fbpx

أحلام صغيرة لسوريات في المنفى…
إبرة وخيطان وأقمشة وحكايات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عن ميادة، ذكريات البداية وحكاية يدويات بنات زينب، وعن ماسة، حكاية إبرة وخيط وحبها وشغفها بدمج الألوان والغرزات، وعن نيرمين، وحلمها بأن يكبر مشروعها الصغير… عنهن أكتب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد عام 2011، وما تبعه من أحداث عنيفة ودموية في سوريا، والخسائر الكبيرة التي تكبدها السوريون وتشردهم خارج الوطن وما يعنيه ذلك خصوصاً على النساء، كان لذلك أثر كبير على النساء من الناحية الاقتصادية، إذ أصبح البحث عن مردود عائلي يعيل عائلاتهن حاجة ملحة. لذلك استثمرت كثيرات في الحياكة والصوف والتطريز وتصميم الملابس، بما يذكر بالتراث السوري ويحقق لهن متعة.

هنا حكايات سيدات من مدن وبيئات سورية مختلفة، بعدما فررن من الحرب ونزحن إلى تركيا والمخيمات في إدلب شمال سوريا، أنشأن مشاريعهن الخاصة، وساعدن لاجئات على العمل في مهنة رأسمالها إبرة وخيط، بينهن نساء ورِثْنَ ذلك عن أَمّهاتهن، وأخريات تعلمنَ التطريز عبر “يوتيوب”. 

حكاية ميادة

غادرت ميادة العيسى (66 سنة) سوريا عام 2014، وهي تُقِيمُ في غازي عينتاب التركية، حيث عملتْ أُستاذة لغة عربية ومدربة تربوية.

بدأت بالتعلم على صنارة الصوف مع أخوتها على يدي والدتها زينب قبل رحيلها عن العالم، فيما كانت لا تزال تتابع دراستها، التي لم تمنعها من حياكة بعض القطع الصوفية لأطفالها، وصناعة هدايا لعائلتها وأصدقائها. 

عام 2011 عندما بدأت الثورة السورية، بدأت ميادة مع أختيها غادة وميسون، بصناعة القبعات واللفحات (الوشاح) من الصوف وتقديمها هدايا للمتظاهرين. 

وانضمت لاحقاُ إليهن نساء المدينة الشجاعات لمساعدتهن، في حياكة الصوف بخيوط ملونة بألوان علم الثورة السورية. 

“أتذكر عندما كنا نذهب لشراء بكرات الصوف، كان البائع يجهز كل شيء مسبقاً، يرصف البكرات بألوانها الأربعة المعتادة، الأخضر، الأحمر، الأبيض، الأسود، من أجلنا”.

يدويات بنات زينب

تروي ميادة حكايتها: “بعدما اضطررتُ لمغادرة سوريا. بدأت مرحلة جديدة في حياتي، كنت أعيش في غرفة أوتيل، في مدينة أنطاكية. حينها وجدت سوريات لاجئات كثيرات من حولي، لم أكن وحدي في هذا المكان، إذ إن الحرب بدأت تشردنا خارج البلد. 

طرأتْ ببالي فكرة أن أطرح على النساء تعلم حياكة الصوف، وربما نقوم بأشياء مفيدة أفضل من الجلوس طوال اليوم من دون فائدة. بدأنا العمل بعدها، كنت أشتري بكرات الصوف المناسبة، ومن ثم، نبيع ما نصنعه للشباب والشابات السوريين في تركيا، الذين لديهم أنشطة تخص الثورة السورية”. وتضيف: “لكن بعد فترة قصيرة استطعنا أن نوسع عملنا، أنشأنا صفحة على فايسبوك عام 2015، بدأنا نصنع المنسوجات الصوفية ونسوقها على الصفحة، ونقدم بعضها في معارض خيرية في تركيا”.

وشاءت المصادفة أن تلتقي ميادة بمديرة منظمة يابانية تتحدث اللغة العربية، اقترحت عليها الانتقال من العمل في الصوف إلى التطريز الريفي السوري، على الملابس والحقائب وغيرها. 

لم يكن الانتقال من صنارة الصوف إلى إبرة التطريز صعباً بالنسبة إلى ميادة وأخواتها، “وهذا بفضل والدتي رحمها الله، كانت تقول عيب على الصبية ما تشتغل كل شي، وتكون تعرف بكل شي. وتخليداً لروحها وذكراها، أطلقنا على مشروعنا اسم (يدويات بنات زينب)”.

وتكمل ميادة: “أصبحنا 17 أمراة، مع الأسف لم يكن هذا العدد ثابتاً بسبب ظروف النساء، كالسفر والزواج والبحث عن وظيفة لها مردود مادي أكبر. أعلم أن الشغل اليدوي و خصوصاً التطريز يأخذ الكثير من الوقت والجهد،وبالمقابل مردوده المادي قليل جداً. لكن الهدف منذُ البداية كان أن تعتمد النساء على أنفسهن في العمل”.

وتضيف: “برأسمال إبرة وخيط وصلنا إلى هنا. تصلنا أحياناً طلبات من أوروبا وأميركا، لكن أكثر المشترين هم الذين يأتون لزيارة تركيا”. وتردف بحماسة: “لا أريد أن أبالغ لكن هذا المشروع مهم جداً بالنسبة إلي، ربما أجلس في البيت مدة طويلة وأنا أعمل، ولا أشعر بالملل، المتعة فقط”.

إقرأوا أيضاً:

حكاية نيرمين الحنيني

نيرمين الحنيني (35 سنة)، متزوجة وأمُّ لـ3 أطفال. تعيش منذ 3 سنوات في مخيم باريشا. تعمل في حياكة الصوف في فصل الشتاء، أما في الصيف فيقتصر عملها على صناعة علب المحارم أو بيوت القرآن. 

منذ 12 عاماً، طلبت نيرمين من والدتها حورية أن تعلمها كيفية استخدام صنارة الصوف، حينها تعلمت القطب الأساسية.

كانت في 23 من عمرها، استطاعت أن تطور تلك الدروس التي حصلت عليها من والدتها، وتبتكر بعض القطب الجديدة. حتى بدأت تحيك ملابس للدُمى. 

“في كانون الأول/ ديسمبر 2019، سيطر النظام السوري والميليشيات الإيرانية على مدينتي كفرنبل شمال غربي سوريا. ما اضطرني للخروج منها مع عائلتي بمساعدة الدفاع المدني، واتجهنا إلى مخيم باريشا بالقرب من مدينة سرمدا”، وتتابع نرمين روايتها “ذات يوم، قررت أن أساعد زوجي في ظل أوضاعنا الاقتصادية الصعبة، بدأت العمل بحياكة الصوف وصناعة ملابس للأطفال وبيعها. حصلت على إقبال جيد لا سيما من نساء المخيم، وصرت أعمل ليلاً نهاراً، حتى في الشتاء القارس”. 

“أتذكر عندما بعت أول قطعة صنعتها، شعرت حينها بأنني أمراة فاعلة في المجتمع وأستطيع أن أعتمد على نفسي”، وتضيف: “أشعر بأن لدي ارتباطاً روحياً مع خيوط الصوف، لدرجة أنني كلما صنعت قطبة أبتسم لها وكأنني انتهيت من بناء أول حجرة من بيتي الجديد”. وتتمنى نيرمين أن يكبر مشروعها وتتطور تلك الهواية التي ورثتها عن والدتها.

مهاجرة إلى الصوف…

ماسة كرمان (27 سنة) هجرت من مدينتها حلب عام 2016، تعيش مع عائلتها في اسطنبول التركية، تدرس إدارة أعمال في جامعة اسطنبول، متزوجة وأمّ لطفلين. بدأت كرمان، مشروعها في التطريز، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عبر حساب تجاري على “إنستغرام”.

ماسة لم تكن تدرك عندما بدأت تتعلم التطريز عبر “يوتيوب”، مستخدمة القماش البسيط والخيطان غير المخصصة للتطريز، أنها اكتشفت موهبتها المدفونة طوال تلك السنوات. وأن هوايتها سوف تتحول إلى مشروع تجاري. بعد شهر واحد من تعلمه، حصلت كرمان على دعم وتشجيع من عائلتها وأصدقائها، الذين آمنوا بموهبتها وقدرتها على التطريز بشكل مذهل. على رغم اختلاف مجال دراستها عن مهنتها، إلا أنها استطاعت أن تدير مشروعها بإتقان. 

“أتذكر القطع الأولى التي قمتُ ببيعها، أخبرني الزبائن عن رضاهم وإعجابهم بالتطريزات، ما أكسبني ثقة بالنفس، وأزاح من رأسي الخوف”. 

حكاية إبرة وخيط

“الطارة بالنسبة إلي، حكاية بحد ذاتها. بالبداية تكون عبارة عن قماشة بيضاء، تشبه ورقة في دفتر كاتب بدأ يخط كلماته الأولى من رواية جديدة، وعندما ينتهي من الكتابة، يراوده شعور مختلفة لا أحد يعلمه سواه، ربما يحزن أو يفرح بمولوده الجديد، هذا ما أشعر به في كل مرة أنتهي من الرسم أو الكتابة على الطارة. تختلط مشاعر الحزن والفرح، حتى إنني أشعر بالامتنان لما أنا عليه الآن. لذلك، أحببت هذه المهنة لما تمنحني من شغف. ووضعت على حساب انستغرام جملة (حكاية إبرة وخيط)”. 

وتقول: “على رغم المصاعب والتحديات التي تواجهني في حياتي كامرأة مسؤولة عن طفلين ودراستي، إلا أنني أجد متنفساً في زحمة الحياة والضغوط. عندما أسرق قليلاً من وقتي، وأمسك الطارة والإبرة والخيط، وأبدأ العمل من دون أن أشعر بالوقت، حتى أنتهي من إنجاز لوحة جديدة”. وتتابع: “أعلم أن كثيرين يشترون من الأسواق، قطعاً مطرزة بواسطة الآلات، وربما تكون مشغولة بشكل أفضل، لكن بالمقابل، يعرف كثيرون قيمة العمل اليدوي وما يتطلبه من جهد وتعب ووقت”.

“بعد عام على بدء مشروعي الصغير، استطعت المشاركة في معرِض الكتاب الدولي في إسطنبول، ضمن القسم المخصص للأعمال اليدوية، كان هناك إقبال كبير على المنتجات اليدوية من جميع الجاليات العربية، ما أعطاني حافزاً كبيراً للاستمرار والمثابرة. والآن أخطط لإنشاء مشغل خاص بي وأدرب الكثير من الفتيات والنساء على مهنة تحمل الكثير من الحب والسلام الداخلي”. 

إقرأوا أيضاً: