fbpx

“الاحتضان” في مصر… فرص لحياة جديدة ممنوعة على المسيحيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تواجه الأسر المسيحية أزمة في تبني الأطفال والحصول على حق تقديم الرعاية الدائمة لأحد الصغار الموجودين في دور الأيتام، لم تحصل أسرة مسيحية واحدة حتى الآن على حق احتضان طفل، على رغم تسهيل القوانين والإجراءات الخاصة بهذه القضايا في الآونة الأخيرة في مصر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أجيال متعاقبة تتذكر فيلم “العذراء والشعر الأبيض”، الذي رسم شخصية الابنة اليتيمة شيريهان، كطائشة مع والديها الكافلين، (نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز)، مهما قدما لها من سبل الرعاية، وفي لحظة جنونية تُغرم بأبيها بالتبني، وتطبع قبلة فجائية على شفتيه، يتشكك معها المشاهد في مدى مشروعية الكفالة من أساسها، وهل تحل أزمة أم أنها تزيد الطين بلة. هذه الصورة النمطية ترسخت معها كراهية التبني المحرم في الإسلام، ومن ثم أعاقت المسيحيين من ممارسة هذا الحق.

المبادرات الاجتماعية التي دشنتها نساء حاضنات على منصات التواصل الاجتماعي أزالت الوصم عن التكافل تدريجياً، وقدمت الفكرة في ثوب جديد غلفته بكلمة “الاحتضان” الأكثر لطفاً وقبولاً، ثم أعقبها تسهيلات قانونية، ومبادرات حكومية، تكاتفت من أجل تحسين أوضاع الأطفال داخل دور الرعاية بمنحهم فرصة حياة جديدة، مع هذا لم تستطع أسرة مسيحية واحدة احتضان طفل، حتى مع مشروعية التبني في المسيحية. 

التبني مسموح في المسيحية… فما الأزمة؟

التبني بمفهومه الواسع بنسب الطفل إلى اسم أسرة بديلة، لا مشكلة فيه لدى المسيحيين من الأساس، وكان معمولاً به حتى سبعينات القرن الماضي، وفقاً للائحة 1838 الخاصة بتنظيم قوانين الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، التي أجازت في أحد بنودها التبني، وفق شروط، منها تجاوز المتبني عامه الأربعين، وألا يكون لديه أبناء شرعيون، وأن يكون فارق العمر بينه وبين الطفل 15 عاماً على الأقل، وغيرها من الاشتراطات التي وصفها المسيحيون بالتعجيزية، إلا أن الدولة المصرية ظلت تبيحه حتى عام 1996 وقت صدور قانون الطفل رقم 12 الذي حظره بشكل تام.

حاولت الكثير من المبادرات الفردية إعادة تمرير مادة قانونية تجيز للعائلات المسيحية التبني لكن من دون جدوى، كان بينها محاولتان للمحامي نجيب جبرائيل، مدير الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، عامي 2010، 2015، حين قدم مشروع قانون لمجلس الوزراء يضمن تسهيلات التبني، وقوبل بالرفض في المرتين.

منذ ذلك الوقت ظل المُشرع متمسكاً بتقييد حق المسيحيين في التبني، وفق قوانين ذات صبغة إسلامية، ظهرت نتائجه على أرض الواقع بتحايل الكثير من الأسر على القانون، واللجوء إلى شراء رضع من أحد الأسر الراغبة في التخلص من طفلها، أو بالتزوير في نسب أطفال بالاتفاق مع إحدى دور الرعاية كما حدث في القضية الأشهر عام 2008 ، حين قام المصري مدحت بسادة وزوجته الأميركية سوزان جيم جيلهان، بتبني طفل حديث الولادة من أحد الملاجئ، وحصولهما على شهادة ميلاد مزورة، ليتمكنا من نسبه إليهما.

المحامي نجيب غبريال ألقى باللوم على الدولة في المقام الأول، معتبراً أن القيود الإسلامية على التبني تعيق المصريين المسيحيين عن ضم أطفال مجهولي النسب لهم، كانت الشرارة التي خلفت وراءها اللجوء إلى قنوات غير شرعية من أجل الحصول على حق معطل.

تخوفات دور الرعاية… العائق الأكبر

أصبحت تلك القضية التي حكم فيها على الزوجين وكل من قدم تسهيلات لهما بالسجن من سنتين إلى 5 سنوات، بتهم الإتجار بأطفال حديثي الولادة، وكان هذا بمثابة العصا التأديبية أمام دور الرعاية المسيحية التي أغلقت أبوابها في وجه كل من يرغب في التبني أو حتى الكفالة القانونية المتاحة في مصر.

لم تستطع أسرة مسيحية واحدة احتضان طفل، حتى مع مشروعية التبني في المسيحية. 

وفقاً لتصريحات ريم أمين، عضوة لجنة الأسر البديلة بالتضامن الاجتماعي، فإن خطة الدولة تطمح إلى القضاء على الحاجة إلى دور الأيتام بحلول 2025، هذه التصريحات الوجيهة لم تستفد منها الأسر المسيحية، فلا تزال تواجههم أزمة احتضان الأطفال والحصول على حق تقديم الرعاية الدائمة لأحد الصغار الموجودين بدور الأيتام.

تصطدم الأسر بأن دور الرعاية المسيحية تتعامل وكأنها خارج الزمن، فمديروها ليست لديهم المعرفة ولا الثقة الكافية بالتشريعات الحديثة، ويرفضون إعطاء الأطفال للأسر الحاصلة على الموافقات من وزارة التضامن الاجتماعي. هذا بخلاف تحفظ العقلية العامة للقادة المسيحية تجاه إجراءات التبني، واحاطتهم الفكرة برمتها بحائط من التخوفات المبنية على صدامات سابقة مع الدولة.

مبادرة لم تحصد ثمارها حتى الآن

شهدت السنوات الأخيرة الكثير من تيسيرات إجراءات الكفالة، أبرزها تشريعات تخفيض سن الزوجين المسموح لهما بالكفالة إلى 21 عاماً بدلاً من 25، وتغيير مصطلح الأسرة البديلة إلى الكافلة، والاكتفاء بمعرفة القراءة والكتابة بدلاً من شرط الحصول على مؤهل دراسي، كما يتم السماح بإضافة الاسم الأول للأم البديلة أو الأب  البديل، أو لقب العائلة في الأوراق الرسمية.

أما الإجراءات الخاصة بالتقديم على طلب كفالة طفل هي واحدة بين المسيحيين والمسلمين، بحسب مارلين ناجح، مؤسسة “مبادرة كفالة طفل مسيحي”، لـ”درج”، فإن الأسر تقدم طلباً إلى وزارة التضامن، ومستندات تفيد بتوافر الشروط المعلنة من اتفاق ديانة الأسرة مع الطفل، وتوافر الشروط الصحية والنفسية والمادية للراغبين في الاحتضان، ما يعني عدم وجود ما يمنع أي أسرة مسيحية من الكفالة المنزلية. 

وتشير مارلين إلى وصول عدد الأسر المسيحية في المبادرة إلى 20 أسرة حصلت منهم أسرتان فقط على الموافقة الصورية، ومع ذلك لا يزال الحصول على طفل معطلاً حتى الآن. 

الأطفال مجهولو النسب جميعهم مسلمون

ثمة عراقيل أخرى تواجه المسيحيين في الاحتضان، منها ما يخص قلة أعداد الأطفال أنفسهم في دور الرعاية المسيحية، وديانتهم. فمن المعروف أن أي طفل مجهول النسب يتم إلحاقه تلقائياً إلى الدين الإسلامي، ومن ثم إحالته إلى أحد الملاجئ الإسلامية، ما يعني أن الأطفال الموجودين بدور الرعاية المسيحية معلومو النسب، ولديهم روابط عائلية تقوم بكفالتهم من آن إلى آخر، أو أنهم كبار نسبياً، اضطروا للبقاء في دور الرعاية لأسباب تتعلق إما بوفاة الوالدين، أو مرضهما أو فقرهما الشديد وعدم قدرتهما المالية على التكفل بهم، ويصبح هؤلاء الأطفال في أعمار المراهقة غير مرغوبين للتبني، كونهم نشأوا بطريقة معينة يصعب تغييرها مقارنة مع الرُضع.

تقول مارلين: “حتى الحالات القليلة جداً التي يمكن تبنيها، ترفض دور الرعاية المسيحية تقديمها إلى الأسر الحاصلة على موافقات من وزارة التضامن الاجتماعي، بسبب تخوفهم من نتائج التبني غير القانوني، وعدم معرفتهم بمستجدات القوانين الميسرة للكفالة، هذا بخلاف رفض تنسيق الطرفين، أي موظف الوزارة ومسؤول دور الرعاية، مع بعضهما بعضاً لمصلحة الأسرة”.

محاولات الأسر المسيحية لتحقيق حلم الكفالة تنتهي إلى لا شيء، فبعد الحصول على الموافقات من الوزارة، تظل الأسرة تبحث عن طفل مجهول النسب في دور الرعاية المسيحية، وهو بمثابة السعي إلى إيجاد إبرة وسط كومة قش، ثم تواجه الرفض من دار الرعاية نفسها، وإذا قررت إحدى الحالات الرجوع مرة أخرى إلى الوزارة لتقديم شكوى، تصطدم بموظفين لا يعرفون شيئاً عن الملاجئ المسيحية، وليست لديهم أدنى فكرة عن سبب الرفض…

وفي المقابل هناك 11 ألف طفل يتيم يحتاجون إلى أسر بديلة، وذلك وفق محمد عمران، المستشار القانوني لوزارة التضامن الاجتماعي، الذي أشار خلال تصريحات سابقة إلى أن أعداد الأسر البديلة وصلت إلى حوالى 1142 عائلة تتكفل بـ11658 طفلاً يتيماً، حيث تتكفل بعض الأسر  بأكثر من طفل.

وأوضحت أيضاً وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين قباج، خلال افتتاحها مؤسسة “يلا كفالة” في شهر تموز/ يوليو 2021، زيادة عدد الطلبات المقدمة إلى الوزارة للحصول على تصريحات كفالة، بنحو 2500 طلب منذ حزيران/ يونيو 2020، ما يعد أكبر عدد طلبات يتم تقديمه على مدار عام فقط. 

يرى القس رفعت فكري، رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية، في سنودس النيل الإنجيلي، أن المؤسسات عليها استيعاب فكرة التبني بعيداً من كونه فرصة لزيادة أعداد المسلمين أو الانتقاص منهم، هو فرصة لاحترام حقوق الطفل وإنقاذه من الشارع أو العيش بقية عمره بلا أسرة، كما أنه يحقق حلم الأمومة والأبوة لمن حرم منها.

ويعتبر أن قصر الإجراءات لتشمل نسب الأطفال إلى الدين الإسلامي، من دون الالتفات إلى أزمات الأسر المسيحية البديلة، من شأنه فتح الباب أمام التحايل على القانون بطرائق غير مشروعة لحصول الأسر الراغبة في التبني على طفل.

حالات على وشك فقدان الأمل

أمام أيقونة السيدة مريم في كنيستها “العذراء العزباوية” في منطقة الأزبكية في القاهرة، تشعل “ميرفت.ن” السيدة الأربعينية شمعة باسم سيدات مبادرة “كفالة طفل مسيحي“، كلما ذهبت إلى هناك، متوسلة إلى الله أن يحقق أمنياتهن في احتضان أطفال مثل نظيراتهن المسلمات.  

حاولت ميرفت مع زوجها مراراً التردد على عيادات أطباء النساء والتوليد، جربا عملية الحقن المجهري 3 مرات على مدار زواج دام 12 عاماً، تكلفا خلالها مئات الآلاف من الجنيهات، ومع ذلك ظل حلم الأمومة يراود ميرفت التي فقدت الأمل في العلاج، لكنها وجدت طاقة نور من المبادرات الخاصة بالاحتضان.

تقول لـ”درج”، “لم يكن تبني طفل حلاً مطروحاً بيني وبين زوجي، حتى شاهدت فيديو ليمنى دحروج صاحبة مبادرة “الاحتضان في مصر”، على فايسبوك، لمستني معاناتها مع الإنجاب، شعرت بها وبحاجتها لمن يعوضها عن الأمومة المفقودة، كما أحببت علاقتها الحميمية مع ابنتها بالتبني ليلى، بعدها أخبرت زوجي وشاركته الفيديو وتأثر به كثيراً ووافق على الفكرة قبل أن نصدم بدوامة القوانين والتعطيلات التي أعاقت حلمنا”.

هناك 11 ألف طفل يتيم يحتاجون إلى أسر بديلة.

“مريم” اسم مستعار، غير متزوجة وسنها تخطى الأربعين عاماً، حاولت أن تتحدث مع مسؤولي الرعاية في دور الأطفال، فوجئت بردودهم الفاترة. أحدهم قال: “طالما أنك تحبين الأطفال تعالي اشتغلي في دار الأيتام”، كما حاول كاهن إثناءها عن الفكرة بكلمات تخبرنا أنها سببت لها حزناً عميقاً: “هاتوقفي حالك، حاولي تخدمي أيتام أحسن من التبني”.

لم تحصل منال على موافقة وزارة التضامن حتى الآن، لكنها تشعر بخيبة أمل تجاه الأفكار الجافة عن التبني في المسيحية، تقول: “كأن الوضع انقلب، قلة التوعية وعدم وصول نتائج الحملات إلى دور الرعاية المسيحية، يعني أن هناك تقصيراً ما على الدولة تداركه”.

الأسباب نفسها تكررت مع ديفيد (45 سنة) وزوجته حين قررا تبني طفل بعد سماعهم عن تسهيل الإجراءات، وبعد رحلة من البحث صدموا برفض دور الرعاية التي أخبرتهم أن التبني ممنوع وأن الأطفال داخل الدار معلومو النسب وليسوا في حاجة للتبني. 

صاحبة “مبادرة الاحتضان” في المسيحية، تؤكد أن أعداد الأسر المسيحية التي تنشد احتضان ابن/ ابنة تزداد كل يوم، ورفض دور الرعاية مسؤولية مشتركة تقع على رجال الدين المسيحيين الذين يحتاجون لفهم الجديد في التشريعات، وأيضاً على الدولة المنوط بها التواصل مع الجميع، وحل الأزمات التي تحول دون دولة المواطنة لا سيما في مثل هذه القضايا الهادفة للترقي الإنساني.

إقرأوا أيضاً: