fbpx

الرياض- واشنطن واليمن ما بينهما…
هل تنجح جهود السلام؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن الاكتفاء بالدور الأميركي في دفع السعودية لإعلان مبادراتها المبجلة للسلام في اليمن، فمجال اختبار التوجه السعودي نحو السلام في اليمن ومثله التوجه الأميركي المعلن، ليس ما تصدره من تصريحات، بل يتمثل بالسلوك النافذ للسعودية وحليفتها الإمارات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للوهلة الأولى قد تبدو وجيهة تلك الطروحات لما يمكن اعتباره إخفاقاً لجهود الولايات المتحدة الأميركية في إنجاز اتفاق لإيقاف الحرب في اليمن، بذريعة افتقار واشنطن إلى النفوذ الفعال لدى جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران، أحد أطراف الحرب اليمنية الرئيسية، الرافضة طيلة الأشهر الماضية التعاطي الإيجابي مع التحركات الديبلوماسية المكثفة المتزامنة مع التوجهات المعلنة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بشأن الحرب في اليمن التي تبدو مغايرة لتوجهات إدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب. وقد عينت لأجل تلك المهمة مبعوثاً خاصاً لها إلى اليمن للمساهمة في إيقاف الحرب .

وعلى كارثية التعنت الحوثي في التعامل السلبي مع رسول السلام الآتي من البيت الأبيض، فهو أمر لا يصح أن يكون صادماً لصناع القرار في واشنطن، ولا لصناع الرأي والمشورة من كتاب وباحثين وخبراء، لأنه متوقع في سياق تراكم تعقيدات حرب تتفاقم منذ سبع سنوات، وكان للولايات المتحدة دور فاعل فيها بمستويات متعددة، إضافة إلى تعقيدات لاحقة كإلغاء الاتفاق النووي مع إيران وما تلاه من تطورات. وهو وضع يحتاج للكثير من الجهود الدؤوبة والواعية والصبورة لإزالة آثاره وعدم التوقف عند مقولات سطحية في تعريف الوضع وتبرير الوقوف بعجز أمام التعقيدات. وفي مقدمة تلك المقولات التصور القاصر للحرب باعتبارها قائمة بين طرفين (هما الحوثيون والسعودية) وستتوقف بمجرد اتفاقهما.

وقبل ذلك وبعده، فالاكتفاء بطرح هذين العنصرين وما يتصل بهما فقط من ملف الحرب في اليمن بكل إشكالاته وعقده، لتقييم جهود السلام، الأميركية والأممية على حد سواء، وتقديم النصائح والخلاصات بشأنها، هو حتماً عمل ناقص يقود بالضرورة إلى استنتاجات غير ناضجة وغير موضوعية، تأسست عن عمد أو عن جهل، لا فرق، على بُعد واحد من أبعاد الحرب اليمنية، وهو ما لا ينقص هذه الحرب وملفاتها، كما لا ينقص صُناع القرار للاستنارة لتصور التدخلات اللازمة للمساهمة في إيقافها، فالحاجة مُلحة  لتناولات تقدم بدقة وموضوعية جميع الحقائق لأبعاد الحرب والمأساة.

الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم مناطق شمال اليمن منذ عام 2014، طرف رئيسي في استمرار الحرب ومآسيها

الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم مناطق شمال اليمن منذ عام 2014، طرف رئيسي في استمرار الحرب ومآسيها، وفاعل أساسي في إعاقة جهود التوصل إلى تسوية سياسية تضع حداً للحرب في اليمن، ومن المهم أن يُحملوا مسؤولية سلوكهم الحربي وانتهاكاتهم المروعة، وبالمثل السعودية. لكن الأكيد المُغيب عن صورة الكثير من التحليلات وعن صناع القرار الأميركي، ربما، هو تلك العناصر الأخرى الفاعلة في استمرار الحرب في اليمن ومآسيها، وهي عناصر في كثير من جوانبها ليست خارج النفوذ الفعال للإدارة الأميركية وحلفائها، إذ تستطيع في تلك المساحة تحقيق الكثير من المكاسب لمصلحة جهود السلام وقبل ذلك وبعده للتخفيف من مآسي الحرب .

من تلك الأبعاد غير المرئية في ملف الحرب في اليمن، يمكن استدعاء الوضع في عدن، وهي عاصمة موقتة للحكومة المعترف بها دولياً المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، حليفتا الولايات المتحدة المدللتان، وكذا وضع المناطق المُنتزعة من سيطرة الحوثيين، والتي تعيش صيغاً مشوهة ضامنة للاقتتال المتكرر، وانتهاكات حقوق الإنسان، وغياب سلطة القانون، والإخفاق الإداري والاقتصادي والفساد الذي يوفر بيئة آمنة لنمو الجماعات المتطرفة، في وضع يناقض كلياً بناء نموذج لدولة القانون والتنمية كنقيض موضوعي لتجربة الحوثيين الثيوقراطية. وهي حال الحكومة المعترف بها دولياً بقياداتها ومؤسساتها السيادية المقيمة طوعاً أو قسراً، بشكل شبه دائم خارج الأراضي اليمنية. وهو وضع عام يمنح بسخاء امتيازات اليد الطولى على واقع اليمن ومستقبله سياسياً وعسكرياً وبنيوياً لجماعة الحوثيين الموالية للمحور الإيراني .

هذا النموذج على سبيل المثال مكون أساسي من مكونات ملف الحرب والمأساة في اليمن، وينعكس بداية على حياة ملايين اليمنيين وعلى الحالة الإنسانية والحقوقية في عموم اليمن وعلى المراكز التفاوضية للأطراف وتصوراتها للسلام، وهو وضع في إطار مساحة تأثير النفوذ الأميركي. وبذلك بإمكان جهود أميركية جادة وواعية أن تحقق نقلة نوعية لتصحيح الوضع لمصلحة فكرة دولة القانون والعدالة والسلام .

إقرأوا أيضاً:

وعلى رغم الانتقادات التي ستوجه للحكومة المعترف بها دولياً، إلا أن أي بحث موضوعي سيخلص إلى أدوار إماراتية- سعودية أدت إلى إفشال الحكومة المعترف بها دولياً بجملة من الفخاخ المصطنعة في عاصمتها الموقتة المفترضة عدن ومناطق سيطرتها الإسمية الأخرى، وفي مقدمة تلك التعقيدات إنشاء تشكيلات مسلحة خارج إطار القانون وتمكينها من السيطرة الفعلية وتعطيل أي محاولات حكومية، ما يعني مفاقمة معاناة اليمنيين.

إنما لا يمكن الاكتفاء بالدور الأميركي في دفع السعودية لإعلان مبادراتها المبجلة للسلام في اليمن، فمجال اختبار التوجه السعودي نحو السلام في اليمن ومثله التوجه الأميركي المعلن، ليس ما تصدره من تصريحات، بل يتمثل بالسلوك النافذ للسعودية وحليفتها الإمارات، حول المطلوب من عمليات وأدوار إيجابية فورية ومستقبلية لازمة، وما يجب وقفه من عمليات وأدوار سلبية.

من هذه المبادرات فتح مطار صنعاء أمام الرحلات المدنية، ودفع مرتبات الموظفين الحكوميين المدنيين، وتغطية خطة الاستجابة الإنسانية كاملة، والإفراج عن المحتجزين المدنيين. ومما يجب العمل على تعطيله من أدوار سلبية، الوقف الفعلي للدعم الإماراتي للتشكيلات المسلحة وأشكال الدعم الأخرى، وإعادة دمج العناصر والتشكيلات في إطار وزارة الداخلية والدفاع في إطار القانون اليمني النافذ، وتسليم المرافق الحيوية في عدن مثل المطار والموانئ والمؤسسات للجهات القانونية. كما ينبغي إخراج المعسكرات والقوات من مدينة عدن وغيرها من المدن بما في ذلك بلحاف وإعادة نشرها في مناطق عسكرية، والإفراج عن جميع المحتجزين والمختفين قسراً وإغلاق أماكن الاحتجاز غير القانونية، وتعزيز البنك المركزي ودعم الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء، وتفعيل مؤسسات إنفاذ القانون من نيابة وقضاء، المساعدة في استئناف تصدير النفط والغاز مع تفعيل آليات الرقابة ومكافحة الفساد، تشغيل مطار عدن وإتاحته لشركات الطيران التجارية.

وما لم تحرك الولايات المتحدة الأميركية بنفوذها وتأثيرها، جهوداً خلاقة لمعالجة ذلك المجال وتلك العناصر المهمة في الملف اليمني التي تقع في إطار نفوذها وتأثيرها، فإن جدية توجهاتها الجديدة ستكون محل شك، وسيكون كل تحرك أو إجراء مثل تخصيص مبعوث خاص إلى اليمن وكل جولاته المكوكية بين عواصم المنطقة، مجرد نشاط دعائي أضافت إليه إدارة بايدن بسخاء معلقاً جديداً ينضم إلى نادي آلاف المعلقين والوُعاظ المفوهين المتفرغين للشأن اليمني .

وبدون ذلك الجهد والعمل الذكي على جميع خطوط الحرب في مختلف مناطق اليمن، فلن تكون مهمة المبعوث الأميركي الفعلية سوى تحركات شكلية لجمع النقاط وبناء مرافعة تنجح في إعفاء إدارة بايدن من وعودها الانتخابية واستئناف العلاقات الدافئة مع السعودية واستمرار مبيعات الأسلحة لها بضمير مرتاح ورأي عام صامت.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!