fbpx

التحقيق المستحيل بجريمة مرفأ بيروت :
محاولات عرقلة بيطار مستمرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يفت نصرالله خلال توبيخه القضاء الطلب من “الجهات السياسية والدينية الكف عن التدخل بالقضاء”، وحذر مجدداً من الفتنة التي قد تنجم عن المسار القضائي في قضية الطيونة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نجح المدعى عليهم في جريمة انفجار مرفأ بيروت حتى اليوم في عرقلة مسار التحقيقات والبحث عن الحقيقة لإحقاق العدالة. وعلى رغم صدور سبعة قرارات قضائية، الخميس 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، من شأنها حماية مسار التحقيق، إلا أنه ما زال معلقاً وما زالت يد المحقق العدلي في القضية، طارق بيطار، مكفوفة عن الملف بفعل مخالفة قانونية ارتكبها رئيس محكمة استئناف بيروت، القاضي حبيب مزهر. إذ أدى قراره وكثرة الدعاوى التي تقدم بها مدعى عليهم إلى تعقيدات قضائية. 

بدأت ترتفع أصوات قضائية رفضاً لازدياد الضغوط التي تواجه القضاة في قضية المرفأ وغيرها من القضايا المرتبطة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وتشير معلومات من داخل السلك القضائي إلى ميل عشرات القضاة إلى تقديم استقالاتهم. وعلى رغم ذلك ما زال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله يمارس ضغوطاً على القضاء، مستغلاً قوته وملوحاً بالفتنة، فيخاطب القضاة وكأن له سلطة عليهم.

“حزب الله”، لا يزال يضغط لإيجاد مخرج للتخلص من بيطار. وقد شهد لبنان في الأسابيع الأخيرة أحداثا أمنية في منطقة الطيونة أدت إلى سقوط قتلى، وممارسة ضغوط نفسية على القضاء وتعطيل الحكومة بعد أيام من تشكيلها بانتظار أن تنفذ الأمر وتتخلص من بيطار كشرط لعودتها للانعقاد. كل هذا مع العلم أن المحقق العدلي لم يستدع بعد أي فرد من “حزب الله”، إضافة إلى أنه لن يصدر أحكاماً بالقضية إنما سيحيلها إلى لجنة مؤلفة من خمسة قضاة. فلماذا كل هذا التوتر في موقف الحزب من التحقيق؟

معركة لم يشهدها لبنان

في قضية الانفجار، تؤكد خمسة من القرارات القضائية الصادرة راهناً أن لا أسباب مشروعة للارتياب بحيادية بيطار. بينما يثبت قرار آخر أن تعليق التحقيق الذي تم بقرار من مزهر منعدم الوجود، فمزهر ليس معنياً بالنظر في طلب كف يد بيطار. 

يترقب المحامون والقضاة أن يستكمل التحقيق سريعاً وأن تتضح آلية استكماله، إذ سببت كثرة الدعاوى التي تقدم بها المدعى عليهم وتجاوز مزهر صلاحياته إرباكاً في القضاء ولدى المحامين. والمدعى عليهم النشطون في عرقلة التحقيق هم وزير الداخلية السابق النائب نهاد المشنوق، ووزيرا الأشغال العامة والنقل السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر ووزير المالية السابق النائب علي حسن خليل ورئيس الحكومة السابق حسان دياب.

مزهر الذي كلف بالنظر في طلب كف يد القاضي نسيب إيليا، رئيس الغرفة رقم 12 في محكمة الاستئناف، عن النظر في طلب كف يد القاضي بيطار، كان قد تجاوز صلاحياته واختار من تلقاء نفسه جمع الملفين الذين سمّيا 72 و69. كما حاول بالتحايل الحصول على كامل ملف التحقيق بجريمة المرفأ. وفي 4 تشرين الثاني سارع مزهر إلى إبلاغ بيطار بطلب كف يده، ما أوقف بيطار عن متابعة الإجراءات المتعلقة بالتحقيق. ويلفت أحد القضاة، رافضاً الكشف عن اسمه، في حديث إلى “درج” إلى براعة مزهر القانونية، ويشير إلى أنه تعمد ارتكاب الخطأ الذي لا يمكن أن يرتكبه قاض بخبرته. ويدعو القاضي إلى توقع كل شيء من الطرف الذي يعرقل التحقيق لأنه ليس خصماً شريفاً.

خياران لاستكمال التحقيق

المحامية في المفكرة القانونية، غيدة فرنجية توضح لـ”درج” أن التحقيق لا يزال معلّقاً بموجب قرار مزهر. لكنها تشير إلى قرارين يؤكدّان أن قرار مزهر منعدم الوجود: قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، القاضي حبيب رزق الله، الذي فصل الدعاوى 69 و72 عن بعضها، وأكد أن مزهر ليس مكلفاً في الـ69، وقرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي أكدت أن محكمة الاستئناف ليست الجهة المختصة لرد المحقق العدلي.

وتشير فرنجية إلى خيارين ممكنين لإلغاء مفاعيل قرار مزهر من أجل استئناف التحقيق. الأوّل هو أن يعتبر بيطار القرار منعدم الوجود استناداً إلى القرارين السابقين. أما الاتجاه الثاني فهو أن يصدر قرار صريح عن قضاة محكمة الاستئناف بإلغاء قرار مزهر، علماً أن اثنين من قضاتها مكفوفة يدهما موقتاً عن الدعوى 69.

وتؤكد المحامية: “نحن بانتظار أن يتخذ المعنيون الخطوات اللازمة لاستكمال التحقيق لأن الأمد طال كثيراً”.

مثلها ينتظر المحامي الموكل عن الضحايا الأجانب في الانفجار، فاروق مغربي، أن تتضح الصورة هذا الأسبوع. لكنه لا يشير إلى خيارات واضحة. “فحتى وإن كان القرار غير موجود هناك آلية لعودة بيطار إلى العمل واستكمال التحقيق. نتحدث عن أمور لم نشهد سابقة لها لأنه لم يحصل أن قرر قاض المضي حتى النهاية”. 

يرى المحامي يوسف لحود، الموكل من قبل نقابة المحامين متابعة التحقيقات، أنه بعد رد قاضيين من محكمة الاستئناف يجب أن تتشكل مكتملة كي تتمكن من البت بالملف 69. وعليها أن ترد الدعوى بالشكل لعدم صلاحيتها بضوء قرار الهيئة العامة التي تولت صلاحية رد القاضي العدلي إلى محكمة التمييز. 

ويشير لحود إلى التعقيدات التي حصلت بسبب كثرة الدعاوى. ويتوقع أن يستمر المدعى عليهم بالقيام بكل ما يمكن لعرقلة التحقيق، لكنه يراهن على تماسك القضاء. وقد فاق عدد الإجراءات القضائية التي اتخذها المعرقلون 20 إجراءً أمام جهات قضائية مختلفة. ويؤكد لحود أن ما قاموا به من ادعاء واستخدام طلبات الرد بهدف العرقلة تبيحه المواد القانونية، لكنه يشير إلى وجود تعسف في استخدام هذه المواد. 

إقرأوا أيضاً:

مخاوف من خرق السلطة القضائية

يرى مغربي أن ما لم يستطع المعرقلون فعله بالقانون حاولوا فعله عبر القاضي مزهر. يشار إلى أن مزهر عين عضواً في مجلس القضاء الأعلى في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، قبل أن يسارع لوضع نفسه بمواجهة بيطار.

ولا يخفي لحود خشية المحامين من “خرق السلطة القضائية التي لا تزال متماسكة كما أراد سهيل عبود (رئيس مجلس القضاء الأعلى)”. ويرى أن الأخير تصرّف كرئيس سلطة قضائية مستقلة يمكنها إذا ما استمرت هكذا أن تصل إلى الحقيقة رغم العراقيل.فرنجية تميّز بين القضاء وبقية مؤسسات الدولة، “بإمكان الانقسام أن يعطل مؤسسات كمجلسي الوزراء والنواب لكن القضاء يختلف عنها، ففي القضاء كل قضية تسير في المحكمة المختصة بها، كما حصل بموضوع مزهر إذ لجأت القوى السياسية إلى استخدام قضاة ضد قضاة بعدما فشلت بإزاحة بيطار عبر مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى والشارع والسلاح”.

من يحاسب مزهر؟

في حين تدل كل المعطيات إلى تعمد مزهر مخالفة القوانين وعرقلة التحقيق في جريمة أدت إلى مقتل أكثر من 200 شخص، يطرح سؤال بدهي عن إجراءات لمحاسبته إن ثبت تعمده ذلك. 

ففي 8 تشرين الثاني تقدم عدد من المحامين بشكوى مسلكية ضد مزهر أمام هيئة التفتيش القضائي لكف يده وإيقافه عن العمل وتعليق عضويته في ​مجلس القضاء الأعلى الى حين صدور قرار التأديب، والطلب من ​النيابة العامة التمييزية فتح تحقيق عدلي فوري معه، تمهيداً لتحريك الحق العام أصولاً ضده بجريمتي التزوير المعنوي ومحاولة خرق سرية تحقيق جنائي. ووفق فرنجية، حتى الآن لم يعلن عن أي إجراء. وتطالب المحامية باتخاذ إجراءات سريعة في هذه القضية، نظراً إلى أهميتها الوطنية. بينما لا يتوقع القاضي أن تقوم هيئة التفتيش القضائي أو النيابة العامة التمييزية بمحاسبة مزهر نظراً لسيطرة السلطة السياسية الحاكمة على المراكز القضائية الأساسية والفعالة في مكافحة الفساد. 

تمرد الأجهزة الأمنية

إلى اليوم يمتنع مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان عن تنفيذ مذكرة التوقيف التي صدرت عن بيطار بحق النائب علي حسن خليل بتاريخ 12 تشرين الأول. وهو ما يطرح السؤال عن مصير المذكرة وبقية القرارات التي قد تصدر عن القضاء وتتمرد عليها الأجهزة المعنية بالتنفيذ. وتذرع عثمان حينها بأنه أرسل طلباً للنيابة العامة التمييزية للاستفسار إن كان بإمكانه تنفيذ مذكرة توقيف بحق نائب بما أن مجلس النواب منعقد. تعتبر المحامية في المفكرة القانونية أن المسؤولية الأساسية هنا تقع على النيابة العامة التمييزية وعلى وزير الداخلية لأن قوى الأمن الداخلي تأخذ أوامرها من هاتين الجهتين. وتضيف فرنجية: “السؤال المطروح هو بماذا ردت النيابة العامة التمييزية؟ أهم الخلاصات التي نقوم باكتشافها أن الموضوع لا يتعلق بقرار القضاء وحده، بل بالتزام الأجهزة بتنفيذ قراراته. لدينا أحكام جيدة صادرة عن القضاء لكن الأجهزة لا تنفذها كالقضايا التي ربحتها ضد الأمن العام في ما يتعلق باللاجئين ولم ينفذها”.

ويعتبر لحود أن على القوى الأمنية تتفيذ القرارات القضائية، “عندما تصبح سلطة تناقش القرارات فهذا يؤدي إلى الفوضى. خطير جداً اعتراض القوى الأمنية، فإذا كرسنا هذه القاعدة يبدأ جميع المرؤوسين بمناقشة رؤسائهم وتضيع هيبة القضاء”. 

بينما يلفت مغربي إلى دور وزير الداخلية، بسام المولوي، الذي اعتبر أن الضابطة العدلية لا تملك صلاحية التبليغ “على رغم أنه كان رئيساً لمحكمة الجنايات حيث تتم كل التبليغات عبر الضابطة العدلية”.

يترقب المحامون والقضاة أن يستكمل التحقيق سريعاً وأن تتضح آلية استكماله، إذ سببت كثرة الدعاوى التي تقدم بها المدعى عليهم وتجاوز مزهر صلاحياته إرباكاً في القضاء ولدى المحامين.

نصرالله يضغط مجدداً

في هذا الوقت، يستمر الأمين العام لـ”حزب الله”، في محاولة الضغط على القضاء والتدخل بشؤونه وتوجيه الأوامر للقضاة. ففي كلمته الأخيرة جدد نصر الله اتهاماته بتسييس قضية المرفأ وباعتبارها تتخذ مساراً استنسابياً سياسياً “لا يوصل لا إلى حقيقة ولا إلى عدالة”.  بل واتهم كل قاض لا ينفذ أوامره بالاستنسابية مستنكراً إسقاط دعاوى مخاصمة الدولة الارتياب المشروع وكف اليد بمقابل قبول الارتياب بالقاضي غسان خوري. وسأل، “هل يوجد في القضاء اللبناني قاض يجرؤ على اتخاذ قرار بتنحية القاضي العدلي في ملف مرفأ بيروت”. وبعيداً من محاولة تسطيح القضية والقفز فوق المواد القانونية، لجهل بها ربما، فقد وضع نصرالله جميع القضاة المعنيين بالقضية بدائرة الشبهة، بينما لم يفته رد الجميل للقاضي مزهر والثناء على أدائه المخالف للقوانين.

كما لم يفت نصرالله خلال توبيخه القضاء الطلب من “الجهات السياسية والدينية الكف عن التدخل بالقضاء”، وحذر مجدداً من الفتنة التي قد تنجم عن المسار القضائي في قضية الطيونة.

عشرات القضاة يفكرون بالاستقالة

يشهد القضاء واقعاً صعباً تزيد حدته الأزمة المالية والعراقيل التي تكبل عمل القضاة. هنا يتحدث القاضي الذي حاوره “درج” عن حالة يأس تصيب القضاة النزيهين. ويقول إنه بات واضحاً ميل عدد كبير من القضاة النزيهين غير المحزبين للتقدم بطلبات استيداع عند أول فرصة. إذ يسمح لهم قانون تنظيم القضاء العدلي بتقديم طلبات استيداع مدة سنة لا يتقاضون خلالها راتباً. ويؤدي هذا الإجراء إلى تجميد وضع القاضي. “وهو ما يمكّنه من السفر والعمل في بعض دول الخليج حيث بإمكانه العمل من دون عراقيل براتب أفضل وضمن وضع نفسي ومعنوي أفضل. وفي حال فتح باب الاستيداع فإن عدد الطلبات سيفوق المئة”.

وعن تقدم أربعة من القضاة المعروفين بنزاهتهم بطلبات استقالة وما حصل من ربط بينها وبين الضغوط التي تمارس على القضاة، يشير القاضي إلى الضرر الذي قد تلحقه هذه الاستقالات بالجسم القضائي بأكمله، نظراً إلى الكفاءة والخبرة اللتين يتمتع بهما هؤلاء. ويلفت إلى جو ساد لدى القضاة الأحرار “منذ اندلاع الثورة” يرفض طريقة تعاطي السلطة مع مطالب الشعب. ويشكو القاضي من سيطرة السلطة القضائية على المفاصل القضائية الأساسية التي جعلت من هؤلاء القضاة يشعرون بأنهم شهود زور. “الشعب على حق لكن القانون وموجب التحفظ، يهددان رقبة القاضي ويعيقانه عن العمل. هذا الشعور يزداد ويزيد المسؤولية على القاضي”. ويذكر القاضي بأن الحل يكمن بإقرار قانون استقلالية القضاء ووضع كل السلطات القضائية بيد مجلس القضاء الأعلى الذي ينتخبه القضاة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.