fbpx

في وداع “بيبو”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

آسفة يا بيبو، هذه رسالة اعتذار، آسفة لأن علينا تغيير سياراتنا من أجل سيارات أجدد، آسفة لأن هذه هي الحال ولا أملك حلاً آخر. أنا لم أتخلَّ عنك سوى مرغمة، لكنك في قلبي، في ذاكرتي، في القصص التي واجهناها معاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نادراً ما عرّفت بها باسمها الحقيقيّ، اسمها الحقيقي لا يدلّ على ما تمثّله حقاً ولا يفسّر الأدوار التي تلعبها. ثم كنت أعرّف عنها كشخص مألوف، كنجمة سينمائية، ويصيبني العجب حين لا يفهم الآخرون من هي بيبو، أو حين يسخرون من التسمية. في النهاية أصبح الجميع يعرفونها بـ”بيبو”، وهي تسمية تعني دورها اللوجستي ودورها كرفيقة وكمتواطئة وكشريكة.

كتبت كثيراً عنها طيلة سبع سنوات، عن مغامراتنا وعن الأسرار التي إذا ما كشَفَتها عني قد ينتهي أمري. بيبو تعرف كل شيء. وهذا ليس تعبيراً مجازياً. إنه الحقيقة. كتبت كثيراً عن يومياتنا وعن كيف صرنا امرأتين متشابهتين، نواصل الحياة رغم أعطالنا الكثيرة، نواصلها بلا توقف كما لو كنا بأفضل حال. كتبت عن الميكانيكي الذي كان يعتبر “بوجيات” بيبو شرفه وعرضه. وكنا نضحك هي وأنا من الذكورية الطافحة حتى في ما يتعلّق بأعطال السيارات. أخبرنا الجميع عن مغامراتنا وعن الحفر التي وقعنا فيها، ذلك أن المرء يشارك سيارته في الوقعات كلها، وكذلك تفعل سيارة بأصالة بيبو. “فايسبوك” كله يعرف أننا أحياناً كنا نتشاجر، وكانت تعاندني، تقرر مثلاً أن تتوقف في وسط الأتوستراد، أو تحرد صباحاً وتجبرني على إلغاء المواعيد والاعتذار من أصحابها. وأحياناً كانت تفاجئني بسرعة البداهة. 

مرّة كنت في طريقي إلى رجل كنت أحبه، وكان للأمانة، أنكد رجل في آسيا والعالم، وصلت متأخرة كالعادة وكان ينتظرني تحت المطر، حين فتحت الشباك لأحييه بدأ أسطوانة العتب والتوبيخ. لا أعرف كيف طارت بيبو في تلك اللحظة، ولا أتذكّر حقاً إن كنت دست على البنزين بهذه السرعة بقرار مني أو منها. المهم نجونا! أما الرجل فبقي هناك يلوذ من نوبة جنون إلى أخرى. كان هذا واحداً من مواقف بيبو الشهمة والبطولية.

يبدو مريباً أن يكتب المرء نصاً وداعياً لسيارته فيما العالم يتداعى من حوله، لكن علينا في النهاية ألا ننسى أنفسنا وألا تتداعى قدرتنا على الشعور، وسط هذه العتمة. 

استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى أتشجّع وأشتري سيارة أكثر عصرية وفخامة، وحين كانوا يسألونني عن الأمر، كنت أسألهم بسرعة: “وبيبو؟ ماذا أفعل بها؟”. الآن أشعر بالذنب حيالها وهي في الخارج منذ ليلتين، لا أحد يقودها ولا أحد يسألها عن سعر الوقود ولا عن الساعة. فيما تقف بجانبها سيارة أخرى، أكبر وأجمل، يغازلها الجيران والأصدقاء ويباركون بها، والسيدة البيضاء تتفاخر ههنا كمن يشرب ويسكي سوداء في حي للفقراء. الجميع يقولون إن عليّ بيع بيبو، حتى لا تتعطل من كثرة الوقوف والإهمال. لكنني لا أخشى عليها سوى من الوحدة ومن مالك آخر قد لا يفهمها وقد لا يدرك أنها مختلفة وأن لها مشاعر وهواجس وأسراراً. ثم مقابل ماذا أبيع رفيقتي بيبو؟ المال ليس مقابلاً عادلاً في بعض الأحيان.

آسفة يا بيبو، هذه رسالة اعتذار، آسفة لأن علينا تغيير سياراتنا من أجل سيارات أجدد، آسفة لأن هذه هي الحال ولا أملك حلاً آخر. أنا لم أتخلَّ عنك سوى مرغمة، لكنك في قلبي، في ذاكرتي، في القصص التي واجهناها معاً. أنتِ بيبو في النهاية، وأنت الأولى ولا أحد ينتزع منك اللقب ولا أحد ينافسك على ودّي، أنتِ قصص الحب التي عشتها وتلك التي تمنيتها، أنت الرجال الذين قتلتهم سهواً والذين صوّبوا رصاصاتهم إلى قلبي، وأنت دموعي وليالي الخذلان والرقص على الموسيقى العالية، حتى في أيام بيروت الكئيبة… أنتِ التغطيات الصحافية، والانفجارات، أنتِ التحقيقات في طرابلس وبيروت ومخيمات اللجوء، أنتِ قصائدي ونصوصي وتعرفين البقيّة.

وداعاً يا حلوتي… كوني بخير.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!