fbpx

تغير المناخ: الندم يقتل!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم أن تغير المناخ ليس ظاهرة معزولة، ولا توجد منطقة مستبعدة من آثاره، إلا أنه سيؤدي إلى الكثير من التفاوتات بين البلدان والمجتمعات من حيث حقوق الإنسان الأساسية مثل الحصول على الغذاء والشرب والسكن والتعليم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فيما ينتظر العالم قمة غلاسكو حول المناخ بداية الشهر المقبل (تشرين الثاني/ نوفمبر 2021) والقرارات التي تتمخض عنها بغية إنقاذ الأرض من تسخين غير مسبوق في تاريخها، ما المسؤوليات التي تقع على عاتق البلدان العربية؟ هل تنتظر وتندم في ما بعد، أم أنها تتحرك الآن وتضمن الغذاء ومياه الشرب للأجيال الآتية؟ قد لا تتجاوز الآمال القائمة على قمة غلاسكو، تعهدات أعلنتها قوى وكتل عالمية كبرى في قمة قادة العالم المناخية، التي عُقدت افتراضياً في شهر نيسان/ أبريل الماضي (2021)، برئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن، في ما خص سوق الكاربون. وتشير مواقف الدول المسؤولة عن توليد غازات الاحتباس الحراري، إلى أن التعهدات في القمة المنتظرة، تبقى في حدود ما تم الإعلان عنه سابقاً، بخاصة في ظل صعود سوق الوقود الأحفوري، وتحريك سوق الطاقة البديلة على ظهر السلحفاة. 

لقد تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة المناخ الافتراضية بتخفيض حاد للغازات الدفيئة الناتجة عن قطاعات الصناعة والنقل والطاقة والممارسات الزراعية، معلناً عن قطع 50 إلى 52 في المئة من الكاربون بحلول 2030 على المستوى الوطني. وتعهدت دول الاتحاد الأوروبي بخفض الكاربون بمقدار 55 في المئة خلال الفترة ذاتها، فيما أعلنت الحكومة البريطانية عن قطع 78 في المئة من الكاربون بحلول عام 2035. وفي الشرق الأوسط، أعلنت السعودية- أكبر مصدر للنفط في العالم- أنها تنوي خفض الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة بنسبة 30 في المئة بحلول 2030 وما زالت سياسة المواربة تُميز الصين وروسيا بهذا الشأن. 

ولكن ماذا يعني ذلك؟ وكيف تتم ترجمة القرارات “الواعدة” على الأرض، وما القطاعات التي تشملها؟ وهل يضمن قطع 50 في المئة من الكاربون إبقاء درجات الحرارة تحت 2.0 درجة مئوية، والأمثل في تخوم 1.5 درجة مئوية؟ كيف تتأثر السياسات المناخية بالتباينات الدولية بسبب الصراعات والمصالح من جهة، والتفاوت في توليد الكاربون من جهة أخرى؟ ويضاف إلى كل ذلك، السؤال عن قدرة الدول الفقيرة على مواجهة التحديات التي تواجهها من الناحية التكنولوجية والمالية والأمنية في مواجهة تغير المناخ. فبحسب التقارير العلمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وهيئة الأرصاد الجوية العالمية، حتى في حال تخفيض الكاربون إلى الصفر الآن، ستلامس درجات الحرارة 1.5 في العقود الآتية، ذلك أن الكميات الهائلة من الغازات الدفيئة التي تم إطلاقها إلى الجو جراء العمليات الصناعية والنشاط البشري منذ العصر الصناعي، ستبقى فعالة على النظام الطبيعي. يعني أن الأرض ستتعرض الى المزيد من التدهور، إنما بالوصول إلى مستوى صفر كاربون عام 2050، سيتجنب العالم الحرارة العالية، موجات جفاف قاسية، نشوب الحرائق، الزوابع والأعاصير، وتفشي الأوبئة والأمراض. ولكل هذه الأسباب يعد تغير المناخ مسألة وجودية تعرض الحياة إلى أخطار غير مسبوقة، إن لم يوضع حد لها. 

إن نطاق خفض الكاربون يشمل الطاقة بالدرجة الأساسية، ذاك أنها مسؤولة عن 73 في المئة من توليد الغازات الدفيئة، تحديداً في قطاعات النقل، الكهرباء، المباني، التدفئة، البناء، التصنيع، الانبعاثات المتسربة وغيرها، التي تعتمد على احتراق الوقود. وهذا لا يعني بطبيعة الحال نسيان الممارسات الزراعية والحراجة، والنفايات ومياه الصرف الصحي، ذلك أنها مسؤولة أيضاً عن توليد الكاربون وتدهور الأنظمة الإيكولوجية معاً. لقد نشبت معظم الحرائق في جنوب حوض البحر المتوسط والعالم جراء الممارسات الزراعية والحراجة والنشاط البشري. 

تمثل التحدي الرئيسي أمام القرارات “الواعدة” في مساعدة الدول الفقيرة من ناحية الموارد الطبيعية المتجددة من جانب والموارد المالية والتكنولوجيا الحديثة من جانب آخر، فضلاً عن المناطق التي تفتقد للاستقرار السياسي والأمني مثل الشرق الأوسط، شمال أفريقيا وبلدان الساحل الأفريقي. وفي الأساس، يعود جزء كبير من أسباب الصراعات في هذه المناطق إلى شح الموارد الطبيعية: العراق، سوريا، مالي، دارفور وتشاد على سبيل المثال. وتحتل مساعدة البلدان غير القادرة على مواجهة التغيرات المناخية منذ اتفاقية باريس حول المناخ عام 2015، مساحة كبيرة في النقاشات الدولية، بخاصة أنها تدفع أثمان الغازات الدفيئة في الجو، من دون أن تكون مسؤولة عن توليدها. وسوف تحتل المسألة ذاتها مساحة أوسع في قمة غلاسكو. 

إقرأوا أيضاً:

ماذا عن البلدان العربية؟

وفقاً للبيانات المتوفرة، إن انبعاثات معظم الدول العربية من الغازات المسؤولة عن الاحتباس الحراري لا تتجاوز 4.9 في المئة من المجموع العالمي، إلا أنها تشهد موجات جفاف بدت آثارها واضحة على الزراعة والأراضي ومصادر المياه والحياة العامة، فضلاً عن ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة. وقد بدت الملامح الأولى لخريطة العالم العربي البيئية في تقرير أصدره معهد مصادر العالم بتاريخ 25/8/2015 حيث احتل 14 بلداً في الشرق الأوسط صدارة لائحة 33 بلداً في العالم، تواجه شح مياه حقيقياً في العقود المقبلة. وأشار التقرير إلى أن الإدارة السيئة والتبذير والازدياد السكاني، هي عوامل إضافية لموجات الجفاف العنيفة التي تضرب المنطقة جراء تغير المناخ، ناهيك بتحديات إقليمية تواجه الدول الواقعة في مصبات الأنهار كما في حالة سوريا، العراق، الأردن، مصر، سودان. 

ويشير تقرير أصدره المجلس النرويجي للاجئين في شهر آب/ أغسطس 2021 إلى أن أكثر من 12 مليون شخص في سوريا والعراق لا يملكون القدرة على الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض مستويات الأمطار والجفاف. وتضاف الى ذلك سياسات حبس المياه في نهر فرات الدولي من قبل تركيا، الأمر الذي أدى الى انخفاض نسبة المياه في النهر في سوريا والعراق أكثر من خمسة أمتار وتوقف الكثير من محطات الري عن الخدمة. 

فضلاً عما تم التطرق إليه، ستتأثر أقاليم عربية بارتفاع مستوى سطح البحر، وقد تترتب عنه هجرات داخلية بحثاً عن السكن والغذاء والشرب. 

لا يستبعد أن يؤثر ذلك في مجمل المنطقة بسبب فقدان الأراضي، ما يهدد بالمزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بلدان مثل العراق ومصر ولبنان. 

وبحسب مركز المناخ والأمن، يمكن أن يؤدي ارتفاع منسوب المياه إلى اختفاء التراث الثقافي وإحداث نوع من الدمار في كل من مصر والعراق. 

قصارى الكلام، أن التقصير في مواجهة احترار الأرض، سيكلف العالم أضراراً هائلة، فضلاً عن أخطار أمنية ستترتب عن موجات لجوء غير معهودة لسكان المناطق المتضررة، بحثاً عن مصادر العيش والأمان. وقد يندلع اللهيب من شرارة المناخ من تلك المناطق، إن لم يحرك العالم ساكناً. 

إن نطاق خفض الكاربون يشمل الطاقة بالدرجة الأساسية، ذاك أنها مسؤولة عن 73 في المئة من توليد الغازات الدفيئة، تحديداً في قطاعات النقل، الكهرباء، المباني، التدفئة، البناء، التصنيع، الانبعاثات المتسربة وغيرها.

تالياً، يقتضي الواقع البيئي المعاش في البلدان العربية، خطة تمكن تسميتها خطة مارشال البيئية، ذلك أنها وعلى رغم مسؤوليتها عن جزء قليل من انبعاث الغازات الدفيئة، تشهد تدهوراً بيئياً خطيراً من ناحية التصحر، فقدان الغطاء النباتي، شح المياه، التنوع البيولوجي وارتفاع درجات الحرارة جراء تغير المناخ. جميع الأسئلة أعلاه، لا تمكن الإجابة عليها في قمة غلاسكو من دون تعاون إقليمي من شأنه إعطاء الأولوية لتقاسم المياه وخدمات النظام الإيكولوجي، لا سيما أن عواقب تغير المناخ مترابطة إقليمياً. انخفاض هطول الأمطار، الذي يُتوقع أن يشكل تحدياً خطيراً للمنطقة، في تركيا أو إيران على سبيل المثال، يؤثر سلباً في العراق وسوريا، بينما يتأثر الأردن ومصر ودول أخرى بالظروف المناخية من دول المنبع أيضاً. وقد أظهرت تجارب إقليمية وقارية في ما يتعلق بتقاسم المياه والخدمات البيئية إمكانية النجاح أكثر من المشاريع الأحادية، مثل اللجنة الدولية لحماية نهر راين في أوروبا، لجنة نهر الميكونغ جنوب شرقي آسيا وهيئة تنمية حوض نهر السنغال في غرب أفريقيا.

لذلك، ليس لدى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقت تضيعه، ولا وقت للندم بعد الأضرار أو بعد خراب البصرة كما يقول العراقيون. إن الوضع الراهن لا يطاق كما كتب رئيس جمهورية العراق برهم صالح في مبادرة مبادرة وطنية بعنوان: “إحياء بلاد الرافدين”. وتشمل مبادرة السيد صالح، التي نُشرت في صحيفة “ذا ناشيونال“، إعادة التشجير، تحديث إدارة المياه، الطاقة المستدامة، وضع حد للكربون والتعاون الإقليمي، ذلك أن تغير المناخ خطر يهدد الجميع، و”نحتاج إلى ربط خططنا الوطنية بالمبادرات الإقليمية، والتصدي لتهديداتنا البيئية والاقتصادية المشتركة”. بحسب ما جاء في المقال المذكور. 

خلاصة القول، على رغم أن تغير المناخ ليس ظاهرة معزولة، ولا توجد منطقة مستبعدة من آثاره، إلا أنه سيؤدي إلى الكثير من التفاوتات بين البلدان والمجتمعات من حيث حقوق الإنسان الأساسية مثل الحصول على الغذاء والشرب والسكن والتعليم. بإمكان البلدان أن تضع سياساتها الأحادية، وهذا سيساعد، لكن إضفاء الطابع الإقليمي على السياسات البيئية هو الحل الأكثر أهمية لما هو في نهاية المطاف مشكلة إقليمية. لتجنب الأضرار وضمان مستقبل يليق بالأجيال الآتية، تحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى استراتيجية بيئية إقليمية جديدة: إدارة المياه، الطاقة المتجددة، إعادة التحريج، خطط النقل المستدامة، إدارة النفايات وخدمات النظام البيئي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.