fbpx

“حميت رأسي بطنجرة”…
صحافيات تحت القصف في حرب غزّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“على رغم تدمير مكتبنا، لم نتوقف للحظة واحدة عن العمل طوال فترة الحرب التي امتدت 11 يوماً، على رغم أن زميلتي اضطرت إلى إخلاء منزلها الذي تضرر بشكل كبير جراء القصف”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ظروف استثنائية ومرعبة، غطت صحافيات فلسطينيات الحرب الرابعة على غزّة، ومن فوق الدمار حاولن تقديم صورة مهنية وحقيقية عن المأساة ويومياتها. في هذا التحقيق نستعرض قصص ثلاث صحافيات، عشن تلك الحرب وشاركن في توثيقها عبر الصورة وعبر الكلمة…

الحرب تصنع صحافييها

“فاجأتني ابنتي الصغرى باتصال تخبرني فيه فيه أن صاروخاً إسرائيلياً تحذيرياً نزل على الطبقة العلوية من العمارة التي أسكنها، بينما كنت أمام ثلاجة الضحايا لالتقاط صورة لجثمان امرأة وصل للتو إلى مُستشفى الشفاء المركزي غرب مدينة غزة. توقفت عن التفكير للحظات لا أعلم ماذا أفعل. لكن، الزملاء الصحافيين على الفور أحضروا سيارة أجرة أوصلتني إلى أبنائي الذين وجدتهم في الشارع، فعلمت أنهم على قيد الحياة، تنفست الصعداء وحمدت الله كثيراً”، بهذه الكلمات استهلت المصورة الصحافية سمر أبو العوف، حديثها عن أصعب اللحظات التي لن تمحى من ذاكرتها خلال تغطيتها الحرب الرابعة على غزة.

تضيف سمر بصوت حزين: “طوال الـ11 يوماً من الحرب على غزة، لم يفارقني هاجس أن أقوم بتصوير شخص أعرفه تحت الأنقاض أو في ثلاجات المستشفيات”.

تصمت للحظات، وتستذكر ليلة قصف الطائرات الإسرائيلية شارع الوحدة الذي يعد العصب التجاري لمدينة غزة، ويقع في حي الرمال، أحد أرقى الأحياء، “كانت ليلة مخيفة وحزينة، لكنني هرعت للتصوير مشياً بمجرد انتهاء القصف. وعلى رغم أن المكان يبعد أمتاراً قليلة من مستشفى الشفاء حيث كنت؛ لكن جميع سائقي سيارات الأجرة رفضوا إيصالي إلى المكان، لخطورة الوضع”.

“حين وصلت كانت المفاجأة، بيوت بأكملها نزلت على رؤوس ساكنيها، ومن بينهم أبناء عمومتنا بيت الدكتور أيمن أبو العوف الذي عاد من عمله في مستشفى الشفاء ليمضي الليلة في بيته بعد أيام عمل متواصلة”.

“لماذا لا تجلسين إلى جانب أبنائك؟ ماذا تفعلين في منتصف الليل في المستشفيات، والشوارع خالية سوى من سيارات الإسعاف والدفاع المدني؟كثيراً ما طرقت مسامعي هذه الأسئلة المزعجة، لكن لا وقت لدي للإجابة فواجبي المهني أهم”. تروي سمر أن أكثر ما كان يشغل فكرها خلال الحرب، كيفية الوصول إلى المناطق الحدودية التي تشتعل جراء حزام ناري إسرائيلي؛ لكشف أنفاق المقاومة الفلسطينية من خلال استخدامه طائرات الـF35، التي تدعو الله ألا تعود الحرب، كي لا تسمع صوتها مرة أخرى.

“طوال الـ11 يوماً من الحرب على غزة، لم يفارقني هاجس أن أقوم بتصوير شخص أعرفه تحت الأنقاض أو في ثلاجات المستشفيات”.

” غياب التهدئة الإنسانية طوال الحرب، حرمني الوصول إلى تلك البيوت التي سوّيت على رؤوس ساكنيها، وإلى المواطنين الذين خرجوا في طوابير، وكأن التغريبة الفلسطينية عادت من جديد”. وتستدرك: “لكن بعدما هدأت الحرب، عدت لتوثيق قصص الضحايا، وكانت قصص العائلات التي مُسحت من السجل المدني بعد قصف البيوت على رؤوس ساكنيها، الأكثر إيلاماً ولن تمحى من ذاكرتي”.

“لا أحد يتمنى الحرب والخراب لأجل التصوير، لكن غزة البقعة الساخنة، التي توالت عليها أربع حروب، عملت على تغيير شخصيتي الصحافية للأفضل، علّمتني تقدير مشاعر أهالي الضحايا والجرحى، فأنا أول من يعيش مشاعر الفقد والمواساة معهم، نعم الحرب تصنع الصحافي وتصقله”.

في الوقت نفسه، تشير سمر إلى صعوبات تواجهها في عملها: “جرأتي في التغطية تصطدم بفقر الإمكانات المادية، فأنا مصورة حرة، ما يحد من فرصي في التغطية؛ على رغم أنني أثبتّ جدارتي في الميدان وشاركت في المعارض الصحافية وحصلت على 17 جائزة صحافية”.

“خلال تغطيتي مسيرات العودة بالقرب من الحدود الشرقية لقطاع غزة مع إسرائيل التي استمرت من 31 آذار/ مارس 2018 حتى 31 آب/ أغسطس 2019، لبست طنجرة على رأسي وكتبت عليها T.V، ولففت جسمي بكيس نايلون، من أجل حماية نفسي أثناء التغطية”.

تتنهد بصوت حزين: “كثيراً، ما منعني عدم توفر أجرة المواصلات من الذهاب إلى الحدود، في بعض الأحيان كنت أطلب من الزملاء الصحافيين، مشاركتهم في السيارات التابعة للوكالات المحلية والدولية؛ كي أتمكن من التغطية. كان ذلك يحزنني من الداخل، لكنه لم يمنعني عن مواصلة عملي متحديةً الظروف”. وتضيف: “في الحرب الأخيرة عملت مع جريدة نيويورك تايمز، لكنني الآن مصورة حرة، ما يفرض عليّ تحديات ويفقدني شعوري بالأمان والاستقرار المادي والأمني”. 

إقرأوا أيضاً:

البوابة 24… حلم حطمته الحرب

“البوابة 24، الانطلاقة الجديدة لنا في مسيرتنا الصحافية، أنا وزميلتي أمنية أبو الخير، بعد الاستغناء عنا في الموقع الإخباري الذي عملنا فيه 15 عاماً، مقابل أجر زهيد… لكن الطائرات الإسرائيلية، حطمت حلمنا الذي انطلق في شباط/ فبراير 2021″، تقول الصحافية ميسون كحيل، مؤسسة موقع “البوابة 24”.

بابتسامه مغلفة بحزن عميق تضيف: “صمود قوارير الزهور بخاصة الصبار والكلاشنو المعلقة على شباك المكتب في الطبقة الخامسة، والتي كانت تعتني بها زميلتي أمنية؛ بعد قصف برج الجوهرة في شارع الجلاء وسط مدينة غزة، جعل الأمل يكبر في داخلي، المكتب بخير وسيقتصر الأمر على إصلاحات قليلة وسنعود من جديد”.

“لكن، حين وصلنا أمنية وأنا إلى مدخل البرج، لم نستطع التعرّف إليه من شدة الدمار الذي أحدثه القصف. بأعجوبة صعدنا الدرج الذي أخفت معالمه الأتربة والحجارة وأسياخ الحديد التي انتشرت بشكل عشوائي، ووصلنا أخيراً إلى المكتب الذي وجدناه خربة، انقبض قلبي. نظرت إلى الوراء وغادرت المكان بصحبة زميلتي والحسرة تتملكنا”.

تقول بكل ثقة وفخر: “على رغم تدمير مكتبنا، لم نتوقف للحظة واحدة عن العمل طوال فترة الحرب التي امتدت 11 يوماً، على رغم أن زميلتي اضطرت إلى إخلاء منزلها الذي تضرر بشكل كبير جراء القصف”.

وتضيف: “في إحدى المرات، عندما اشتد القصف بالقرب من منزل أمنية، في جباليا شمال غزة، نزلت إلى بيت الدرج وهي تحتضن اللابتوب، وبقيت على تواصل معي لنشر المستجدات العاجلة؛ حتى نفدت البطارية، لأقوم بمواصلة العمل، حتى لا يتوقف الموقع عن العمل للحظة”.

لكن التحدي الأكبر الذي واجهنا بعد نهاية الحرب، كان استحالة العمل من المكتب، بعد قرار وزارة الإسكان والأشغال العامة في غزة، إزالة برج الجوهرة، “فاضطررنا للعمل من الكافيهات على رغم التكلفة الباهظة؛ بسبب تعذر وصول الكهرباء والانترنت إلى منازلنا، فالحرب دمّرت البنية التحتية في غزة”، تقول ميسون، مضيفة: “نقابة الصحافيين سمحت لنا بالعمل من مقرها، لكننا فضلنا العمل من منزلنا، على رغم سوء خدمة الانترنت والكهرباء وفقدان معظم أجهزتنا خلال الحرب”. تختم ميسون حديثها: “انتهت الحرب، وبدأنا حرباً أخرى كصحافيات يعملن في بيئة ذكورية، ويشعرن بعدم الأمان والاستقرار. كما أن مستحقاتنا ذهبت لترميم المكتب الذي دمرته الحرب، وبقي مصيرنا مجهولاً في ظل توقف عجلة الإعمار في غزة؛ بسبب المماطلة والابتزاز”.

“كنت، خلال اليوم أعود إلى المنزل أكثر من مرة للاطمئنان على طفليّ، ووالدي لأنني وحيدته، ومن ثم أعود إلى عملي”.

الصحافة والأمومة…

“شعرت في أوقات كثيرة بانعدام الأمان، بخاصة بعد استهداف مواقع صحافية فالحرب دمرت 20 مؤسسة صحافية؛ ولكن، ما كان يدفعني للمضي قدماً والقبول بكل متطلبات القناة التي أعمل فيها، هو شعوري بالمسؤولية الصحافية تجاه ما يحدث على الأرض في مدينة غزة، وأيضاً قلة التغطية الإخبارية باللغة الإنكليزية من غزة”، تقول نور الحرازين، مراسلة شبكة تلفزيون الصين العالمية GGTN.

“خلال الحرب كان يومي يبدأ عند الرابعة فجراً، حين كانت تبث أولى النشرات الإخبارية الصباحية في القناة التي أعمل فيها، كنت ملزمة بالظهور لمتابعة التطورات الجديدة، ومن ثم أقوم بكتابة نص التقرير التلفزيوني الأول خلال اليوم” تروي نور.

وتضيف: “أتابع التطورات مع القناة، إما بالظهور في بث مباشر أو عبر التقارير المصورة. كنت، خلال اليوم أعود إلى المنزل أكثر من مرة للاطمئنان على طفليّ، ووالدي لأنني وحيدته، ومن ثم أعود إلى عملي”.

وتردف: “كنت أبقى لساعات متأخرة من الليل في المكتب ومن ثم أعود إلى المنزل بعد منتصف الليل؛ كي أنال قسطاً قليلاً من الراحة، التي كانت تنغصها أصوات الانفجارات والغارات الإسرائيلية التي كانت تتكثف خلال فترة الليل”.

تؤكد نور، عدم رفضها أي تكليف بالتصوير ليلاً أو نهاراً، على رغم تعرضها لنوبات من الخوف والقلق من التحرك في هذه الأوقات الحساسة، حيث لا حصانة لأحد من القصف الجوي، فشعورها بالمسؤولية كان يدفعها للعمل على رغم صعوبة الظروف.

“يصعب أن تشعر بالأمان في قطاع غزة، لا سيما في فترات الحرب، أما أصعب ما أذكره، فكان أن حرب الـ11 يوماً، شهدت قصفاً متواصلاً، لا سيما على مدينة غزة التي تعج بالسكان والمباني والأسواق، حيث أسكن”. وتختم: “انتهت الحرب الرابعة على غزة؛ إنما هناك حرب صامتة يعيشها سكانها الذين يكافحون من أجل فرصة عمل أو زواج أو سفر في مدينة مغلقة عن العالم الخارجي مُنذ 15 عاماً”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.