fbpx

السودان في مهب العسكر…
الانقلاب على الديموقراطية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

‏يبدو أن الشعب السوداني محكوم عليه بتقديم التضحيات تلو الأخرى ومعايشة أزمات اقتصادية متلاحقة، شعب يحاول جاهداً الفكاك من لعنة الحكم العسكري التي لازمته منذ الاستقلال من الحكم البريطاني إلى يومنا هذا، ولم يهنأ بحكومات ديموقراطية إلا لفترات قصيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 انقسام عميق، عدم استقرار سياسي، إخفاقات متكررة، كانت هذه أبرز سمات الوضع في السودان خلال العامين ونصف العام من عمر الحكومة الانتقالية. جولات من الاتهامات المتبادلة بين شركاء الحكم (المكون العسكري والمدني) وحالة عبثية ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد. وأصبح جلياً أن شركاء الحكم، باتوا عاجزين عن إدارة الدولة بتوافق يضع مصلحة البلاد في المقدمة.

الأحداث في الشهور الأخيرة  دلت على أن المكون العسكري يخطط لقلب الطاولة على المدني، كان القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو لا يفوتان مناسبة دون الحديث عن سوء إدارة الحكومة وعن تردي الوضع الاقتصادي وانعكاسه على المواطن مع التشديد على ضرورة حلّ الحكومة الانتقالية.

لا جدال في أن العثرات التي صاحبت إدارة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كشفت وبوضوح، هشاشة حاضنته السياسية “قوى الحرية والتغيير”، والانقسامات العميقة بين أعضائها، فظهرت مجموعة من داخل التحالف باسم “ميثاق التوافق الوطني” دعمت مطلب العسكر في حل الحكومة بل وذهبت إلى أبعد من ذلك عبر الدعوة إلى اعتصام أمام القصر الجمهوري وتحت حماية القوات الأمنية. 

اختطاف الثورة

مع تفاقم حالة التوتر بين شريكي الحكم، حسم الشارع الجدال لمصلحة مدنية الدولة، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إذ خرج آلاف المواطنين إلى شوارع الخرطوم ومدن السودان المختلفة لدعم التحول الديموقراطي ولتذكير المكون العسكري بأن لا خيار لديه سوى الالتزام بالوثيقة الدستورية مع ترديد هتاف “الرِدة مستحيلة”، وهي رسالة مفادها أن الثورة ماضية في تحقيق أهدافها. في هذا اليوم تحديداً صار من الواضح للشريك العسكري أن مسعاه في إشاعة الفوضى وخلق الأزمات لم تؤتِ أكلها، فكان لا بد من المواجهة. في صبيحة 25 تشرين الأول نفذ المكون العسكري خطته للانقلاب على الشرعية، فاحتجز رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في”بيت الضيافة” ليوم كامل، قبل نقله مع الحراسة المشددة إلى منزله، مع إطلاق حملة اعتقالات طاولت قيادات رئيسية في قوى الحرية والتغيير، بعضهم أعضاء من المجلس السيادي والبقية من وزراء الحكومة الانتقالية، حتى الصحفيون والنشطاء وقادة لجان المقاومة لم ينجوا من الاعتقال. ولم ينس العسكريون إحكام السيطرة على عدد من الأجهزة الاعلامية وقطع الإنترنت والاتصالات ليضعوا المواطنين في عزلة تامة. بعدها خرج القائد العام للجيش السوداني ليعلن حلّ مجلس السيادة والحكومة وفرض حالة الطوارئ وحلّ الكيانات النقابية والاتحادات المهنية. هكذا اكتملت أركان الانقلاب على ثورة ديسمبر السلمية.

عودة الانتهاكات

على رغم أن الشارع السوداني كان مهيأ لحدوث انقلاب عسكري بحجة تصحيح مسار الثورة، فإن  حالة من الصدمة أصابت معظم المواطنين عقب إعلان البرهان حالة الطوارئ. لم يكن لديهم خيارا للاعتراض سوى العودة إلى المقاومة السلمية والنزول إلى الشارع لحماية الثورة. وعند خروجهم وجدوا أنفسهم في مواجهة غير متكافئة مع القوات الأمنية التي لم تتردد في قمعهم وممارسة جميع الانتهاكات، من قتل بالرصاص الحي وسحل واعتقال ومطاردات داخل أحياء الخرطوم، انتهاكات شبيهة بالتي حدثت يوم مجزرة فض اعتصام القيادة العامة عام 2019. وثقت كاميرات نشطاء سودانيين صوراً ومشاهد تظهر انتشار قوات الأمن بكثافة حول العاصمة وإغلاق جميع مخارجها وجسورها، ومنع الدخول إليها  أو الخروج منها، وأنت تشاهد هذه المقاطع ترى وتسمع بوضوح أصوات الرصاص الحي وإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، ولم تفوت هذه القوات الفرصة لاستعراض سيطرتها بدخول جرافاتها لهدم “المتاريس” التي شيدها المتظاهرون لحماية أنفسهم.  

خيارات العسكر

حالة من القلق والترقب في انتظار  30 تشرين الأول وهو اليوم الذي دعت إليه  لجان المقاومة للخروج إلى الشارع رفضا لقرارات البرهان، المخاوف تحديداً من استمرار استخدام القوات الأمنية العنف المفرط، وعودة البلاد إلى حالة القمع وتهديد الحريات. لا شك في أن هذا سيكون نهج المؤسسة العسكرية فهي تستند إلى القوة في إدارتها المرحلة المقبلة، متجاهلة صوت الشارع والحالة الثورية التي لم تخمد منذ كانون الأول/ ديسمبر 2018، فجنرالات الجيش السوداني أصبحوا أمام خيارين لا ثالث لهما، الاستيلاء على السلطة بالقوة أو الذهاب إلى سجن “كوبر” حيث المخلوع عمر البشير، وانتظار دورهم لنقلهم إلى لاهاي. كذلك، توجس الجنرالات من الشرعية الديموقراطية تجلى في تصريح سابق لنائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، ذكر فيه أن الانقلاب على العسكريين يعني حتمية موتهم مقارنة بالمدنيين الذين  سيواجهون السجن فقط، ما يعني أن معركتهم الآن للحفاظ على أرواحهم! لا ننسى محاولات العسكر لإسكات الأصوات المطالبة بإصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة الشركات والمؤسسات الاقتصادية من سيطرة الجيش إلى ولاية المال العام، هذه الخطوة تحديداً إذا تمت ستجرد جنرالات الجيش من نفوذهم وسطوتهم ومن أحلامهم خلع اللباس العسكري يوماً ما واستبداله بالمدني ونسخ التجربة “السيساوية” وهذا لن يكون بدون الثروات التي يجنيها هؤلاء من هذه المؤسسات.

 لم ينجح أحد!

المحصلة أن أول تجربة شراكة جمعت بين الجيش والمدنيين لإدارة البلاد، فشلت فشلاً ذريعاً وأعادت الثورة إلى نقطة الصفر. فالمكون الأول دائم التربص بنظيره الذي أخفق بدوره  في العمل على تحقيق قيم الثورة إلى واقع ملموس وتحقيق العدالة لشهداء فض اعتصام القيادة العامة. لكل هذه الأسباب ظهرت من جديد في الدعوات إلى رفض مبدأ الشراكة، إذ يرى هؤلاء أن العسكر سيسعون لخلق فتنة سياسية لإعاقة مسار الثورة وإيجاد ذريعة تسمح للجيش بالانفراد بالسلطة. البرهان وعد في مؤتمره الصحافي الأخير بتحقيق “انتقال سياسي” وتكوين حكومة كفاءات مع رفع حالة الطوارئ بعد تكوين الحكومة الجديدة، لكن ما الضمانات لعودة المؤسسة العسكرية للقيام بدورها في حماية البلاد وأمنها وإبعادها من المعارك السياسية؟ 

‏يبدو أن الشعب السوداني محكوم عليه بتقديم التضحيات تلو الأخرى ومعايشة أزمات اقتصادية متلاحقة، شعب يحاول جاهداً الفكاك من لعنة الحكم العسكري التي لازمته منذ الاستقلال من الحكم البريطاني إلى يومنا هذا، ولم يهنأ بحكومات ديموقراطية إلا لفترات قصيرة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.