fbpx

330 ألف دولار مقابل الإفراج عن أحمد دومة:
“بيزنيس” المقايضة على الحرية في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعدّ أحمد دومة صفةً لحالة جماعية، وليس شخصاً اعتقله النظام لأعوام طويلة، كما أنه يعد رمزاً من الرموز القليلة لجيل ثوري كامل، وهي الرموز التي نكّل بها -في ما بعد- واستخدمت الدولة هذا التنكيل لتصفية الحسابات مع ثورة 25 يناير، المصرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يواجه الناشط السياسي المصري أحمد دومة “مقايضة” لدفع 6 ملايين جنيه مصري، (أكثر من 330 ألف دولار)، في مقابل نظر الإفراج الشرطي عنه لتمضيته نصف مدة العقوبة، وليست هذه المرة الأولى التي تتم فيها المقايضة على الإفراج عن نشطاء مقابل مبالغ مالية تعجيزية يستخدمها الأمن المصري لتقوية ترسانته.

المطالبات الشرهة لجمع الأموال- بشتى الوسائل- من أسر السجناء من دون مراعاة أوضاعهم الاقتصادية لا يخدم منظومة العدالة الجنائية القائمة على تأهيل المحكوم عليه وإعطائه فرصة جديدة للعيش في المجتمع، ولا ينتمي إلى السياسة العقابية الحديثة التي تهدف إلى غاية الإصلاح من طريق التوازن بين حق المجتمع وإعادة تأهيل المحكوم عليهم. إنما تخدم الأغراض الشرهة لجمع الأموال لمصلحة خزائن السلطة.

أحمد دومة

الأمر يبدو تجارة مربحة لمصلحة السلطة- باستخدام أدواتها- المتمثلة هنا في مفاتيح السجن والحرية، ومفاتيح السلطة عموماً وتطويعها وفقاً لأغراض مادية. كما أنه يبدو متاجرة بالأمل لدى الحالمين بهذه الحرية من السجناء وأسرهم، بهدف تحقيق أموال وأرباح على حساب المعاناة الشخصية لهذه الفئة، وصناعة بيزنس انطلاقاً من آمالهم وأوضاعهم المقيدة.

هذه المقايضة توسعت في رقعتها غير القانونية  لتشمل أيضاً  الشركات، ورأسمال القطاع الخاص،من طريق فرض الجباية غير المشروعة قانونياً عليها. سواء من طريق المطالبة بالتبرع لصندوق “تحيا مصر”، وهو ما بدأ  عام 2014، على مائدة إفطار رمضاني شملت الرئيس عبدالفتاح السيسي وبعض رجال الأعمال الذين طالبهم بدفع خمسة مليارات جنيه للصندوق، أو من طريق المطالبة بالتنازل عن أصول بعض شركات القطاع الخاص، لتصبح هذه الأصول ملكاً للدولة.

مثل هذه المقايضة، تتم عبر ابتزاز رجال أعمال للتنازل أو الدفع ويتم تهديدهم بالسجن في حال رفضهم. وهو ما حدث- بحسب تقرير لـ”مدى مصر”- لمالك شركة “جهينة” لصناعة وتوزيع الألبان، رجل الأعمال المصري صفوان ثابت، والذي برزت فيه ثنائية السجن/ الحرية التي تعد ركناً أساسياً تقوم عليه هذه المقايضة.

وفي ظروف غامضة، زُج ثابت في السجن بتهمة تمويل الإرهاب، على رغم تبرعه بخمسين مليون جنيه على مائدة الإفطار الرئاسية لصندوق “تحيا مصر”، إلا أنه بحسب هذا التقرير، يُشارُ إلى أنه لم يتنازل لاحقاً عن بعض أسهم “شركة جهينة لصناعة الألبان”، بعد زيارة مسؤول لتفقد مصانع الشركة.

إضافة إلى ذلك، تعد القضية المحبوس على ذمتها صفوان ثابت برقم 865 لعام 2020 قضية فريدة من نوعها، لأنها تستهدف أموال رجال الأعمال الكبار، الذين يتمنعون عن الدفع/ التبرع / التنازل للدولة، وتحاكمهم بتهم جاهزة ومعدة خصيصاً لهذا التمنع، وهي تهم تدور حول “تمويل الجماعات الإرهابية”.

 ومن ضمن الذين لحقوا بثابت، ابن صفوان ثابت، سيف صفوان ثابت الذي تولى إدارة الشركة بعد حبس والده لمدة شهرين، وأيضاً، تم حبس رجل الأعمال المصري مالك شركة “التوحيد والنور”، سيد السويركي، على ذمة القضية ذاتها، ووجهت إليه الاتهامات الجاهزة ذاتها، كما أُلحق بهم حاتم عبداللطيف، وخالد الأزهري، وزيرا النقل والقوى العاملة في حكومة الرئيس الأسبق محمد مرسي.

ويعد التشابه في وضعية مطالبة رجال الأعمال بدفع هذه المبالغ وبين وضعية مطالبة أسرة المعتقل أحمد دومة بدفع ستة ملايين جنيه، كامناً في التوجه الملحوظ للدولة للحصول على الأموال، إضافة إلى أنه يعد تطابقاً دائرياً يتوسل الأدوات السلطوية، وفي الحالتين يستخدم السجن والحرية ويدور حولهما. غير أن الاختلاف الوحيد يكمن في الخزانة المصيرية لهذه الأموال، ففي حالة الغرامات المأخوة من رجال الأعمال تذهب نظرياً إلى صندوق “تحيا مصر”، أما الغرامات المفروضة على النشطاء السياسيين فتذهب إلى مصير غامض.

 المحامي على العدوي، يوضح لـ”درج”، أن كل الأموال المحصلة من الغرامات الجنائية يتم التحفظ عليها في خزائن وزارة العدل، التي ترسلها بعد ذلك إلى وزارة المالية التي تتلقى إيرادات أجهزة الدولة كجزء من الميزانية، ثم يُعاد توزيع مجموعها طبقاً للموازنة العامة في العام الجديد، بينما تذهب الأموال المودعة في صندوق “تحيا مصر” إلى مصير غامض ومجهول. 

إقرأوا أيضاً:

تحصيل الغرامات المالية على رغم قرار العفو

 في سياق مشابه ومتزامن مع قضية الإفراج الشَرطي عن أحمد دومة، نشر المحامي خالد علي، على “فايسبوك”، أن عدداً من المتهمين في القضيتين المعروفتين بـ”الشورى” و”الاتحادية” والذين كانوا قد أفرج عنهم عام 2015، بموجب عفو رئاسي، تواصلوا معه، منذ أيام، بشأن تلقيهم إعلانات من محضرين في الأيام الماضية، لدفع غرامات صدرت ضدهم في القضايا التي حصلوا فيها على عفو رئاسي. وتصل هذه الغرامات إلى مئة ألف جنيه. وأوضح، أنه من المعروف في مثل هذه الحالات أن العفو الرئاسي يلغي جميع الأحكام الصادرة ضد المتهمين بما فيها الغرامات المالية، وتُغلق بموجبه القضية. ودعا مستلمي تلك الإعلانات بالتوجه إلى مكتب التعاون الدولي، في المكتب الفني للنائب العام لإيقاف هذه المطالبات حتى لا تصدر ضدهم أحكام غيابية.

من وجهة نظر أسر السجناء، قد تبدو بعض مبالغ الكفالات أو الغرامات الواقعة على أفراد محكومين جنائياً، والتي تقل عن بضعة آلاف من الجنيهات على كل فرد، قليلة إذا ما قورنت بثمنها الباهظ، وهو الحرية لهؤلاء الأفراد، لكنها تكوّن في مجموعها إيرادات ضخمة، تصب في خزانة وزارة المالية.

في القضية المعروفة إعلامياً بـ”جمعة الأرض” التي سجن على خلفيتها ما يزيد على ألف شخص -وفقاً لحملة الحرية للجدعان- بعد تظاهرة ضد اتفاقية جزيرتي “تيران وصنافير”، ومطالبة الدولة بالتراجع عن التنازل عنهما للملكة السعودية والاعتراف بمصريّتهما. اضطر المئات من المعتقلين بعد قضائهم فترة طويلة من الحبس الاحتياطي إلى دفع غرامات وصلت إلى 5

ملايين جنية.

والسؤال الموجه للسلطة هو عما إذا كانت هذه الممارسات تحمل طابع الصفقة أو المقايضة على الأجساد الأسيرة أو السجينة لديها؟

أعلنت أسرة الناشط أحمد دومة على صفحة “الحرية لأحمد دومة”، أنها لن تستطيع سدادالمبلغ مقابل الإفراج عنه، كونه يتجاوز إمكانيات غالبية الأسر المصرية، ولا سيّما أسرة دومة.  وحتى إن تمكنت الأسرة من دفع المبلغ قد لا يتم الإفراج الشرطي عنه، لعدم استيفاء الشروط الأخرى، والتي ترجع إلى التقدير الشخصي للمسؤولين في الحكم على السجين بحسن السير والسلوك داخل المؤسسة العقابية.

الرهان الذي تستخدمه السلطة، وتجيد اللعب على أوتاره هو وضع عائلات السجناء في مأزق عاطفي وسيكولوجي، في محاولتها كسب أموال طائلة على حساب ذلك. فهذه الفرصة تعد بالنسبة إلى أهل أي سجين أملاً أخيراً، أو حتى نصف أمل أخير، ربما سوف تجنبهم الحرمان من ابنهم 8 سنوات أخرى، هي النصف الثاني المتبقي من مدة الحكم القضائي الكامل في حالة دومة.

المحامي محمد عيسى والذي كان من ضمن فريق الدفاع عن دومة قال لـ”درج”، ضخامة المبلغ المُطالب به دومة، تعد جزءاً من مضاعفة الحكم القضائي عليه، فقد حُكم عليه في هذه القضية وفقاً للمادة 90 من قانون العقوبات، والتي تنص على المعاقبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من خرب عمداً مباني أو أملاكاً عامة للدولة، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا وقعت الجريمة في زمن هياج أو فتنة أو بقصد إحداث الرعب بين الناس أو إشاعة الفوضى. وهو ما تم إسقاطه على دومة بحسب المحامي وبالتالي تمت مضاعفة الحد الأدنى للعقوبة المقررة، كما جاءت الغرامة وفقاً للمادة 89 مكرر التي تنص على دفع قيمة الأشياء التي تم تخريبها. 

أحمد دومة لا يعتبر سجيناً سياسياً عادياً في المعتقلات المصرية، فتاريخ اعتقاله يشير إلى اعتقاله في الأنظمة الثلاثة التي توالت قبل الثورة وبعدها.

ووفقاً للمحامي علي العدوي، أحد المطلعين على القضية، فإن الحكم على دومة يعد حكماً تعجيزياً مضاعفاً، تم إلزامه فيه بدفع النصيب الأكبر من قيمة الممتلكات العامة الموزعة على جميع المتهمين في القضية والتي تُقدر بـ17 مليون جنيهاً، وهذه الممتلكات -مثل مبنى مجلس الوزراء- كانت تعرضت لهجوم في سياق التظاهرات التي تلت أحداث ثورة 25 يناير،من قبل الثوار والجماهير الغاضبة.

كما أضاف المحامي، أن المسجون المحكوم عليه بغرامات جنائية من حقه في الحالة الطبيعية، تقديم طلب إلى النيابة بالدفع تقسيطاً على تسعة أقساط، وهو ما يمكن تطبيقه في سياق الإفراج الشرطي على دومة، لكنه يرجع إلى قرار النيابة.

أحمد دومة لا يعتبر سجيناً سياسياً عادياً في المعتقلات المصرية، فتاريخ اعتقاله يشير إلى اعتقاله في الأنظمة الثلاثة التي توالت قبل الثورة وبعدها.

كما أن بروز اسم دومة كناشط ومدون صحافي ينتمي إلى حركة “كفاية” التي تأسست عام 2004، وقامت اعتراضاً على توريث الحكم لجمال مبارك، جعل منه- بسهولة- رمزاً مألوفاً للوجوه الشابة التي تصدرت المشهد أثناء ثورة 25 يناير. 

تم اعتقال أحمد دومة للمرة الأولى عام 2009، أثناء محاولته العبور إلى قطاع غزة لتقديم التضامن إلى القطاع أثناء الهجوم الحربي الإسرائيلي على غزة، وفي كانون الثاني 2011، اعتقل دومة مجدداً بتهمة تخريب الممتلكات العامة والتحريض على العنف ضد مؤسسة الجيش، وذلك عقب أحداث مجلس الوزراء في كانون الأول/ ديسمبر عام 2011، كما أنه اعتقل مرة أخرى عام 2013، بتهمة إهانة الرئيس السابق محمد مرسي، أثناء مداخلة تلفزيونية له عبر الهاتف.

واعتقل أيضاً، في كانون الأول، من العام ذاته، بعد مشاركته في الاحتجاجات التي أقيمت ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين، وصدر حكم بسجنه لثلاثة أعوام، وأخيراً، تمت محاكمته أثناء هذا الاعتقال، بتهمة تخريب المباني والممتلكات العامة التي ترجع إلى أحداث مجلس الوزراء، وأحداث إحراق المجمع العلمي بالقاهرة، وآخر حكم صدر بمعاقبة دومة بالسجن 15 عاماً ودفع غرامة مالية قدرها 6 ملايين جنيه.

على هذا التاريخ الثوري والاعتقالي، تم التعامل مع أحمد دومة كشخص يمثل خطراً فكرياً وثورياً يهدد النظام المصري بعد الثورة، وهو النظام الذي لا يتوانى عن التنكيل- مستخدماً أبشع السبل- بأي طريقة محتملة توقظ هذا الخطر، أو تهدد العرش القائم على حريات وجثث الثوار.

يعدّ أحمد دومة صفةً لحالة جماعية، وليس شخصاً اعتقله النظام لأعوام طويلة، كما أنه يعد رمزاً من الرموز القليلة لجيل ثوري كامل، وهي الرموز التي نكّل بها -في ما بعد- واستخدمت الدولة هذا التنكيل لتصفية الحسابات مع ثورة 25 يناير، المصرية. وتضمن هذا التنكيل أيضاً، تغريم المحكمة دومة بهذا المبلغ المالي الضخم، وإقراره بعد ذلك في محكمة النقض.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.