fbpx

في الشرق الأوسط ليس لدينا وقت للحديث عن تغيُّر المناخ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لو لم يكن لدينا في الشرق الأوسط الكثير من المشكلات الأخرى، كنا ربما لنناقش مسألة تغير المناخ وأثرها على حياتنا. ولكن لا، ليس الآن ونحن مشغولون جداً بالتدمير الذاتي الذي لا ينتهي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حطَّ حوالى 20 ألفاً من المبعوثين و”قادة العالم“ رحالَهم في مدينة غلاسكو البريطانية للتشاوُر حول كيفية إنقاذ مناخنا، فيما أتى بعضهم بطائرات خاصة. ويجتمع هؤلاء بين 31 تشرين الأول/ أكتوبر و12 تشرين الثاني/ نوفمبر في مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين حول تغيُّر المناخ. وتسعى قمة غلاسكو إلى ضمان أن يظل ارتفاع درجات الحرارة عالمياً في حدود 1.5 درجة مئوية خلال هذا القرن، وذلك عبر خفض انبعاثات غازات الدفيئة.

وفيما يحضر كثر من قادة العالم القمة، ومنهم الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، فضَّل قادة آخرون عدم الحضور، ومنهم الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد ألغى رحلته إلى غلاسكو في آخر لحظة.

ولكننا في الشرق الأوسط لا نمتلك الوقت الكافي لنقاش مسألة تغير المناخ؛ فنحن مشغولون بمشكلات أكثر إلحاحاً. فنحن في خضمّ حروب دينية، ومدن صارت اليوم خراباً، واقتصاداتنا تنهار إن لم تكن أفلسَت بالفعل. فيما يمثّل اللاجئون من أماكن أخرى تهديداً لما تبقّى من نمط حياتنا السابق. وهناك مشكلات كثيرة، فكيف لنا أن نتحمل رفاهية الحديث عن ”تغير المناخ“؟

إن تغيّر المناخ ليس من مشكلاتنا، وإنما هو مشكلة الدول الغنية.

لو لم يكن لدينا في الشرق الأوسط الكثير من المشكلات الأخرى، كنا ربما لنناقش مسألة تغير المناخ وأثرها على حياتنا. ولكن لا، ليس الآن ونحن مشغولون جداً بالتدمير الذاتي الذي لا ينتهي.

ولولا تلك المشكلات، لَربما لاحظنا أن مسألة تغير المناخ، لا سيما الارتفاع السريع في درجة حرارة الأرض، تمسّ منطقة الشرق الأوسط أكثر بكثير من الدول الغنية. فشبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا وبلاد الرافدين وآسيا الوسطى من أكثر المناطق جفافاً وقَحْلاً على الكوكب. وابتداءً، نجد أن الشرق الأوسط الكبير يعاني من ندرة المياه، وهو أكثر دفئاً من المناطق الأخرى. أما الأسوأ فأنه بينما تقدّر التوقعات العلمية أن يصل متوسط ارتفاع درجات الحرارة عالمياً إلى درجتَين مئويتَين بحلول عام 2050، فإن التوقعات ذاتها تقدِّر أن تشهد منطقة الشرق الأوسط خطر تضاعُف ذلك المتوسط، ليصل ارتفاع درجات الحرارة فيها إلى 4 درجات مئوية.

ولكن حتى من دون تغير المناخ، فإن موارد المياه تتعرض لضغوط في المنطقة. وأوضح الدلائل على هذا هو نضوب البحيرات والبحار الداخلية. فكارثة بحر آرال أشهر من التعريف؛ إذ ضحّى المخططون السوفيات ببحر آرال حين قاموا بتحويل مياه نهرَي آموداريا (جيحون) وسيرداريا [سيحون] من أجل زراعة القطن في السهول القاحلة بآسيا الوسطى. أما في إيران، فيتناقص مستوى المياه في بحيرة أرومية منذ عام 1995، نتيجة استخدامها في أعمال الريّ، وقد تقلّصت مساحتها من 5 آلاف كيلومتر مربع عام 1997 إلى عُشر تلك المساحة بحلول عام 2013 لتصل إلى 500 كيلومتر مربع، وما زالت في تناقص مستمر. وعلى صعيدٍ آخر، يتراجع مستوى مياه بحر قزوين أيضاً، وإن يكن بشكل أبطأ، بمقدار 7 سنتيمترات سنوياً، ولكن بنهاية القرن الحالي قد ينقص مستوى مياهه نحو 10 أمتار عمّا هو عليه اليوم، وستكون لذلك عواقب بيئية واقتصادية قاسية. أما البحر الميت فمثال آخر على الكارثة البيئية المستمرة؛ إذ تراجَع مستوى مياهه في العقود الأربعة الأخيرة نحو 40 متراً. فنحن في الشرق الأوسط نستهلك من المياه أكثر مما هو متاح وقابل للتجدد.

ويتسبّب شحّ المياه في مشكلات كبرى بين الدول. ولنأخذ العراق على سبيل المثال، وهو دولة تعتمد على مياه نهرَي دجلة والفرات؛ فقد قلّ تدفق المياه من الجبال في تركيا بمقدار 40 في المئة، مقارنة بما كان عليه الحال في سبعينات القرن الماضي. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى ”مشروع جنوب شرق الأناضول“، وهو مشروع ضخم لبناء 22 سدّاً، أقامته تركيا بدءاً من مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي. وهذا النظام يحتفظ اليوم بالمياه في منطقة جنوب تركيا، ويفاقِم من شحّ المياه في اتجاه مجرى النهر في سوريا وفي العراق على وجه الخصوص. ومن جهة أخرى، فإن بغداد في صراع مماثل مع طهران، حتى إنها هددت مؤخراً برفع دعوى قضائية ضد طهران في محكمة العدل الدولية، بسبب إغلاق طهران مجرى النهر.

وآثار ذلك كارثيّة على الزراعة العراقية: ففي السبعينات كان لدى العراق 6 ملايين هكتار من الأراضي المزروعة، أما اليوم فلا يمتلك سوى 3 ملايين و750 ألفَ هكتار.

إن تغيّر المناخ ليس من مشكلاتنا، وإنما هو مشكلة الدول الغنية.

في غضون ذلك، يتزايد الطلب على المواد الغذائية. فبينما كان تعداد سكان العراق 10 ملايين فقط عام 1970، فإن سكانه اليوم يقدّرون بحوالى 41 مليوناً. وليس العراق البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يشهد ذلك الانفجار السكاني؛ فقد كان عدد سكان اليمن- أحد أفقر البلدان في العالم- 23 مليوناً منذ عشر سنوات، والآن يزيد عن 30 مليوناً. أما مصر فقد كان عدد سكانها 82 مليوناً حين اندلعت ثورات الربيع العربي عام 2011، واليوم تجاوز عدد سكانها 102 مليون. وقد كان من شعارات جمال عبد الناصر جعل مصر تكتفي ذاتياً من المنتجات الزراعية. لكن كانت مصر بحلول عام 2011 تستورد بالفعل نصف الاحتياجات الغذائية لسكانها، ما جعلها عُرضة لتقلُّبات السوق العالمي.

مع تحوُّل المياه إلى مورد نادر على اليابسة والقارات، يعرّض ارتفاع مستوى سطح البحر المناطق الساحلية للخطر. فمن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بين 3 إلى 5 أمتار بحلول نهاية القرن الحالي، ما يعرض أجزاء من إسطنبول للخطر، فيما تصبح مدينة الإسكندرية في مصر، التي يسكنها 5 ملايين، عرضةً ”للغرَق“.

والآن، من بين جميع المخاطر المرتبطة بتغير المناخ ونضوب الموارد، وهي المخاطر التي لم تجذب انتباه قادة الشرق الأوسط، هناك مسألة تثير مخاوف كثيرين؛ وهي الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الكربون. تعتمد دول ومستبدون وجيرانهم وحلفاؤهم على أموال النفط الناتجة عن الصادرات الهيدروكربونية. فالمملكة العربية السعودية وحدها تضخ من باطن الأرض 9.5 مليون برميل نفط يومياً، ”في كلّ يوم“. ويصل الإنتاج العالمي من النفط اليوم 96 مليون برميل يومياً، ثلث الكمية تُنتَج في الشرق الأوسط. ويتأثر اقتصاد المنطقة بأكملها بالصناعات الهيدروكربونية، حتى إن الدول غير المنتجة للنفط تعتمد بشدّة على أموال النفط التي تُستثمر في اقتصادها. ولولا توفر السيولة الضخمة الناتجة عن الصناعات الهيدروكربونية لَما حدَثت كل طفرة البناء تلك التي شهدتها المنطقة.

كيف سيواجه الشرق الأوسط التحول المقبل بالنأي عن الاعتماد على الهيدروكربون، مع إدارة الآثار الجانبية للتصنيع القائم على الكربون؟ حتى هذه اللحظة لا تؤخذ هذه الأسئلة على محمل الجد في المنطقة؛ فلديها مشكلات كثيرة ملحّة عليها مواجهتها ومعالجتها.

إقرأوا أيضاً: