fbpx

الكبتاغون: كيف أجّجت الأمفيتامينات غضب المملكة العربية السعودية ضد لبنان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ساهم تهريب المخدرات في إشعال فتيل أزمة لبنان الدبلوماسية مع الخليج، لكن خبراء يقولون إن هناك أكثر من المخدرات وراء جمود العلاقات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عثرت الجمارك في ميناء جدة السعودي في نيسان/أبريل الماضي على أكثر من خمسة ملايين حبة بيضاء مصفرَّة مخبّأة في ثمار رمّان مصدرها سوريا، وصادرتها.

وحبوب الكبتاغون، المُصدَّرة من لبنان في صناديق الرمان، هي عقار أمفيتامين يحظى بشعبية كبيرة في المملكة العربية السعودية، التي تعتبر أكبر سوق استهلاكي في المنطقة.

ولم يكن هذا الحادث فريداً من نوعه، فقد شهد العام الماضي تزايد عمليات ضبط مماثلة، إلا أن هذه المرة شكلت نقطة تحول بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي فرضت هذه المرة حظراً شاملاً على واردات الفاكهة والخضروات من لبنان لوقف تهريب الكبتاغون.

وفي حين ترسم عملية الضبط هذه جزءً صغيراً من صورة أكثر تعقيداً للنظام البيئي للمخدرات في المنطقة، والجهود التي تبذلها دول الخليج لمكافحتها، فإنها تمثّل أيضاً سبباً رئيسياً للتآكل المتزايد للعلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية.

فإلى جانب التوترات الدبلوماسية الأخيرة التي انتهت بطرد الدبلوماسيين اللبنانيين من المملكة العربية السعودية وبتصاعد توتر العلاقات مع دول الخليج مثل الكويت والبحرين،  أثّرت تجارة الأمفيتامين على مكانة لبنان الدبلوماسية، لكن الخلاف يتجاوز ذلك.

كان الرمان والكبتاغون سوريين، لكن روز تعتقد أنه وسط دفء العلاقات بين سوريا ودول الخليج، برز لبنان بوصفه كبش فداء لتجارة المخدرات، برغم أن الحكومة السورية هي المنتج الرئيسي للكبتاغون.

حظر سياسي

كانت الإجراءات العقابية السعودية موجهة فقط إلى لبنان، الذي يأتي في المرتبة الثانية في إنتاج الكبتاغون بعد سوريا.

وتعتقد كارولين روز، الباحثة في معهد نيولاينز، أن هذا يشير إلى أن حظر الواردات في المملكة العربية السعودية “شأن سياسي” ولن يكون له تأثير يُذكر على وقف دخول المخدرات إلى المملكة.

كان الرمان والكبتاغون سوريين، لكن روز تعتقد أنه وسط دفء العلاقات بين سوريا ودول الخليج، برز لبنان بوصفه كبش فداء لتجارة المخدرات، برغم أن الحكومة السورية هي المنتج الرئيسي للكبتاغون.

وأوضحت روز أن لبنان هو وسيط ولاعب في سوق أوسع تشارك فيه دول مثل الأردن والعراق وبعض دول منطقة البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى سوريا.

خلال هذا الشهر فقط، صادرت المملكة العربية السعودية 2.3 مليون حبة كبتاغون في معبر الحديثة على حدودها مع الأردن، ما يبيّن أنه برغم حظر الواردات المفروض على لبنان، ستظهر طرق بديلة دائماً.

وأوضح إيان لارسون، المحلل في مركز تحليل وبحوث العمليات (COAR)، أن السياسة السعودية لم تأخذ في الحسبان الطبيعة شديدة التكيف لتجارة الكبتاغون، مضيفاً أنه من المحتمل أن تكون تتويجاً للإحباط المتنامي على خلفية عدد من القضايا الإقليمية.

وقال لارسون: “إن حظر الاستيراد عشوائي مثل طلقة البندقية، وهناك بُعد سياسي واضح للتحركات الأخيرة، وهذا يسبق قضية المخدرات”.

وأقرّ نزار غانم، مدير الأبحاث في مركز الفكر اللبناني تراينغل “Triangle”، في حديثه لموقع “ميدل إيست آي” أن “مشكلة المخدرات تمثّل قضية، ولكنها ليست القضية الرئيسية”.

وأضاف: “نية السعوديين ليس وقف تجارة المخدرات في الخليج فحسب، إنما النية الحقيقية دبلوماسية، وتتمثل في الضغط على  لبنان للعودة إلى الحظيرة العربية بعيداً عن النفوذ الإيراني”.

اتخذ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان هذا النهج بنفسه في مناسبات متعددة، مشيراً إلى أن حظر الاستيراد وطرد الدبلوماسيين له علاقة بـ”استمرار هيمنة حزب الله على النظام السياسي” في لبنان.

وقال غانم: “أعتقد أن السعوديين سئموا، فقد استثمروا مليارات الدولارات في لبنان ولم يتلقوا عائداً على الاستثمار”.

 حزب الله لديه ثروة من المعرفة والخبرة التقنية، والتي أثبتت فائدتها للحكومة السورية فيما يتعلق بكيفية الاستمرار بنجاح في تجارة الكبتاغون بوصفها مصدراً بديلاً للإيرادات وطريقةً للتخفيف من آثار العقوبات الدولية.

دور حزب الله

لطالما كانت بلغاريا منتجاً مهماً للكبتاغون، لكن مداهمة المختبرات حولّت مهمة الإنتاج اضطراراً إلى سوريا في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وقالت روز لموقع “ميدل إيست آي”: “عندما انتقل الإنتاج إلى سوريا، كان هناك دائماً قدر من المشاركة من لبنان”.

نُفّذ الكثير من الإنتاج في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من قِبل مجموعات غير حكومية، والتي كانت بحاجة إلى مرافق مختبرات متنقلة يمكن نقلها لتلافي وقوعها في القبضة الحديدية للدولة السورية.  

وقالت روز: “كانت هناك شواهد كثيرة على مكان شحن معامل الكبتاغون في لبنان لفترة، حيث تنتقل إلى سهل البقاع ثم تعود إلى سوريا”.

وباعتبار سهل البقاع اللبناني منطقة خاضعة لسيطرة حزب الله وله تاريخ في إنتاج الحشيش والماريوانا، كان هو المكان المثالي لإنتاج الكبتاغون بلا هوادة  ودون عرقلة من قِبل القوات الحكومية.

كما أن المهربين في سهل البقاع ليسوا غرباء [على دراية واسعة] عن الطرق البرية والبحرية الضرورية لضمان ازدهار تجارة الكبتاغون.

يمكن القول إن المعرفة القائمة بأنماط التهريب والبنية التحتية للتهريب المتاحة في لبنان قد وفّرت لمنتجي الكبتاغون أساساً يمكنهم من خلاله تهريب المخدرات في جميع أنحاء المنطقة.

وقالت أورورا بوتيان من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) لموقع “ميدل إيست آي”: “تعمل العديد من الشبكات في أجزاء من الدولة المعنية لا تخضع لسيطرة كاملة من السلطات الوطنية”.

لكن أنماط الإنتاج تغيّرت وتحوّلت، لا سيما في سوريا، من مجموعات صغيرة تعمل في الظلام إلى مجموعات تغض الحكومة السورية الطرف عنها وتسهّل أعمالها.

 وأوضحت روز، الباحثة حول هذه التجارة منذ عام 2018: “هنا ترى دوراً مختلفاً بدأ لبنان يلعبه”.

وقالت إن حزب الله لديه ثروة من المعرفة والخبرة التقنية، والتي أثبتت فائدتها للحكومة السورية فيما يتعلق بكيفية الاستمرار بنجاح في تجارة الكبتاغون بوصفها مصدراً بديلاً للإيرادات وطريقةً للتخفيف من آثار العقوبات الدولية.

وقالت روز: “إن الإنتاج في لبنان لا يقارن بأي حال من الأحوال بمستوى وحجم الإنتاج داخل سوريا لأن لديك مشاركة ودعم الدولة في الإنتاج”. وأضافت: “في لبنان، يمكن لحزب الله أن يعمل بدرجة من الحرية والبراح والاستقلالية لتسهيل هذه التجارة”.

ويعتقد غانم من تراينغل “Triangle” أن حزب الله هو من أودى بلبنان بالفعل إلى وضعه الإشكالي الحالي في المنطقة.

وقال: “إنهم مسؤولون عن هذه الأزمة وعن إنتاج المخدرات، لكن قضية المخدرات تحديداً يستخدمها السعوديون لمعاقبة حزب الله”.

إقرأوا أيضاً:

التأثير العكسي

ألغى حظر الواردات السعودي ثاني أكبر وجهة لتصدير الفاكهة والخضروات اللبنانية، ما جعل المزارعين الذين كانوا يعيشون بالفعل في فقر- بسبب أزمة اقتصادية خانقة- أكثر فقراً. وهو ما يمكن أن يدفع المزيد من الناس إلى تجارة الكبتاغون.

وقالت روز: “توجد الآن منافسة على استخدام الكبتاغون كمصدر بديل للإيرادات، خاصةً في مواجهة العقوبات. لذا، كلما ازداد الوضع سوءاً في الاقتصاد، زاد عدد اللاعبين الذين يرغبون في التوجّه إلى إنتاج الكبتاغون ومجال التهريب باعتبارهما مصدراً للدخل”.

هذا هو السبب الكامن وراء احتمال أن يكون للحظر تأثير عكسي، وأنه يمكن أن يُفضي في الواقع إلى زيادة إنتاج الكبتاغون والاتجار فيه لأنه لا يعالج الأسباب الحقيقية لهذا الاتجار.

وقد انتشرت تجارة الكبتاغون بشكل كبير خلال العام ونصف العام الماضيين، لا سيما في المملكة العربية السعودية.

بين عامي 2015 و2019، جرت 44% من مضبوطات الكبتاجون في دول الشرق الأوسط، 26% منها في المملكة العربية السعودية، وفقاً لبيانات صادرة من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

وجادلت روز بأن السيل الهائل من عمليات الضبط المُبلغ عنها وضع المملكة العربية السعودية في موقف محرج على الصعيد الدولي.

وقالت: “إن عمليات المصادرة التي تراها من السلطات السعودية ليست سوى غيض من فيض.. ونظراً للمحرمات المتعلقة بتعاطي المخدرات ولحقيقة أن المملكة تمثّل أكبر سوق طلب ووجهة في المنطقة، لم تفصح السلطات بالضرورة علناً عن الكثير من المضبوطات الأصغر التي نراها كل يوم”.

وهذا هو السبب الكامن وراء كون المصادرات ليست مؤشراً موثوقاً به لاتجاهات تهريب الكبتاغون. إذ أخبر بوتيان من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة موقع “ميدل إيست آي” أن البلدان لم تبلغ عن الحجم الحقيقي للمضبوطات في السنوات الأخيرة.

وقالت روز:” ‘نسيت’ دولٌ في بعض السنوات إبلاغ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالمضبوطات التي تمت على أراضيها، لذا تُظهر المضبوطات المُبلغ عنها تقلّبات سنوية قوية في الشرق الأوسط”.

يعتقد بوتيان أنه لا توجد مؤشرات على أن “هذه التقلبات الهائلة على أساس سنوي تعكس تغيّرات في أنشطة الاتجار”.

لكن وفقاً للبيانات طويلة الأجل التي جمعها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات، يتّجه المؤشّر الأساسي لمضبوطات الكبتاغون لأعلى، وهو ما يُرجّح أن يكون انعكاساً لزيادة إجمالية في الاتجار.

وقالت روز: “هناك أيضاً احتمال ألا نرى مثل هذا العدد من المضبوطات المعلنة”، وأضافت: “إنهم يريدون أن يُنظر إلى فكرة حظر الاستيراد هذه على أنها إجراء فعال”.

إقرأوا أيضاً:

سياسة غير فعّالة

يفتقر النهج السعودي لوقف تهريب الكبتاغون إلى بُعد الصحة العامة، وهناك القليل من الجهد الذي يُبذل لمعرفة سبب استخدام الناس للمخدرات في المقام الأول وسبب كون المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى سوق كبير لها.

وقال لارسون من”مركز تحليل وبحوث المعلومات (COAR): “هناك حاجة، أكثر من أي شيء آخر (ماسة)، إلى نهج علاجي اجتماعي تضامني لمجابهة تداول المخدرات”. 

كانت دول الخليج بطيئة في مكافحة تجارة المخدرات بإجراءات فعالة. وليس للحظر الشامل على الواردات أهمية كبيرة بدون تطبيق مناهج شاملة تركز على الصحة العامة وفهم طرق التهريب.

وقال لارسون: “إن طرق التهريب ممهّدة وسلسة. لكن حتى الآن، ليس هناك حاجة لأن تكون كذلك.. والحكومات كانت بطيئة بطئاً ملحوظاً في استنباط نهج شامل لمجابهة ذلك”.

وفي حين يمكن أن يوقِف استيراد الفواكه والخضروات من بلد واحد تهريب الكبتاغون من خلال الصناعة الزراعية، لا يضع المهرِّبين المحنّكين كل بيضهم في سلة واحدة. 

وقالت روز: “كان الرمان يُستخدم بالأمس لتهريب المخدرات، وستكون مجفّفات الملابس أو أفران البيتزا هي الوسيلة لتهريبها غداً”.

وهذا هو السبب في أن السياسات السعودية التي تحاول وقف تهريب الكبتاغون تبدو على الأرجح لا تتعلق بالكبتاغون على الإطلاق.

في غضون ذلك، يتحمّل لبنان العبء الاقتصادي والسياسي لنظام بيئي معقّد لتهريب الكبتاغون وإنتاجه. وتواصل دول الخليج الاستعداد لتقبّل الحكومة السورية- رغم تورطها في إنتاج المخدرات- ما يدل على أن القضايا الإشكالية تتعلق بالاصطفاف السياسي للبنان، بحسب غانم.

وقال غانم: “ما تفعله دول الخليج هو في الواقع إخبار اللبنانيين بالآتي: نحن نملك مفاتيح تعافيكم”، وأضاف: “نحن بحاجة إلى دبلوماسية نشطة تصحّح وضع لبنان بطريقة مقبولة للمنطقة، إذا كنا سنحقّق الرخاء الاقتصادي”.


أندري بوبوفيشيو

هذا المقال مترجم عن middleeastey.net ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.


إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!