fbpx

أزمة تصريحات قرداحي:
الصراع بين إعلام المال وإعلام السلاح

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حرية الإعلام والتعبير وكل مبادئ المواطنة والعدالة تئن تحت وطأة المنازلة الفارغة إلا من الصوت العالي، التي نعيشها هذه الأيام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل يستحق وصف وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حرب اليمن بـ”العبثية” في برنامج تلفزيوني، هذه المنازلة الشعواء المشتعلة سعودياً وخليجياً ضد لبنان؟

الجواب وإن كان بدهياً لجهة النفي، إلا أن العبث بلغ حدوداً قياسية لجهة حجم الاستنفار والحدة والتلويح بعظائم الأمور جراء كلام قيل ويقال مثله تكراراً. الأزمة تتخطى تصريحات قرداحي باعتراف الجميع، فلو كانت الرياض حساسة تجاه ما يقال عن سياساتها في اليمن فعلاً، لكانت غضبت من قادة دول وقاطعت عواصم غربية كبرى قرعتها وعزلتها جراء حرب اليمن وجراء جريمة قتل جمال خاشقجي، ولكانت الإمارات فعلت القطيعة نفسها تجاه دول وقيادات انتقدت بلهجة عالية تدخلاتها في اليمن وليبيا والسودان مثلاً.

على مدى العامين الأخيرين برزت تصريحات وحملات سياسية غربية وتقارير لجماعات حقوقية دولية ضد الرياض بسبب حرب اليمن ومسؤوليتها هي والإمارات عن سقوط ضحايا مدنيين وإطالة أمد الحرب التي جرّت اليمنيين إلى شفا المجاعة. 

حملات مماثلة إعلامية وسياسية بأقسى العبارات أشهرت في وجه الرياض جراء حملات اعتقال وتعذيب نشطاء وناشطات، وصلت الى حد الابتزاز المالي المباشر أحيانا كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن كل هذا الضجيج مرّ بهدوء ولم ينل أحد من هؤلاء الغضبة التي طاولت لبنان.

الحملة التي أعقبت تصريحات قرداحي هي إعلان تحول كامل في التعامل مع لبنان.

قيل هذا الكلام رسمياً وجبهات التواصل الاجتماعي السعودي والخليجي بما فيها شخصيات بارزة، ترى أن الوقت حان لمعاقبة لبنان كله على ارتهانه لـ”حزب الله”. شنت حملات مركزة تدعو إلى إفراغ المؤسسات السعودية كافة وخصوصاً الإعلامية من اللبنانيين حتى لو لم يرتكبوا شيئاً، فالريبة تجاه أي لبناني باتت مباحة ويتم تزخيمها. 

إنها مواجهة مفتوحة مع “حزب الله” ولو دفع لبنانيون كثر الثمن.

الصراع يلوح بعصاه الغليظة مجدداً لجهة معاقبة بلد غير وازن في معادلات الدول ويئن تحت وطأة انهيار اقتصادي مالي وضع ثلثي شعبه في دائرة الفقر ولا يزال يكابد بعد انفجار شبه نووي يمنع التحقيق فيه. 

الحملة الخليجية التي رفعت سيف القطيعة الاقتصادية ستكون لها نتائج وخيمة بالفعل، فهي تحصل بعد عام رهيب عاشه اللبنانيون إذ تشير التقديرات إلى أن 78 في المئة من سكان لبنان يعيشون في فقر وسط انهيار اقتصادي يبتلع كل شيء.

والقرار بوقف الاستيراد من لبنان وطرد السفراء سيزيد حتماً من معاناة اللبنانيين.

حتماً ليس الخليج مسؤولاً عن انهيار لبنان، فهذه مسؤولية حكامه ومسؤوليه وأبرزهم “حزب الله” الذي يمسك بكل مفاصل البلد ويتحكم بكل قراراته، خصوصاً تلك المسماة “سيادية”، في حين أن تلك السيادة انتهكت مراراً وتكراراً بفعل مغامرات وأجندات إيرانية ينفذها “حزب الله” في سوريا ولبنان ودول أخرى.

إقرأوا أيضاً:

وتحت مظلة السيادة المزعومة نجد جبهات “حزب الله” والممانعة مشتعلة إعلامياً وسياسياً في محاولة لإخراج السجال من كونه صراع نفوذ إيرانياً- سعودياً، إلى كونه معركة حرية تعبير ورأي وسيادة. 

فباسم “الكرامة” و”السيادة” وقف “حزب الله” خلف قرداحي وتصريحاته التي ربما كان شقه اليمني فيها هو الأقل إشكالية، فهو قال مطولات في دعم نظام الجريمة السوري والحث على انقلابات عسكرية في لبنان ودعم انقلابات عسكرية في دول أخرى مثل مصر من المعروف أن أثمانها الدموية كانت فظيعة.

بالنسبة إلى “حزب الله”، الحرية والكرامة المطلوبتان في المواجهة مع السعودية ينبغي سحقهما حين يصبح الموضوع متعلقاً بالشعب السوري أو الإيراني أو العراقي وأي شعب واقع بقوة السلاح تحت وطأة سلاح “المقاومة”.

من حق قرداحي حتى ولو كان شخصية متملقة منحازة لأسوأ ما أنتجته المنطقة من حكام أن يعطي رأيا بشأن عام، لكن هجمة الممانعة وإمعانها في تحويل القضية إلى كونها أم معارك الحريات هو مزحة سمجة لا تنطلي على أحد. 

ففي التصريح ذاته الذي اندلعت الأزمة بسببه كان القرداحي يمجد ديكتاتوريين وعسكراً وأنظمة قمعية لا تقيم وزناً لحرية تعبير أو حرية إنسان بالمطلق وهذا هو تماماً موقع “حزب الله” وموقع دفاعه.

فالصراخ المدوي إعلامياً بأن التصدي لقرار السعودية ودول خليجية معاقبة لبنان اقتصادياً وديبلوماسياً هو حرب “كرامة” و”سيادة” و”حرية”، كلام يراد به باطل نعلمه علم اليقين في لبنان ودفعنا أثماناً باهظة له. اغتيل مطلع العام الكاتب لقمان سليم وشهر به معنوياً قبل تصفيته جسدياً وبعدها، لقوله كلاماً عالي النبرة ضد “حزب الله”. قتل الشاب هاشم السلمان عام 2014 لأنه تظاهر أمام السفارة الإيرانية ضد هيمنة طهران. لم يؤدب أحد الانتفاضة اللبنانية التي اندلعت عام 2019 ضد كل الطبقة الفاسدة الحاكمة في لبنان بقدر ما فعل “حزب الله” ومناصروه “العفويون” الذين انهالوا بعصيهم وهراواتهم على المتظاهرين ونراهم اليوم يستشرسون للدفاع عن حرية التعبير.

حرية الإعلام والتعبير وكل مبادئ المواطنة والعدالة تئن تحت وطأة المنازلة الفارغة إلا من الصوت العالي، التي نعيشها هذه الأيام.

إنه إعلام المال في مقابل إعلام السلاح وكلاهما لا يصنع حرية ولا أوطاناً.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.