fbpx

الأزمة التركيّة تتّسع والخيارات تنفد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جاء ردّ أردوغان على الأزمة الاقتصادية مثيراً للضحك، حيث طالب أنصاره بالقيام بدورهم الوطني وتحويل ممتلكاتهم من الدولار الأميركي إلى اللّيرة التركية. في الواقع، أكّدت هذه الخطوة للأسواق المالية العالمية أن تركيا يقودها رجل فقد الاتّصال بالواقع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ عقدٍ من الزمن، عصفت أزمة ماليّة بقلب الاقتصاد العالميّ (البنوك المهمّة استراتيجيّاً في الولايات المتّحدة وأوروبا)، لكن استغرق الأمر وقتاً حتّى تصل إلى أجزاء أخرى من العالم. فـ”الأزمة الكبرى“ عام 2008 قد تبعتها سلسلة من الأزمات الصغيرة في مناطق أخرى من العالم.

على مدى 15 عاماً، شقّت المشكلات في الأسواق الصاعدة طريقها إلى قلب النظام العالميّ. فالمكسيك وتايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبيّة والبرازيل وروسيا والأرجنتين، كانت كلّها تمثّل علامات تحذيريّة على أنّ تحرير التمويل العالمي سيكون، في نهاية المطاف، مكلفاً للدول الغنيّة والمتقدّمة كذلك. لكن لسوء الحظّ جرى تجاهل العلامات التحذيريّة.

من هنا تنبع أهميّة تركيا. فالتشافي من الركود منذ عشرة أعوام لم يكن كاملاً، والتوترات التجاريّة تصاعدت، وكذلك لم تكن الإصلاحات في النظام الماليّ كاملة. في الوقت الراهن تبدو الأزمة في تركيا أزمةً محليّة، بلا آثار جانبيّة مهمّة. لكنّ هناك احتمالات أن تصبح أكثر جدية من ذلك. 

كبداية، للتعرّف إلى تركيا، وهي دولة كبيرة نسبيّاً مع تعدادٍ سكّاني يصل إلى 80 مليوناً واقتصاد يبلغ أربعة أضعاف اقتصاد جارتها اليونان. تمتدّ الأهميّة الجيوسياسيّة لتركيا أبعد من حقيقة امتدادها على قارّتي آسيا وأوروبا. وكعضو في حلف شمال الأطلسيّ (ناتو)، فعادةً ما يُنظر إليها كجزء من خطّ الدفاع الغربي ضدّ التوسّع الروسي. كما أنّها اليوم تستضيف حوالي 3 ملايين من اللاجئين السوريّين، والذين يودّ الكثيرون منهم الحياة في الاتحاد الأوروبيّ.

أكثر من ذلك، فإنّ مشاكل تركيا، وإن كانت حادّة، فهي ليست بالفريدة. كانت العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة قد اقترضت الدولار بكثافة حين كانت أسعار الفائدة الأميركيّة في أدنى مستوياتها. وقد كانت النتيجة نموّاً قائماً على الائتمان، والذي يبدو هشّاً حين يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، كما يجري الآن، ويصبح الدولار أقوى.

لكن تركيا تندرج ضمن فئة قائمة بذاتها. فالأزمة الماليّة والاقتصاديّة التي كانت تعتمل في الخلفيّة بدأت أخيراً تظهر في الأفق. لقد وصل حجم التضخّم إلى %15 وحتماً سيصل إلى مستويات أعلى، لأن الليرة في سقوط حرّ، إذ خسرت حوالي %14 من قيمتها يوم الجمعة وحده. كما تشير اقتصادات رأس المال، فحين خسر الروبل الروسي قيمةً مشابهة في 2014، استجاب البنك المركزي الروسي برفع أسعار الفائدة بنسبة %6.5 وأعلن عن إجراءات لدعم النظام البنكي. 

“على تركيا أن تعالج الأسباب الثلاثة للأزمة الحالية: اقتصاد متضخّم، محاولات أردوغان لمنع البنك المركزي من اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع ارتفاع الأسعار، والمواجهة مع الولايات المتّحدة”

لقد تعلّمت روسيا من أزمتها السابقة دروساً متعدّدة، ليس أقلّها الحاجة إلى احتياطي نقدي أجنبي وافر للمساعدة في حماية أسعار الصرف. ليس لدى تركيا جيوباً عميقة مليئة بالمال، ولديها رئيس قرّر أنّ الاستجابة التقليديّة لغرق العملة -وهي رفع أسعار الفائدة- ليست في قاموسه.

أردوغان هو أحد زعماء وقادة العالم الأقوياء الذي صنعوا أمجاداً لأنفسهم، لكن سوء حظّه أن صعوده كان مقابل شخص أقوى منه بكثير. هذا والعلاقات بين تركيا والولايات المتّحدة ليست جيّدة؛ فالبيت الأبيض ليس سعيداً بتنسيق أردوغان مع فلاديمير بوتين من أجل شراء صواريخ روسيّة بدلاً من الأميركيّة.

رفض أردوغان بشدّة المشاركة في العقوبات الاقتصادية التي أعلن دونالد ترامب عنها ضد إيران، وما زالت تركيا ترفض حتى الآن الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون المحتجز بتهم تتعلّق بالإرهاب.

اختار ترامب اللّحظة المناسبة ليوجّه ضربته. عندما بدأت تنتشر الفوضى في تركيا، أعلن أنه سيضاعف قيمة التعريفة الجمركية على واردات الفولاذ والألمنيوم، والتي تمثّل أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد التركي.

نحن نتحدّث عن شخص يستغلّ لحظة سقوط أحدهم.

رفض أردوغان الانصياع للضغوط وقدّم بعض الحلول الواقعية. من المؤكّد أن تركيا تستطيع الضغط على ترامب بالتلويح إلى إمكانية الانسحاب من حلف شمال الأطلنطي وبناء علاقات أوثق مع روسيا. ويستطيع أيضاً أن يهدّد الاتحاد الأوروبي بأمواج جديدة من المهاجرين ما لم يتدخّلوا نيابة عنه لحل الأزمة.

لكن الأسواق المالية لا تحتاج إلى تحرّكات دبلوماسية تظهر أهمية تركيا الجيوسياسية، وإنما تريد إجراءات اقتصادية لمنع حدوث موجة تسونامي من عمليات البيع خلال الأيام المقبلة. وفي هذا الصدد، يمكن القول بأن الفشل في معالجة آثار الأزمة السابقة أصبح الآن مكلفاً.

جاء رد أردوغان على الأزمة الاقتصادية مثيراً للضحك، حيث طالب أنصاره بالقيام بدورهم الوطني وتحويل ممتلكاتهم من الدولار الأميركي إلى اللّيرة التركية عديمة القيمة حالياً. في الواقع، أكّدت هذه الخطوة للأسواق المالية العالمية أن تركيا يقودها رجل فقد الاتّصال بالواقع.

أصبح جليّاً للجميع ما يستوجب فعله الآن. يجب على تركيا أن تعالج الأسباب الثلاثة للأزمة الحالية: اقتصاد متضخّم، محاولات أردوغان منذ إعادة انتخابه في يونيو/حزيران لمنع البنك المركزي من اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع ارتفاع الأسعار، والمواجهة مع الولايات المتّحدة.

بالنسبة لأردوغان، هذا يعني الاعتراف بكونه مخطئاً. وسوف يتعيّن عليه الاستسلام لترامب في مسألة برونسون، لأنه يضرّ بالاقتصاد من خلال الاستمرار في معركة لا يستطيع الفوز بها. ويجب عليه كذلك استيعاب أن الإجراءات الصارمة غير الشعبية أصبحت حتمية الآن، لمنع حدوث انهيار كلّي في العملة يؤدّي إلى تضخّم شديد.

وصلت أسعار الفائدة إلى %17.75، ولكن مع ارتفاع معّدل التضخّم، من المحتمل أن تصل إلى %20 خلال الأشهر المقبلة، ولم تعد قادرة على الحفاظ على مستوياتها العالية لوقف هبوط الليرة.

بالنظر إلى قراراته حتى الآن، ستكون الخطوة التالية لأردوغان هي فرض قيود على رأس المال. ومع ذلك، يشير بول غرير -عضو مؤسسة فيديليتي إنترناشيونال- إلى أن تركيا تمتلك اقتصاداً مفتوحاً نسبياً وتعتمد بشكل كبير على التمويل من الخارج. ولن تنجح الضوابط المفروضة على رأس المال من تلقاء نفسها وسوف تحتاج إلى حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. ولم يبقَ لتركيا سوى هذا الحل أو الاستسلام لهيمنة البنك المركزي.

لقد بدأت تركيا في استنفاذ الوقت والخيارات المتاحة لها. وهذا سيشكّل مصدر قلق لنا جميعاً.

هذا المقال مترجم عن موقع صحيفة The Guardian ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأ أيضاً: بدايات انهيار تركيا الإردوغانيّة؟