fbpx

حسن شاكوش ونجوم المهرجانات… ضحايا غطرسة هاني شاكر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من أعلى، حيث السلطة الأبوية والأخ الأكبر الذي يراقبك دائماً، ينظر هاني شاكر ونقابة الموسيقيين إلى مغني المهرجانات، باعتبارهما مسؤولين عن الأجواء الموسيقية في مصر، ومن حقهما المنع والمنح، وهي الصلاحية التي تمنحُها الدولة لهاني شاكر، مقابل ضمان ولاء الموسيقيين للدولة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يستحق حسن شاكوش لقب “رجل الأزمات في عالم المهرجانات”، فمنذ أيامه الأولى، يصطدم بقوة مع القوى التقليدية في مصر، فمع اشتعال شهرته في الأوساط الفنية، وجد قراراً من نقابة الموسيقيين بإيقافه عن الغناء مدى الحياة بحجة تقديمه أغنية إباحية.

البحث عن الأغنية الإباحية انتهى بظهور أغنية بعنوان “رضا جه يا أم رضا“، قدَّمها شاكوش في سياق معركته مع الفنان الشعبي رضا البحراوي (عضو نقابة الموسيقيين). أغنية هجاء لكنها لا تحمل كلمات إباحية، مقطع واحد أغضب عازفي الإيقاع، مستوحى من بيت شعر للمتنبي، يقول: “لو رب البيت بيطبل، بنته بتطلع رقاصة”. 

اعتذر شاكوش، لكن الاعتذار لم يكن مرضياً لعازفي الإيقاع أو النقابة، لتبدأ معركة اصطياد أخطاء شاكوش. ألغى هاني شاكر إحياء الحفلات بالاستعانة بـ”فلاشة” (وهو مصطلح يشير إلى تشغيل الموسيقى عبر أجهزة بدلاً من الاستعانة بفرقة موسيقية وهي الطريقة التي يغني بها جميع مؤدي المهرجانات)… وهي الطريقة التي اعتاد عليها حسن شاكوش، منذ بدايته الغنائية.

ومع صدور أغنيته الأشهر “بنت الجيران“، اشترط نقيب الموسيقيين عليه – هو وعمر كمال – حذف إحدى الجمل التي اعتبرها مبتذلة “أشرب خمور وحشيش“. كان حذف الكلمة واستبدالها بتعبير آخر أقل جرأة ووطأة ومصداقية تذكرة عبورهما إلى المشاركة في حفل رسمي باستاد القاهرة، ترعاه الدولة المصرية بمناسبة عيد الحب. 

كان حفلٌ كهذا مطمعاً لجميع المطربين والفنانين في مصر، لكنه ذهب إلى المغني الأكثر شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت، فأغنيته الجديدة حققت عشرات الملايين من المشاهدات في وقت قياسي، ووصلت حالياً إلى 562 مليون مشاهدة على “يوتيوب”، وأصبحت الثانية عالمياً على موقع “ساوند كلاود” حتى احتفى بها الملياردير الأكثر ثراءً في العالم، إيلون ماسك.

ومنذ ذلك الحفل، لم تعد المعركة لأجل القيم أو الفن وحسب، إذ اتَّخذت أشكالاً أخرى يغلبُ عليها الصراع الطبقي والمصلحة، وأصبحت الإطاحة بشاكوش ترمز إلى مواجهة فئة كاملة من مؤدي المهرجانات، الذين يتمتّعون بشعبية تزيد على شعبية مطربين يعملون بالغناء منذ عشرات السنين، فأقل أغنيات “شاكوش” حققت مرات استماع أضعاف أكثر أغنيات هاني شاكر شهرة، وأكثر ما اشتهر للنقيب طوال العام الماضي لم يكن أغنيته، إنما أحد مشاهده وهو يؤدي أغنية “بنت الجيران” لشاكوش.  

حين يثور الجدل حول الأغنيات الإباحية، يمكن أن نعثر على أغنيات وكلمات من الفلكلور الفني المصري، فعلى سبيل المثال، غنت أم كلثوم “الخلاعة والدلاعة مذهبي”، ولنعيمة المصرية أغنية تقول فيها: “هات الإزازة واقعد لاعبني، دي المزة طازة والكيف عاجبني”، وغنّى سيد درويش للكوكايين والحشيش “اشمعنى يا نخ، الكوكايين كخ”، وتغنّى الموسيقار محمد عبد الوهاب بـ”الدنيا سيجارة وكاس”، وغيرها من الأغنيات التي تدور في فلك الخمور والحشيش والجنس، ولم تُمنع في عصور سابقة

التعالي الطبقي… كلمة السر

يُرضي هاني شاكر، بإيقاف حسن شاكوش و18 مغني مهرجانات، جبهة المطربين القدامى، الذين فقدوا الاحتفاء بهم ودعوتهم إلى إحياء حفلات وأفراح وأعياد ميلاد ومناسبات، لحساب الأجيال الجديدة من مطربي المهرجانات، ليس فقط لأنهم يقدمون كلمات مهذبة وألحان رتيبة، إنما لأنهم لا يسايرون العصر والأجيال الجديدة من المستمعين الذين يريدون أغنيات تمسّهم وتشبه أيامهم وتتناول قضاياهم، وتتكلم بلسانهم. 

الجانب الخفي في المعركة، هو التعالي. يتعالى هاني شاكر ورفاقه على حسن شاكوش ومغني المهرجانات والفئة التي يخاطبونها، فهم يعتقدون أن كلَّ جمهور المهرجانات من سائقي “التوك توك” والميكروباصات والبلطجية والغارقين في المخدرات، ويرون أن حسن شاكوش وعمر كمال وحمو بيكا- نجوم المهرجانات- كانوا يوماً ما يحاولون الوصول لهم لتقديمهم في عالم الغناء، ويمضون الساعات في انتظار كلمة أو مساعدة أمام مقر النقابة أو على أبواب المطربين الكبار، ثم أنهم آتون من قاع المجتمع.

” شاكوش” المولود في منطقة بولاق الشعبية في محافظة الجيزة وعمل نجاراً و”جزمجياً” في ورشة أحذية، واحترف كرة القدم في أندية الترسانة وسمنود ثم اعتزل بسبب فقره الشديد ويبدو من كلمات أغنياته ومظهره أنه يعيش حياته بين مجموعة من المسجلين خطراً، إن لم يكن واحداً منهم… فكيف تتساوى الرؤوس الآن؟ 

هكذا يرى الموافقون على منع شاكوش و18 مغني مهرجانات آخر، من الغناء الأمر ببساطة، لا يعتبرونه كبتاً للحرية والتعبير أو إسكاتاً لصوت متمرّد على الفن التقليدي، أو تضييقاً لهامش الإبداع في المجتمع المصري، أو حرماناً لجمهور عريض من نجومه المفضلين في سوق يخضع للأذواق والآراء والهوى الشخصي، الذي يفترض أن يكون مفتوحاً ويستوعب الجميع، لينالَ الأفضل والأحق نصيبه من النجاح. 

إقرأوا أيضاً:

السلطة الأبوية… هل قدم حسن شاكوش “أغنية إباحية”؟

من أعلى، حيث السلطة الأبوية والأخ الأكبر الذي يراقبك دائماً، ينظر هاني شاكر ونقابة الموسيقيين إلى مغني المهرجانات، باعتبارهما مسؤولين عن الأجواء الموسيقية في مصر، ومن حقهما المنع والمنح، وهي الصلاحية التي تمنحُها الدولة لهاني شاكر، مقابل ضمان ولاء الموسيقيين للدولة، فالرجل يفوز بولايات متتالية نقيباً للموسيقيين، مقابل ما يقدمه من خدمات، كان أبرزها التنكيل بإيمان البحر درويش، نقيب الموسيقيين السابق، بعد تصريحاته الناقدة للنظام السياسي المصري وما يشوبه من فساد. 

لم تردّ الدولة مباشرة، أو تعتقل حفيد سيد درويش، لما في الأمر من دعاية سيئة بحق النظام المصري، لكنها تركت الأمر لهاني شاكر ليتولاه، وهو ما يقوم به دائماً بمنطق “كلب الحراسة”، فكما فعل مع إيمان البحر درويش، استهدف شيرين عبد الوهاب حين شردت قليلاً ببعض تصريحاتها. 

ويطالب شاكر منذ وقت طويل بمنحه حق “الضبطية القضائية” ليستطيع القضاء على موسيقى المهرجانات بصفته نقيباً للموسيقيين، وهو الأمر الذي أثار دهشة كثيرين، كان بالنسبة إليهم غريباً أن يمنع نقيب الموسيقيين الغناء، ويكون فخوراً للغاية بذلك، ويطالب بـ”الضبطية القضائية” ليتمكّن من القبض على مغنين وموسيقيين كأنه أمين شرطة، في حين أن نقابة الموسيقيين هي المسؤولة عن رعاية هواة الغناء والمغنين واكتشاف المواهب وتوجيهها، وليس منعها والمطالبة بحبسها.

الأغاني” الإباحية” جزء من الفولكلور المصري

حين يثور الجدل حول الأغنيات الإباحية، يمكن أن نعثر على أغنيات وكلمات من الفلكلور الفني المصري، فعلى سبيل المثال، غنت أم كلثوم “الخلاعة والدلاعة مذهبي”، ولنعيمة المصرية أغنية تقول فيها: “هات الإزازة واقعد لاعبني، دي المزة طازة والكيف عاجبني”، وغنّى سيد درويش للكوكايين والحشيش “اشمعنى يا نخ، الكوكايين كخ”، وتغنّى الموسيقار محمد عبد الوهاب بـ”الدنيا سيجارة وكاس”، وغيرها من الأغنيات التي تدور في فلك الخمور والحشيش والجنس، ولم تُمنع في عصور سابقة، وتظل شيئاً معبراً عن الحياة المصرية قديماً وحتى الآن، ويجب استيعابها من منطلق أن “الفن ديوان الشعوب”، فلم يكن حسن شاكوش يستوحي كلماته من شعب آخر، وهو يتحدث عن شخص هائم في “شرب الخمور والحشيش”.

شكوى لـ”يوتيوب”… احذف المهرجانات فوراً!

يدّعي هاني شاكر، في تصريحات تلفزيونية، أنه ليس ضد فن المهرجانات، لكنه ضد الكلمات والأصوات غير الجيدة، وقرارات المنع المتوالية من نقابة الموسيقيين تستهدف “تنقية الأوضاع”. غير أنّ ما تفعله النقابة يشي بشيء من الغضب والغل تجاه شباب وافدين من قاعدة الهرم الاجتماعي، ويحققون أموالاً هائلة، ليس من الحفلات وحسب، إنما من مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول طارق مرتضى، المتحدث باسم نقابة الموسيقيين، في تصريح لـ”بي بي سي“، إن “النقابة خاطبت إدارة “يوتيوب” لمنع أغاني المهرجانات مستندةً إلى القانون المصري الذي يشترط موافقة نقابة المهن الموسيقية للغناء. 

يحقق مؤدو المهرجانات شعبية هائلة على “يوتيوب”، عشرات الملايين يتابعونهم ويسمعون أغنياتهم، وهذه الشعبية الجارفة تدرّ دخلاً عبر الإعلانات وتنمو باستمرار لتضيف لهم جمهوراً جديداً يحضر الحفلات… وهذا هو – تحديداً- ما يزعج هاني شاكر ورفاقه، وأبرزهم حلمي عبد الباقي، أشدّ المحرضين ضد المهرجانات. 

كان حلمي مطرباً شهيراً يوماً ما، إلا أنه لم يعد مطلوباً في سوق الحفلات والغناء، ليصبحَ العدوَ الأول لكتيبة المهرجانات، وقائد الحرب ضدها، وقد أطلق في وقت سابق تصريحاً مؤثراً حول غيابه عن الفن لأسباب لا يعلمها. بينما يشكو عضو مجلس نقابة الموسيقيين من البطالة، يواجه حسن شاكوش – مثلاً- قرارات إيقافه بحفلات في الدول العربية، التي يملك بها شعبية هائلة، هو وعمر كمال، الذي ما إن صدر قرار بإيقاف زملاء الأمس في عالم المهرجانات، كان يتلقى سيارة بقيمة 10 ملايين جنيه مصري (650 ألف دولار) هدية من معجب سعودي.

وتُرجمت تصريحات حلمي وهاني إلى قرارات انتقامية، بحجة حماية الذوق العام الذي يتدهور نتيجة غناء المهرجانات بكلماتها وألحانها ووجوه مؤديها. 

إقرأوا أيضاً:

قرارات المنع “مخالفة للدستور”

لا يعلم هاني شاكر وحلمي عبد الباقي وأعضاء نقابة الموسيقيين، أن لا أحد يستطيع فرض وجهة نظره على الذوق العام، أو خلق ذوق عام جديد أو تشكيله بقرارات إدارية، فالأمر أكبر من مجرد قرار تصدرُه جهة ما، مهما كان ثقلها أو قدرتها على السيطرة، فكثيراً ما كان الفن المصري يضمّ جميع المتناقضات، كعبد الحليم حافظ وأحمد عدوية، ويستوعب محمد منير وشعبان عبد الرحيم. 

وتجري الأمور في مصر على أن الأغنيات الشعبية دائماً ما تواجه انتقادات حادة وتوصف بالإسفاف والابتذال حتى يأتي جيل جديد من الأغنية الشعبية ليصبح القديم تراثاً شعبياً وجزءاً من تاريخ الوطن، وينال الاحترام… وقبل عشرات السنين، هاجم هاني شاكر أحمد عدوية بحجة “كلامه الغريب” حين غنى “السح الدح إمبو” و”كركشندي دبح كبشه” وبقي عدوية وتفوق عليه وأصبح علامة في تاريخ الأغنية المصرية… وهو ما سيحدثُ مع المهرجانات، كما حدث أخيراً مع الراب، فعلى يد المطرب الشاب “ويجز” أصبح الراب محل تقدير من الجميع، بعدما كان منبوذاً ومكروهاً ومرادفاً للتشرّد والتسوّق وانتحار الذوق الفني.

نلاحظ أن الذين يتصدّون لصناعة القرار في نقابة الموسيقيين، دائماً ما يعادون أي تجديد أو تطوير في الموسيقى، ومن سماتهم أنهم يكونون مطربين في نهاية طريقهم، أو تجاهلهم الزمن، ليحاولوا وضع العصا في العجلة، يرون مغنياً كحسن شاكوش أو عمر كمال يتقدّم، ليعرقلوه ويعطلوه، ويحاولوا اقتناص فرصه بقوة سلطتهم… ويمكن تتبع أسماء آخر نقباء الموسيقيين في مصر لإثبات صحة النظرية، فعام 2011، كان الملحن منير الوسيمي، المحسوب على نظام مبارك، وأعقبه إيمان البحر درويش، ثم مصطفى كامل، وأخيراً، هاني شاكر (وجميعهم يخوضون معركة النقابة باعتبارها معركة النفس الأخير).

النقيب الحالي يبلغ من العمر 68 سنة، وكان قبل عشرات السنين مستنسخاً من عبد الحليم حافظ، ويعيش حتى الآن على تلك الذكرى، ولا يستوعب أن هناك أجيالاً جديدة، وتطورات موسيقية، وأصوات شابة، ونهج مغاير في الحياة يستلزمه تجارب وكلمات وإيقاعات معاصرة وتشبيهات شعبية وأكثر حيوية للغزل (كما في أغنية حسن شاكوش “حبيبتي افتحي شباكك أنا جيت“)، مواجهتها تتعارض مع حرية الإبداع المكفولة بنص دستوري، إذ أن قرارات المنع التي يصدرها هاني شاكر تخالف الدستور المصري، وتحديداً المادة 67، التي تنصّ على أن “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك”.

 منع المهرجانات ومنع أي شيء هو تأييد للتوجه إلى تجفيف المجال العام وتطويقه بإحكام ومضاعفة الرقابة للسيطرة على الأنفاس، وبغض النظر عمّا يتم منعه، فالمنع في ذاته قرار يستحسنه النظام السياسي الحالي، قبل أن يصدر استثناءات ويتوسط للبعض للعودة لتحميلهم بديون… هي في الأساس حقوق لا تقبل التفاوض.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.