fbpx

أنا… هو… نحن.. اللواء جميل السيد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا هو اللواء. كتلة متحركة من الإيغو، أكبر وأكثر اتساعاً من المكان والزمان والتاريخ الشخصي، حتى إذا ما حكى عن نفسه، لا يستطيع أن يحدد كيف يقدمها: مرة بصيغة الغائب، ومرة بالمفرد، ومرة بالجمع، وعشرات المرات بترداد الاسم كاملاً، وبنشوة لا نظير لها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تخيلوا معي المشهد التالي:

أشخاص يقفون في مكتب ما، واسع، مريح، أنيق كذاك الذي نراه في المسلسلات اللبنانية، يتحدثون ويمرحون… ثم يدخل اللواء جميل السيد.

في المشهد التالي سيكون الأشخاص أعلاه، رؤساء ووزراء ودولاً، وكما حين يقبض شرطي أميركي في فيلم على لص، قد التصقت أجسادهم وعُصرت وجوههم بالجدران حتى تشوهت ملامحها. 

مع أن اللواء، في مشهدنا المتخيل، دخل بمفرده، إلا أن الإيغو الذي يلفه قد انتفخ كالعادة مثل بالون في الغرفة حتى ملأها، فأزاح الأثاث والبشر معاً، وعلقتهم قوة الدفع جميعاً لوحات مضحكة على الحيطان.

هذا هو اللواء. 

كتلة متحركة من الإيغو، أكبر وأكثر اتساعاً من المكان والزمان والتاريخ الشخصي، حتى إذا ما حكى عن نفسه، لا يستطيع أن يحدد كيف يقدمها: مرة بصيغة الغائب، ومرة بالمفرد، ومرة بالجمع، وعشرات المرات بترداد الاسم كاملاً، وبنشوة لا نظير لها، جميل السيد… جميل السيد.

هذا لا يعني أن اللواء ثقيل الدم. أبداً. ليس وئام وهاب مثلاً، أو مصطفى حمدان والعياذ بالله. اللواء، على نزقه ونرجسيته، مستساغ. يُعدّان على إصبعين فقط من يمكن تحمل مشاهدتهما من السياسيين اللبنانيين، هو ووليد جنبلاط. الباقون، جميعاً، لا يُحتملون، لا بحلال ولا بحرام. 

حين يقول جميل السيد أنه لا يدين لأحد ولا لحزب بشيء فهو صادق. جميل السيد، مذ خرج من السجن بريئاً، يجول على حلفائه الكبار لاسترداد ديونه منهم. قدّم أربعة أعوام من عمره، ومن اعتداده الهائل بنفسه، قرباناً. ولن يقبل بأقل من أعلى منصب تجود به طبيعة البلد الطائفية عليه. لن يقبل بأقل من مطرقة نبيه بري التاريخية، هي نفسها، ولو بعد عمر الأستاذ الطويل.

لكنه نقيض تام لجنبلاط، في الأداء على الأقل. فاللواء هو السياسي الوحيد، من دون منازع، الذي يدور خطابه السياسي برمته حول شخصه. ليس خطابه فقط، بل السياسة اللبنانية، الإقليمية، وإلى حد ما الدولية، كلها تدور حوله.

جميل السيد مسكون بشخصه. وعلى الأرجح أنه، في حواره الذهني مع ذاته، يبتدئ الكلام بـ”حضرة اللواء” ليرد على نفسه بـ”ولكن يا حضرة اللواء”. مسحور بشخصه وهذا سبب كافٍ للاستمتاع بمتابعته، بخاصة أن أداءه، وبعفوية، ممسرح وجذاب إلى درجة تجعله “وان مان شو”، فلا حاجة به إلى ديكور ولا جمهور ولا مخرج ولا حزب ولا شيء. جميل السيد يكتفي بجميل السيد.

واللواء، في قرارة نفسه، لا يرى أحداً. لا السيد حسن بجلالة قدره، ولا الأستاذ نبيه بري أطال الله في عمره (وفق شروط الطبيعة ومقتضياتها). ميشال عون؟ سمير جعجع؟ جبران باسيل؟ غبار. حتى الله، في مؤتمره الصحافي، وبعدما اعترف اللواء بأنه لا يخاف إلا منه، وكي لا يفهم خطأ، عقّب كاشحاً الهواء بكفه قائلاً إنه لا يخاف لا من جنته ولا من ناره، و”أنا مش فارقة معي”. حتى الله.  

لكن اللواء يقف طويلاً عند نكد الدهر الذي جعل منافسه في صراع الديكة لواء (ثانياً) هو عباس إبراهيم. مع أنه يرى فيه نسخة مقلدة صنعت على عجل وبمواد غير أصلية لتملأ الفراغ الذي تركه، والذي يستحيل أن يُملأ، إلا أنه مضطر، لأسفه، أن يفكر فيه، وأن يجعله خصماً. 

شخص آخر لا يملأ عين اللواء جميل السيد، وإن كان يحبه كثيراً. الجنرال البحري الشهير إميل لحود. الرئيس الأسبق لم يثبت طوال أعوامه في الجيش وبعدها في قصر بعبدا، حنكة سياسية أبعد من أرنبة أنفه ومن انصياعه التام لسيّده النظام السوري. فاللواء عاتب على الجينات الوراثية، وعلى المصادفة اللبنانية، التي جعلته شيعياً وليس مارونياً. ليس لأنه يخجل بطائفته، لا سمح الله، لكن لأن طائفته كانت عثرة في وجه كل ما حققه لحود ولم يستطع هو تحقيقه. لم يستطع جميل السيد الشيعي أن يكون مدير مخابرات الجيش، ولا قائده، ولا رئيساً محتملاً في زمن سوريا الذهبي، لرئاسة الجمهورية. اكتفى بمساعد مدير المخابرات، ثم بمديرية الأمن العام التي حولها إلى جهاز مخابراتي- سياسي من طراز شرق أوروبي في أيام السوفيات. هذا أقصى ما استطاعه لأنه ليس مارونياً، ولأن بري أقوى من أن يقتلع من الكرسي الثاني. في مكانه، أدار اللواء اللعبة بجدارة. والجدارة هنا تتلخص في اجتراح أجوبة للأسئلة السورية. ولاء الأفراد وحده لا يكفي. هؤلاء كانوا بالعشرات ولم يبق منهم أحد. واللواء فرد، ليس “حزب الله” ولا نبيه بري. لكنه، وفي سبيل سوريا الأسد، أبدع في التلاعب بالأمن والسياسة والقضاء والإعلام. كان رجل الظل الأقوى. قضى على سمير جعجع وحارب الحريرية بالحديد والنار وقمع ما استطاع شباب القوات و”التيار الوطني الحر” وكل رافض آخر للوجود السوري. 

إقرأوا أيضاً:

ج. إدغار هوفر اللبناني هذا تفوق في عمله. حتى بري كان يهاب جانبه، ناهيك عن مسكين مثل المرحوم إلياس الهراوي. كان ذكر اسم جميل السيد في الصحافة ممنوعاً، ولم يسمع اللبنانيون صوته إلا حين استقال بعد اغتيال رفيق الحريري. فجأة وجد نفسه ليس بلا حول ولا قوة فحسب، بل وجد نفسه متهماً في قضية مع ثلاثة ضباط نكرة نكاد لا نتذكر أسماءهم الآن. مع هؤلاء؟ وقد تخلى عنه من يعرف تماماً أنهم اغتالوا الحريري؟ تركوه وحيداً في زنزانة؟ بعد كل ما فعله لأجلهم؟ أنا؟ هو؟ نحن؟ اللواء؟ جميل السيد؟

حين يقول جميل السيد أنه لا يدين لأحد ولا لحزب بشيء فهو صادق. جميل السيد، مذ خرج من السجن بريئاً، يجول على حلفائه الكبار لاسترداد ديونه منهم. قدّم أربعة أعوام من عمره، ومن اعتداده الهائل بنفسه، قرباناً. ولن يقبل بأقل من أعلى منصب تجود به طبيعة البلد الطائفية عليه. لن يقبل بأقل من مطرقة نبيه بري التاريخية، هي نفسها، ولو بعد عمر الأستاذ الطويل.

من يدري ما الذي جال في خاطر الأميركيين حتى قدموا هدية العقوبات لجميل السيد. على رغم عبوسه، بدا السيد في مؤتمره الصحافي المعد للرد على العقوبات الأميركية في قمة سعادته السياسية، كأنه كان يتحضر لهذه اللحظة منذ دهر. صال وجال وسيطر على مخارج حروفه وأفكاره فكرة فكرة. هذه كانت فرصته ليلمع مرة واحدة وأخيرة وقد قطفها كلها. 

تفضل، قال لحليفه الكبير، سجِّل عندك. عقوبات أميركية. زدها على ديونك خلال سنواتي المديدة في وقوفي إلى جانبك في السياسة وفي الأمن، وعلى سنوات السجن ظلماً. خذ حتى ترضى.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.