fbpx

أبناءُ حُكام عرب…
هل يُعوّض الانتخاب فشل التوريث؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تُرى ما الذي جال بخاطر جمال حسني مبارك، وأحمد علي عبدالله صالح، وربما أيضاً محمد صخر الماطري زوج ابنة زين العابدين بن علي والأقرب إليه في سنوات حكمه الأخيرة، عندما تابع كل منهم أنباء ترشح سيف الإسلام مُعمر القذافي في الانتخابات الرئاسية في ليبيا، واستبعاده ثُم عودته؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يجمع الأربعة أنهم كانوا يُعدون أنفسهم، أو يُعتقد أنهم يُعَدون، لخلافة آبائهم في نظم حكم تسلطية. لا يقين في خطط أُعدت فعلاً للتوريث، ولا وثيقة تتضمن معلومات عنه، باستثناء بضعة تقارير للسفارة الأميركية لدى صنعاء سُربت في موقع “ويكيليكس”، تُفيد بأن علي عبدالله صالح اتخذ خطوات في الطريق إلى توريث نجله أحمد. ولكن بعض من كانوا مُرشحين للوراثة كانوا يُستقبلون بترحاب غير عادي، ويُعاملون كما لو أنهم رؤساء في بعض العواصم، بما فيها عواصم غربية. وقد أحبطت ثورات الربيع العربي ما كان يُعد، أو يُعتقد في البلدان الأربعة أنه كان قيد الإعداد.

فقد خلق توريث الحكم لبشار الأسد في تموز/ يوليو 2000 حالة تجاوزت سوريا، إذ صار فرضُهُ خلفاً لوالده بسهولة شديدة نموذجاً، أو فلنقل إنه طمَّع حكاماً عرباً آخرين وأبناءهم أو أقرب أفراد أسرهم إليهم، أو هذا ما كان مُعتقداً فيه على نطاق واسع في أربعة بلدان على الأقل، وما صار أحد أهم دوافع ثورات شعبية رُفع خلالها، وقبلها ببضع سنين في بعض هذه البلدان، شعار “لا للتمديد .. لا للتوريث”.

أما وقد أُسقط التوريث في يوم إسقاط من كان مُفترضاً أو مُعتقداً في أنهم يُعدون العُدة له، ذهب كل من كانوا مرشحين للوراثة في طريق مختلفة عن الآخرين، ومروا جميعهم بمحن متفاوتة تجاوزها بدرجات. وانتهى الأمر بأحدهم في بيته بعد إسقاط تُهم وُجهت ضده. وارتبط ثان، عقب مقتل والده إثر انهيار تحالفه مع جماعة “أنصار الله”، بـ”التحالف العربي” الذي يستخدمه منذ 2017، وكذلك ابن عمه طارق، ضمن أدواته المحلية في اليمن. وبَحَثَ ثالث عن مأوى آمن حين مضت تونس في طريق الديمقراطية قبل تعثرها ثم الانقضاض عليها أخيراً.

ولعلها مفارقة أن رابعهم، الذي صار أول من تحرك باتجاه استعادة سلطة فقدها والده، كان الأكثر عرضةً للخطر بينهم. بدا الموت قريباً منه، بعدما حُكم بالإعدام، لكن اضطراب الأوضاع في ليبيا أتاح له نجاةً وعمراً جديداً، وأملاً تجدد في الوصول إلى سلطة لعله حلم بها في العقد السابق على الثورة.

وربما يُجدد تحركه هذا آمال الثلاثة الآخرين أو بعضهم وبرغم أن ما آلت إليه الأوضاع في بلادهم ربما يوحي بأن الستار أُسدل نهائياً عليهم. فقد كان هذا حال سيف القذافي حتى وقت قريب. لم يكن مُتصوراً قبل عام واحد، وربما أقل، أنه سيعود إلى المشهد السياسي. أما وقد عاد، لم يبق ما يدفع إلى الجزم بأن نظراءه صاروا خارج التاريخ بشكل نهائي، وأن أياً منهم لن تتوافر له فُرصة الدخول مجدداً.

إقرأوا أيضاً:

مكر التاريخ

ربما يكون موقع سيف القذافي في المشهد السياسي الليبي في الفترة المقبلة، سواء أُجريت الانتخابات أو تأجلت، وسواء نجحت حال إجرائها أو لم تكتمل أو لم تؤد إلى إعادة توحيد البلد، فهي تعد مؤشراً ذا دلالة قوية إلى ما يُخبأه التاريخ لهذا أو ذاك من نظرائه. وما قد تكشفه التفاعلات المُقبلة في ليبيا هو حجم قاعدة سيف القذافي الاجتماعية، وإن كانت محصورة بأنصار النظام الذي حكم لأكثر من أربعة عقود، أم أنها تشمل كل من يشعرون بحنين إلى عهده أو معظمهم، بعد عقد عاصف عانوا خلاله ويلات أزمات وصراعات ومعارك سياسية ومسلحة.

وربما يُتيح ما سيُكشف النقاب عنه معرفة حدود هذا الحنين سعةً أو ضيقاً، وإلى أي مدى تدل عبارة “ولا يوم من أيامك يا…” المُتداولة في بعض البلدان الأربعة على حالة مجتمعية قد تتطور باتجاه ظاهرة سياسية، لا مجرد تعبير عن ضيق أو أسى، مثلها في ذلك مثل عبارات تُردد للتنفيس عن احتقان ما. 

والحال أنها ليست مفارقة ثانية، بل لعلها تعبير عما أسماه فريدريش هيغل “مكر التاريخ” The Cunning of History، أن تصبح الانتخابات التنافسية التي نجح حُكام اندلعت ثورات ضدهم في غلق أي طريق إليها، هي السبيل الوحيد لاستعادة أبناء ثلاثة منهم، وصهر الرابع، الأمل في الوصول إلى الحكم، وهم الذين يُمكنهم انتظار تغير الظروف في بلادهم بما يُتيح إجراء انتخابات تنافسية حرة، إذ تتراوح أعمارهم بين 41 و56 سنة.

لقد كان التقدم الذي حدث حتى الآن في ليبيا باتجاه إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، فرصة سيف القذافي للخروج من مخبئه، وتقديم أوراق ترشحه مُعلناً أن “ساعة الحقيقة دقت”. وتوجه إلى الناخبين الذين لم تكن لهم هذه الصفة في ليبيا أبداً منذ الانقلاب الذي قاده والده في أيول/ سبتمبر 1969، لدعوتهم إلى استلام بطاقاتهم الانتخابية التي لم يروا مثلها في عهد “ثورة الفاتح” الطويل، والاقتراع لمصلحته. كما دخلت شقيقته عائشة على الخط لدعمه وتذكير الناخبين بما كانوا فيه من استقرار، بما في ذلك من خلط شائع عربياً بين الاستقرار والاستمرار.

فالمُحَّدد الأول لفرصة أي منهم هو المدى الذي يمكن أن يبلغه الحنين إلى ماضٍ تراه أعداد يصعب الآن تقديرها من الشباب ومتوسطي العمر إما أفضل أو أقل سوءاً، وهم الذين سيكونون القوام الأساسي للهيئة الناخبة بعد عقد أو اثنين.

هل يختلف الأبناء عن الآباء؟

لكن مشهد سيف القذافي حين ذهب لتقديم أوراق تشرحه أثار جدلاً عن دلالته السياسية، وإن كان الرجل ما زال يعيش في عباءة والده التي ارتدى واحدةً تُماثلها فعلاً. ولا يقتصر السؤال عليه وحده، إذ يُسأل بشأن نظرائه أيضاً، ويضع علامات استفهام بشأن تطلعهم مثله إلى انتخابات تنافسية يخوضها كل منهم، ومدى إيمانهم حقاً بمبدأ التنافس الحُر وهم الذين نشأوا واكتسبوا نفوذهم في ظل تغييبه.

ومن الطبيعي أن يُختلف على جواب هذا النوع من الأسئلة التي ترتبط بافتراضات، ويصعب بل يستحيل الوصول إلى يقين في شأن القضايا المتعلقة بها. ربما يكون الجواب عن سؤال اختلافهم عن بشار الأسد أيسر، لأن بنية السلطة المُتوحشة في سوريا، كما في العراق، مذ بدأت الانقلابات العسكرية في كل منهما اختلفت عنها في غيرها من البلدان العربية، بما في ذلك ليبيا حيث كان نظام القذافي أقل قسوة بدرجات تتفاوت بحسب زاوية النظر.

ولا تُفيد خطاباتهم، أو خطابات بعضهم، في فترة صعودهم قبيل ثورات الربيع العربي في الوصول إلى جواب يُطمأَن إليه عن سؤال اقتناعهم بمبدأ التنافس الحُر من عدمه. فقد تبنى كل من سيف القذافي وجمال مبارك خطابين إصلاحيين بشكل أو بآخر، في إطار ما سماه الأول “ليبيا الغد”، والثاني “الفكر الجديد”. وعندما أراد محمد صخر الماطري أن يُقدم جديداً، اختار فكرة “التدين المعتدل” لمخاطبة من لا يرتاحون إلى العلمانية التونسية، وللإيحاء بتأييده تعددية أوسع نطاقاً مما كان متاحاً.

ووفق روايات شهود، كان سيف مُختلفاً مع الأوليجاركية “الحلقة الضيقة” التي أحاطت والده، وليس مختلفاً عنه فقط. وهناك من يرى أن الحصار الذي تعرض له قبيل الثورة الليبية واضطراره إلى غلق مؤسسته أو تجميدها يدعم ما ورد في بعض هذه الروايات. لكن موقفه فور اندلاع الثورة الليبية أنهى تلك الصورة، إذ تماهى مع  سُلطة والده في اللحظة الأسوأ في تاريخه.

وفي المقابل، يُستفاد من سلوكيات جمال مبارك قبيل الثورة المصرية، في الشيء وعكسه، إذ يدعم بعضها الاعتقاد في اختلافه عن والده وميله إلى اتخاذ خطوات أبعد باتجاه انفتاح سياسي، فيما يدل بعض آخر منها على أن هذا الاختلاف لم يتجاوز السياسة الاقتصادية والاجتماعية في سياق علاقاته الوثيقة مع رجال مال وأعمال أتاح لهم مساحات أوسع للتمدد على حساب ما بقي من إجراءات للرعاية الاجتماعية.

غير أنه سواء اختلفوا عن آبائهم أو شابهوهم، وفي حال تغيروا خلال العقد الأخير أو بقوا على حالهم، قد لا يكون هذا هو المُحدد لفرصة أي منهم إن أتيح له خوض انتخابات تنافسية حرة في بلده في وقت ما في المستقبل. فالمُحَّدد الأول لفرصة أي منهم هو المدى الذي يمكن أن يبلغه الحنين إلى ماضٍ تراه أعداد يصعب الآن تقديرها من الشباب ومتوسطي العمر إما أفضل أو أقل سوءاً، وهم الذين سيكونون القوام الأساسي للهيئة الناخبة بعد عقد أو اثنين.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!