fbpx

حصار خليجي على لبنان…
ضربة قاتلة للزراعة والصناعة والتحويلات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قرداحي بات منذ لحظة توزيره جزءاً من منظومة سياسيّة متكاملة، ساهمت من خلال سياساتها بإنتاج الانهيار الذي نعيشه منذ سنتين، كما ساهمت بعد حصول الانهيار في عرقلة سبل الحل التي كان من شأنها إخراج البلاد من موقع الهشاشة التي تعيشها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


يصعب أن يصنّف المراقب ما قامت به المملكة السعوديّة، ومن بعدها البحرين والكويت والإمارات العربيّة المتحدّة، بغير خانة استغلال الأزمة الماليّة اللبنانيّة لتصعيد الضغط الخارجي، ومن ثم تحصيل ما يمكن تحصيله في السياسة، سواء في الداخل اللبناني أو على المستوى الإقليمي. فردّ الفعل الخليجيّ لم يتناسب منذ البداية مع حجم التصريح الذي قام به وزير الإعلام اللبناني قبل تولّيه منصبه، وتصريحات المسؤولين السعوديين أكّدت لاحقاً أن ما تستهدفه الإجراءات الخليجيّة باتت تتخطى حدود التعامل مع هذا الموقف، أو حتّى إقالة الوزير نفسه. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الظروف الاقتصاديّة القاسية التي تمر بها البلاد، ونوعيّة الإجراءات الخليجيّة التي ركّزت على مفاقمة الضغط الاقتصادي، يمكن بسهولة توصيف الأحداث الأخيرة بالابتزاز الصريح الذي يُراد منه تصعيد الضغط على جميع فئات المقيمين في لبنان. 

لكنّ التصعيد الخليجي، مع كل ما ينطوي عليه من قساوة، لا يمكن أن يضع القرداحي في موقع المسؤول الذي دفع ثمن موقف شجاع أو نظيف أخلاقيّاً. فمن الناحية العمليّة، وفي المقابلة ذاتها التي تحسّر فيها القرداحي على ضحايا اليمن، أمعن الرجل في الثناء على حروب الأسد في سوريا، وانقلاب السيسي على الشرعيّة في مصر، إضافة إلى تمنّيه حصول انقلاب عسكري لمعالجة الأزمة التي يمر بها لبنان. في خلاصة الأمر، وباستثناء مراعاته خصوصية علاقاته الخاصة بالنظام المصري، كانت مواقف القرداحي أقرب إلى موقع الاصطفاف مع محور إقليمي في مواجهة محور آخر، منها إلى موقع الموقف الواضح والجريء. وهذه المواقف جاءت فعلاً قبل تولّيه منصبه الوزاري، لكنّها كانت في واقع الأمر من المعايير التي حددت وجوده الحكومة التحاصصيّة، بوصفه ممثّلاً لفريق سياسي يعبّر عن هذه الأفكار. 

بمعزل عن مضمون هذه المواقف، ثمّة ما تنبغي الإشارة إليه في الشكل في موضوع مقابلة القرداحي والحملة السعوديّة. فقرداحي بات منذ لحظة توزيره جزءاً من منظومة سياسيّة متكاملة، ساهمت من خلال سياساتها بإنتاج الانهيار الذي نعيشه منذ سنتين، كما ساهمت بعد حصول الانهيار في عرقلة سبل الحل التي كان من شأنها إخراج البلاد من موقع الهشاشة التي تعيشها. وهذه العرقلة، لم تأتِ إلا في سبيل حماية مصالح عميقة وراسخة، تتقاطع فيها حسابات النافذين في النظامين المالي والسياسي. وهكذا، كانت عوامل الهشاشة التي أنتجتها هذه المنظومة هي تحديداً ما استفادت منه السعوديّة في حملتها الأخيرة على لبنان، وهو ما يتعارض مع دور الضحيّة الذي حاول أن يلعبه قرداحي ومن يقف خلفه بعد الحملة السعوديّة الأخيرة. ببساطة، المسألة ليست مجرّد مسألة فريق يدافع عن حقّه في إبداء الرأي، بل هناك ما يتعلّق بمسؤوليّة هذه المنظومة عن وهن البلاد أمام الضغوط الخارجيّة.

بين عوامل الهشاشة التي نتجت عن سياسات النظام السياسي اللبناني التاريخيّة، وطريقة تعامل النظام مع الانهيار الذي وضع البلاد في موقع الانكشاف أمام الضغوط الخارجيّة، ومحاولة الدول الاقليميّة الاستفادة من هذا الواقع لتحصيل بعض المكاسب السياسيّة، كانت النتيجة مفاقمة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة بشتّى السبل. 

النتائج المباشرة

لا يمكن الاستخفاف بوطأة النتائج الاقتصاديّة المباشرة للقرارات التي اتخذتها السعوديّة والبحرين والكويت والإمارات العربيّة المتحدة، وخصوصاً لجهة وقف الاستيراد من لبنان. فخلال العام الماضي مثلاً، وبحسب أرقام غرفة التجارة والصناعة والزراعة، تجاوزت قيمة صادرات لبنان إلى دول مجلس التعاون الخليجي حدود الـ1.04 مليار دولار، وهو ما يمثّل وحده أكثر من ربع صادرات البلاد التي بلغت حدود الـ3.8 مليار دولار. مع الإشارة إلى أن قطر وعمان لم تتخذا قرارات بمنع الصادرات اللبنانيّة، لكن مجرّد منع عبور السلع اللبنانيّة عبر دول الخليج الأخرى كفيل بعرقلة خطوط إمداد السلع المصدّرة. 

في كل الحالات، مجرّد حرمان القطاعات الإنتاجيّة اللبنانيّة من الوصول إلى الأسواق الخليجيّة، كما ورد في القرارات الأخيرة، سيكون كفيلاً بالتأثير في قيمة الدولارات التي ترد إلى السوق المحليّة من عمليّات التصدير، وهو ما سيترك أثره على سعر الصرف في السوق الموازية. ولفهم أثر القرار على توازنات عرض وطلب العملة الصعبة في السوق الموازية اللبنانيّة، تكفي الإشارة إلى أن قيمة الدولارات المتأتية سنويّاً من صادرات لبنان إلى دول الخليج توازي وحدها 10 في المئة من قيمة الدولارات التي يحتاج لبنان إلى إنفاقها سنوياً لاستيراد ما يحتاجه من سلع وخدمات من الخارج. 

الإشكاليّة الأكبر، تكمن في أن جزءاً كبيراً من الصادرات التي كانت تتجه إلى السعوديّة وسائر دول الخليج تتصل بسلع زراعيّة يصعب تخزينها لفترات زمنيّة طويلة، ويصعب تصريفها في أسواق أخرى بكميات كبيرة وبشكل مفاجئ من دون سابق إنذار. ولهذا السبب، من المتوقّع أن يُصاب القطاع الزراعي بالتحديد بخسائر كبيرة، في حال لم تُعالج هذه الأزمة خلال فترة قصيرة. أما الأسواق البديلة التي يمكن أن يلجأ إليها المزارعون اللبنانيون، كالسوق الأوروبيّة مثلاً، فيصعب الدخول إليها بشكل مفاجئ، نظراً إلى وجود منافسة قاسية هناك من المنتجات الأوروبيّة نفسها، إضافة إلى اعتماد الدول الأوروبيّة على معايير قاسية بالنسبة إلى المنتجات الزراعية التي توافق على توريدها إلى أسواقها.

في أي حال، تشير أرقام “جمعيّة المزارعين اللبنانيين” إلى أن 50 ألف طن من صادرات لبنان الزراعيّة تذهب سنوياً إلى السوق السعودي، وهو ما يوازي نحو 16 في المئة من إجمالي صادرات لبنان الزراعيّة. كما يذهب نحو 13 في المئة من هذه الصادرات إلى أسواق قطر والبحرين والإمارات، ما يرفع نسبة المحاصيل التي ستتأثّر بهذا القرار إلى 29 في المئة من إجمالي الصادرات الزراعيّة اللبنانيّة. وإذا تكبّد أصحاب هذه المحاصيل الزراعيّة خسائر كبيرة خلال الموسم الحالي، فمن المتوقّع أن يجدوا مصاعب في تأمين الرساميل المطلوبة خلال الموسم المقبل، ما يعني أن الأزمة ستترك أثرها على المدى المتوسّط. 

تحويلات المغتربين

حتّى اللحظة، لم يتم اتخاذ أي قرار يمنع تحويلات العملة الصعبة من الخليج إلى لبنان، وهي تحويلات غالباً ما يكون مصدرها من المغتربين اللبنانيين العاملين هناك. لكن طوال الأيام الماضية، كثرت التوقعات بإمكانيّة صدور قرارات من هذا النوع، خصوصاً بعد أن تبيّن أن السعوديّة قررت أن تشمل شركات الشحن والبريد بالقيود التي فرضتها على لبنان. وعمليّاً، يمكن القول إن أي قرار من هذا النوع يمكن أن يمثّل ضربة قاسية لسوق القطع في لبنان، ولقيمة الليرة اللبنانيّة في تداولاته.

فحجم التحويلات الواردة من الخليج إلى لبنان عبر شركات تحويل الأموال يوازي نحو 37 في المئة من إجمالي الدولارات التي ترد إلى لبنان عبر هذه الشركات من جميع أنحاء العالم. وهذه النسبة المرتفعة تتصل بوجود كتلة كبيرة من اللبنانيين العاملين في الخليج، من الذين يملكون صلات بأسر في لبنان ما زالت تستفيد من مداخيلهم. أما الخشية الفعليّة، فهي من نوعيّة الأزمات المعيشيّة التي يمكن أن تنتج عن انقطاع سبل استفادة هذه الأسر من تحويلات مغتربيها في الخارج. 

مشكلة نظام سياسي 

في أزمة لبنان مع دول الخليج، تتبدّى ألغام النظام السياسي اللبناني القابلة للانفجار في كل لحظة، من طبيعة الوزراء الذين تنتجهم حكومات المحاصصة، والذين لا يعبّرون في مواقفهم وتطلّعاتهم إلا عن الاصطفافات الإقليميّة التي تنتمي إليها القوى التي سمّتهم، لا بل والذين يتعاملون اليوم مع هذه الأزمة وفقاً لانتماء كل وزير، وطبيعة علاقته بهذا المحور أو ذاك، رغم حساسيّة الأزمة وقسوة آثارها على اللبنانيين. وفي هذه الأزمة، يظهر بوضوح مأزق النظام الاقتصادي المنهار، الذي لا يملك أدنى مقوّمات النهوض من جديد، وهو ما يجعل لبنان عرضة لهذا النوع من الضغوط الخارجيّة التي تعكس ضعف البلاد وهشاشتها أمام هذه الحملات. كما تظهر أيضاً ألغام الانتماءات الطائفيّة، التي تفرز الرأي العام تجاه أي قضيّة وفقاً لخطوط تماس الانقسامات المذهبيّة المعتادة. 

أما خاصرة لبنان الرخوة، فستظل دائماً المغتربين. هذه الفئة التي دفعت ثمن النموذج الاقتصادي اللبناني في الماضي، فأجبرتها السياسات الرسميّة على الهجرة بغياب الاقتصاد المنتج المولّد لفرص العمل. وبعدما رفدت السوق المحلي لسنوات طويلة بالدولارات المطلوبة لإبقاء النظام الاقتصادي على قيد الحياة، وبعدما خسرت ما راكمته في المصارف من ودائع ومدخرات، ما زالت عرضة في كل مرحلة لدفع ثمن أزمات لبنان مع الخارج، تماماً كما يحصل اليوم.

حتّى اللحظة، لا يوجد ما يشير إلى نهاية سعيدة وقريبة لهذه الأزمة، وخصوصاً بعدما رفعت السعوديّة تحديداً سقف المواجهة مع لبنان، عبر ربط الإجراءات بما هو أبعد من موضوع تصريحات القرداحي. لكنّ ثمّة من يخشى اليوم من أن تصعّد دول الخليج ضغوطها على لبنان، عبر محاولة فرض حصار أكثر ضراوة عليه، من خلال الضغط على الدول العربيّة لعرقلة بعض المشاريع التي تراهن عليها الدولة اللبنانيّة لمعالجة بعض مشكلاتها كمشروع الغاز المصري مثلاً، أو عبر اتخاذ قرارات تمس بتحويلات العملة الصعبة من الخليج إلى لبنان. أما المسألة الوحيدة التي يمكن أن يراهن عليها لبنان، بغياب أي تفاهم محلّي حول كيفيّة مقاربة هذه المسألة، فهي الضغط الأميركي والفرنسي الذي يمكن أن يقنع الرياض بمراجعة هذه القرارات، بعدما تبيّن أن الدولتين تمسكان حتّى اللحظة ببقاء الحكومة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.