fbpx

تعميم عنصري من رأس بعلبك
ورئيس البلدية “إجا ليكحلها… عماها”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع استمرار سقوط البلاد في الانهيار والفوضى والأزمات الاقتصادية والسياسية تدفع الفئات الأكثر هشاشة، ومن بينها اللاجئون السوريون، الثمن مضاعفاً. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ممنوع تجول العمال السوريين بعد الساعة السادسة مساء”،  باتت هذه العبارة مكرسة في سياق عمل كثير من البلديات في لبنان كأنها كلام عادي يتم إعلانه بشكل رسمي ويعلق على لافتات يراها العابرون. 

تكرر الأمر على امتداد السنوات الأخيرة وتقاعست وزارة الداخلية عن لعب دورها في منع تلك اللافتات التي تفرض قيوداً عنصرية تمييزية على أشخاص بسبب جنسيتهم وعملهم.

كرست تلك اللافتات مقاربات مقيتة تمارسها بلديات لبنانية تجاه اللاجئين والعمال السوريين في لبنان. جديد القرارات العنصرية التعميم الذي أصدرته بلدية رأس بعلبك بتاريخ 10- 11- 2021، والذي تضمن تحديد أجرة العامل السوري بـ40 ألف ليرة لبنانية يومياً(أقل من دولارين)، وأجرة العاملة السورية في النظافة المنزلية بعشرة آلاف ليرة للساعة الواحدة (أقل من نصف دولار)، فضلاً عن بندين موغلين في العنصرية، يمنع أحدهما تجول العمال السوريين بعد الساعة السابعة مساءً، فيما يحظر الثاني استقبال السوريين لضيوف من خارج البلدة في بيوتهم.

تراجعت بلدية رأس بعلبك عن قرارها هذا، وأدخلت تعديلين بسيطين في بنديه الأولين، المتعلقين بأجور العاملات والعمال السوريين، فيما ألغت البندين المتعلقين بمنع السوريين في البلدة من التجول ليلاً ومن استقبال الضيوف. لكن يبدو أن التعديلات، التي أقدمت عليها البلدية بعد ضغوط من الرأي العام،  ليست تراجعاً عن الخطأ، بل إن رئيس البلدية منعم مهنا، يؤكد لـ”درج” أنه غير مقتنع بإلغاء هذين البندين، “لكنني قمت بذلك لكثرة ما طلب مني”، على حد قوله.

بعد التعديل حددت البلدية أجرة العامل السوري ب 60 ألفاً بدل 40، أي حوالي دولارين ونصف، كما حددت أجرة العاملة في النظافة المنزلية ب 15 ألفاً للساعة الواحدة، أي بزيادة بضعة سنتات. يشار إلى أن قيمة الأجر المحددة مرشحة للانخفاض أكثر مع استمرار انخفاض قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء.

مهنا يتهم السوريين بالسرقة والطمع 

يبرر رئيس بلدية رأس بعلبك قراره تحديد أجر العامل السوري بأن الأخير بات يطلب مبالغ مرتفعة لقاء عمله لأنه يتلقى مبالغ بالدولار الأميركي من المنظمات الدولية: “العامل السوري يطلب مبلغاً يتراوح بين 150 و200 ألف كأجر يومي”، يقول مهنا. ويتابع حساباته ونسج المقارنات: “أنا متقاعد يبلغ راتبي 60 ألفاً في اليوم، أما السوري فيتلقى من الأمم المتحدة 100 دولار بالإضافة إلى 25 دولار عن كل ولد، لديهم على الأقل 8 أولاد، مع زوجته يصبح مجموع ما يتقاضونه 360 دولاراً. الدولار اليوم يساوي 25 ألفاً إذاً يقبضون حوالي 9 ملايين بينما يقبض الشرطي في البلدية مليوناً”. ويتهم رئيس البلدية المنظمات الدولية بأنها “طمّعت” العمال السوريين إذ بات أغلب موظفيها من الجنسية السورية، وفق قوله.

الأخطر من حسابات مهنا غير الدقيقة والقائمة على عنصرية واضحة، تعميمه تهمة السرقة على جميع السوريين في البلدة. وبهذه التهمة يبرر قراره منع السوريين من التجول واستقبال الضيوف ليلاً، والذي ألغاه على مضض: “ليش في جريمة صارت إلا وفيها سوريين؟”، يسأل رئيس البلدية مشيطناً شعباً كاملاً، ويعتمد على هذه التهمة الشمولية ليقول إنه لا يرى داعياً لخروج السوريين من منازلهم بعد انقطاع الكهرباء عند الثانية عشرة ليلاً.

وعن دور الأجهزة الأمنية بمعالجة مشكلة السرقات بدل سجن السوريين في منازلهم، يؤكد مهنا أن قوى الأمن الداخلي واستخبارات الجيش لا تتجاوبان مع طلباته لمنع السرقات.

“منطق شرس”.. والأضعف بمواجهة الأضعف منه 

منذ العام 2011 لجأ الى لبنان أكثر مليون لاجئ سوري وهو أمر أثار موجات من العواصف السياسية التي تعتبر وجودهم خطراً ديمغرافيا واقتصادياً على لبنان. هذه المقاربة التي كررتها شخصيات وأحزاب في السلطة تتجاهل كل أسباب اللجوء السوري، وواضبت على  تحميل اللاجئ تبعات الحرب والدمار في بلده وفي لبنان ايضاً وما قرارات البلديات سوى استكمال لمسار تحميل اللجوء السوري أعباء الأزمات اللبنانية.

ترفض الباحثة في منظمة العفو الدولية سحر مندور، ربط أجر العامل بوضعه وإنما بالعمل الذي يقدمه: “للأسف دخل لبنان في أزمة أسطورية ضخمة اقتصادياً في ظل غياب تام لإدارة الدولة عن ملف اللجوء منذ بداياته. فهي لم تعتمد سياسة شاملة تستوعب حاجات المجتمع المضيف وحاجات اللاجئين، وهو ما يضع المواطنين في لحظة الانهيار وغياب الدولة بمواجهة لاجئين يتلقون مساعدات دولية. كما توكل إلى البلديات سلطات لا يفترض أن تناط بها”.

مندور ترى أن “السلطة التي تفرض عشوائياً” هي بمثابة قانون غاب: “أي شكل من أشكال السلطة إن اتخذت شكلاً عنصرياً أو تمييزياً تصبح هي القانون ويصبح أي شكل من أشكال العدالة، كالمساعدات التي تصل للاجئين، ظلماً”.

وتشير إلى أن المواطن بات ينظر إلى قيام المنظمات الدولية بواجبها تجاه اللاجئين بمقابل غياب دولته عن القيام بواجباتها تجاهه وكأنه تمييز ضده، “ما يضعه بوجه اللاجئ فيسعى لفرض سلطته عليه، هو وضع غير سوي يجعل الضعيف يتحكم بالأضعف في منطق شرس”، بحسب مندور.

إقرأوا أيضاً:

البلدية انتهكت القوانين وتجاوزت صلاحيات مجلس الوزراء

في حديث إلى “درج” تعليقاً على القرار، يشير أسعد سمور من المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، أن البلدية خالفت القوانين اللبنانية وتخطت صلاحية مجلس الوزراء عبر تعميمها الذي يحدد الأجور ويميز بين العاملين بالأجر بحسب الجنسية والجنس. “يشكل تخصيص العمال السوريين بأجر محدد تمييزاً وهو ممنوع قانوناً. كذلك يمنع القانون التمييز بالأجر جندرياً بين العامل والعاملة ويمنع على البلدية تحديد حدّ أقصى”، يقول سمور. ويضيف أنه من المفترض أن السوق اللبناني هو سوق حر يخضع للعرض والطلب، بينما يشكل قرار البلدية هذا انحيازاً لصالح صاحب العمل اللبناني يشجعه على استغلال العامل السوري. 

وفي حين يستثني قانون العمل الخدمة المنزلية من أحكامه وتخضع للاتفاق بين طرفي العمل، العامل/ة وصاحب العمل، فقد قررت البلدية التدخل في الأمر وفرض أجر يقارب لا يتجاوز نصف دولار للساعة الواحدة على الرغم من ظروف العاملات الصعبة.

قانونياً، يحق للمتضررين من القرار التقدم بشكوى والطعن به، وفق سمور، لكنه يذكر بالواقع القانوني اللبناني، وحال القضاء العاجز، حيث يستدعى متهمون بتفجير بيروت وغيره من الجرائم الكبيرة إلى القضاء ولا يمثلون أمامه. ويتابع: “القضاء والقوانين ساقطة عملياً في لبنان حيث نشهد فلتاناً على كافة الصعد، وبطبيعة الحال سيكون هناك استهداف كبير للفئات العاملة”.

ويشير سمور إلى أن العمال اللبنانيين غير قادرين على الانتظام في نقابات خوفاً من الصرف وغيره من الضغوط، “فكيف الحال عندما يتعلق الأمر بالسوريين المهددين على أكثر من مستوى، على مستوى لقمة العيش والعمل وإمكانية التعرض لتعنيف ومضايقات واعتداءات؟”، يسأل سمّور.

يذكّر قرار بلدية رأس بعلبك بغيره من القرارات العنصرية الصادرة عن بلديات أخرى في أوقات مختلفة تجاه “الأجانب” والسوريين. وقد وثقت حركة مناهضة العنصرية هذه الممارسات. 

في الشهر الفائت أصدرت بلدية الصالحية، جنوب لبنان، بياناً حددت يوم العمل بثماني ساعات لقاء أجر حدد بـ 80 ألفاً للرجال كحد أقصى و60 ألفاً للنساء، في تمييز جندري واضح. كما منع القرار العمال الأجانب من العمل خارج البلدة إلا بإذن من البلدية.

في أيلول أصدرت بلدية زغرتا- اهدن قراراً يطلب من جميع العمال “الأجانب” مغادرة البلدة بحلول 25 أيلول/سبتمبر تحت طائلة الملاحقة القضائية.

وفي آب، طلب بيان باسم “أهالي بلدة كوكبا” من جميع السوريين المقيمين في البلدة، والبالغ عددهم 900، المغادرة خلال ساعات. حصل ذلك بعد شجار وقع بين شبان من البلدة وشبان سوريين. وحذّر من تحدث باسم الأهالي أصحاب الأملاك من “التهاون في تطبيق هذا القرار وإلغاء عقود الإيجار معه السوريين”.

وفي آب/اغسطس الماضي أيضاً أصدرت بلدية رميش قراراً دعت فيه جميع أصحاب العقارات إلى فسخ العقود مع السكان السوريين في غضون 15 يوماً، ودعت جميع المستأجرين “الأجانب” للانتقال إلى منازل كفلائهم في غضون 72 ساعة. كما فرضت حظر تجول على “الأجانب” ، وخصوصاً السوريين ، من الساعة 7 مساءً حتى 6 صباحًا.

أما في حزيران/يونيو، فقد أصدرت بلدية نهر إبراهيم قراراً بفرض حظر تجول على السوريين والأجانب مشيرة إلى ما أسمتها “تحركاتهم غير المبررة” حول المدينة. وتذرّعت حينها بالخوف من انتشار فيروس كورونا.

ومع استمرار سقوط البلاد في الانهيار والفوضى والأزمات الاقتصادية والسياسية تدفع الفئات الأكثر هشاشة، ومن بينها اللاجئون السوريون، الثمن مضاعفاً. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.