fbpx

صوت القضبان: قصة سجون ما بعد نظام صدام حسين في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تواصل الحكومة العراقية النفي بشأن وجود انتهاكات جسيمة داخل السجون العراقية و تنكر وجود أي من حالات التعذيب أو الانتهاكات الإنسانية داخل السجون التابعة لها، لكنها تعترف بأن السجون تعاني من الاكتظاظ وضعف الإمدادات الطبية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تلاشي العدالة السجنية كانت سبباً في وصول صيت العراق الى اعلى المستويات في العقود الأخيرة من القرن الماضي، فبعد مرور 18 سنة على غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة والإطاحة بنظام صدام حسين، لازال العراقيون يشهدون انتهاكات فظيعة في ملف حقوق الإنسان لا سيما الحقوق السجنية. 

سلك نظام صدام حسين وأبناؤه ورجالات البعث سلوكاً بعيداً عن آليات المؤسسات في الحكم، وهو ما أنعكس على أساليب وسياسات الدولة ومؤسساتها الأمنية والاستخباراتية، التي مارست انتهاكات دموية بحق العراقيين لعقود، ولا زال اليوم الخط الفاصل بين مفهومَيْ -الدولة والعصابة- سائداً.

استخدم نظام صدام حسين التعذيب بصورة منهجية لإنهاء كل انشقاق أو معارضة لحزب البعث الحاكم. وقامت قواته الأمنية بتعذيب المعتقلين لانتزاع معلومات و”اعترافات” منهم، ولمعاقبتهم وترهيبهم، كما وأسست لأساليب مرعبة من التعذيب، مع يقينها التام بأنها محصنة ومفلتة من العقاب دائماً.

في الحديث عن السجون يجب المرور على الخلفية التاريخية لهذه الظاهرة المستمرة، وبالرجوع لسنة 2001 وقراءة تقرير منظمة العفو الدولية نجد الشواهد التي كانت تحدث في سجون النظام السابق وبتفاصيل دقيقة، ورد في التقرير :”كان يتم عصب عيون المعتقلين وكان يتم تجريدهم من ملابسهم وتعليقهم من أرسغتهم في أوضاع قاسية ملتوية لعدة ساعات في كل مرة؛ وكانوا يتعرضون للصعق الكهربائي في أعضائهم التناسلية وآذانهم وألسنتهم وأصابعهم؛ وللضرب على باطني القدمين (الفلقة)، والجلد والضرب بعصى الخيزران والخراطيم والقضبان المعدنية؛ وللحرق بالسجائر، أو ثقب أيديهم بالحفار الكهربائي، أو نزع أظافر أقدامهم أو أيديهم”. 

وفي فترة مابعد الغزو، لم يتحسَّن وضع المؤسسة السجنية في العراق بل ازداد سوءاً، إذ تركت القوات الأمريكية نموذجاً جديداً للعراق بفضيحة أبو غريب، وشاهد العالم صوراً لحراس أمريكيين وهم يقومون بتعذيب وإذلال وإهانة معتقلين عراقيين في هذا السجن، المعروف بإنه سيء الذكر والصيت منذ عهد صدام حسين. 

عندما بدأت سلطة العراق الجديد بالإمساك بزمام أمور الدولة العراقية بعد عام 2003، استمر تلاشي الخط الفاصل بين الدولة والعصابة، واستمرت صرخات المسجونين من قلب الأماكن ذاتها التي استخدمها نظام صدام حسين قبل 18 سنة، لكن مع صخب أقل، ورأي عام دولي غير مكترث بما يحدث.

على صعيد العراق ما بعد 2003، كان أول الإنتهاكات البارزة في حق السجناء، هو قرارات الوزراء الذين تعاقبوا على حمل حقيبة العدل بقبولهم المئات من أفراد الميليشيات في الوزارة كعاملين في قطاع السجون، ضمن خطة الدمج التي سبقت اجتياح داعش عام 2014. بالتالي فقد أسس النظام السياسي لقاعدة الانتهاكات الكبيرة في السجون، ووصلت إلى حدّ تشكيل مافيات تدير كل ماهو ممنوع من داخلها.


وقد أتت الخطط في إطار تعاون بين بعض المؤسسات العراقية من جهة وبعض الفصائل المسلحة التي تتقاتل على حيازة النفوذ في هذه المؤسسات من جهة أخرى. 

وعلى الرغم من تضمن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المادة 333 التي تنص على “الحكم بالسجن على كل مُوظَّف أو مُكلَّف بخدمة عامة عذَّب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد”، لكن لم يواجه أحد من المسؤولين عقوبات تُذكَر بسبب هذه الممارسات، في استمرار للنهج ذاته الذي كان سائدا قبل الغزو الأميركي.

  
التأسيس للطائفية داخل السجون

انتهاكات كثيرة وردت في العديد من التقارير والدراسات السجنية التي تلقي الضوء على حياة السجون العراقية، اتفقت معظمها بالإشارة لوجود بيئة عزل طائفي داخل السجون العراقية. آخر حصيلة للانتهاكات تفيد بأن 39 ألفاً من الرجال والنساء وعوائلهم وقعوا تحت التنكيل وسوء المعاملة والتمييز الطائفي داخل السجون. وبعيداً من معاناة السجناء من الاكتظاظ وضعف الإمدادات الطبية، واصابة عدد من النزلاء بأمراض مثل الجرب والحساسية والطفح الجلدي وغيرها، فإن العزل الطائفي باتَ واضحاً جداً داخل بيئة السجون العراقية، حيث أفاد تقريرٌ أعده مركز بغداد لحقوق الإنسان بوجود فصل للسجناء داخل السجون بحسب المكون، ووجود قاعات سجنية مخصصة للشيعة وأخرى للسنّة. في سجون الشيعة، لدى بعض المعتقلين هواتف ذكية حديثة، وأجهزة لابتوب، مع توفير شبكة واي فاي. 

إقرأوا أيضاً:

أحوال سجنية


كانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد دعت في وقتٍ سابق، الحكومة ومجلس النواب العراقيين إلى إقرار تشريعات تعالج أوجه القصور الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان في النظام القانوني العراقي. وشدّدت على مطالبة “السلطات العراقية على مدى السنوات الماضية بالإعلان عن العدد الإجمالي للأشخاص في السجون العراقية، لكن الاخيرة رفضت القيام بذلك”. وهو ما جعل من المستحيل تقييم ما إذا كان الإفراج حتى الآن، قد قلّل بشكل كاف من الاكتظاظ الحاد وأمّن مبدأ التباعد الاجتماعي.

مشاكل الاكتظاظ السجني وسوء المعاملة دفعت الكثير من المعتقلين للحديث عن أحوال السجن أثناء مكوثهم فيه، وتحدث بعض المعتقلين عن “حصولهم على طعام فيه ديدان، أو وجبات مُتعفِّنة في أغلب الأوقات، وأدوية منتهية الصلاحية.” أما في ما يخص الماء للغسل والشرب وقضاء الحاجة، فبعض السجون العراقية تمنح للسجين الواحد في بعض السجون قنينة ماء صغيرة تبلغ سعتها 250 مل فقط للشرب وقضاء الحاجة، ولا يُعطى غيرها إلا في اليوم التالي.

وعن الحرمان من الطعام والشراب والمستلزمات الاساسية للبقاء على قيد الحياة، عايش السجناء حالات جوع شديدة ظهرت بين نزلاء سجن التاجي شمالي العاصمة العراقية بغداد، دفعت بعدد من حراس السجن إلى ممارسة التجارة مع النزلاء ببيعهم قناني المياه النظيفة وبعض المعلبات والمواد الجافّة لقاء مبالغ يصل بعضها الى 8 أضعاف سعرها الحقيقي في الأسواق المحلية.

كما أن عمليات بيع الفواكه والخضار كالتفاح والموز وحبات الطماطم والبصل وكذلك قناني المياه والخبز من قبل الحراس مستمرة منذ سنوات وبعلم إدارة السجن، وهذه المضاربة بالمنتجات الغذائية كانت أحد الأسباب التي فاقمت الأوضاع داخل السجون، حيث من لا يملك المال يأخذ (بالدين) ويبلّغ الحراس أن أهله سيسددون المبلغ وبالفعل يقوم الحراس بالاتصال بالأهل لفعل ذلك وعادة ما تكون الأسعار مرتفعة جداً. 

الاتجار بالجنس والاعتداء الجنسي داخل السجون

وكما الحال في خارج السجون العراقية، من اعمالٍ تخص الاتجار بالبشر والاعضاء البشرية والجنس، فالواقع داخل السجون لا يختلف عن خارجه كثيراً. 

في تحقيقٍ موسع باشرت السلطات الأمنية والقضائية في يناير 2021، معرفة حال ثلاثة من السجون الرئيسية في البلاد، بشأن معلومات عن حصول انتهاكات مروّعة في هذه السجون. وأبرز تلك الانتهاكات متعلقة بتورّط ضباط ومسؤولين بجرائم الاتجار بالجنس بين النزلاء، ومساومة ذوي السجناء خلال زيارتهم السجون.

وسبق لرئيس مؤسسة “الإصلاح والتغيير العراقية”، صباح الكناني، أن تحدث يوم 30 آذار/ مارس 2021، في مقابلة تلفزيونية لبرنامج – الحق يقال – عن سلسلة من الانتهاكات الخطيرة داخل السجون العراقية منذ سنوات. وكشف أن عصابات السجون تضمّ كبار المسجونين وبعضهم من الأثرياء، حُكم عليهم بعشرات السنوات لجرائم مختلفة، تواطؤ هؤلاء مع بعض الضباط والمسؤولين، مقابل بدل مادي، على عملية نقل شبّان صغار السن إلى مكان سجن هؤلاء للاعتداء عليهم جنسياً، وفتح بورصة للاتجار بالمراهقين والصغار ليصل سعر الضحية في هذه البورصة إلى نحو 10 آلاف دولار، سعراً للاغتصاب والتعنيف.

النساء لهنَّ ما للرجال في السجون العراقية

طريقة التعامل مع النساء داخل السجون تكاد تكون موحّدة في عراق ما بعد 2003، حيث ان العديد من النساء يتم اعتقالهن إما من أجل التحقيق معهن بخصوص أقارب مشتبه فيهم من الذكور، وإما بدعوى دعمهن للمسلحين، وليس بسبب جرائم يشتبه بأنهن أقدمن على ارتكابها.

لم يقتصر الظلم والتعذيب على الرجال الكبار منهم والمراهقين داخل السجون العراقية، فحصة السجينات النساء لم تخلُ من التعرض للضرب والركل والصفع والصعق بالصدمات الكهربائية والاغتصاب، كما يتم تهديد أخريات بالاعتداء الجنسي عليهن أو على بناتهن، وأحيانا على مرأى من الأقارب الذكور.

الابتزاز

قطاع السجون في العراق بات كأهم من أهم المصادر المالية للضباط الفاسدين وعناصر الأمن من رتب أقل. ووردت شكاوى من منظمة “هيومن رايتس ووتش” ونواب في البرلمان تؤكد استفحال الفساد في السجون وتعرض السجناء وذويهم للابتزاز المالي لقاء أمور بديهية، كالطعام والمكان الملائم وعدم التعذيب أو الإهانة.

ابتزاز المعتقلين في السجون العراقية مستمر ولم يتوقف ولم يتراجع في ظل حكومة مصطفى الكاظمي. من بين عمليات الابتزاز ما يتعلق بتدوين أقوال السجناء أثناء التحقيق من غير تعذيب، وإذا لم يرضخوا لهذا الابتزاز فإنّ المعتقل سيتعرض للتعذيب ويدلي باعترافات قد توصله لعقوبة الإعدام. كذلك، فإنّ بعض المعتقلين يقرر القضاء إطلاق سراحهم لكنه يشترط ألّا يكونوا مطلوبين في قضايا أخرى، لكنّ بعض الضباط يساومون عائلة المعتقل على مبالغ مالية كبيرة من أجل مفاتحة الدوائر الأخرى لاستصدار كتاب يثبت عدم ورود أسمائهم في لوائح المطلوبين، وهذا غالباً ما يجري في قضايا تشابه الأسماء.

 المعتقل الذي لا يدفع ذووه رشوة للضباط، يحال ملفه إلى محافظات عدة حتى يتم التحقيق معه في القضية التي يتشابه اسمه مع اسم المتهم فيها، وقد يتأخر المعتقل سنوات من أجل أن تثبت الجهات المختصة أنّه ليس المطلوب في هذه القضية. 

 ومن صور الابتزاز أيضاً في ما يتعلق بالمعتقلين المرضى، إذ يبتز السجانون ذوي السجناء من أجل السماح لهم بإدخال أدوية وأطعمة للمعتقل، أو إحالته إلى مستشفى للعلاج.

من صور الابتزاز أيضاً المساومة على تحسين وضع السجين، مثلاً نقله إلى زنزانة فيها تكييف أو أقل اكتظاظاً من زنزانته. وفي بعض المحافظات ومنها نينوى (شمال العراق) هناك سجون تؤجّر فيها الزنازين المكيفة للمعتقلين الميسورين، مقابل مبالغ كبيرة. 

إقرأوا أيضاً:

التعذيب وموت السجناء: وثائق وشهود

أوضح تقرير الامم المتحدة  الصادر يوم الثلاثاء 3/8/2021 ، “حقوق الإنسان في تطبيق العدالة في العراق: الشروط القانونية والضمانات الإجرائية لمنع التعذيب والمعاملة السيئة”، أن “أساليب الاعتداء تشمل الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والوضعيات المجهدة، والخنق”، ووردت أنباء عن “وقوع أعمال عنف جنسي”، وأشار بعض المحتجزين “إلى معاملة لا يستطيعون التحدث عنها”.

ويغطي التقرير الفترة من 1 يوليو/ تموز 2019 إلى 30 أبريل/نيسان 2021، ويستند إلى مقابلات أجريت مع 235 محتجزا، إلى جانب موظفين في السجون وقضاة ومحامين وأهالي معتقلين.

وقال حوالي نصف المعتقلين إنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الاستجواب بهدف انتزاع الاعترافات. وانتقدت جماعات حقوق الإنسان هذه الممارسة، قائلة إن المحتجزين ينتهي بهم الأمر في كثير من الأحيان إلى توقيع وثائق تعترف بجرائم لم يرتكبوها.

اورد تقرير مرصد افاد في عدده التاسع والعشرين أن “مراكز التحقيق في بعقوبة وتسفيرات الرصافة والرمادي والحلة تصدّروا أكثر مراكز التوقيف في العراق من ناحية الضحايا الذين يلقون حتفهم جراء التعذيب”.

كذلك كشفت التحقيقات التي باشرت بها السلطات الأمنية و القضائية في يناير/كانون الثاني الثاني 2021 عن استمرار جرائم التعذيب عبر الصعق بالكهرباء والطعن بالسكاكين والحرق بالماء الحار والحرمان من الطعام والشراب.

وفي جانب أكثر عمقاً في المؤسسات العراقية، أكدت معلومات من داخل دائرة الطب العدلي في مدينة الناصرية، تسجيل وفاة 18 نزيلاً خلال شهر تموز/ يوليو 2021، وجرى تسليم أغلبهم لذويهم بشهادات وفاة أعدت سلفا بناءً على تقرير المركز الصحي في سجن الناصرية، من دون فحص أو إجراء تشريح ومعاينة عدلية لجثث الضحايا لمعرفة سبب الوفاة.

ويؤكد بعض الأطباء في الدائرة بأن العديد من الضحايا تبدو وفاتهم أقرب لحادث جنائي وليس وفاة طبيعية، ورصدوا تعمد تأخير تسليم جثث الضحايا وتركها في السجن لعدة أيام لحين انتفاخها، في محاولة لتغيير ملامح الجثة مما يصعّب على ذوي المتوفى التمييز بين آثار الوفاة الطبيعية وتلك الناجمة عن الضرب أو التعذيب. 

زيارة السجناء 

المعلومات المجمعّة حول عوائل السجناء، تبين ان الانتهاكات في السجون العراقية لاتوجه للسجناء فقط، بل لعوائلهم ايضاً بسلب حقهم في زيارة ابنائهم، حيث تضطر العوائل الى افتراش الأرض قرب الأسوار الخارجية للسجون في ظروف غير إنسانية بانتظار السماح لهم بزيارة ذويهم المعتقلين.

وأكدت بعض الشهادات أن إدارات السجون التابعة لوزارة العدل وخصوصا في سجني مدينة التاجي شمال بغداد والحوت في مدينة الناصرية جنوب العراق، تسمح بزيارة واحدة كل شهر تقريبا، وتكون حصرية للنساء والأطفال، وأنها تفرض على أصحاب الزيارات الحضور مبكراً، والانتظار لساعات طويلة، وأن القادم من مناطق بعيدة عن تلك السجون يلزمه السفر قبل يوم والمبيت ليلاً قرب أسوار السجن، هذا إن حالفهم الحظ وتمت المقابلة.

السلطات تنتهك القانون وتدعم الإفلات من العقاب 

تواصل الحكومة العراقية النفي بشأن وجود انتهاكات جسيمة داخل السجون العراقية و تنكر وجود أي من حالات التعذيب أو الانتهاكات الإنسانية داخل السجون التابعة لها، لكنها تعترف بأن السجون تعاني من الاكتظاظ وضعف الإمدادات الطبية.

ما أكده مراقبون وناشطون حقوقيون مختصون بالشؤون السجنية أن الإجراءات القانونية المصممة لوضع الاستجوابات والاحتجاز تحت المراقبة القضائية في غضون 24 ساعة من التوقيف الأولي غير محترمة في المراكز الأمنية العراقية، ويتأخر الوصول إلى محامٍ بشكل منهجي إلى ما بعد استجواب قوات الأمن المشتبه بهم.

ارتكبت قوات الأمن العراقية انتهاكات عديدة موثقة، ولم تتخذ الحكومة سوى الحد الأدنى من الإجراءات لتقديم المسؤولين عن أعمال العنف التي شهدتها البلاد، منذ تشرين أول/ أكتوبر 2019. وحققت الحكومة في مزاعم الانتهاكات والفظائع لكنها نادرا ما عاقبت المسؤولين – كما جاء في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2020. 

تلتزم الحكومة العراقية الصمت ازاء آلاف من القضايا التي تُصنف تحت بند 4 إرهاب، الحاصلة بدوافع طائفية، بل وتدافع عن الإجراءات المتخذة داخل الزنازين، وتزعم بأنها تتم وفق القوانين والأعراف والمعايير الدولية.

وعلى الرغم من وجود آليات لتسجيل مزاعم التعذيب، فإن السلطات تتجاهلها في كثير من الأحيان وبالتالي فإن العديد من المحتجزين يختارون عدم الإبلاغ عن مثل هذه المعاملة بسبب انعدام الثقة أو الخوف من الانتقام.

تشير اغلب التقارير والشهادات والإحصائيات إلى ظاهرة “الإفلات من العقاب” للمسؤولين الحكوميين وأفراد قوات الأمن وقوات الحشد الشعبي وبعض الوحدات التابعة لأجهزة الأمن الداخلي التابعة لحكومة إقليم كردستان.

وسبق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” ان وصفت القضاء العراقي بأنه “ضعيف ومبتلى بالفساد ويستند في أحكام الإدانة إلى اعترافات منتزعة بالإكراه”، وقالت إن “إجراءات المحاكمات دون المعايير الدولية”.

بعض الإحصائيات

لا بد من التمييز بين السجناء، فمنهم في مراحل التحقيق ولا يتبعون لوزارة العدل بل لأجهزة إنفاذ القانون مثل وزارة الداخلية وأجهزة مكافحة الإرهاب، وآخرون ينفذون أحكاماً قضائية وهي الفئة التي تخضع لإشراف وزارة العدل.

‏ تفيد إحصائيات وزارة العدل بأن هناك قرابة 50 ألف سجين في مختلف السجون العراقية، بينهم نحو 25 ألفاً حكم عليهم بالإعدام، من دون أن تخبر الوزارة عن إجراءات التقاضي التي مهّدت لحكم كل هذا العدد الكبير بالإعدام. 

عملياً لا يمكن لأي جهة تحديد عدد السجون ومواقعها وكل ما يصدر يبقى في إطار التكهنات و الأرقام التقريبية، وما يتم تناقله من إحصاءات ليست سوى أرقام تم جمعها بصورة فردية وتطوعية، ويبيّن مركز “آفاد” وجود سجون “تابعة للفصائل العشرين البارزة وكل فصيل له سجن خاص. مثلاً حشد الشبك بنينوى له سجن في مدرسة ميدان المدفعية، وكتائب حزب الله لها سجن في جرف الصخر والنجباء في موقع بانوراما القادسية في المدائن والعصائب في مديرية الأمن في المشتل، وهكذا وصولاً الى القائم، حيث امتلك فصيل الطفوف وفصيلا سيد الشهداء والامام علي مراكز اعتقال في مناجم الفوسفات جنوب مدينة الرمادي وفي محطة القطار كذلك، اما مليشيا بابليون فلديها في تلكيف مركز احتجاز عبارة عن مبنى مهجور لحزب البعث”.

خلال عامين توفي في السجون الحكومية أكثر من (100) معتقل إثر التعذيب الممنهج ضدهم. 

ومن ضمن 285 حالة احتجاز شهدت استجوابات، لم يبلغ أي شخص تمت مقابلته  من قبل الأمم المتحدة عن وجود محام، وأفاد المحتجزون في كثير من الأحيان أنهم عانوا أحيانا لإبلاغ أسرهم بما كان يحدث معهم.

ومن بين 1406 شكوى تلقاها مجلس القضاء الأعلى، في عام 2020، تم إغلاق 18 تحقيقاً فقط والنتائج غير واضحة.

قالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق إنها تلقت خلال عام 2020 فقط حوالي 960 شكوى مــن ضمنها 22 شكوى خاصة بمتظاهرين ادعوا تعرضهم للتعذيب أثناء فترة احتجازهم.

أعد هذا التقرير في سياق تعاون بين مؤسسة “منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنية” و”منظمة إنهاء الإفلات من العقاب في العراق”

إقرأوا أيضاً: