fbpx

تآكل المسافة العازلة بين ملك الأردن والشارع المحموم … لمصلحة من؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا المشهد، يحتاج إلى جلوس مكونات” الدولة الرسمية والسيادية، على طاولة حوار وطني، لتحديد العلاقة بينها، وبلورة هوية الإصلاح المنشودة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، قبل الذهاب إلى تعديلات الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشهد الأردن سجالاً حادّاً على وقع مناقشة تعديلات دستورية مقترحة تضع رأس الدولة – المحمي من التبعة دستورياً- في موقع رسم السياسات من خلال استحداث “مجلس أمن وطني والسياسة الخارجية” تحت رئاسته.

في جلسة لمجلس النواب وهو الركن الأول في نظام الحكم النيابي الملكي، سأل بغضب النائب الإسلامي المخضرم ونقيب المحامين الأسبق صالح العرموطي: “كيف نزجّ باسم الملك في الواجهة أمام الشارع ومجلس النواب، القضاء والمحاكم ليكون خصماً؟”،  قاطعه رئيس المجلس عبد الكريم الدغمي: “أرجو ألا نتناول جلالة الملك بأي كلام في هذا الموضوع”.

في هذه الجدلية، استند رئيس المجلس- النائب العتيق ووزير العدل الأسبق- إلى مواد في النظام الداخلي تجيز لرئيس المجلس النيابي حق منع المتكلم عن متابعة كلامه، “إذا تعرّض للملك بما لا يليق أو تناول مسؤوليته في غير ما نص عليه الدستور”.

يختصر هذا المشهد إشكالية تعديلات تُكدس السلطات في يد الملك المعفي من كل تبعية ومسؤولية، بموجب دستور 1952، وتوسع صلاحياته، في ظل تآكل الولاية العامة للحكومات وضعف مجلس الأمّة بشقيه النواب والأعيان على وقع تداخل صلاحيات السلطات، وسط ضياع بوصلة المسؤولية والمحاسبة واسترخاء الفساد في مؤسسات الدولة.

“للملك صورة رمزية مشرقة لا يريد الأردنيون أن تتغير أو تتبدل”.

 سُلطة بلا مسؤولية

عشية الإعلان عن مشروع التعديلات الدستورية، اشتعلت احتجاجات شعبية في مناطق قبيلة بني حسن في الزرقاء، ثم توسعت وشملت محافظات عمّان، البلقاء، المفرق، مأدبا. هذا الاحتجاج تداخل مع حراك طلاّبي من نوع آخر، ضد اتفاق “إعلان نوايا” بين الأردن والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، يستهدف مقايضة مياه محلاة من البحر المتوسط مقابل طاقة متجدّدة مولدة في صحراء الأردن. 

وفي غمرة الرفض الشعبي والطلابي- في جامعات الأردنية، اليرموك، آل البيت، الزيتونة- انصهرت الحراكات لتشكّل مسيرة واحدة في قاع مدينة عمّان القديمة يومي الجمعة الماضيين. وحمل المحتجّون شعاراً ثلاثياً: “لاءات الشعب: لا للعبث بالدستور، لا لتنفيذ صفقة القرن، لا لاتفاقيات الذلّ والعار”. 

بالتوازي، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، عاصفة رقمية، بسقوف مرتفعة، على وقع اعتقال عدد من طلبة الجامعات المشاركين في الاعتصامات السلمية. في هذه السجالات التي تذكّر بالحراك الشعبي في بدايات الربيع العربي عام 2011، قارن جمهور السوشيل ميديا الفجوة بين الواقع الأمني والتضييق على الحريات وبين الدعوة التي أطلقها الملك قبل أعوام لفئة الشباب: “إذا أردتم الإصلاح ارفعوا صوتكم ولا تصمتوا… انتو اضغطوا من تحت وأنا بضغط فوق”.

تحت ضغط الشارع والفضاء الالكتروني، أفرجت السلطات عن قرابة 50 موقوفاً بعدما ربطتهم بكفالات فلكية.

الأمين العام لـ”حزب جبهة العمل الإسلامي” المهندس مراد العضايلة، يرى أن التعديلات الدستورية – التي زامنت الإعلان عن اتفاقية “النوايا الخبيثة”، كما يصفها، وتوقيف الطلبة المعتصمين ضدها- “أهالت التراب” على مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.

وكان الملك أوكل إلى هذه اللجنة في حزيران/ يونيو الماضي إصلاح المنظومة السياسية عبر اقتراح مشاريع قوانين جديدة للانتخاب، الأحزاب السياسية، وما يرافقها من تعديلات دستورية.

ويشكو العضايلة من أن مخرجات اللجنة- المتمثلة بتعديلات دستورية- خيبت الناس “بعدما كانت تشكل أملاً لإصلاحات تخرج البلاد من أزماتها”.

التعديلات، التي أحالتها الحكومة لمجلس النّواب ومنحتها صفة الاستعجال، تتضمن تشكيل مجلس للأمن الوطني والسياسة الخارجية برئاسة الملك وعضوية رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والخارجية، وقائد الجيش، ومدير المخابرات العامّة، فضلاً عن عضوين آخرين يُعينهما الملك. كما تعطي الملك منفرداً صلاحيات تعيين وإنهاء خدمات وقبول استقالات كل من: قاضي القضاة، رئيس المجلس القضائي الشرعي، المفتي العام، رئيس الديوان الملكي ومستشاري الملك.

سبق هذا المنعطف الدستوري تعديلات في عامي 2014 و2016، أعطت الملك الحق منفرداً في تعيين رئيس وأعضاء مجلس الأعيان- الغرفة التشريعية الثانية بعد النوّاب- وقائد الجيش، مدير المخابرات، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس المحكمة الدستورية مع أعضائها.

إقرأوا أيضاً:

ردّة عن الإصلاح

تلك التعديلات شكّلت ردّة عن مسار إصلاحي بدأته السلطات عام 2011- على وقع احتجاجات شعبية- بما في ذلك الموافقة على تأسيس نقابة معلمين للمرّة الأولى منذ نصف قرن. 

قبل ذلك، كان الملك يمارس صلاحياته من خلال إرادة ملكية موقعة من رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء المختصين، وهم يتحملون مسؤولية قراراتهم أمام البرلمان والشارع والقضاء وسائر أطياف المجتمع. 

التعديلات الأخيرة، وفقاً لسياسيين تحدثوا إلى “درج”، تسحب وشاح المسؤولية عن عنق الحكومة وتضع مؤسسة العرش في مواجهة الشارع من دون غطاء. وفيما يمنع النظام الداخلي لمجلس النواب- الجهة الأولى التي تجسد مادة “الشعب هو مصدر السلطات”- التعرّض للملك، فضلاً عن المادة (30) من الدستور، والتي تنص على أن “الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية”، فإن قاعدة تلازم المسؤولية مع السلطة سقطت فعلياً، وصار الدستور بنسخته الجديدة يمنح صلاحية اتخاذ القرارات للملك منفرداً ويعفيه من المسؤولية، لكنه يزيدها في عين الرأي العام. 

الخبير الدستوري الدكتور محمد الحموري يصف التعديلات الأخيرة بأنها “جريمة في حق الدستور، وعملية ممنهجة لتخريبه، كما أنها تضع الملك في الواجهة كمسؤول مباشر أمام شارع محموم”.

يوضح الحموري لـ”درج” أن بنود التعديلات ليست سوى “ترقيعات”، أفسدت العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب، وأخرجت دستور الملك طلال عام 1952 عن جوهره كنظام متكامل ودقيق يفصل بين السلطات ويحمي صلاحياتها.

الوزير والنائب الأسبق، أمجد هزّاع المجالي مرّر رسالة مشابهة عبر “درج”، يكشف فيها عن قلقه من أن تستهدف حمم الانتقادات الشعبية شخص الملك باعتباره صاحب الولاية بعد التعديلات، بدلاً من الحكومات؛ “فللملك صورة رمزية مشرقة لا يريد الأردنيون أن تتغير أو تتبدل”.

 الخوف من الأحزاب!

برّر مسؤولون أمام جمهور المشكّكين بأن التعديلات تهدف إلى إنشاء مجلس بعيد من التجاذبات الحزبية، والوصول بالتدريج إلى مجالس نيابية فيها اغلبيات حزبية بما يتيح تشكيل حكومات حزبية بعد ثلاثة مجالس نيابية (عمر مجلس الأمّة أربع سنوات). وهي المبرّرات ذاتها التي ساقتها حكومة عبدالله النسور لتمرير الوجبة الأولى من تعديلات وسّعت صلاحية الملك في العامين 2014 و 2016.

إذاً، بحسب الرواية الرسمية، فإن التعديلات الدستورية مدفوعة برغبة الوصول إلى حكومات حزبية، ومن أجل الحماية من التجاذبات الحزبية في الوقت ذاته! ألا تدلّ هذه المفارقة، على تخوّف رسمي صريح من الأحزاب؟ أليست اعترافاً ضمنياً بأن التعديلات، خطوة استباقية لعملية هندسة حكومات حزبية منزوعة الصلاحيات والولاية العامة؟! يسأل سياسيون عبر “درج”.

إلى ذلك يستغرب الدكتور محمد الحموري، الخشية من سيطرة أحزاب على مؤسسات سيادية في الدولة كالجيش ودائرة المخابرات، أو تسييسها، في ظل علاقة تاريخية تزخر بمواقف الأردنيين الداعمة للنظام خلال أزمات مفصلية كادت تهزّ استقرار الدولة سابقاً.

على الضفة المقابلة، دافعت آراء داخل النظام السياسي عن إنشاء ودسترة مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية. وزير التنمية السياسية، موسى المعايطة، قال في تصريحات صحافية، إن المجلس جاء لغايات التنسيق في السياسات الداخلية والخارجية مع أجهزة الدولة المختلفة الأمنية والسياسية، من دون أن يكون هناك أي تداخل أو تأثير في الولاية العامة للحكومة في عمل المجلس.

وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد المومني يستبعد هو الآخر أن ينتقص المجلس من الولاية العامة للحكومة، نظراً لوجود رئيس الوزراء واثنين من الوزراء في المجلس، يشاركون النقاش والقرار. ويوضح لـ”درج” أن الفكرة ليست جديدة، وما يحدث الآن هو دسترة لمجلس سياسات، يعمل على نقاش القرارات المفصلية المهمّة.

من جانب آخر، يشرح سمير الرفاعي، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، خلال ندوة نظمها “مركز حماية وحرية الصحافيين”، أن “هناك مفهوماً مغلوطاً حول مجلس الأمن الوطني، هو ليس مجلساً دائماً، ولا يجتمع دورياً بل موجود إذا اقتضى الأمر، واستدعت الحاجة للتدخل”، مردفاً أنه “وجد، لحماية الأردنيين وحماية الدولة”. من دون توضيحات حول الظروف التي تستدعي تدخل المجلس.

بهذا المعنى، ثمّة فجوة بين مبررات جمهور المرحبين بفكرة إنشاء المجلس، وسط ضبابية سقف صلاحياته وحدودها الفعلية، وفي خلفية المشهد تبرز مجدداً أسطوانة الخوف من الأحزاب؛ التي حظرت بين عامي 1957 و1990 باستثناء جماعة الإخوان المسلمين.

يتحدث الرسميون في عمّان عن الإصلاح، لكن لا يخرج إلينا من يشرح معنى الإصلاح المنشود وكيفية تطبيقه، من أين يبدأ وكيف ينتهي؟

“الدستور خط أحمر”

كان الملك أعلن عام 2005 أن “الدستور خط أحمر”. إذ قال في مقابلة مع صحيفة “العرب اليوم” المستقلّة – التي أغلقت عام 2013: “أنا لا أريد أن أفتح باب التعديلات على الدستور ونطمئن الأردنيين بأننا نحمي الدستور. والتنمية السياسية لا تعني تعديل الدستور، إنما تعني تقوية المؤسسات الدستورية”. 

مع هبوب رياح الربيع العربي عام 2011 صوب الأردن، حصلت بعض الاستجابات لمطالب الاحتجاجات الشعبية بالإصلاح. فُتح الدستور لتعديلات عزّزت دور السلطتين التنفيذية والتشريعية. وبموجبها أُنشئت كل من المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب ونقابة المعلمين إلى جانب تعديلات نزعت فتيل الأزمة في البلاد. ثم جاءت الردّة الأولى عامي 2014 و2016.

تناسلت الأزمات الناجمة عن وهن “السيستم” وحالت دون إحداث إصلاحات يلمس الأردنيون نتائجها. تحولت الأوراق النقاشية التي أطلقها الملك بين العامين 2012 و2017، من رؤية يفترض أن تكون إصلاحية، إلى عناوين مقالات وندوات وخطابات يؤدي أصحابها فروض الولاء والطاعة من دون أن يتكبدّوا عناء تطبيقها. 

ضَربت سلسلة التعديلات هيبة مجلس النّواب واخترقه المال الأسود وأُفرغ من الكفاءات باستثناء ثلّة مغلوب على أمرهم. تم تفتيت “حزب الإخوان” وتفكيك نقابة المعلمين، فالتقطت الأحزاب والنقابات الأخرى الرسالة. بالتزامن، تضخمت مؤسسات سيادية موازية، حتى غدا بعضها وكأنه حكومة فوق الحكومة، فيما تتم دسترة “مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية” ليوازي حكومة إضافية. 

في الأثناء، يتعمق الشعور بالظلم وغياب العدالة مدفوعاً بضيق العيش وتناسل نسب البطالة (24.8 في المئة) والفقر (24 في المئة)، وتردّي الخدمات الصحية والتعليمية، وخصخصة موارد البلاد ومؤسساتها. كلّ ذلك يتدحرج في الشارع الأردني ككرة ثلج، بينما يجازف المسؤولون بتجاهل أجراس الإنذار، بما في ذلك تفشّي الفساد مع انتقائية المحاسبة وتراجع الحياة السياسية والحرّيات، فضلاً عن ركاكة الخطاب الرسمي واستخفافه بوعي المواطن.

الإصلاح على نظام “القطعة”

يتحدث الرسميون في عمّان عن الإصلاح، لكن لا يخرج إلينا من يشرح معنى الإصلاح المنشود وكيفية تطبيقه، من أين يبدأ وكيف ينتهي؟

لهذه الأسباب، فقد الأردنيون الثقة بالخطابات الرنّانة عن الإصلاح والتحول الديموقراطي وتمكين الشباب، بحسب قول نقيب المحامين الأسبق، النائب صالح العرموطي الذي يقول لـ”درج” إنه يعتقد بوجود قوى تحول دون إحداث أي إصلاحات، حرصاً على مكتسباتها ومصالحها.

في هذا السياق، يشير النائب السابق، عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، خالد رمضان، إلى إنكار عقل الدولة تحديات أساسية، ساهمت في تعقيدات المشهد الداخلي الأردني، وهي تحتاج لعملية إصلاحية تراكمية، وليس على نظام “القطعة”. إذ تئن المملكة تحت وطأة تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، عمقتها أزمة “كورونا”. وسط تهلهل ثقة الشعب بمؤسسات الدولة.

ولا ننسى، يقول رمضان، ارتباك العلاقة بين القصر والعشائر، التي تمثل العمود الفقري للنظام، على وقع قضية الفتنة وقضية النائب المفصول أسامة العجارمة وتداعياتها، وفق وصفه، في ظل ما نشهد من ضبابية إزاء قضايا عدة منها قضية فلسطين.

هذا المشهد، يحتاج إلى جلوس مكونات الدولة الرسمية والسيادية، على طاولة حوار وطني، لتحديد العلاقة بينها، وبلورة هوية الإصلاح المنشودة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، قبل الذهاب إلى تعديلات الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب، بحسب رمضان.

ويؤكد لـ”درج”، ضرورة أن “يبادر رأس الدولة بثورة سلمية بيضاء في البناء الفوقي، لامتصاص إرهاصات تحركات شعبية قد تكون فوضوية، وغير متوقعة، ناتجة عن الفقر والجوع والمظالم”. 

فضلاً عن تحركات أخطر، وفق رأيه، بدأها طلبة جامعات ربطوا ربطاً وثيقاً بين السياسات الخارجية وممارسات التطبيع، وبين مظالمهم ومعاناتهم اليومية، بدءاً من أزمة المواصلات وانتهاء برسوم ساعات الدراسة، معلنين بذلك أنهم غادروا مربع الحيادية، وأصبحوا شركاء في صناعة القرار.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.