fbpx

عمر الشغري: كيف سبقت
السجون السورية مسلسل Squid game؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يزال كثيرون في العالم الحقيقي، يتقبلون تماماً التطبيع مع النظام السوري المسؤول عن تعذيب عدد لا يحصى من الأشخاص حتى الموت. كل ما أستطيع قوله هو أن الحياة في بعض الأحيان، بالفعل أغرب من الخيال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عمر الشغري هو لاجئ سوري ومتحدث عام وناشط حقوقي.

شاهد كثيرون من معارفي مسلسل “لعبة الحبار” (squid game) الذي عُرض على منصة “نتفلكس”، الدراما الديستوبية التي تدور أحداثها في كوريا، حيث تشارك مجموعة من اللاعبين في نسخ سوريالية من ألعاب الأطفال الشعبية. يعاقب الخاسرون بالموت، إلى أن يظل لاعب واحد فقط على قيد الحياة.

شاهد أصدقائي المسلسل باعتباره شكلاً من مسلسلات الرعب، التي تتناول بشكل مثير للاشمئزاز الفجوة الساحقة بين الأغنياء والفقراء في مجتمعاتنا الرأسمالية. كان المسلسل بالنسبة إليهم مجرد حكاية خرافية مخيفة.

لكن المسلسل جذبني لأسباب مختلفة. فهو يذكرني بالسنوات الثلاث التي أمضيتها في السجون السورية. كانت مشاهدة المسلسل مؤلمة للغاية في أحيان كثيرة، لكنني شاهدته لعله يساعدني على استيعاب ما مررت به.

أثار المسلسل- الذي يسرد بالتفصيل قصة عالم وحشي تحكمه النزوات- بعض المشاعر الجياشة لديّ. لكن الحلقة السادسة تحديداً، التي جاءت بعنوان “غانبو”، كانت الأشد وطأة على نفسي. ففي هذه الحلقة تواجه الشخصيات الاختيار الأكثر وحشية إلى الآن، وذلك عندما يتنافس الأصدقاء والحلفاء ضد بعضهم بعضاً.

يُطلب من اللاعبين تشكيل ثنائيات، أول ما يخطر في بالهم هو اختيار الأشخاص المفضلين لديهم، غافلين عن الندم الذي سيعتريهم لاحقاً جراء هذا الاختيار. فبعد الإعلان عن قواعد اللعبة، يصطدم اللاعبون بالحقيقة المرة: سيتواجه الشريكان في كل ثنائي ضد بعضهما، والخاسر سوف “يُستبعد”.

عايشت داخل سجن صيدنايا السوري سيئ الصيت النسخة الواقعية من تلك الحلقة. فقد دخل الحراس إلى الزنزانة وطلبوا من صديقي جيهان تسمية صديقه المقرب بين النزلاء. فوجئت عندما لم يذكر اسمي. ففي نهاية المطاف، كنت صديقه في السجن لفترة أطول من أي شخص آخر. 

منحهم جيهان اسم صديق آخر. بعد ذلك، أعطاه الحارس مفكاً للبراغي وأمره بصوت هادئ، “إما أن تقتل صديقك بهذا المفك أو يضطر هو إلى قتلك. أمامك عشر دقائق”.

انصرف الحارس بعدما أغلق الزنزانة. ليبدأ الصديق على الفور في التوسل إلى جيهان قائلاً: “إذا قتلتني سيصبح طفلي يتيماً!”.

لكن جيهان كان مجبراً ولم يكن أمامه أيّ حل آخر. كان يعلم أن أحباءه سيعانون بعد موته. وفي الثواني الأخيرة، قرر قتل صديقه. ليحمل هذا الوزر على ظهره إلى الأبد. كانت هذه واحدة من أشد لحظات حياتي في السجن رعباً. فقد شاهدتُ أحد أصدقائي يقتل صديقاً آخر أمام عيني. أعادت مشاهدة مسلسل “لعبة الحبار” كل تلك الذكريات إلى ذهني مرة أخرى.

في جزء لاحق من الحلقة السادسة، ذكرتني الأحداث التي تضم الشابتين ساي بيوك وجي يونغ، بلحظة أخرى مررت بها في السجن. في هذه الحلقة، تقرر جي يونغ التضحية بحياتها والسماح لساي بيوك بالفوز. كانت ترى أن ساي بيوك أمامها مستقبل مشرق وأن في انتظارها حياة أفضل بعد انتهاء هذه اللعبة، لهذا تركتها تفوز عليها. 

مشاهدة جي يونغ ذكرتني بقوة بابن عمي بشير، الذي أمضى أشهراً معنا في السجن. وعلى النقيض من جي يونغ، لم يكن أبداً في وضع يسمح له بالتضحية بنفسه مباشرة، ولكنني أؤمن إيماناً راسخاً بأنه كان ليغتنم هذه الفرصة لو أعطيت له. إلا أنه فعل الشيء ذاته بطريقة غير مباشرة، من خلال إعطاء الآخرين القوة للبقاء على قيد الحياة. فعلى رغم أنه كان يتضور جوعاً مثل الآخرين، فقد شارك طعامه مع أولئك الأضعف منه. ومثل جي يونغ، استطاع بطريقة ما البقاء مبتسماً على رغم الفظائع التي تعرض لها في السجن. أتذكره دائماً بينما كان يجلس وذراعاه مرفوعتان تحت ذقنه، يبتسم إلى جميع السجناء. فقد استخدم ابتسامته لمساعدتنا على التمسك بإنسانيتنا.

فقد كان دائماً يخبرني عن المستقبل المشرق الذي ينتظرني خارج السجن، بل كان يفعل كل ما في استطاعته ليمنحني سبباً لمواصلة الحياة. بيد أنه في 3 آذار/ مارس 2014، توفي بشير بين ذراعيّ. وبينما كان يحتضر، نظر إلي وقال عبارة “مئة وردة” – وهي هدية رمزية تُعبر عن أنقى أشكال الحب والتسامح. وبالنسبة إلي، أصبحت هذه العبارة باللغة العربية- مئة وردة- مرادفاً للخير والإيجابية حتى في ظل أبشع أشكال الشر وأعظمها.

أثناء هذا المشهد من مسلسل “لعبة الحبار”، لم أرَ ساي بيوك وجي يونغ. بل رأيت نفسي أنا وبشير بينما كان يحتضر بين ذراعيّ.

 في مسلسل “لعبة الحبار”، يُخاطر الشرطي الشريف الذي يبحث عن أخيه المفقود بكل شيء لوضع حد لآلة الموت هذه. ومن العجيب أنه هو أيضاً لديه شخصية تشبهه في الحياة الواقعية، مثل المنشق المعروف باسم “قيصر”، الذي عمل في أحد سجون الحكومة السورية وتمكن في نهاية المطاف من تهريب الآلاف من صور الضحايا.

واليوم، تستمر “لعبة الحبار” التي يمارسها نظام الأسد في الإفلات من العقاب، بينما يتضاءل مستوى السادية والإجرام الذي نشاهده في المسلسل. غالباً ما يصور المسلسل الشخصيات التي تتمرد ضد الوحشية التي تتعرض لها. وهذا يقدم بعض الراحة للمشاهدين، الذين يتساءلون بصورة فطرية كيف يمكن أن تمر هذه الوحشية من دون عقاب.

مع ذلك، لا يزال كثيرون في العالم الحقيقي، يتقبلون تماماً التطبيع مع النظام السوري المسؤول عن تعذيب عدد لا يحصى من الأشخاص حتى الموت. كل ما أستطيع قوله هو أن الحياة في بعض الأحيان، بالفعل أغرب من الخيال.

هذا المقال مترجم عن washingtonpost.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا  الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: