fbpx

ماكرون وتعويم المستبدين…
إشكالية تعامل الغرب معنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الغرب يتعامل مع ما تفرزه الأوضاع السياسية، ولا يمانع بطبيعة الحال، التعامل مع ديموقراطيات، تتعاون معه في قضايا اللاجئين والإرهاب والسلاح وسواها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يطرح سلوك الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وتعويمه زعماء المنطقة المستبدين، إشكالية علاقة الغرب معنا، فمن جهة، ماكرون مرشح للرئاسة ويحاول بناء شبكة مصالح تحقق لبلاده بعض النفوذ، الذي يعود عليه انتخابياً، من دون الاهتمام بأوضاع حقوق الإنسان والديموقراطية. لكن من جهة ثانية، بلداننا تفرز تحولات تنتج عنها بنى سلطوية وأخرى لمصلحة الميليشيات، تجعل أي تعامل غربي معها، محكوماً بالمرور بالديكتاتوريات، خصوصاً أن الأخيرة تطور إغراءات غير أخلاقية، لجذب الغرب نحوها، كحلول لأزمات اللاجئين والإرهاب وصفقات ضخمة وسواها. 

فمن نتائج تدخل ماكرون، في لبنان، تعويم طبقة سياسية فاسدة وميليشيا مسلحة موالية لإيران، تمارس اغتيالات، قامت ثورة على كليهما. حصل ذلك، بغرض التمسك بـ”نفوذ فرنسا التاريخي”، الذي تقلص أصلاً إلى ما هو ثقافي، وتحقيق مصالح، ومغازلة إيران عبر “حزب الله” وحجز حصة، في أي اتفاق نووي مقبل. في مصر، يتجاهل ماكرون، وجود 60 ألف معتقل في السجون، وتشريع الطوارئ ضمن القوانين، وتدوير قضايا السجناء السياسيين، واستخدام الحجز الاحتياطي بشكل غير دستوري، بحسب التقارير الحقوقية، ليبني علاقة متينة مع نظام عبد الفتاح السيسي، آخر نتائجها، ما كشف أخيراً، عن سوء استخدام القاهرة معلومات استخباراتية فرنسية، ما تسبب بمقتل مدنيين، في صحراء ليبيا، طبقاً لموقع فرنسي. وقبل أيام حط ماكرون في السعودية، في أول زيارة لزعيم غربي، للمملكة منذ حادثة قتل الصحافي، جمال خاشقجي، ما اعتبرته “منظمة العفو الدولية”، “إعادة تأهيل” لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. 

الزيارة التي كان أحد عناوينها حل الأزمة بين لبنان والخليج، تخللها توقيع صفقات، لا سيما بالصناعات العسكرية، ومثلها وقع في الإمارات التي زارها ماكرون قبل السعودية، حيث تم التعاقد على شراء سلاح بقيمة 17 مليار يورو، برغم السجل الأسود لهذا البلد في قضايا حقوق الإنسان، وتعذيب قتل المدنيين في اليمن. هذه الصفقات لن يوفر الرئيس الفرنسي استخدامها، في حملته الانتخابية، إذ قال مسؤول فرنسي، إن مقاتلات “الرافال” الثمانين، التي طلبتها الإمارات ستدعم بشكل مباشر 7000 وظيفة في فرنسا.  

هناك مسؤولية تقع على عاتقنا، في ما أسفرت عليه أوضاعنا

وعلى رغم أن نتيجة هذا العرض لسلوك ماكرون، هو تجاهل قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان لمصلحة النفوذ وصفقات السلاح وتجير ذلك انتخابياً عبر الوظائف في فرنسا، فإن الصورة تبقى ناقصة ما لم نأخذ أوضاع بلداننا في الاعتبار، فلبنان، طبقته السياسية جاءت بالانتخابات، وعدد لا بأس به من زعماء البلد متحالف مع الميليشيا وصامت على سلاحها. وفي مصر، حظي انقلاب عبد الفتاح السيسي على قبول سياسي وشعبي واسع، قبل أن يترسخ، ويدفع مؤيدوه قبل معارضيه الثمن، اعتقالاً واستبعاداً وقمعاً. 

بمعنى ما، هناك مسؤولية تقع على عاتقنا، في ما أسفرت عليه أوضاعنا، صحيح أن السلطة في لبنان، تشرّع قوانين انتخاب على قياسها، وقامت ثورة ضدها أعادت طرح سؤال الشرعية، وصحيح أيضاً أن انقلاب الجيش في مصر، لم تكن مقاومته سهلة في ظل موازين القوى المختلة، لكن الصحيح أيضاً أن من الصعب على الغرب، التعامل مع جزئيات وآليات صناعة التسلط في منطقتنا وتجريد أدوات التغيير من فاعليتها، هذه مسؤوليتنا بالدرجة الأولى. الغرب يتعامل مع ما تفرزه الأوضاع السياسية، ولا يمانع بطبيعة الحال، التعامل مع ديموقراطيات، تتعاون معه في قضايا اللاجئين والإرهاب والسلاح وسواها.

يخطئ ماكرون بتعويم ولي العهد السعودي، لكن إلى أي درجة يستطيع تجاهل دولة تساهم بالتحكم بأسعار النفط، وأخرى، مثل الإمارات، لها نفوذ واسع في المنطقة؟ هذه إشكالية، نحن لسنا أبرياء منها، وتحديداً المجتمعات الخليجية، غير المسيسة. 

عدا ذلك، ثمة معادلات سياسية داخل الدول الغربية نفسها تؤثر بصياغة السلوك حيالنا، وما يبدو سلبياً، مع ماكرون، أي استخدام الديكتاتوريات للاستفادة انتخابياً، بدا مع الرئيس الأميركي جو بايدين، إيجابياً عند تدخله لوقف الحرب الأخيرة بين إسرائيل و”حماس”، آنذاك، ضغط الجناح “اليساري” داخل “الحزب الديموقراطي”، لدفع الرئيس لاتخاذ هذا السلوك. بلغة أخرى، لا يوجد قرار حاسم بالتعامل مع الديكتاتوريات في الغرب، الذي سبق أن أيد ثورات “الربيع العربي”، ثمة معادلات ورأي عام وضغوط سياسية داخل الدول الغربية وأيضاً تحولات تفرز ديكتاتوريين في منطقتنا. 

وضع السلوك الماكروني في سياق واسع، يتعلق بفرنسا ذاتها وبأوضاع بلداننا، لا يعني تبرئته أخلاقياً، وجود إشكالية من هذا النوع، يستلزم صوغ سياسات متوازنة تدعم القوى الديموقراطية في منطقتنا، بالتوازي مع التعامل الاضطراري مع القوى التي تتحكم ببلداننا. وهنا، وجب التمييز بين صعوبة مقاطعة الغرب دولاً، لمجرد أن حكامها ديكتاتوريون، وبين الاستثمار بهؤلاء الحكام، ضمن الحملات الانتخابية.   

إقرأوا أيضاً: