fbpx

خوف حارسة مرمى إيران زهرة قدي عند ضربة الجزاء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ستبقى زهرة ومشجعاتها صامدات، مع قليل من الخوف الأدريناليني اللذيذ، في حراسة مرمى النسوية من الهجمات الذكورية المنظّمة و…الطائشة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

العنوان أستعيره بتصرّف من بيتر هاندكه الروائي النمساوي الذي كتب رواية عنوانها “خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء”. أستعيره، وأنا أفكر في زهرة، حارسة مرمى منتخب إيران للسيدات، التي تعرضت لحملة تنمّر وسخرية لا مثيل لها، بعد أن تقدّم الأردن بطلب التحقق من جنس اللاعبة، بسبب شكوك بأنها رجل متنكّر بثياب امرأة. 

أتذكّر العنوان، وأرى السيدة وهي في وضعية الدفاع، في وجه الملايين ممن يسددون نحو مرماها من نقطة الجزاء. تدفع زهرة جزية عن “فاول” لم تقترفه، وتضطر لمواجهة سيل من التسديدات “الصاروخية” تجاه شباكها، محاولة الذود عنها بكامل قوّتها. أفكّر في أنني ضحكت مع من ضحكوا على الخبر، وبدا لي كوميدياً، ودققت مع من دقّقوا في ملامح وجه اللاعبة الإيرانية وفي جسدها، بحثاً عن ملامح ذكورية تثبت التهمة. كنتُ من بين المسدّدين إلى مرماها، تسديدة طائشة كتلك التي أهدرها روبيرتو بادجيو في نهائي كأس العالم في العام 1994 وخسر فريقي المفضّل يومها، وحطّمتني الحسرة. أفكّر في الأثر النفسي لتسديدتي الطائشة، مع ملايين التسديدات الأخرى، على مرمى زهرة، وتحطّمني الحسرة مجدداً. ينقلب الضحك التلقائي الذي ضحكته حينما قرأت الخبر، إلى شيء من الأسى. ولا ألوم نفسي على الضحك، فالخبر مضحك، وممكن الحدوث، لكنه لم يكن حقيقياً. تراكمت مجموعة من الأخبار الزائفة والملفّقة في خبر واحد، وجعلت منه قنبلة من الضحك، انفجرت بزهرة. 

قيل إن لإيران سوابق في دسّ رجال في فريق السيدات لكرة القدم. وهذا أيضاً خبر غير دقيق، وارتبط بإشكالية وجود عابرات جنسياً داخل المنتخب، وهي إشكالية معقدة ترتبط بسماح النظام الإيراني بعمليات العبور الجنسي، مع عدائه للمثلية الجنسية، والحكاية تعود إلى منتصف الثمانينات، حينما أصبح العبور الجنسي قانونيًا بعد حملة قادتها امرأة عابرة جنسياً، تدعى مريم خاتون مولكارا، التي التقت المرشد الأعلى روح الله الخميني، وأخبرته كيف وُضعت في مؤسسة للأمراض النفسية وحُقنت قسراً بهرمونات الذكورة لإعادتها بالقوة إلى ذكورتها. متأثراً بقصتها، أصدر الخميني فتوى دينية تسمح بالعملية وتقر بالحقوق المدنية للأشخاص العابرين جنسياً، لكن احتفظ النظام الإيراني بتجريم المثلية الجنسية والتضييق على المثليين ومعاملتهم بتمييز.

صدرت التهمة ضد زهرة عن الأمير الأردني علي بن الحسين، شقيق الملك الأردني، وهو رئيس اتحاد كرة القدم في الأردن. وجاءت التهمة كيدية وانتقامية بعد أن تسببت زهرة في خسارة منتخب الأردن للسيدات أمام منتخب إيران بركلات الترجيح. 

تألّقت زهرة وصدّت ركلتيّ ترجيح للفريق الإيراني وضمنت فوز فريقها. هل كان لديها خوف حراس المرمى عند ضربة الجزاء (أو الترجيح)؟ نعم، كانت خائفة بلا شك. هذا الخوف الرياضي الذي يعطي اللاعبين “الأدرينالين” الكافي لتأجيج حماستهم وتشجيعهم على تقديم أفضل ما لديهم. 

واجهت زهرة تسديدات اللاعبات الأردنيات بشجاعة واحترافية، وهزمتهن في الملعب. وهزمت المعلق الرياضي في التلفزيون الأردني الذي كان يتحدث عنها كلما صدّت طابة بالمذكر، وذهب بعيداً ليقول ساخراً “والله يخوف حارس منتخب إيران”. ولم يستخدم التأنيث إلا في الحالات التي استطاعت فيها لاعبات الأردن تسجيل أهداف في مرمى زهرة. 

زهرة “رجل” حينما تتصدى وتصدّ، بالمقاييس الذكورية للمعلق الأردني، و”امرأة” حينما تخفق.

والمنطق نفسه اعتمده الأمير علي بن الحسين الذي هزمته زهرة ايضاً. لم تسمح ذكورية الأمير الأردني له تقبّل وجود انثى قادرة على صد الكرات كما فعلت زهرة، فلم يجد سبيلاً لمواجهة الهزيمة التي مني بها المنتخب الأردني على يديّ زهرة، سوى الطعن في أنوثتها، واتهامها بأنها “ذكر”. 

في فيلم المخرج الإيراني جعفر بناهي “أوفسايد”(حالة تسلل- 2006)، تقوم مجموعة من الفتيات بالتنكّر بثياب المشجعين الرجال لمحاولة الدخول إلى الملعب لمشاهدة مباراة في كرة القدم بين المنتخب الإيراني والمنتخب البحريني في تصفيات كأس العالم، لأنهن ممنوعات بحكم القانون الإيراني الذي كان يحظر دخول السيدات إلى مدرجات كرة القدم. ورغم اكتشاف الأمن لهن والقبض عليهن في الفيلم، إلا أن الأحداث التي يصوّرها بناهي بذكاء، تظهر الرغبة العارمة لدى الفتيات في التحرر من سطوة السلطة الدينية والأمنية والإفلات من قبضة الرقابة. 

السلطات الإيرانية عادت لتسمح بحضور النساء مباريات كرة القدم بعد ضغوط من الاتحاد الدولي (الفيفا) وآخر رفع للحظر كان في تصفيات كأس العالم لهذا العام (2021). ومنعت النساء الإيرانيات من الدخول إلى الملاعب بعد انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، وكان المنع يرفع ثم يعود لفترات، وكانت السلطات الإيرانية قد اعتقلت في آب/أغسطس من العام 2019 ستّ فتيات تنكّرن بأزياء رجالية لمحاولة الدخول إلى استاد “آزادي”(الحرية!) لكرة القدم، في سيناريو شبيه بفيلم بناهي الشهير، وألقت بهن في السجن. 

هكذا تعاني النساء الإيرانيات، المهتمّات برياضة كرة القدم، لاعبات ومشجعّات من ظلم مزدوج يقع عليهن من بلادهن ومن خارجها، لكنهن يستطعن دائماً إظهار رغبتهن وقدرتهن على التحرر من جميع أنواع السلطات الذكورية الجائرة، حتى ولو رفع النظام الذكوري راية التسلل، أو أشهر في وجههن بطاقات صفراء وحمراء، ستبقى زهرة ومشجعاتها صامدات، مع قليل من الخوف الأدريناليني اللذيذ، في حراسة مرمى النسوية من الهجمات الذكورية المنظّمة و…الطائشة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.