fbpx

التعليم في لبنان رفاهية…
مليون تلميذ وطالب مرشّحون إلى التسرّب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“إيجار السرير في غرفة مشتركة نحو 700 ألف ليرة، وأحتاج إلى 200 ألف ليرة أسبوعياً لأنزل من قريتي إلى بيروت وأعود في آخر الأسبوع. هذا عدا مصروفي الشخصي وتنقلي داخل بيروت والكتب والقرطاسية. والدي موظف في شركة، كيف سيؤمن حاجاتي التي تفوق راتبه؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يباشر طلاب لبنان عاماً دراسياً صعباً آخر، فما فعلته جائحة “كورونا” بهم في العامين الفائتين، يبدو أن الأزمة الاقتصادية ستضاعفه. وتبدو الأزمة حالكة بالنسبة إلى التعليم الرسمي المهمل أصلاً، وخصوصاً الجامعة اللبنانية، التي تضم أكثر من 80 ألف طالب يتوزعون على فروعها الـ76. فبعد 70 عاماً على تأسيسها تواجه الجامعة اللبنانية أزمات متشعبة من ضعف موازنتها إلى الفوضى، وصولاً إلى التدخلات السياسية والمحاصصات، وأخيراً إضراب أساتذتها. وإذ كان يفترض أن تكون الجامعة اللبنانية ملاذ الفقراء والطلاب الذين باتوا عاجزين عن دفع أقساط الجامعات الخاصة، مع تدهور قيمة الليرة اللبنانية، إلا أن الجامعة الرسمية تبدو في حالة يرثى لها، ولا معلومات واضحة عن مصير العام الدراسي. هذا ويستمر أساتذتها في إضرابهم المفتوح اعتراضاً على انخفاض قيمة رواتبهم، فيما يبدو مستقبل الطلاب معلّقاً بلا حلول، وهم اليوم يواجهون أزمات جمّة من كلفة النقل إلى ارتفاع سعر الورق والقرطاسية والكتب. علماً أن رابطة العاملين في الجامعة أعلنت تعليق إضرابها، بعد لقائها برئيس الجامعة الجديد الدكتور بسام بدران. وكذلك علّق أساتذة المدارس الرسمية إضرابهم، ليفتحوا أبواب صفوفهم على مجهول حقيقي في ظل الأزمات المتلاحقة والتي ما زالت بلا حلول ولا أفق.

“لا نعرف متى سنبدأ الصفوف وإن كانت ستبدأ أصلاً. نتائج الدورة الثانية لم تصدر بعد ولا نحصل على أجوبة شافية حين نراجع الإدارة. إنها سنة تخرّجي وأخشى أن أخسرها بعد كل ما عانيناه في السنتين الماضيتين من إضرابات وتعليم من بعد”، تقول نتالي، طالبة في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية.

الطلاب النازحون

منذ عشرات السنوات، يسلك سكان البقاع والشمال والجنوب والجبل طريق بيروت للتعلّم في الجامعة اللبنانية، لعدم توفر الاختصاصات التي يريدونها في الكليات الموجودة في مناطقهم، وكونهم عاجزين عن تحمّل أقساط الجامعات الخاصة. إنه مصير اعتادت عليه الأجيال، يستأجر الطلاب غرفة أو سريراً في غرفة مشتركة قرب الكلية، ليرتادوا صفوفهم، ثم يعودون أسراباً في نهاية الأسبوع إلى قراهم، ويرجعون إلى العاصمة مساء الأحد. أو يضطرون إلى المجيء يومياً من قراهم باتجاه كلياتهم البعيدة ويعودون مساء منهكين. لكن تلك المعاناة تبدو رفاهية الآن، إذا ما قورنت بما ينتظرهم هذا العام، مع أزمة البنزين الذي تجاوز سعر صفيحته الـ300 ألف ليرة وغلاء الإيجارات، مقابل بقاء رواتب أهاليهم على حالها.

ما زالت سهى تنتظر نتائج امتحانات الدورة الثانية، (حتى كتابة هذا التقرير)، إلا أنها لا تعرف إن كانت ستستطيع متابعة تعليمها في كلية العلوم- الفنار، “أنا أعيش في قرية بقاعية وجامعتي في بيروت، وأتكبّد إيجار غرفة وكلفة مواصلات، وحتى الآن لا أعرف ماذا سيكون مصيرنا وإذا كنت قادرة على تحمّل كلفة تعليمي، وإن كنت طالبة في الجامعة اللبنانية المجانية”. وتضيف: “إيجار السرير في غرفة مشتركة نحو 700 ألف ليرة، وأحتاج إلى 200 ألف ليرة أسبوعياً لأنزل من قريتي إلى بيروت وأعود في آخر الأسبوع. هذا عدا مصروفي الشخصي وتنقلي داخل بيروت والكتب والقرطاسية. والدي موظف في شركة، كيف سيؤمن حاجاتي التي تفوق راتبه؟”.

يقف الطلاب النازحون وحدهم في هذه العاصفة، ويشاركهم هذا البؤس أساتذتهم المضربون عن العمل. يقول محمد وهو أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية- الحدث، إن راتبه بات يساوي 200 دولار، “حين كنت أدرّس في جامعة خاصة كنّا نسعى للتفرغ في الجامعة اللبنانية، على أساس أن هذا الحل لتأمين مستقبلنا واستقرارنا. والآن ماذا؟ هل علي أن أفكّر بالهجرة أنا وعائلتي بعد 20 عاماً أمضيتها أحارب للبقاء في الوطن ونقل خبرتي ومعارفي إلى طلابي؟”.

الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية تبنت توصية تقضي «بعدم بدء عام جامعي جديد، وبوقف كل الأعمال الأكاديمية ابتداء من الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، إلى حين تصحيح الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأستاذ الجامعي»، على رغم تطمينات إدارة الجامعة ببدء السنة الدراسية وعدم إضاعة العام على الطلبة.

في المقابل، وافق وزير التربية عباس الحلبي، على إعطاء أساتذة التفرغ والملاك في الجامعة اللبنانية مساهمة مالية مقطوعة لتجديد المستلزمات التقنية الخاصة بهم، وإعطاء المستفيدين من صندوقَي تعاضد الأساتذة والعاملين مساهمة مالية لتغطية فروق الاستشفاء وأدوية الأمراض المستعصية والمزمنة، وذلك ضمن حدود الوفر المتاح المحقّق في الـ70 في المئة من قيمة مشروع إجراء فحوصات الـPCR للوافدين إلى لبنان عبر مطار بيروت الدولي والمعابر البرية. لكنّ هذه المساعدة غير كافية بحسب أوساط الأساتذة الجامعيين ولن تثنيهم عن مواصلة إضرابهم المشروع، ما يعني استمرار تأجيل بدء العام الجامعي إلى ما شاء الله.

إقرأوا أيضاً:

بورصة الأقساط…

أزمة التعليم الجامعي تشمل جميع الطلاب الذين يصل عددهم إلى 200 ألف، يتوزّعون على عشرات الجامعة، وتمكن إضافة تلاميذ المدارس إلى هذا المأزق، والذين يصل عددهم إلى مليون طفل تقريباً، يواجهون مشقات حقيقية في القرطاسية والنقل وغلاء الأقساط.

بالعودة إلى الجامعات، تنسحب شكوى الجامعة اللبنانية على تلك الخاصة أيضاً وإن كانت تختلف في التفاصيل. فمع ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني، بات دفع الأقساط مسألة بغاية التعقيد، فإما أن تدفع الأقساط بالدولار أو أن وضع الأساتذة فيها سيكون تماماً كوضع أساتذة الجامعة اللبنانية، أي أنه لا يساوي شيئاً. وتختلف تسعيرة الدولار بين جامعة خاصة وأخرى، فلا تسعيرة نهائية، ما يشير إلى أن كلفة التعليم مرشحة إلى الارتفاع، مع غياب الرقابة والقرار الرسمي.

تساعد جمعية “نحن واحد” طلاب المدارس والجامعات في جزء من الأقساط والتكاليف المتزايدة، إذ توضح رئيسة الجمعية سعاد غاريوس لمعدة التحقيق أن “الحاجة إلى المساعدة ارتفعت هذا العام بشكل كبير، من طلاب الجامعة اللبنانية العاجزين عن تحمل كلفة التسجيل، إلى طلاب الجامعات الخاصة الذين ارتفعت تسعيرة المواد (المقررات) بنسب متفاوتة، وبالتالي زادت أعباء العام الدراسي”. وتضيف: “نحن نساعد حوالى 150 طالباً، عبر التبرعات التي تأتينا، لكننا حقاً لا نستطيع تأمين كل المتطلبات، كلفة المواصلات وحدها باتت تساوي ثروة. هذا العام الوضع سيئ جداً. الطلاب باتوا يفضلون السفر والتعلم في جامعة رسمية في الخارج ويجدون عملاً ويدبرون أمورهم، لأن التعليم في لبنان بات صعباً”.

وقد نبهت دراسة صادرة عن “مرصد الأزمة” في الجامعة الأميركية ببيروت، إلى أن الأزمة اللبنانية المتداخلة، وتداعياتها اليومية على كل جوانب العيش، تنذر بعواقب طويلة الأمد من خلال الهجرة الكثيفة المتوقعة، حتى أن مؤشراتها بدأت في الظهور. وأشار التقرير إلى أن “لبنان يشهد منذ أشهر ارتفاعاً ملحوظا في معدلات الهجرة والساعين إليها، مما يجعلنا ندخل في بداية موجة هجرة جماعية هي الثالثة بعد الموجة الكبيرة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر، حتى فترة الحرب العالمية الأول”. وجزء كبير من هؤلاء هم طلاب ضاق بهم النظام التعليمي اللبناني وباتت الهجرة ملاذهم. 

رولان الحلو تخرّج من الجامعة اللبنانية قبل سنتين، لكنه يقدّم الآن أوراقه إلى جامعات أوروبية، محاولاً إيجاد فرصة لمتابعة دراساته العليا، يقول: “لم أجد عملاً مناسباً في لبنان، أفضل راتب عرض علي هو مليونا ليرة، لذلك أحاول مغادرة البلد إلى بلجيكا أو فرنسا، هناك يمكن أن أكمل تعليمي وأجد عملاً يوفّر مصاريفي”.

في المقابل، “ترتفع نسبة الطلاب الذين يحاولون الحصول على المساعدات الاجتماعية والمنح التعليمية لمواصلة سنواتهم الدراسية في لبنان”، كما تقول الطالبة والناشطة صبا مروة (الجامعة الأميركية في بيروت). وتضيف: “إنما  حتى المستفيدون من هذه المساعدات، يتحملون تكاليف كثيرة أخرى من المواصلات إلى القرطاسية وسواها. فشراء ساندويش بات يحتاج إلى ميزانية”.

هكذا، في غياب القرار السياسي وتدهور الوضع المالي والاقتصادي، يبدو التعليم في لبنان رفاهية لا يستطيع كثيرون إليها سبيلاً، فماذا ينتظر الأجيال الحالية؟ وماذا ننتظر منها؟ قتل الفكر وتهجيره، مشروع تدميري، يؤدي حتماً إلى خروج شبان وشابات بلا وجهة إلى العالم، وفي ظل البيئة الفاسدة، قد لا يجد هؤلاء أمامهم سوى الهجرة أو التشتت أو الجريمة…

*هذا الموضوع تم إنتاجه بدعم من برنامج النساء في الأخبار التابع للمنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء “وان-ايفرا”.

إقرأوا أيضاً: