fbpx

من المحررين إلى أطباء الأسنان:
لماذا تتوجس السلطة اللبنانية الانتخابات النقابية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم أنّ العمل النقابي والتحركات المستقلة ما زالت في بداياتها، إلّا أنّ استشراس السلطة في مواجهتها وقمعها يدلّان على أنّها تخيفهم وتهدد وجودهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في لحظة إعلان نتائج انتخابات نقابة المحررين في لبنان مدح النقيب جوزف القصيفي نسبة الاقتراع التي بلغت 73.35 في المئة، واعتبرها دليلاً على أنّ نقابة المحررين نقابة فاعلة وغير مهمّشة وليست كما وصفها صحافيون وصحافيات بأنها “غير ذي جدوى”. 

لكن هل حقاً النقابة بصيغتها الحالية ذات جدوى؟ وهل عكست انتخاباتها الأخيرة غير ذلك؟

تأخذ نقابة المحررين الشكل الأكثر اشكالية ودلالة على تحكم السلطة ومحاولتها احتكار النقابات، فمن المعلوم أن جدول المنتسبين للنقابة مضبوط تاريخياً منذ عهد النقيب الراحل ملحم كرم الذي نافس في طول مدة ولايته مدد أعتى الزعماء المتشبثين في مناصبهم، واستند على ذلك بالتحكم المباشر بجدول الانتساب للنقابة بحيث يمنح الدخول بشروط تضمن إعادة انتخابه في كل مرة وهذا ما كان يحصل. 

من هنا بدا الترهل حاضراً في الانتخابات الأخيرة لجهة طغيان جيل متقدم عمرياً ومحسوب على أحزاب السلطة على النقابة وغياب شبه كامل لعشرات الصحافيين والصحافيات من الجيل الشاب، الذين هم في الحقيقة عماد العمل الصحافي في لبنان اليوم لكنهم “ممنوعون” من النقابة. 

حتى إن فتح الجدول النقابي لمدة محدودة، سمح بدخول مجموعة صحافيين لا تؤثر في نتائج الانتخابات، إذ تم إدراج بضعة صحافيين غير موالين بالضرورة، مقابل انتساب مجموعة أكبر أصواتها مضمونة. 

فعلى عكس الانتخابات النقابية التي أجريت راهناً، وشهدت تنافساً بين القوى المستقلة الناقمة على أداء العقود الماضية، من جهة، وبين السلطة ورجالاتها والمتحكمين بها من جهة أخرى، كانت انتخابات نقابة المحررين تجسيداً لمدى تحكم الأحزاب المكونة للسلطة في الجسم النقابي.

ففي قاعة الاقتراع، حصل تلاسن بين عضو في النقابة وإحدى الصحافيات الزميلات التي طالبت بحقّها في الانتساب إلى النقابة ليأتيها الرد: “انتو قدموا ونحن مناخد قرار إذا منفوتكن أو لا”. 

هذه المعلومة ليست بخفيّة على الصحافيين العاملين في لبنان الذين تقصيهم النقابة أصلاً عن جداولها، وهو كان أحد أسباب انطلاقة “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” التي كانت إليسار قبيسي مرشحة عنه في الانتخابات الأخيرة.

 تروي اليسار لـ”درج” بعضاً من المخالفات التي تم رصدها خلال عمليّة الاقتراع، تقول: “الاعتراض هو على النهج المعتمد منذ عقود وهو ما دفعنا إلى خوض هذه المعركة… هي ليست معركة أصوات أو مقاعد، هناك نهج مختلف بيننا وبينهم”. 

مثال عن التجاوزات والنهج الذي تتبعه النقابة هو رفضها إعطاء قبيسي جدول المنتسبين علماً أن القانون يعطيها الحق كمرشّحة بالحصول عليه. تخبرنا قبيسي أنّها اتصلت بالنقابة لطلب الجدول وأخبرتهم أنها مرشّحة فما كان منهم إلّا أن استخفّوا بترشّحها وبمضمون برنامجها الذي كانت قد أعلنت عنه في مؤتمر صحافي سابق، قبل أن يطلبوا منها الحضور إلى النقابة لتصويره، تضيف: “عندما ذهبت حاملة كتاباً رسميّاً، رفضوا حتى استلامه فأبلغتهم من طريق الكاتب العدل بأنّه يحق لي استلام الجدول بناءً على المواد القانونية، ليردّ محامي النقابة بتحذيري من المغامرات القضائية وتهديدي بأخذ إجراءات مسلكيّة بحقي، ادّعوا أنّني افتعلت إشكالاً!”. 

لا تستغرب قبيسي نتيجة التصويت، إذ تعتبر أنّ النقابة بتركيبتها هذه “منسّقة لتجيب هيك نقيب وهيك مجلس نقابي، يعني مفصّلة على قدّهم… إذا نظرنا إلى اللائحة الفائزة نرى أنّ أعضاء السلطة كلّهم ممثّلون فيها في حين نراهم يتناحرون خارجها”.

على رغم تغنّي بعض الصحف اللبنانية الناطقة باسم السلطة بنزاهة هذه الانتخابات، إلّا أنّها حقيقة لا يجوز وصفها بالديموقراطية، في حين يتم إقصاء الصحافيين عن الجداول، في ظل الشروط التعجيزية للدخول ووجود جدول نقابي يتحكّم به النقيب وصحبه.

انتخابات أطباء الأسنان: الديموقراطية ضحية الأحزاب!

استشراس السلطة وخوفها من خسارة نقابة المحررين يأتي بعد صراعات ومعارك شهدناها في نقابات أخرى (تسيطر هي عليها) أحدثت المعارضة فيها خرقاً، وبعد انتخابات الجامعات التي لا يمكن فصلها عن انتخابات النقابات، والتي أحدث فيها المعارضون خرقاً لافتاً أيضاً. 

آخر الانتخابات التي نتحدّث عنها كانت انتخابات نقابة أطباء الأسنان التي شهدت إشكالاً تخلّله صراخ وتضارب وتحطيم لصناديق الاقتراع بعد تقدّم مرشحي لائحة “نقابة أطباء الأسنان تنتفض” التي ترأسها رولاند يونس إلى حين فرز الصندوق الرابع، من أصل 20 صندوقاً. 

الطبيب المستقل أيسر حجازي يوضح لـ”درج” أنّ العمليّة الانتخابيّة بدأت من دون أي تعقيدات أو اعتراض، مع غياب لجنة مشرفة ووجود ثغرات جوهريّة في عملية الاقتراع، ويرى حجازي أنّ ما حصل هو “انتقاص من الديموقراطية وعدم قبول قوى المنظومة بالهزيمة”، مشيراً إلى “تشكيل لجنة بإشراف وزارة الصحة لتحديد موعد جديد لإجراء انتخابات في الأيام أو الأسابيع المقبلة”.

بين انتخابات نقابة المهندسين وانتخابات نقابات المحامين… ما العبرة التي يجب الأخذ بها؟

خاضت المعارضة معركة فاشلة في انتخابات نقابة المحامين الأخيرة التي فاز بها المرشح ناضر كاسبار، بعدما كان التعويل عليها لإحداث خرق في النتائج. في هذا السياق، تقول المحامية ليال صقر لـ”درج” إن المصالح الخاصّة والحسابات الشخصيّة طغت على انتخابات هذه النقابة، فيما لم يتمكّن المستقلّون من توحيد صفوفهم، بعكس انتخابات نقابة المهندسين التي نجح فيها المعارضون من توحيد الصف ووضع العمل النقابي في الأولويّة. وتضيف: “العمل النقابي في لبنان مع الأسف مسيّس أي أنّه يمثّل مصالح السلطة لا مصالح الأفراد المنتمين إليها. فالنقابة مكان للتعبير ومساحة للمشاركة، ولا يجوز أن يقمع النقيب الأعضاء المنتمين إلى نقابته بل عليه أن يكون صوتهم لا صوت السلطة”، مشدّدة على أهمّيّة العمل المستقلّ: “التجمعات والنقابات البديلة هي المطلوبة لنرفع الصوت ونطالب بالحقوق ولنعيد المعايير الدولية التي تحمي حقوق الإنسان وتحمي حقوق الأفراد ونعزّزها.”

بمعزل عن الربح والخسارة، يبقى الأمل بوجود هذه المعارك التي يخوضها المعارضون ويفرضون رأيهم فيها. وعلى رغم أنّ العمل النقابي والتحركات المستقلة ما زالت في بداياتها، إلّا أنّ استشراس السلطة في مواجهتها وقمعها يدلّان على أنّها تخيفهم وتهدد وجودهم، ومن هنا تبرز الحاجة إلى توحيد صفوف المعارضة والاستقطاب والحشد في وجه النظام الذي يعمل على شرذمة هذه التحركات ويخاف من خسارة الانتخابات النقابية والجامعية، التي هي صورة عن الانتخابات النيابية التي اقترب موعدها. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.