fbpx

عراقيون دفعوا ثمن ثورتهم إعاقات جسدية: “صوتنا لم يصل”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشير الأرقام المأساوية إلى أن احتجاجات تشرين خلّفت نحو 25 ألف جريح، من ضمنهم 5 آلاف شخص تسبب رصاص السلطات وقنابلها الدخانية في إعاقات مستديمة لهم وهم في مقتبل العمر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

«عيوني فداء للوطن» بهذه الكلمات يبدأ محمد حسن حديثه عن معاناة ملايين العراقيين من أقرانه من ذوي الاحتياجات الخاصة. محمد الذي لم يتجاوز الـ25 عاماً كان واحدا من متظاهري ساحة التحرير ببغداد، في ذروة الاحتجاجات آنذاك تعرض لإصابة بليغة في رأسه بقنبلة دخانية في 26 تشرين الأول/اكتوبر 2019. فقد محمد بصره نتيجتها.

«غمض عيونك ثانيتين تكدر؟»، بلكنته البغدادية يتساءل محمد، محاولاً وصف معاناته إذ يقول لــ«درج» إن مساعيه لاستعادة بصره فشلت «راجعت الكثير من الأطباء وفقدت الأمل في الشفاء، ومنذ 3 سنوات أعيش ظروفاً مأساوية، لدي طفلان ولا أملك مورداً للعيش، لم يطرق أحد بابي وأنا بحاجة إلى من يساندني في محنتي المتواصلة».

في صورة أخرى تجسد معاناته وفقر الحال وإهمال السلطات له ولأقرانه، يقول محمد إن الدخانية التي ضربته «أحدثت ثقباً في جبيني وأن النزيف يتواصل بين فترة وأخرى منذ 3 سنوات، ما زلت بحاجة إلى العلاج لكن إمكانيتي المادية لا تسمح لي، وسبّب لي ذلك ضغوطاً نفسية كبيرة، عائلتي تشاركني الألم وهي تواجه كل ذلك وحدها».

تشير الأرقام المأساوية إلى أن احتجاجات تشرين خلّفت نحو 25 ألف جريح، من ضمنهم 5 آلاف شخص تسبب رصاص السلطات وقنابلها الدخانية في إعاقات مستديمة لهم وهم في مقتبل العمر. وليس بعيداً من قصة محمد، إذ تتشابه قصص الاحتجاج بالمأساة والعنف الذي واجهت السلطات العراقية المتظاهرين السلميين وخلف آلاف الشهداء والضحايا، تبدو قصة مصطفى الغزي (24 عاماً) مؤلمة أيضاً، هو الآخر أصيب بقنبلة دخانية في احتجاجات تشرين.

بألم وحسرة يبوح مصطفى لـــ«درج» بما عاناه في تلك اللحظات مستذكراً ما تعرض له «في كانون الثاني/ديسمبر من العام 2000، وبالقرب من ساحة الخلاني تعرضت لقنبلة دخانية هشمت عضلة قدمي اليمنى، ومنذ ذلك الوقت قبل نحو سنتين لم يساعدني أحد»، وعلى الرغم من معاناته اليومية جراء إصابته التي تسببت في إعاقته لا يستطيع مصطفى اليوم مزاولة العمل، وبالرغم من كل ذلك ينظر إلى إصابته على انها مصدر فخر له ولعائلته، لما تعنيه لهم انتفاضة تشرين كمفصل أساسي في تاريخ العراق الحديث.

مصطفى ومحمد متظاهران من آلاف العراقيين الذين دفعوا ثمن مواقفهم السياسية الرافضة للأحزاب الحاكمة، خلال مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبية أواخر العام 2019، يطالبون اليوم بمحاسبة من تسبب في معاناتهم وتعويضهم عما عانوه خلال السنوات الماضية، وليست الاحتجاجات وحدها من تسببت في ذلك، فللعراق تاريخ طويل من النزاعات والحروب التي خلفت أجيالًا من المعوّقين.

بلد منتج للإعاقة!

طبقا لإحصائيات وأرقام أممية فإن العراق يضم أكبر عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم بسبب الحروب والنزاعات أو الحوادث أو الإعاقة بالولادة، وأن أغلبهم ليس لديهم أي دخل مالي على الإطلاق ويكافحون للحصول على رعاية اجتماعية وأجهزة مساعدة، وأن فرصهم في الحصول على التعليم تمثل معضلة أخرى، كما أن دمجهم في المجتمع يقف أمام كثير من الحواجز.

وتبلغ نسبة ذوي الإعاقة أكثر من 13% من سكان العراق بحسب إحصائيات رسمية، ويقدر عددهم بنحو مليون ونصف مليون، إلا أنَّ منظمات غير حكومية تؤكد أنَّ أعدادهم أكثر من ذلك، إذ يقول عضو مجلس إدارة “تجمع المعوّقين في العراق” مصطفى الساعدي: “للأسف.. بلدنا منتج للإعاقة، أكثر من 4 ملايين شخص من ذوي الإعاقة يعانون الإقصاء والتهميش والحرمان، وعدم وصولهم إلى المعلومة والأهلية القانونية والبنى التحتية غير المؤهلة، بالإضافة إلى عدم وجود ضمان صحي وتأهيل مهني هذا كله.. تعاني منه شريحة ذوي الإعاقة في البلاد”.

«التعليم والتوظيف والتأهيل والبنى التحتية والعديد من القضايا الأخرى تمنع دمج ذوي الإعاقة في المجتمع العراقي، الاتفاقيات الأممية كفلت كل الحقوق والعراق صادق عليها» بحسب الساعدي الذي يؤكد في حديثه لــ«درج»  وجود «حزمة جيدة من القوانين والتشريعيات والمعاهدات والاتفاقيات لكنها تحتاج إلى تنفيذ على أرض الواقع ووقفة جادة من قبل السياسيين والحكومة للعمل على توفير احتياجات 15٪ من سكان العراق، وهذه نسبة لا يستهان بها؛ هم يمثلون شعب الإعاقة، على الساسة العراقيين أن يكونوا جادين في إنهاء معاناة هذه الشريحة».

إقرأوا أيضاً:

المجتمع العائق الأكبر!

لا تقتصر معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة على توفير الخدمات والرعاية الحكومية والمعونات، إذ تعد نظرة المجتمع السلبية لهم سببا آخر يقف حاجزاً أمام دمجهم في المجتمعات فتحرمهم من حقوقهم المشروعة، لكن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العراق يحاولون كسر ذلك بالإصرار والعزيمة.

الساعدي يبلغ من العمر 35 عاماً وهو مصاب بإعاقة بصرية منذ ولادته، واجهها بالتحدي عبر انهماكه بالعمل، فمنذ سنوات يعمل مصلحاً للسيارات معتمداً على ما تبقى له من حواس كاللمس والسمع بعد أن تعلم المهنة من والده منذ صغره، يندهش كثير من الناس حين يشاهدونه، ولا يصدقون ما يرونه بأعينهم «نجاحي في العمل منحني ثقة بالنفس ولدي أحلام كبيرة»، فهو يناضل لقضيته ويحقق أحلامه ومن بينها حصوله على دبلوم في الموسيقى، وهو يعزف في إحدى الفرق، كما يقدم دروساً موسيقية لذوي الإعاقة.

سقف طموح مصطفى لم يقف عند ذلك الحد، بل يأمل بمساعدة أقرانه جميعاً، خصوصاً أن كثيراً جاءت الإعاقة ثمناً لمواقفهم السياسية والوطنية.

إقرأوا أيضاً: