي مسؤولية الإشراف على الإنتخابات لطرف سياسي مشارك فيها.

ثمة من يتعاطين مع “العنصر النسائي” ومع “المرأة اللبنانية” من منطلق عددي، وكأنهن أرقام. ينشطن في السياسة، أحياناً من خارجها، وغالباً، بنظّاراتٍ عازلة. يهلّلن لرجالات المنظومة ويشكرنهم ويهرعن للالتقاط الصور معهم في المناسبات، كما حصل في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه “التحالف الوطني لدعم المشاركة السياسية للنساء” عن فشل المساعي لإدراج الكوتا في قانون الانتخاب عام 2017.

العلّة ليست في رفض المجلس النيابي مناقشة الكوتا، بل بأن شريحة منّا ما زالت لا ترى ضيراً في الاستمرار بالتعاطي السياسي من المنظور “الكوتاوي” المتمحور حول الأرقام والحصص، بدون التركيز حقيقةً على طبيعة النظام الذي يطلبن المناصفة فيه.

اعتُمدت المقاربة الكوتاوية نفسها في بعض المساحات النسوية بعد إعلان التشكيلة الحكومية الأخيرة. وهذه مقاربة تسطّح روحية الفلسفة النسوية. وحين تتبناها النسويات ومنظمات يفترض أنها نسوية، تتعمق الهوّة بين هذه الفلسفة والرأي العام، ويستمر سوء فهم هذه الفلسفة وتسخيفها وتصغيرها من اتجاهٍ سياسي وايديولوجيا ترمي إلى إعادة تخيل علاقات السلطة في المجتمع لنصرة الأكثر هشاشة، وإلى هدم البنى الإقصائية والاستغلالية، لتصبح مجرد مطالبةٍ بمناصفة. 

لو أردنا توجيه نقد نسوي حقيقي لحكومة نجيب ميقاتي، لكان بقي عدد الوزيرات فيها، على أهميته، تفصيلاً. فالحكومة لم تأت على قدر توقعات النسويات ليس لأنها تضم وزيرة واحدة بل لأنها – وبأحسن الأحوال – ترسخ البنى الاقتصادية والاجتماعية الإقصائية والاستغلالية التي تمعن في إفقار الفقراء والمهمشين أصلاً. وبهذا المنطق، فإن أي حكومة يأتي بها هذا الطاقم ساقطة حكماً بالمعايير النسوية.

لو أردنا تفنيد هذا النقد، يمكن الحديث عن 4 مفاصل لمقاليد الحكم في البلاد، ترسخها وتعيد إنتاجها هذه الحكومة. أولاً، هي حكومة التحاصص الطائفي والعائلية السياسية. من ناحية نهج تشكيلها، تُبقي هذه الحكومة على نهج التحاصص الطائفي والعائلية السياسية المُعتمد في سائر الحكومات السابقة التي توالت على تحفيز وادارة الإنهيار، بل والاستفادة منه. تعود الطبقة ذاتها في القالب المعاد تدويره ذاته، في محاولة تجميل بائسة، حيث اختار آباء الطوائف، وفق مصالحهم ورغباتهم، رجالاً من شبكة معارفهم وعائلاتهم الممتدة ليعيّنوهم وزراء في الحكومة. الثابت الوحيد عبر الحكومات المتعاقبة هو استمرار آباء الطوائف بوظيفة حفظ حدود الطائفة واختيار من يستطيع الانضمام إليها، ومن يُحسب عليها ومن يقع خارجها. الكوتا الطائفية في السياق السياسي اللبناني تساهم في ترسيخ حالتين: ما سمته المنظّرة سعاد جوزيف “العائلية السياسية”، والسلطة الأبوية في العائلات.

فعلى سبيل المثال، سُمي وزير الاقتصاد آمين سلام بالتشارك بين كل من صهر رئيس الجمهورية ميشال عون وصهر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. من هنا، يمكن اعتبار تسمية سلام، وهو ابن بيتٍ سياسي بدوره (ابن شقيقة الوزير السابق طلال المرعبي)، طقس مرور من المصاهرة نحو حراسة هيكل الطائفة بالإنابة أو بالوكالة او بالوراثة عن الآباء الأساسيين (في هذه الحالة، ميشال عون ونجيب ميقاتي).

إقرأوا أيضاً:

تشرح جوزيف مفهوم “العائلية السياسية” ربطاً بما تسميه “عقد القرابة”. عقد القرابة هو اعتبار العضوية او الانتماء الى العائلة والوفاء لها، سابقاً للانتماء الى الدولة وأَولى منه، وهو فهم للانتماء السياسي في السياق اللبناني، حيث شكلت العائلة الممتدة لأبنائها وبناتها خلاصاً، وحمايةً وسبيلاً لتحسين المعيشة والحياة، في ظل دولة ضعيفة توالت عليها حروباً لم تستطع حماية رعاياها منها بالقدر الكافي. هذا العقد يؤهل العائلة الممتدة- التي غالباً ما يرأسها ويديرها ذكور – لأن تصبح واحة سيطرة سياسية واجتماعية على حيوات النساء وأجسادهن، ما يشكلّ حاجزاً بينهن وبين مواطنيتهن الكاملة. يفسر عقد القرابة غير المُباح هذا خروج معظم الأحزاب السياسية من عائلات، ويشرح انتقال القيادة السياسية بروابط الدمّ والوراثة من الأب إلى الإبن، وفي الحالات النادرة الى الإبنة التي غالباً ما تملأ الفراغ بعد والدها او اخيها أو زوجها بانتظار وريث.

أما العائلية السياسية، فهي استخدام المواطنين والمواطنات العلاقات والمؤسسات والممارسات العائلية لتفعيل العلاقة مع الدولة والمطالبة بالحقوق. وهي، في الوقت عينه، نهج من الحكم يستند إلى خرافة “الأخوّة”، وإلى خطاب يعطي الأولوية للعائلة على الفرد- ومن هنا مثلاً، ورود العائلة في مقدمة الدستور الأردني على أنها الوحدة التي تتعاطى معها الدولة في لغة الحقوق الواجبات. وعلى هذا الأساس، يستخدم القادة السياسيون في لبنان مفاهيم وممارسات “أخوية” في تعاطيهم مع المواطنين، ويتعاملون مع الدولة على أنها مصدر لموارد يوّزعونها على إخوانهم وجماعاتهم، ويتوّقعون أن يستخدم شركاؤهم في الحكم سلطتهم ومواردهم لتأمين مصالح جماعتهم واخوانهم. وهكذا، ينتقل مفهوم “الوفاء والإخلاص” من الحيّز العائلي إلى الحيز السياسي العام، فتتعذر المحاسبة، وتصعب المساءلة. 

 المفصل الثاني الذي يثبت تطابق هذه الحكومة مع سابقاتها هو أنها حكومة المصارف ومحتكري القرار المالي. في الحكومة الحالية أربعة وزراء على الأقل، يشغلون مناصب في مجالس إدارة مصارف بدءاً من رئيسها الذي يملك أكثر من نصف اسهم بنك عودة والذي يدأب للمحافظة على موقعه على لائحة اغنى رجال العالم في بلد يرزح أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، وصولاً إلى وزير المال، صديق حاكم المركزيّ المقرّب ووكيله وصوته في الحكومة، وفي الوفد المكّلف التفاوض مع البنك الدولي، والذي شغل منصب مدير العمليات في مصرف لبنان في العقدين الأخيرين، وهو يوسف الخليل. وعليه فإنه من غير المُستغرب أن تكون إحدى مهمات هذه الحكومة ادارة المفاوضات مع البنك الدولي، وما يستتبع ذلك من إقرار سياسات اقتصادية نيوليبرالية قاسية، تعلن حرباً طبقيةً صريحة  على الأكثر فقراً في البلاد، تحت عناوين مُضللة كالتعافي والإنقاذ.

وفيما تصارع بعض المنظمات النسوية لحفظ حق النساء بالتمثيل السياسي، تعاني العاملات في الزراعة في مناطق لبنانية عدة من تمييز وإقصاء على مستوى مختلف. فقد حدد إعلان لبلدية الصالحية في الجنوب بشأن العمال والعاملات في قطف الزيتون، بدل الأتعاب اليومي للعمال الرجال بثمانين ألف ليرة لبنانية، وللعاملات النساء بستين ألفاً. لا يفضح هذا الإعلان مأسسة التمييز في الدخل بين الجنسين فحسب، بل يدل على ما هو أعمق- وهو التمييز في المعاملة بينهما، وترسيخ الصورة النمطية عن المرأة العاملة على أنها اضعف واقل قدرة وكفاءة، وبالتالي أقل استحقاقاً لدخل عادل. يرعى هذا النظام الذي يرغب البعض في الاستحواذ على نصف المراكز فيه، مختلف أشكال التمييز ضد النساء ومستوياته- من المساواة في مكان العمل إلى التمثيل السياسي.

نيو- بطريركية

وفي هذا السياق، يتكلم المفكر والباحث في التاريخ، الفلسطيني هشام شرابي عن النيو- بطريركية، التي نتجت عن محاولات المجتمعات العربية التقدم نحو الحداثة، وعجزها عن التخلص من ترسبات النظام الاجتماعي والثقافي الذكوري. يحكي شرابي كيف فشلت النيو- البطريركية (الذكورية الجديدة) بإنتاج فكر جديد، وكيف استغلت قدرات النساء الإنتاجية في المصانع والمعامل وضاعفت من إمكانياتهن الإنتاجية، من دون أن تُبدّل في القيمّ الفكرية والمجتمعية، فاستخدمتهن كدعمٍ للرجال لا كندّ لهم. فأُقصين من مراكز صنع القرار السياسي، وطُُمس وجودهن ومساهماتهن السياسية التاريخية والحديثة. اليوم ومع تراكم أدوار النساء وتعددها وتنوّعها، عَلت التوقعات من النساء فيما ما زلن غير مرئيات على المستوى السياسي، ولا حتى استحققن مداخيل مالية مساوية لمداخيل الرجال مقابل العمل نفسه.

 مفصل النقد النسوي الثالث للحكومة هو ترسيخ نهج إعفاء القضاة المُرتهنين من المسؤولية، ومكافأة المتحرشين جنسياً بالمناصب الوزارية. وبالتالي تكريس الإفلات من المحاسبة كممارسة مُحبذة داخل الدولة. في الحكومة قاضيَان سابقان، شغل كل منهما مناصب استشارية ومواقع مقرّبة من أحد رجال السلطة. اشتهر وزير الداخلية بسام المولوي مثلاً في السنوات الماضية بتسهيل قيام فندق “إيدن باي” لصاحبه محمد عاشور، مكرساً سياسة قضم الأملاك البحريّة العامة والاعتداء العلني عليها. وبالتالي، كان مُتوقعاً منه أن يرفض أن تبلغ عناصر قوى الأمن الداخلي، المُستدعين إلى التحقيق في جريمة انفجار المرفأ، عدا عن أنباء تم تداولها عن قضايا تحرش ضد أحد الوزراء في الحكومة الراهنة.

 المفصل الأخير للنقد النسوي للحكومة هو طابعها الفاشي وتبشيرها بعهدٍ مقبل من كمّ الأفواه وقمع الحريات. فقد سبق لوزير الإعلام جورج قرداحي أن أبدى إعجابه بكل طغاة انطاكيا وسائر المشرق، من بشار الأسد مرورا بحسني مبارك وصولاً إلى أمراء الخليج. وفي محاولة لترجمة قيّمه في الوزارة التي عُهدت إليه، أعلن أنه  يطمح إلى تشكيل لجنة إشراف على المحتوى الذي تنشره وسائل الإعلام – قبل نشره. وحتى لا يضّيع الوقت، وفي أولى إطلالاته بعد تشكيل الحكومة، سارع إلى إصدار الأوامر لوسائل الإعلام بعدم استضافة “المبشرين بالجحيم”.

لذلك، فإن اعتماد المقاربة الكوتاوية- العددية لتوجيه انتقادات نسوية لهذه السلطة غير مُجدٍ، ولا يساهم في الدفع بالقضية إلى الأمام، إنما يسطحها، وغالباً ما يخدم الطغاة الذين نشأت النسوية أصلاً لكسر هيمنتهم. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!