fbpx

النبيذ والعرق يرفعان كأسيهما عالياً
في وجه الأزمة اللبنانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم أن الانهيار الاقتصادي يُسقط معه كل شيء من صناعات ومشاريع واستثمارات، لكن النبيذ والعرق اللبنانيين يصارعان وسط هذه الفوضى، رافعين كأسيهما عالياً في وجه الأزمة. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يرتبط اسم النبيذ بالتاريخ اللبناني كارتباطه بالجو الشاعري، كما هو حال ارتباط شقيقه العرق بالثقافة اللبنانية وتربّعه شبه الدائم على عرش الموائد اللبنانية ضمن المجتمعات التي تبيح شرب الكحول. بيد أن المشروبين المستخرجين من العنب مهددان بتراجع جودتهما مع اشتداد عوامل المناخ المتغيّرة واستمرار الانهيار الاقتصادي في لبنان. 

يواصل الانهيار الاقتصادي سقوطه الحر من دون توفّر أي قوة تلجمه عند حدّه، الأمر الذي ضرب معظم قطاعات لبنان، بيد أن منتج النبيذ تحديداً يرى شبه استقرار في نجاحه من ناحية المبيعات والجودة مع وجود أكثر من 40 مصنّعاً محلياً، واستمرار عملية إنتاج نحو 9 ملايين قنينة عام 2021، مع تصدير أكثر من النصف الى الخارج، بحسب اتحاد مصنّعي النبيذ اللبنانيين، وتبلغ قيمة هذا القطاع ما يقارب 500 مليون دولار، مع غياب الأرقام الدقيقة للأرباح لعدم عرض الشركات ذلك بسبب المنافسة في ما بينها. 

في موازاة ذلك، نحو مليوني زجاجة عرق سنوياً، تنتجها شركات متخصصة بالكحوليات، لتباع الكمية الأكبر منها في السوق المحلي اللبناني، مقابل تصدير 20 في المئة من المنتوج إلى الخارج بقيمة إجمالية تصل الى أكثر من 3 ملايين دولارات، وبكمية أقل بكثير ضمن المنازل للاستهلاك الشخصي. إنه سلاح لطيف يحمله الكثير من اللبنانيين في وجه الحروب التي تعصف بهم، سلاح يساعدهم لمواصلة التبسّم وإن مرّة في الأسبوع، ومواصلة القتال الطويل من أجل لقمة العيش وشيء من الكرامة.

تغير المناخ والعنب اللبناني

في دراسة هولندية بعنوان “تأثير التغير المناخي على الصناعة العالمية للنبيذ: الصعوبات والحلول” صدرت عام 2014، يعتبر العنب من أكثر الفواكه تأثراً بعوامل المناخ وأساليب الزراعة المختلفة. ومع قلة الأمطار في الربيع وقساوة الحرارة في الصيف، إضافةً إلى اشتداد غزارة الأمطار وحبات البَرَد، وحدوث الحرائق، فإن محاصيل العنب إما تندثر أو يتأثّر مذاقها، ما يرتد على جودة النبيذ (والعرق في حالة لبنان). 

بدأ المزارعون في الدول المصنّعة للنبيذ، بحسب الدراسة الهولندية، يلاحظون التغيّر في الجودة منذ التسعينات، وذلك يعود إلى ارتفاع نسب ثاني أوكسيد الكربون وتأثيرها في نسبة السكر في العنب وانخفاض نسب الحموضة، ماينعكس على طعم الفاكهة وعطرها. 

وفي لبنان، يقول أنطوان الحويّك، رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين، إن الوضع حالياً “تحت السيطرة ولا يزال طقسنا مناسباً لزراعة العنب”، مشيراً إلى أن “نسبة الحلاوة في العنب تقرر إذا ما كان المنتج جيداً أم لا، وبإمكان صاحب الكرم أو الخمارة أن يحصد العنب قبل أن يصبح منتجاً حلو الطعم”، وبالتالي لا ينفع في تصنيع النبيذ والعرق. 

ويطمئن الحويك إلى أن عامل المناخ لم يضرب إنتاج العنب في الكروم بشكل كبير، لأن طقس لبنان “ناشف، ولم يتأثر الموسم كثيراً من الطقس على رغم صعوباته الكبيرة. وبذلك لم تندثر الزراعة في الكروم فالطقس لا يزال مناسباً للعنب”.

بهاء قضماني، صاحب معصرة عنب في راشيا، يشتري ما يتكدس من عنب لم يتم تصريفه في الأسواق، يوضح لـ”درج” أن العنب تتغير جودته “لأن السنة الحالية كانت الأمطار خفيفة وأثّرت في نوعية العنب، والطقس الحار في الصيف كان أثره سلبياً، ما أدى إلى تراجع الإنتاج، كما أن النوعية كانت سيئة نوعاً ما”، مشيراً إلى أن الكروم حملت عناقيد أقل من السنوات الماضية، وبعضها عانى من أمراض أكثر، “ويمكن أن يكون ذلك متعلقاً بالتغيّر المناخي الذي يتسبب بخروج حشرات مضرة بالمزروعات بشكل أكبر أو نقص في الأدوية الزراعية بسبب غلاء سعرها لارتباطها بسعر الدولار”. 

إقرأوا أيضاً:

الأزمة الاقتصادية

لا يغيب تأثير الأزمة الاقتصادية عن إنتاج النبيذ والعرق، ولو كان أقل وطأة على المشروبين من العوامل المناخية، فعلى رغم ارتفاع الأسعار مع استمرار الانهيار الاقتصادي، إلا ان مبيعات النبيذ والعرق المحلي ارتفعت نظراً لتوفرهما بكثرة وسعرهما المقبول مقارنة بأصناف الكحول الأجنبية التي تراجع الطلب عليها بسبب غلاء أسعارها، إضافة إلى جودتهما المستقرة، خصوصاً النبيذ الذي يرقى الى مستويات دولية منذ سنوات: “النبيذ والعرق حافظا على مستويهما وجودتهما وسعرهما تقريباً (ارتفاع بنحو 10 إلى 20 في المئة بحسب الشركة والمنتج)، بسبب إمكانية التصدير إلى الخارج، ما يساعد المنتج في الحفاظ على سعره وعلى استهلاكه، “خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع نسب مبيعات النبيذ تحديداً لتعدد المناسبات، وانخفاض نسبة استيراد الكحوليات الأجنبية في الآونة الأخيرة. هذا الأمر فتح فرصاً للمنتجات الكحولية المحلية كالنبيذ والعرق، فارتفعت نسبة استهلاكها إلى 60 في المئة من الكحوليات مقارنة بنسبة بـ10 في المئة ما قبل الأزمة”، كما يؤكد حويّك. 

هذه المعطيات يؤكدها جورج حصروتي وهو أحد مصنّعي العرق والنبيذ في قضاء جزين: “المبيعات لم تختلف كثيراً، ففي فترة الإغلاق العام بسبب انتشار فايروس كورونا المستجد كان الاستهلاك المنزلي للنبيذ والعرق أكبر، لأن الأسعار كانت مقبولة مقارنة بأسعار الكحوليات الأخرى كالويسكي والجين المستورد”.

ويقول حصروتي إن ارتفاع أسعار النبيذ والعرق اللبنانيين مفهومة وطبيعية: “العنب المخصص للعرق أصبح سعره 6000 ليرة فيما كان يباع بـ1000، كما أن الأسمدة والمبيدات واليد العاملة ارتفعت كلفتها بسبب الأزمة، وأصبح علينا أن نرفع سعر المنتج لنؤمن لقمة عيشنا”. 

قضماني يوضح أن الكثير من المزارعين لم يستطيعوا في آب/ أغسطس  تشغيل مضخات المياه لسقي العنب خلال موجة الحر القاسية التي مرّت على لبنان، إما بسبب شحّ المحروقات أو لغلائها لتشغيل المولدات أو حتى للوصول الى الأراضي الزراعية، وذلك خلال الأزمة التي تسببت بها سياسات الحكومة وخضوعها لكارتيلات مستوردي المحروقات وأصحاب محطات الوقود، ما أدى الى ضرب المحصول والتسبب بخسائر للمزارعين، خصوصاً مع غياب أي سياسات رسمية ونقابية لحمايتهم والتعويض عنهم، مع غياب الإرشاد الزراعي، والتسليف، والحماية، والتنظيم، إضافة إلى سياسات الحكومات المتعاقبة التي لطالما كانت بعيدة كل البعد من تعزيز قطاع الزراعة والصناعات المحلية لمصلحة الخدمات والسياحة. 

في المحصّلة، على رغم أن الانهيار الاقتصادي يُسقط معه كل شيء من صناعات ومشاريع واستثمارات، لكن النبيذ والعرق اللبنانيين يصارعان وسط هذه الفوضى، رافعين كأسيهما عالياً في وجه الأزمة. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.