fbpx

معتقلون داخل مدننا…
الكمائن وعسكرة الطرق في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في مصر، تزايدت الكمائن العسكرية، من دون وجود احتلال أو حروب عسكرية، منذ تسعينات القرن الماضي، مع اكتساب دولة حسني مبارك “شرعية الابتزاز”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مدينة القاهرة، ومذ خرجتُ من السجن السياسي، وأنا أتحاشى السير ليلاً في الشوارع الكبيرة والطرق العامة، بسبب الرعب الذي تبثه في داخلي فكرة وجود “الكمائن” ونقاط التفتيش البوليسية. 

وعلى رغم أن القاهرة تقع على مساحة هائلة، ولا تنام في الليل، مثل بقية الكائنات والمدن، وفيها من الاختلاف والتنوع ما يجعل ليلها أكثر ثراءً وتنوعاً من ليالي مدن أخرى، إلا أن نطاق الأفعال التي كنت أستطيع ممارستها كانت تتقلص في الليل- بسبب خوفي من الكمائن- إلى زاوية صغيرة في المنطقة التي أسكن فيها. 

ظللتُ على هذه الحال لأشهر، ثم بعد ذلك، بدأت أدرك، كيف أوسع هذه الرقعة من دون مواجهة نقاط التفتيش- الثابتة- على الأقل، بعدما استوعبت المنطق الجغرافي الذي تتمركز حوله شبكة الكمائن المتناثرة داخل القاهرة وحولها، والذي يرتبط بمنطق آخر أكثر أهمية، هو المنطق الطبقي والسياسي الذي يتعلق بالفروق التاريخية- الاقتصادية والطبقية، بين المناطق، وهو ما تساهم الدولة البوليسية في حمايته. 

من هنا، بدأت أتحرك، ذهاباً، وإياباً، عبر طرق جانبية إلى مداخل المدن والمناطق المقصودة ومخارجها.

بعد منتصف كل ليلة، تنصب القوات البوليسية نقاط تفتيشها المتحركة إلى جانب الثابتة، وتركز على الشوارع التي تؤدي إلى المناطق التاريخية المهمة، والأحياء البرجوازية، في حين يقل هذا التركيز عندما يتعلق الأمر بالخروج من هذه الأحياء. 

المربع ذو الطابع الكولونيالي المتفاوت، والبرجوازي التاريخي، الأكثر ثراء وأهمية داخل مدينة القاهرة القديمة، هذا المربع هو “وسط المدينة، والدقي، والمهندسين، والزمالك”، يتم نصب الكثير من الكمائن في كل طريق يؤدي إليه من جميع الجهات، وعلى ما يبدو، لا يهتم البوليس- كثيراً بالخروج من هذا المربع.

ذات ليلة، اضطررت للذهاب من وسط المدينة إلى مدينة حلوان، لأحضر مفتاح شقتي الذي نسيته مع أحد الأصدقاء هناك وأعود في سيارة الأجرة ذاتها. في طريق الذهاب، لم تواجهني نقطة تفتيش واحدة، ولكن عند العودة، استوقفتني ثلاث نقاط تفتيش مدققة ومشددة على الخط ذاته، بداية من طرة، ومروراً بالمعادي، حتى شارع القصر العيني.

 ما أنقذني من ذلك الرعب المحدق والمتتالي هو العنوان الذي غيرته حديثاً في بطاقة هويتي، ليصبح منطقة راقية من مناطق وسط المدينة، بعدما كان قرية مغمورة من قرى الدلتا.

سكان هذا المربع “الراقي” يمكنهم التحرك داخل المدينة بلا مضايقات بوليسية، بينما يتم وضع الحواجز المتتالية والكمائن المشددة في وجه الوافدين من مناطق أدنى- اقتصادياً- مثلاً حلوان والمعصرة. وهو ما يشير إلى النظرة الطبقية التي تتعامل بها السلطة مع سكان المناطق الشعبية، وتمييزها الطبقي القائم على أساس جغرافي.

مثل هذا التمييز  يظهر أيضاً إذا لجأنا للنظر في التخطيط العمراني والهندسة الجغرافية للطرق والمناطق الجديدة والقديمة، فمثلاً، وقريباً من هذا المربع، عند نهاية حي المهندسين تحديداً، يلتقي الرقي البرجوازي بفقر مدقع- مقارنة بالمهندسين- يطلق عليه اسم “بولاق الدكرور“، واحد من أكبر أحياء مدينة القاهرة الكبرى من حيث المساحة والكثافة السكانية.

جغرافياً، لا يفصل بين المهندسين وبولاق سوى خط سكة حديد، هذا الخط يمثل حاجزاً طبقياً يفصل بين عالمين متفاوتين اقتصادياً، تحافظ الدولة عليه كصورة من صور الفصل الجغرافي بين طبقات المجتمع، من دون أن تهتم باتصالهما عبر كباري جيدة أو قنوات اتصال طبيعية بين المنطقتين.

يعد هذا نوعاً من التهميش لمنطقة من جهة، ومن جهة أخرى، يعدّ تحصيناً للمنطقة الثانية من العالم الفقير والمهمش.

هياكل فصل طبقي

في الدراسة التي أجرتها الباحثة سلوى إسماعيل، بعنوان “الحياة السياسية في الأحياء العمرانية الجديدة بالقاهرة”، تظهر كيف تتعامل الدولة مع الشباب، وخصوصاً – شباب الطبقة الوسطى العاملة- كقوة مهمشة تعاديها الدولة وتمارس عليها أنواعاً مختلفة من العنصرية، وتنفث من خلالها العنف غير المبرر. واتخذت الدراسة شباب منطقة بولاق نموذجاً. 

في مصر، ثلاثة طرق دائرية، والغرض من إنشاء أي طريق دائري في العالم هو تيسير حركة المرور، وإتاحة المجال للسيارات الآتية من خارج المدينة/ الدائرة أن تمر بمنأى عن محيطها، حتى لا تشل الحركة المرورية داخلها وبالتالي غرضها هو القضاء على مشكلات الازدحام. لكن في مصر، إضافة إلى ذلك، فهي تعتبر هياكل تفصل بين اقتصادات وأنماط اجتماعية وسياسية مختلفة.  

يفصل الطريق الدائري القديم بين القاهرة القديمة والقاهرة الجديدة، كما يفصل الطريق الدائري الأوسط بين القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة، أما الطريق الدائري الإقليمي وطوله 364 كليومتراً فيحيط بالقاهرة الكبرى، لكنه يخترق العاصمة الإدارية الجديدة فيقسمها إلى نصفين. هذا الاختراق يبدأ مع تقاطع أهم جزء من هذه الدائرة- بطول 26 كيلومتراً- مع طريق العين السخنة وطريق السويس، فيقسم العاصمة الإدارية شرقاً وغرباً، النصف الغربي داخل الدائرة هو منطقة الأبراج والأعمال، أما النصف الشرقي خارجها فهو المنطقة الحكومية التي تحتوي على القصر الجمهوري ومطار العاصمة الإدارية ومجلس الشعب وقصور القادة العسكريين.

بشكل ما، إذا انطلقنا من مركز الدائرة في قلب القاهرة القديمة وتحركنا نحو الطرق الدائرية فإن قوة السلطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تزداد مع الحركة نحو الدوائر الأوسع.

إن هذه التقسيمات العمرانية للمدن تساهم في وضع أنواع مختلفة من الحواجز، كما أن الكمائن ونقاط التفتيش تساهم في تشكيل النمط البوليسي للخريطة العمرانية.

إقرأوا أيضاً:

الكمائن وظروف الاحتلال الكولونيالية

تعتبر الكمائن أهم لحظة تجسد المواجهة بين المواطن وسلطة الدولة، كما أنها تجسد فكرة الاحتلال والسيطرة على الأرض عبر فرض مشاعر معينة، مثل الخوف، على الشوارع، من خلال عسكرتها أو جعلها بوليسية وإن موقتاً.

ارتبطت فكرة الكمائن بظهور الاحتلال العسكري في العالم. وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر، بدأ العالم يدرك الفرق بين الاحتلال العسكري والغزو بغرض ضم أراضي الدول المستهدفة، إلى الأراضي الغازية.

ومنذ نهاية الحروب النابليونية، تم الاعتراف بالفارق الواضح بين مبادئ القانون الدولي، ومن هنا تطورت استراتيجيات الاحتلال كجزء من قوانين الحرب الدولية.

من ضمن هذه الاستراتيجيات، الكمائن العسكرية التي يقيمها المحتل على الأراضي المحتلة، للسيطرة على الأرض وتنظيم الحركة- عسكرياً- ومنع تداول الأسلحة والمعدات الحربية أو تهريبها، سواء من قبل جيش الدولة المحتلة أو أفراد الجماعات الشعبية المقاتلة، والقضاء على أي فرصة للمقاومة.

يهدف هذا التحجيم، إلى هندسة الحركة في الشوارع، عسكرياً ومدنياً، فضلاً عن ممارسة السلطة عبر السيطرة على الأرض، وفرض الوجود من خلال احتلال المكان.

مع تنامي ظاهرة الاحتلال، وتطور الاستراتيجيات الحربية، تطورت أيضاً استراتيجية الكمائن كفن قتالي يتعلق بظروف الحرب، وأصبحت مادة من ضمن مواد القتال يتم تدريسها في الأكاديميات العسكرية، كما أصبحت من ضمن استراتيجيات المقاومة ضد السلطة والاحتلال. 

في الولايات المتحدة الأميركية اليوم، يتم تطبيق استراتيجية الكمائن أو “تشك بوينت” قانونياً في ظل ظرفين وحيدين، أحدهما سلمي وقومي، يكون داخل الولايات المتحدة يتعلق بتناول المواد الكحولية أثناء القيادة، من طريق استخدام بالونة مصنوعة من مواد كيميائية معينة يتم النفخ فيها، ويظهر شرب السائقين الكحول من عدمه، من خلال اتخاذ البلونة ألواناً معيناً.

هذا الظرف على رغم سلميته، إلا أن أميركا شهدت بفضله تجاوزات عنصرية تاريخية كثيرة بحق السود. 

الظرف الثاني، تطبقه القوات الأميركية خارج الولايات المتحدة، في البلدان، ما بعد الحرب، والتي تكون خاضعة لتدخل قوات حفظ السلام التابعة للولايات المتحدة. بغرض التأكد من انتهاء الحرب بين الدول أو الجماعات المتقاتلة، وأن جميع الأطراف يلتزمون السلام الفعلي، ولا يقدمون على الحركة نحو الحرب، ولا يتداولون الأسلحة.

في مصر، تزايدت الكمائن العسكرية، من دون وجود احتلال أو حروب عسكرية، منذ تسعينات القرن الماضي، مع اكتساب دولة حسني مبارك “شرعية الابتزاز”.  وما تبعها من تمرير القوانين عبر أنبوب هذه الشرعية في سياق حالة الطوارئ التي خلقتها لتعيش في فضائها تلك الشرعية. 

شرعية الابتزاز، كما أوضحها علماء سياسيون، في سياق دولة مبارك هو انتهاج الدولة أساليب شكلية لفرض تصور قومي بدخولها في حرب مع الإسلاميين. من هنا، بدأت السياسة تتخذ طابعها الابتزازي، بالفعل والقول؛ إما أنا أو التطرف الإسلامي. 

بفضل هذه الدينامية فرضت حالة الطوارئ وبالتالي تصاعدت عملية احتلال الشارع وعسكرته عبر الكمائن ونقاط التفتيش الدائمة.

في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1997، وبعد عملية الذبح الإرهابية لـ58 سائحاً أجنبياً في الأقصر بصعيد مصر، على يد الجماعة الإسلامية، وفرض الحظر الموقت في مناطق الصعيد على جميع السائحين، كما أصبحت الكمائن الثابتة جزءاً لا يتجزأ من الطرق المؤدية إليها.

والمفارقة، أنه في مقابل الأمن، تمت عسكرة الطرق والأماكن وحظر التجوال مع استمرار فرض حالة الطوارئ، على حساب المدنية والمواطنة.

بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، تم تغيير الصفقة على مستوى “الدولة” -كما تعرف الآن- حول العالم، وتغير  مفهوم المواطنة، ليتحول دور الدولة، من سلطة تجمع الضرائب في مقابل التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، إلى سلطة تجمع الضرائب مقابل الأمن. 

عبر هذه المساحة، تتحرك القوات البوليسية في العالم الجنوبي، لا سيما في مصر، نحو احتلال الشوارع الآمنة لتفرض سلطتها البوليسية المرتبطة بمشاعر الخوف على المواطنين والمدينة، كما تنتهك خصوصية المواطنة بتجاوز شروط العقد الاجتماعي. 

تفرض السلطة من طريق المفاجأة، مواجهة عسكرية مع المواطن، ما يمكن فهمه على أساس أنه”حدود” للسير العادي والحياة الطبيعية، أو أرض حدودية، يتقاطع فيها ما هو مدني مع ما هو عسكري، ما يعتبر اختراقاً للمدنية من قبل العسكرية، فضلاً عن التجاوزات التي تنتهك في ظل هذه المواجهة. 

هذه المواجهة في مصر، لا تحكمها قواعد اجتماعية تعاقدية أو قوانين واضحة، وبالتالي يتعلق الشكل الذي تتخذه من تفتيشات وتحقيقات وغيرها، كما يتعلق مصير الأفراد، بالمساحة المتروكة لقرارات الضباط الشخصية وأهوائهم. كما أن، هذه المساحة يحكمها نوع من السلطة يعرف بالسلطة التي تنظمها قوانين بلا قواعد، وهي عادةً سلطة استبدادية أو arbitrary power.اعتباطية.  

عند “نفق الشهيد أحمد حمدي”، ينتهي العالم كما نعرفه ونعيش قوانينه في مصر، وتبدأ قوانين سيناء. وهذا دليل آخر على أن الكمائن تجسد فصلاً جغرافياً ينمّط الثقافات والاقتصاديات ويضع حواجز أكثر من جغرافية بين المناطق.  

 لا يوجد مسافر إلى سيناء لا يعرف خصوصية كمين ذاك النفق الذي يطلق عليه أيضاً “نفق السويس”، لأن القوة التي تتولى مسؤولية تنظيم هذا الكمين هي القوات الحربية المسلحة، ومواجهة هذه القوة الأكثر تدقيقاً، والأكثر امتلاكاً للسلطة المطلقة، تجعل المواطنين في صدد الدخول في مواجهة -حتى ولو مجازية- مع قوات الجيش.

وبالنظر إلى هذه السلطة وما تثيره لدى الأفراد، وخصوصاً من المهمشين أو المعتقلين سابقاً، من مشاعر الخوف من التجاوزات المحتملة، فضلاً عن انتظار السيارات ساعات بغرض التفتيش، فإن الكثير من المواطنين يغضون النظر عن السفر إلى سيناء من الأساس.

كمائن سيناء

في سياق الحرب على الإرهاب، قامت الدولة بتطبيق الكمائن العسكرية في سيناء كاستراتيجية حربية مفيدة وفعالة، في ظل اتخاذ الحرب طابعاً يستدرج الدولة نحو حروب الشوارع بفضل لا مركزية الإرهاب.

في مثل هذا الموقف، يتوقف نجاح هذا التكنيك، على اختراق صفوف التنظيم وتوافر المعلومات مثل التنقلات والتحركات في أوقات وأماكن معينة، ومن ثم على عنصر المفاجأة أو المباغتة.

 لكن الدولة عبر  تمديد فترة الحرب على الإرهاب، لاكتساب شرعية الابتزاز الشبيهة بدولة مبارك، والاستفادة من قوانين الطوارئ المتعلقة بمحاربة الإرهاب، ظلت على مدى أعوام تقدم نقاط التفتيش الثابتة كأهداف سهلة للعدو الذي يتطور مع الوقت، في المهارة والحرفية وفي استخدامه المعدات الحربية الثقيلة. وهو ما يعد تضحيةً فعلية بالجنود الثابتين في أماكنهم والمكشوفين على الخلاء.

في سيناء، ثمة أغنية محلية كانت تحذر القادة السياسيين من الأكمنة الثابتة لو سمعوها، هذه الأغنية تقول؛ “يا أخويا لا تشعل النار في الخلا… النار تودي والطريق تجيب”.

استعارة التخفي في هذه الأبيات، إضافة إلى عامل المفاجأة هما الآلية التي استخدمتها التنظيمات الإرهابية لتحصد الكثير من أرواح العساكر والضباط في الكمائن الثابتة في محافظات مصر المختلفة.

عام 2016، تم استهداف كمين الصفا الثابت، في منطقة العريش في شمال سيناء وقتل عشرات الجنود والضباط بحسب الرواية الرسمية، وفي مناطق أخرى في العام ذاته، تم استهداف 4 كمائن عسكرية ثابتة، كمين العجيزي والمزاريق وأبو النمرس والصفا.

وعام 2017، تم استهداف كمين أبو صير في البدرشين، وهو كمين ثابت تابع للقوات المسلحة. وقتل الكثير من قواته.

بعد هذه الاستهدافات، قدم النائب في “حزب الوفد”، مجدي بيومي مقترحاً بإلغاء الأكمنة الثابتة، والاستعاضة عنها بكاميرات مراقبة في الأماكن التي تحتاج إلى ذلك، وربط هذه الكاميرات بغرفة تحكّم مركزية تقوم بتحريك القوة العسكرية المطلوبة وقت الحاجة.

قوبل هذا المقترح بالرفض من معظم القادة الأمنيين حينها، لكن اللواء أنور سعيد، مدير أمن القليوبية، ومساعد وزير الخارجية، ألغى كميني أبو زعبل والخصوص، الثابتين.

في الدولة البوليسية، يتداخل ما هو مدني مع ما هو عسكري، أو يتحول المدني إلى مسخ متآكل بفعل العسكرة، وتحديداً بفعل حالات الطوارئ، فتتقلص مساحة الحرية والمواطنة، كما تتقلص الحركة داخل النطاق الجغرافي. ويتحول الكثير من المواطنين إلى مرشدين عسكريين.

ذات مرة، خاطرت بالسفر مبتعداً من القاهرة، نحو الجنوب الشرقي على طريق الغردقة، وكان ذلك بعد خروجي من السجن بعام كامل، تم توقيفي على أول كمين صادفني في مدينة الزعفرانة، والحق أنني كنت متوقع إلقاء القبض عليّ، على رغم أن أوراقي ومستنداتي القانونية سليمة، ومن حقي كمواطن مصري التجول والسفر بدون إذن من أي سلطة أو جهة حكومية، ما دامت تنقلاتي داخل حدود البلاد. 

في كمين الزعفرانة، تم التعامل معي كأنني سجين هارب. تفحص الضابط بطاقة هويتي، ثم أدخل الرقم القومي على جهاز الفحص الجنائي، عرف بسهولة أنني معتقل سابق، فتحفظ عليّ، واتصل على الفور بالأمن الوطني، الذي أرسل عربة بعد ست ساعات -أمضيتها في زنزانة صغيرة تابعة للكمين- لتقلني إلى مقر أمن الدولة، في مدينة راس غارب على بعد 100 كليومتر باتجاه الجونة. 

أطلقت قوات أمن الدولة صراحي بعد 26 ساعة من الحجز الانفرادي والتحقيقات الساخنة، مر ذلك اليوم ببطء بدا كأنه عام. ففي الدولة البوليسية، بينما تتقلص الجغرافيا والحريات والأماكن، يتمدد الزمن.

في النهاية، قال لي الضابط المحقق بلهجة آمرة: لا تأتِ إلى هنا ثانيةً، عد إلى القاهرة، ولا تغادرها. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.