fbpx

أكبر مجمّع للسجون في مصر:
ينقص الخبز وتكثر الزنازين!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن مصر، التي تحتل المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد السكان، تعتزم أن تملك السجن العربي الأكبر. إلاّ أن خوفنا يكمن في كون البلد بأسره بدأ يتحوّل إلى سجنٍ كبير. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دشنّت الدولة المصرية أكبر مجمّع للسجون في منطقة وادي النطرون. وبحسب التقارير الصحافية الصادرة من القاهرة، فإنّ مجمّع السجون هذا تبلغ مساحته مليوناً و700 ألف متر مربع؛ ما يجعله أكبر سجن تم تشييده في مصر، ويفوق حجم سجن طرّة مرة ونصف المرة. الماكينة الإعلامية التابعة للنظام المصري جندّت طاقاتها في سبيل الترويج لهذا المشروع، من خلال حملة دعائية على وسائل التواصل الاجتماعي أرفقت بأغنية تم إطلاقها لهذه المناسبة. يفاخر النظام بأنّ هذا السجن سيمحو تلك النظرة التقليدية التي عهدتها الشعوب العربية عن حال السجون فيها، معلناً أنّه مجهّز بتقنيات حديثة ووسائل “تحقيق الكرامة للنزلاء”، كالصالات الرياضية وأماكن الترفيه، إضافة إلى شاشات عرض تلفزيونية. ومن غير المعلوم كم بلغت تكلفة بناء هذا السجن، إلا أن مواطنين ساخطين على هذه الخطوة عبرّوا عن اعتراضهم على أولويات دولتهم، معتبرين أنّ أولوية الانفاق الحكومي يجب أن تتركّز على قطاعي التربية والصحة، لا بناء السجون. رسائل عدة يحملها افتتاح هذا السجن إلى الإدارة الأميركية التي عاودت بالفترة الأخيرة اثارة موضوع الحريات السياسية في مصر، مطالبةً باحترام حقوق الإنسان، بخاصة حرية الرأي والتعبير والنشر. ولا يبدو أن إعلان القاهرة عن الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر الماضي قد لاقى صداه في الأوساط الرسمية الأميركية والأوروبية، كما في الرأي العام، حيث كانت الدولة المصرية تتوقع من خلال إعلانها هذه الاستراتيجية أن تسكت الأصوات المعترضة على سجلها السيئ في حقوق الإنسان. وعلى رغم عدم توافر أرقام دقيقة عن السجناء السياسيين في مصر، إلا أنه وبحسب منظمات حقوقية دولية، فإنّ عددهم يناهز الـ60 ألفاً. 

خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، أعلن الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ضرورة تعديل منظومة الخبز في مصر، مشيراً إلى أن وزارة التموين تعكف حالياً على دراسة السعر الجديد للخبز المدعوم حكومياً. وكانت الدولة المصرية رفعت الدعم عن البنزين والمحروقات بشكل تدريجي بين عامي 2017، و2019،  وذلك التزاماً منها بشروط صندوق النقد الدوليّ، وها هي اليوم تلوّح برفع الدعم عن الخبز أو على الأقل تخفيضه. وتترتّب على الشروط القاسية التي يفرضها الصندوق على الدول النامية تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة تعمّق الفروقات الطبقية بين أبناء الشعب الواحد، وتزيد الأعباء المعيشية على كاهل الفقراء وذوي الدخل المحدود. في هذا الإطار، يخشى خبراء من أن يزيد رفع أسعار رغيف الخبز العبء على المصريين الذين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، بحسب الإحصاءات الرسمية. الجدير ذكره أنّ حجم ربطة الخبز في مصر ظلّ يتناقص في السنوات الماضية، وأن آخر تخفيض للوزن حصل في آب 2020، من 110 غرامات إلى 90 غراماً.  بالمناسبة، تسبّب قرار خفض دعم الخبز في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى خروج تظاهرات غاضبة انتهت بتراجعه عن هذا القرار. بيد أن السيسي يبدو وكأنه أكثر جرأةً من سلفيه خاصة أنه استطاع ومنذ توليه سدّة الرئاسة من إسكات المعارضين والتضييق على الحريات النقابية والإعلامية وتجويف المجتمع الأهلي وقواه الحيّة لمصلحة ديكتاتورية بدت وكأنها نسخة منقحّة عن ديكتاتورية الراحل حسني مبارك. 

إقرأوا أيضاً:

من نافل القول إنّ هناك ترابط عضوي بين الفقر والجريمة وهذا ما تؤكدّه دراسات دولية عديدة أجريت حول هذا الموضوع. فازدياد معدلات الفقر قد تدفع الإنسان للقيام بأعمال السرقة والنهب في ظلّ عدم توافر شبكات حماية اجتماعية. وبدلاً من سعي النظام المصري لتوفير العدالة الاجتماعية لأبناء شعبه، نراه يطلق سجوناً جديداً (ربما استعداداً للاتي). تذكرنّي هذه الحادثة بحكاية شعبية من حكايات الأديب والروائي اللبناني القدير الراحل سلام الراسي. القصة المعنونة “قصة الكوع” تقول بوجود “كوع” (منعطف) ضيّق خطِر كثرت عليه حوادث السيارات. فارتفعَت أصوات احتجاج المواطنين على أعتاب المسؤولين، التي كانت تصدر بعدها بيانات عن مدى اهتمام أصحاب الشأن، فتتولى درس الموضوع لجنة أو لجان عدة. وذات صباح، أفرغت شاحنات حمولة مواد بناء قرب “الكوع” وبدأ العمل. ثم جاء أحد كبار المسؤولين في موكب عظيم ووضع الحجر الأساس ولافتة كُتب عليها “المستشفى الوطني لضحايا الكوع”، وبقي الكوع على حاله. بعد المزيد من الاصطدامات تقرّر اتخاذ اجراءات جديدة من خبراء ومهندسين، وبوشر أخيراً ببناء كاراج فني حديث لإصلاح السيارات المعطوبة، وبقي “الكوع” على حاله. وبسبب عرقلة السير وتوقف المسافرين لبعض الوقت، خطر لرجل من قرية مجاورة أن يبني قرب “الكوع” حانوتاً لبيع المرطبات، وجاء آخر وبنى مطعماً صغيراً، وبعد ذلك أقدمت جماعة على إنشاء محطة بنزين، وشرع آخرون في بناء فندق وإحدى شركات التأمين على الحياة بنت لها مكتباً متواضعاً، وبقي “الكوع” على حاله. ثم بدأ صراع على ملكيّة الكوع بين أهل القرى المجاورة لاستثمار التجارات الرابحة، فبادر رجال الأمن إلى حماية “الكوع” وتشييد مخفر لتوقيف المشبوهين. وهكذا نشأ مجتمعٌ جديد حول “الكوع” لحماية التراث الوطني لأن ما تركه الآباء وقف على الأبناء، وبقي “الكوع” على حاله. العبرة من هذه الحكاية أنّ السلطات فعلت كل ما بوسعها إلا ردم الحفرة، فتلك هي سياسة الترقيع والتغاضي عن الأمور، والتلهي بقضايا ثانوية. النظام المصري طبّق تلك “الحدوتة” بحذافيرها: فبدلاً من إصلاح النظم السياسية والقانونية، والقضاء على أسس الظلم ومنابع اللا-عدالة، والتي عادةً ما تودي بالناس إلى براثن الفقر والجوع وقد تدفعهم حتّى الى تخطّي القوانين، نراه يفتتح سجوناً جديدةً بمعايير حديثة و”مودرن”. 

في مفارقة بدت لافتة ولكنها أتت من قبيل المصادفة لا أكثر، تمكّن علاء عبد الفتّاح، وهو أحد أبرز النشطاء السياسيين المصريين المعتقلين، من إصدار كتاب “في الأسبوع الثالث من تشرين الأوّل”، جمع فيه مقالاته المدونة في السجن بعنوان “أنت لم تهزم بعد”. الإعلان عن الكتاب جاء قبل أسبوع واحد من افتتاح السيسي مجمّع السجون (في الأسبوع الرابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر. وفي حقيقة الأمر، فإنّ احتجاز عبد الفتّاح وتدهور صحته في الآونة الأخيرة يذكّراننا بآلاف المعتقلين العرب في سجون بلادهم والذين دفعوا ضريبة دفاعهم عن الحرية والعدالة والكرامة. 

يبدو أن مصر، التي تحتل المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد السكان، تعتزم أن تملك السجن العربي الأكبر. إلاّ أن خوفنا يكمن في كون البلد بأسره بدأ يتحوّل إلى سجنٍ كبير. 

ولكن نحن لم نهزم بعد. 

إقرأوا أيضاً: