fbpx

“الستات بتكرمش أسرع”:
حين حذّر الكاهن خطيبي من أنني أكبرُه بعامين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ اللحظة الأولى لدخول مكتبه، لم ينظر إلي، شعرت كما لو كنت شفافة تماماً أو قطعة ممتدة لزجاج مكتبه، كان كلامه كله موجهاً إلى خطيبي، ظللت أتابع أسئلته فقط وأحاول التحكم في عضلات فمي لئلا أضحك وأفسد أي شيء أثناء حوارهما الأكثر غرابة وربما طرافة أيضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنت في السادسة عشرة من عمري حين أخبرتنا “الخادمة” (خدمة الرب) في فصول مدارس الأحد المخصصة للفتيات في الكنيسة، بوجوب عدم تناول القربان المقدس في فترة الحيض، واقترحت علينا طريقة لإلقاء التحية على الشماس الذي يوزّع لقمة البركة، والإشارة له بالشكر على اللقيمات، لحرمانية أكل القربان المقتطع من “الحمل المقدس” للسبب ذاته؛ البعض فكر بوجوب إمساكها وإعطائها لأحد أفراد الأسرة لكن مع الحرص على عدم أكلها نهائياً في فترة الحيض.

مع كل محاولاتي  لتفسير الفكرة، ومحاولات إلباسها عنوة ثوباً متحضراً، إلا أن  المبررات مجتمعة لم ترق لي في كل حال، ولم أناقشها مع أحد.

وفيما اعتذرت فتيات عن المشاركة في القداس الإلهي والتناول من “الإفخارستيا” في أوقات معينة، دون إفصاحهن عن السبب المعروف مقدماً، كنت أتقدم بثقة لحضور القداس والتناول في أي وقت وفي أي كنيسة طالما لديَ القدرة الصحية، أما قطرات الدم الطبيعية فلم تدفعني يوماً إلى الاختباء في المنزل، ولم تقيدني بقواعد لا أفهم مبرراتها غير أنها تفسيرات ذات طبائع ذكورية تشير في دلالاتها إلى نجاسة النساء أثناء الدورة الشهرية، مهما ادعى مبرروها أسباباً غير ذلك.

الخلاف على أحقية تناول المرأة من الأسرار المقدسة أثناء فترة الحيض متأثرة بالموروثات الشعبوية التي تجعل المرأة في المرتبة التالية للرجل، وبالقياس في كل الأمور التي يتم تجميد العقول بها مع استحالة مناقشتها أو الجدل فيها وإلا أصبحت مكروهاً وسط المتدربين على قول نعم “ابن الطاعة تحل عليه البركة” هي مقولة تشبه القانون في الكنيسة يتم إلصاقها أحياناً على الجدران وقبل ذلك تُحفر بالأذهان، لتفويت أي فرصة للجدال. 

حين كاد رجل الدين يفسد زواجي

عام 2014 كان عليّ إنهاء إجراءات الزواج الذي تصاحبه شروط وضعتها الكنيسة الأرثوذكسية على ملف الزواج والطلاق.

أحد تلك الإجراءات كتابة محضر الخطوبة في عقد رسمي، مع اصطحاب شهادة “خلو الموانع”، التي تفيد بعدم زواج أحد الطرفين من قبل، أو ارتباط أي منهما بخطبة رسمية، وفي حال وجدت سابقاً كان لا بد من إثبات فسخها بإحضار عقد آخر يفيد بذلك. هنا يتقدم العروسان إلى البطريركية بطلب ختم على تلك الأوراق من وكيلها.

كانت الإجراءات مملة، لكنها سارت بشكل طبيعي حتى مرحلة ختم الأوراق، أبلغنا أحد المساعدين أن وكيل البطريركية القمص سرجيوس، يريد مقابلتنا بشكل شخصي قبل ختم الأوراق، محدداً موعداً يناسبه.

تساءلنا ما الذي فعلناه يستحق المقابلة، فجميع أوراقنا مستوفاة تماماً، ولا وقت لمزيد من المماطلة، هاتفناه شخصياً وأصر على اللقاء قائلاً إنها جلسة “نصح وإرشاد”.

هذه الكلمة غير مستساغة ولا تقال إلا في حالة رغبة أحد الأفراد ترك المسيحية والتحول إلى الإسلام، حيث كانت تعقد جلسات النصح والإرشاد منذ أكثر من 60 عاماً، يسدي خلالها الأب الكاهن بعض النصائح للشخص الراغب في ترك دينه، ويحاول فهم ما إذا كان ذلك عن اقتناع أم أن له هدفاً آخر من اعتناق الإسلام.

فكرت بالسبب الذي يدفعه ليرشدني وخطيبي لكن القمص سرجيوس أشار إلى أن الجلسة ستوضح لنا كل شيء.

منذ اللحظة الأولى لدخول مكتبه، لم ينظر إلي، شعرت كما لو كنت شفافة تماماً أو قطعة ممتدة لزجاج مكتبه، كان كلامه كله موجهاً إلى خطيبي، ظللت أتابع أسئلته فقط وأحاول التحكم في عضلات فمي لئلا أضحك وأفسد أي شيء أثناء حوارهما الأكثر غرابة وربما طرافة أيضاً.

*”قل لي.. لماذا خلق الله آدم قبل حواء؟

-لتكون معينة نظيرة.

* لكن الراجل يسود على زوجته… دي طبيعة الحياة.

– وطبيعة الحياة المشاركة مش لازم يكون حد أعلى من حد.. عامة يا أبونا في حاجة معينة عايز توصلهالنا؟

* أيوة يا ابني عايز انصحك أن فرق السن لصالحها هي أكبر منك بسنتين زي ما مكتوب قدامي ده هيخليها مع الوقت تبان أكبر… الستات بتكرمش أسرع من الرجالة وبيبان على ملامحها… “بؤها” بيسقط ووشها بيعجز وبطنها بتكبر بعد الحمل.. أنا بقول ده عشان تعيد حساباتك”.

شعرت بأن الزمن توقف بي لحظات، حاولت استجماع أي شيء أو كلمة واحدة أقولها لأحرر لساني المنعقد.. لكن من دون جدوى فالصدمة أخرستني بالكامل.

وكيل البطريركية إذاً اقتطع من وقته وجدوله المشغول لآخره لمقابلة اثنين على وشك الزواج لنصحهما وإرشادهما بعدم إتمام الزيجة لأن محيط فم الست وبطنها يكبران بسرعة ولا يصح أبداً أن يكون فارق السن لصالحها حتى لو سنوات قليلة… فالرجل لا بد أن يسود على المرأة”.

كل ما قلته: “انت عايز تفركش الجوازة يا أبونا؟” تجاهل سؤالي، واستكمل حديثه دون النظر لي: “دوري أنصحكم”. شكره خطيبي على النصيحة، وحصلنا على الختم ثم نظرنا إليه باحتقار شديد، وخرجنا من دون إلقاء أي تحية عليه.

الكنيسة الأرثوذكسية القبطية إحدى الكنائس الأرثوذكسية المشرقية المؤسسة على تعاليم المُبشر بالمسيحية في مصر القديس مار مرقس الرسول، ويعود تأسيسها إلى أكثر من 19 قرناً من الزمان، حيث تأسست من خلال إدماج الأقباط فيها بكيان ديني وشخصية مميزة، غير أن نظامها البطريركي الأبوي جعلها تمر بمراحل من تغير المبادئ والنقلات الفكرية كثير منها يتسم بالصرامة والجمود بسبب تمسك رؤوسها وبابواتها بوجهات نظرهم، وتضمينها كمسلمات ضمن التعاليم المتناقلة بين الناس.

إقرأوا أيضاً:

نظرة دونية للمرأة متجذرة في التعاليم

“لا تقرب إليك امرأة، لا تأكل معك ولا تدعها تدخل منزلك فالغضب يمشى خلفها” ،”لا تحادث امرأة ولا تدخل عندها”، “إذا اضطر أحد الرهبان الكلام مع النساء، فليدر وجهه عن نظرهن عند كلامه معهن، ليفر من لقاء الراهبات ومؤانستهن ونظرهن، كالهارب من فخ الشيطان، لئلا يتسخ بحمأة الأوجاع النجسة”.

الفقرات السابقة هي مجرد مقتطفات ضمن التعاليم المكتوبة في “بستان الرهبان”، وهو أشهر الكتب ويضم الكثير من أقوال ومأثورات لكبار الرهبان ومؤسسي المدارس الرهبانية المختلفة في مصر. 

النظرة الدونية إلى المرأة لدى عموم القيادات في الكنيسة الأرثوذكسية إذاً ليست شطحات فردية، هي مبنية على تعاليم تجذرت عند السابقين وتناقلتها الأجيال، حتى بات الدفاع عنها بمثابة حماية للعقيدة، في المقابل يواجه أصحاب دعوات تحرير الخطابات المتناقلة من رجعيتها  ونبرتها الذكورية الواضحة باتهامات الهرطقة، والشيطنة.

الباحث أمجد بشارة يقول لـ”درج”  إن انتشار الثقافات الوثنية وسياسة البقاء للأقوى جارت على حقوق المرأة، وانحسر وجودها لخدمة أغراض الرجل وتربية الأطفال، حتى إن الكنيسة تأثرت على مدار تاريخها بهذه الأفكار وأنهت رتبة الشماسات “النساء” لفترات طويلة. 

فيما أوضح الباحث ميشيل غبريال لـ”درج” أن المطران الراحل الأنبا بيشوي قام بتحريف مخطوط تعود للقرن الرابع الميلادي، كانت تشير إلى وشم القديسة مهرائيل المرضى بالزيت المقدس، “وهو طقس يقتصر على رجال الكهنوت”، وطلب من الباحث وصاحب كتاب القديسة مهرائيل، بمسح كلمة الزيت واستبدالها بكلمة الصليب كي لا تتساوى الفتاة الصغيرة مع الكاهن، ولا يصل لأحد أن هذا السلوك يمكن أن تقوم به امرأة. 

الصراع بين الماضوية والمتحررين منها

يطفو الصراع بين فريقي أصحاب الفكر التقليدي والمنادين بوجوب رؤية عصرية للخطاب الديني الأرثوذكسي من جهة أخرى إلى السطح في أكثر من حدث، منها حين أصدر الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط كتابه “المرأة في المسيحية”، وناقش فيه أموراً تتعلق بالتعاليم المتواترة عن النساء، وضرورة مراجعتهاا بما يتفق وروح العصر. منها رأيه في أحقية تناول الحائض، من دون الحاجة إلى التطهر من شيء طبيعي غير نجس يحدث للنساء، وأطلق على الدورة الشهرية مصطلح تدفق دماء الحياة، موضحاً أن الكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس، والكنيسة الكاثوليكية، وكنائس أخرى ألغت تماماً هذا الموضوع، بيد أن كتابه لاقى هجوماً عنيفاً من أساقفة كُثر، وهاجمته صفحات تقدم نفسها على أنها حامية الإيمان الأرثوذكسي القويم وتديرها مجموعة شباب باحثين في الدراسات  الكنسية. 

بيد أنه حسم الجدل لمصلحة الفكر الماضوي، بعدما أقرت اللجنة الطبية في المجمع المقدس بمنع الحائض من التناول، حيث جاء نص القرار بعد الجدل، “المرأة طاهرة في كل أيام حياتها، لكن بسبب الحرص اللائق بالتناول من الأسرار المقدسة والالتزام بما تسلمناه بالتقليد يليق بالرجل والمرأة أن يمتنعا عن التناول في فترات عدم الاستعداد الجسدي…”.

الأمر إذاً يقترن بالتقليد والتسليم للتعاليم نفسها، لا يهم أن تكون صحيحة أو خاطئة بقدر ما يهم من قالها، سبق للبابا شنودة الثالث، البطريرك الراحل، أيضاً الوقوف في هذا الصف، حين سئل عن الأمر نفسه، بل انتصر لأكثر من مرة للتعاليم الرجعية سواء في كتاباته أو ردوده على أسئلة الناس، مثل قوله إنه “يليق للمرأة ارتداء الإيشارب في كل وقت وتغطية شعرها دائماً، وليكن التزامها بذلك أثناء الصلوات بمثابة تدريب لها”، وتبعه في رغبة تغطية النساء لشعورهن أيضاً الأنبا بيشوي مطران دمياط الراحل، حين طلب من الفتيات المسيحيات التشبه بأقرانهن المسلمات في الاحتشام، بمقطع مصور انتشر وقتها بقوة، ووصف بكونه أقرب إلى الخطابات السلفية المتشددة التي يشغلها التحكم في مظهر النساء وما تبدو عليه خارجياً. 

العلاقة الجسدية بين الرجال والنساء، ووضعتها الكنيسة في مرتبة أقل من الرهبانية، سار عليه الكثير من الأساقفة منهم الأنبا بسنتي، أسقف الحلوان والمعصرة حين قال خلال مقطع فيديو شهير أن العلاقة الحميمية بين الأزواج ممنوعة أثناء فترات الصيام، إلا في استثناءات دقيقة تقدم من الكهنة والكنيسة. 

هذه التعاليم ما زالت تتردد حتى الآن في الاجتماعات الكنسية، بوصفها قوانين لا يمكن الخروج عنها، وهناك جيل كامل لم يخرج بعد من عباءة أقوال الآباء الأولين، ويأخذ أقوال البابا شنودة الثالث، كمنهج روحي غير قابل للمراجعة، حتى بعد رحيله وجلوس البابا تواضروس الثاني على الكرسي البطريريكي، محاولاً الانسلاخ من بعض الأفكار غير الملائمة لعصره، تلاحقه المقارنات بينه وبين سابقه، وتكال له الاتهامات الجاهزة دائماً بالخروج عن التعاليم القويمة لمصلحة أفكار غريبة مشبوهة. 

إقرأوا أيضاً: