fbpx

هل جميع السوريين يحبون صباح فخري؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فخري، بدا جزءاً من صورة حلب، كمدينة شديدة الحساسية لخصوصيتها، وجزءاً من الصورة، التي تريد السلطة تصديرها، حيث الفن والطرب والمطبخ يستعاض بها عن الاجتماع الذي انتفض جزء منه في الثمانينات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على رغم النعي السوري الواسع، لكن موت صباح فخري، بدا حلبياً. رُبط الفنان الراحل بالمدينة وهويتها وثقافتها وذاكرتها. نادرة هي الصلات التي تربطه ببقية سوريا، عدا وجود متذوقين لأغانيه، هنا وهناك. وفخري، فعلياً، امتداد لتاريخ الطرب وتحولاته في حلب، ويقدم لوناً غنائياً ينتمي إلى المدينة، وتوارثته أجيال وأضافت إليه، وطورته عبر الزمن. وبقدر ما أن ربطه بحلب، أمر طبيعي، فإن هذا الربط يحيل إلى سؤال حول عدم انتشاره في مدن أخرى. فالسوري الذي يعيش في دير الزور أقرب إلى تذوق الفن العراقي، منه إلى الطرب الحلبي، وكذلك الذي يعيش في قرى الساحل، ينحاز إلى فن يحاكي بيئته، ومثله ابن السويداء، الذي يقيم في الجنوب.

المناطقية هنا، معطوفة على الطائفية، في تشكيل الذائقة الفنية. علي الديك، مثلاً هو بمثابة صباح فخري العلويين، يقدم أغاني بصوت قوي تتحدث عن عوالم القرية وعلاقاتها. عند صعود نجمه، حاجج كثر بأن الديك علامة على انحطاط الفن، غير أن مثقفين تولوا مهمة الدفاع عنه وربطوا فنه بتراث المنطقة وتقاليدها. وعملياً، الديك كان مزيجاً من الانحطاط الفني والتعبير المشوه عن ثقافة المنطقة التي ينتمي إليها، لكن الانحطاط أمّن له انتشاراً، لم يحظ به فخري، سوى على مستوى النخب. انتشار أغانيه توازى مع انهيار كامل للطبقات الوسطى، والتعليم، وتوغل الفساد والمحسوبية، واستسلام المجمع سياسياً أمام السلطة.

أما، فخري فقد عكس علاقة مدينته حلب ببقية سوريا، مدينة مكتفية بذاتها، تملك تراثها وذاكرتها ومطبخها. خصوصية مغلقة، غير قابلة للتصدير كنموذج لبقية المدن، فيما الأخيرة أيضاً غير مستعدة، لاستقبال ما يغير تذوقها للفن. “الأيقونة” و”ملك القدود” و”سيد الطرب”، ألقاب أغدقت على فخري، كتعويض عن انحسار انتشاره وبقائه في عوالم حلب، وكرمز تعويضي لمدينة، تعرضت لحملات عنيفة في الثمانينات، ولم يرض النظام عليها سوى بعد انفتاحه على تركيا، والانفتاح هذا لم يكن بلا دلالة، فحلب مدينة سورية لديها استعداد، للانفتاح على الجوار، حتى لو تجارياً، أكثر من الداخل، وهذا سبق أن تكرر، في الخمسينات حين انحاز حزب الشعب الذي يمثل برجوازيي المدينة، للعراق في مواجهة انحياز مضاد لبرجوازيي دمشق.

فخري، بدا جزءاً من صورة حلب، كمدينة شديدة الحساسية لخصوصيتها، وجزءاً من الصورة، التي تريد السلطة تصديرها، حيث الفن والطرب والمطبخ يستعاض بها عن الاجتماع الذي انتفض جزء منه في الثمانينات.

وعلى نقيض فخري الذي عكس الخصوصية المغلقة، والديك الذي جمع الانحطاط مع محاولة تمثيل بيئته، تبدى جورج وسوف، أقل تمثيلاً لبيئته ومدينته حمص. وعلى رغم أن بعض سكان وادي النصارى، يرفعون صوره، في محالهم، كاعتزاز بابن المنطقة والطائفة، لكن هذا الفنان، قدم أغاني لبنانية ومصرية، ما جعله يحظى بانتشار عربي واسع ويصبح ظاهرة عابرة لقريته ومدينته، ويجمع مريدين من جميع الطوائف والمناطق. صحيح أن نجاح الوسوف يتعلق بالدرجة الأولى بصوته ومسيرته الفنية وشخصيته الشعبوية. لكن انفصاله عن بيئته عكس افتقار مسيحيي سوريا لأي خصوصية، حتى، ولو مناطقية. من زحلة اللبنانية مثلاً، خرج عدد كبير من الفنانين، وحظوا بانتشار عربي واسع، مع ذلك، تلحظ في أغانيهم حضور منطقتهم، وتذكيراً دائماً بمعالمها. أما وسوف الذي طالما يتردد على قريته في وادي النصارى، وأحياناً يقيم فيها فترات طويلة، فبقيت أغانيه، بعيدة من نسج أي علاقة مع المنطقة التي يتحدر منها. ولم يكن ذلك انفتاحاً على الآخر، بقدر ما كان جهلاً بتجسيد الذات. 

حيرة المسيحيين في فهم أنفسهم التي عكسها الوسوف، تبدت درزياً، بشكل مختلف. فالفنان الراحل فهد بلان، لم يعكس في أغانيه مدينته السويداء، إلا نادراً. لكن الصورة التي نسجت له، كصوت “رجولي” “جبلي” “قوي”، “يلهب المشاعر الوطنية”، عكست الصورة التي يريد الدروز تبنيها عن أنفسهم، كأقوياء وأشداء وينتمون إلى منطقة لطالما دافعوا عنها. بيد أن لصورة بلان بعداً آخر، يتعلق بأغانيه الوطنية وأحياناً القومية، بحيث يتبدى أكثر تأرجح الجماعة الدرزية بين تصدير صورة القوة، لاتقاء عنف الآخر، وتلبس خطاب هذا الآخر وتبنيه، كعروبة وإسلام. وبلان جمع في صورته المنسوجة، هذين الوجهين، فإن غنى للوطن الواسع، السوري والعربي، حصر أهالي جبل العرب، الوطن بأغانيه المؤداة بصوت جهوري جبلي قوي، بمنطقتهم، التي غالباً ما تعيش توترات مع محيطها وتشعر بتهديد دائم.

علاقة السوريين، بفخري والديك ووسوف وبلان، مرتبطة، إذاً بعلاقتهم بجماعاتهم ومناطقهم، انفصالاً واتصالاً، تمثيلاً للبيئة وخروجاً عنها، ضياعاً للخصوصية وإغلاقها، تلبساً لخطاب القوي وإعادة استقباله لاتقاء “شر” المحيط. أي هي مرآة للانقسامات الموجودة تاريخياً والتي استثمر بها النظام واستغلها لمصلحته، لتبقى مؤثراً أساسياً في حياة السوريين، فالبلاد لم تمر بتجربة دولة- أمة، ووطنية مرنة تستقطب الجميع، بمعنى لم يحظ، ابن الساحل بفرصة الاستماع، إلى قدود صباح فخري، بالمتعة نفسها التي يستمتع بها أوروبي أبيض بموسيقى الجاز، حيث النضال ضد العنصرية قطع أشواطاً.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.