fbpx

حزب الله “أكبر من بلدو”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فيما تعدو أحزاب لبنانية كثيرة نحو شيخوختها، إذا ما استثنينا “حزب القوات اللبنانية”، يضاعف “حزب الله” ديمومته، فيما الرهان على انقلاب بيئته عليه، كواحد من عوامل تقشف في قوته، يبدو وهماً ثقيلاً تغذيه قدرة الحزب على الحضور اليومي فيها. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان في رفيق الحريري كل ما يشي بأنه أكبر من لبنان، لكن الرجل حين سؤاله عن موقعه من تلك المقارنة كان يجيب: “ما حدا أكبر من بلدو”.

مقاربة رفيق الحريري سيقت في زمن كان فيه “حزب الله” يكثف تناميه في البيئة الشيعية، وفي بيئات مذهبية أخرى، وبوتيرة متسارعة أفضت لاحقاً إلى البناء على المقاربة الحريرية المذكورة بما هي أقرب إلى نتيجة حاسمة. راهناً “حزب الله” أكبر من لبنان.

   ورفيق الحريري، وعلى أغلب الظن، دفع حياته اغتيالاً بعِلِّة ارتياب سوري- لبناني، أفضى إلى أن الرجل صار أكبر من لبنان، وتحديداً مع تولي بشار الأسد مقاليد الحكم في سوريا، وأن السياق المرجَّح لتأثير أي فرد أو جماعة سيتمدد خارج حدوده السياسية حين تسعفه القوة، وهو ما بنى عليه العقل الأمني في البلدين في الفترة التي سبقت التمديد لإميل لحود، ثم ما بعدها.

   حتى عام 2000 كان “حزب الله” لا يزال ممسوكاً بالتوازنات السياسية والطائفية اللبنانية التي صاغها حافظ الأسد، وكان محكوماً أيضاً بتسييل قوته في شريط حدودي بين لبنان و”إسرائيل”، وهي محكومية أسست لتمدد “حزب الله”، على رغم بعده المذهبي، في الوجدانين العربي والإسلامي، كسابقة لم يلبث  فتورها أن تسارع لاحقاً مع تجيير الحزب فائض قوته في ساحات أخرى، عسكرياً في سوريا والعراق واليمن، ومذهبياً في السعودية والبحرين، وباشر قبل ذلك مفاعيل تلك القوة في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري والانسحاب السوري، حيث لم يعد ممكناً الفصل بين حدود السياسة وحدود السلاح.

ما سبق يفضي إلى فهم الكلام المسرَّب راهناً لوزير الخارجية اللبناني عبدالله ابو حبيب عن استعصاء مواجهة “حزب الله” كمطلب دائم من الإدارة الأميركية أو النظام السعودي لخصوم الحزب وحلفائه في الداخل. وكلام ابو حبيب سبق أن قاله رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط للأميركيين والسعوديين في “مجالس الأمانات” التي لم تعد آمنة، وهي على الأرجح حتمية يبقى دواء دائها رهناً بتسويات إقليمية، أو حروب محتملة يُفترض أن تتنكبها”إسرائيل”، فيما الأخيرة على الأرجح لا تزال أسيرة آخر حروبها المباشرة معه عام 2006، والتي تستعيض عنها منذ فترة بغارات عسكرية هدفها المباشر عدم تنامي قدرته العسكرية. 

عموماً، فكرة إعادة حزب الله إلى حجمه اللبناني الذي ترسمه له الأطر الدستورية سيبقى وهماً بدون الرهانين السابقين إذا ما افترضنا نجاح أحدهما، وهو استعصاء تغذيه حقيقة أن تلك الأطر تتهاوى تباعاً في دولة صارت آيلة للسقوط، بسبب “حزب الله” نعم، لكن بالتواطؤ والتكافل مع كل القوى السلطوية الأخرى التي صارت ديمومتها أسيرةً لقوة حزب لا يكترث كثيراً بالسياسة وحدودها، قدر شغفه بالسلاح وتأثيره، وما دام يستعصي عليه صرف حضوره الشعبي كأكبر أحزاب لبنان في دولة يحكمها توازن طائفي سلطوي هو في الحقيقة مظلومية تحسب له بقدر ما يُحسب عليه استدراج السلاح إلى السياسة. 

إقرأوا أيضاً:

فبندقية “حزب الله” على ما قال نائبه السابق نواف الموسوي، هي التي أتت بميشال عون رئيساً لجمهورية، صارت في عهده طريقاً إلى جهنم، وهو القادر، شاء من شاء وأبى من أبى، على تطويع القضاء حين يُهدِّد قاضياً “بالقبع”، وهو يقاتل خارج الحدود متى شاء، وحيث شاء، وتحت عيون سلطة حضورها يتلاشى في صمتها، وهو، وهنا المفارقة، من يرسم الخطوط الحمر للجيش اللبناني على ما فعل أمينه العام في معارك الشمال مع “فتح الإسلام”، ثم في معركة “فجر الجرود” مع تنظيم “داعش”. 

   والحال، وفيما تعدو أحزاب لبنانية كثيرة نحو شيخوختها، إذا ما استثنينا “حزب القوات اللبنانية”، يضاعف “حزب الله” ديمومته، فيما الرهان على انقلاب بيئته عليه، كواحد من عوامل تقشف في قوته، يبدو وهماً ثقيلاً تغذيه قدرة الحزب على الحضور اليومي فيها. 

والمرء إذ يرصد واقع هذه البيئة من داخلها، ويرى تكثيف المناسبات الدينية وأثرها في الوجدان الشيعي العام، أو الطقوس الجنائزية شبه اليومية لمقاتليه في كيِّها لوعي لايزال ماضيه يرفد حاضره بالدم والمظلومية، أو في أدلجة جيل يافع سيرث بالضرورة كل الخطاب الذي باشره “حزب الله” منذ ثمانينات القرن الماضي عن أعدائه  كما عن راعيه، وعن فكرة أيديولوجية تقول بالدولة الإسلامية وولاية الفقيه، ويرى أيضاً قدسية سلاح هو بالمناسبة متن رايته الصفراء، وانتصارات تساق كحتميات عند حزب هو دائماً من الغالبين، سيدرك مُكرهاً أو بطلاً، أن قدَر “حزب الله” على الأرجح ليس بيد اللبنانيين، وأغلب الظن ليس بيد خصومه في هذا العالم، لكنه  بيد “حزب الله”، أو الله…

إقرأوا أيضاً: