fbpx

الحرب تستهدف أحشاء اليمنيات: الضمور الدماغي يفتك بالأجنّة والأطفال

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تنَل الحرب من أطفال اليمن فحسب، بل طاولت أيضاً أرحام أمهاتهم قبل خروجهم منها، وكأنه شرح مبكر لواقع بلادهم الأليم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بابتسامة ساخرة تتحدى المرض وبعينين تخفيان الكثير من الألم والفقد، يواجه مرضى الضمور الدماغي في اليمن الذين التقيناهم، تحدياتهم اليومية. يعيش الأطفال حياة صعبة، تختلف عن سواهم من الأطفال، بسبب وطأة مرضٍ قبض على أجسادهم الصغيرة، إذ يصارعون الضمور الدماغي بصمت ومن دون تذمر. هي مأساة يعيشها آلاف الأطفال، فالضمور الدماغي مرض مزمن سلبهم طفولتهم ومنعهم من ممارسة أبسط حقوقهم كالمشي والركض واللعب، كما أفقدهم النطق والكلام وحرمهم النوم.

يعتبر مرض الضمور الدماغي من الإعاقات الأكثر انتشاراً بين الأطفال في العالم، وشهد اليمن في السنوات العشر الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد الأطفال المصابين بهذا المرض، بشتى أنواعه وبنسبة تجاوزت 40 في المئة، بحسب أطباء التقت بهم “خيوط”، إلا أنها نسبة تقريبية، فوزارة الصحة لم تعلن عن إحصاءات حقيقية بخصوص الأطفال المصابين بضمور دماغي في اليمن منذ عام 2007. 

تتفاقم معاناة أهالي المرضى الذين يبحثون عن دواء لأطفالهم في ظل تردي الأوضاع الصحية وتراجع الخدمات الطبية، بخاصة الحكومية؛ ما جعلهم يلجأون إلى المستشفيات والمراكز الخاصة على رغم ارتفاع تكاليفها وضعف إمكاناتها.

يؤكد أطباء تزايد حالات الـضمور الدماغي في اليمن خلال الفترة الماضية بصورة مقلقة للغاية مع عدم اهتمام الأمهات بصحتهن الجسدية والغذائية

ويأتي مرض الضمور الدماغي بسبب تلف في خلايا المخ، وتتفاوت أعراضه وحدته بحسب حجم الإصابة وموقعها في الدماغ، فقد يصل الأمر إلى إعاقة بسيطة أحياناً، أو تؤدي الإصابة إلى إعاقات شديدة وخطيرة في معظم الأحيان، بخاصة إذا لم يتلقَ الطفل العلاج في المراحل الأولى من المرض.

معاناة الأمهات

لم تنَل الحرب من أطفال اليمن فحسب، بل طاولت أيضاً أرحام أمهاتهم قبل خروجهم منها، وكأنه شرح مبكر لواقع بلادهم الأليم. زكريا ابن الخمس سنوات هو واحدٌ من هؤلاء الأطفال. حين نزحت عائلته زكريا من مدينة تعز جنوب غربي اليمن إلى صنعاء، كان لا يزال جنيناً في أحشاء أمه. هربت العائلة خوفاً من الحرب في مناطق النزاع والمواجهات المسلحة، لكن ذلك انعكس سلباً على حالة والدته الصحية، وهي حامل به. هكذا سلبت الحرب الصغير عافيته كمئات المواليد في مختلف المناطق اليمنية التي تعيش على وقع صراع طاحن ومتواصل منذ عام 2015. 

تعرض زكريا لاختناق أثناء الولادة، إذ تدهورت حالة أمه أثناء الولادة، نتيجة إصابتها بنزيف حاد في الرحم قبل الولادة ولم يتم إسعافها إلى المستشفى، إلا في وقتٍ متأخر بسبب تردي الوضع المادي للعائلة.

أدى ذلك إلى نقص في كمية الأوكسيجين التي تصل إلى رأس الجنين خلال فترة نموه داخل الرحم، وفاقم من ذلك تلقي الأم علاجات كيميائية أثناء الحمل من دون استشارة طبيب؛ ما أثر في دماغ الجنين وأصيب بمرض الضمور الدماغي، “وهو من أخطر الأمراض العصبية إذ يرافقه تراجع بكتلة الدماغ نتيجة تلف خلاياه بشكل عام أو في أحد أجزائه، ما يؤدي إلى العجز الوظيفي للعضو الجسدي الذي يتحكم به الجزء التالف في الدماغ”. 

اختصاصية في أمراض النساء والولادة (تحفظت عن ذكر اسمها) تكشف لـ”خيوط”، تزايد حالات الـضمور الدماغي في اليمن خلال الفترة الماضية بصورة مقلقة للغاية.

وتعيد سبب ذلك إلى عدم وعي الأمهات بصحتهن الجسدية والنفسية أثناء الحمل وعدم الالتزام بالتغذية الصحية، فسوء التغذية للأم الحامل أو الإكثار من تناول المعلبات، من أهم عوامل إصابة المواليد بالضمور، إضافة إلى عدم متابعة الحامل للطبيب عند ملاحظة أي تغيرات أو نزيف واستخدام أدوية من تلقاء نفسها، وهو ما قد تنتج عنه تبعات سلبية تضرها وتضر الجنين.

من أسباب الإصابة بمرض الضمور الدماغي تعرض الطفل للاختناق بسبب دخول جسم غريب إلى مجرى التنفس كالألعاب وأجزاء الطعام أو تعرضه للسقوط أو حمل الأم ومكوثها في مكان يتعرض لتلوث بيئي حاد.

صعوبة في التشخيص

لا يزال مرض ضمور العضلات الشوكي يقبع في الخفاء وينهش أجساد الأطفال بصمت تجهله وزارة الصحة في اليمن إذ لا يدخل ضمن اهتماماتها، ويعد مرض ضمور النخاع الشوكي SMA من الأمراض الوراثية التي تصيب الأطفال وتنتج عن خلل جيني ينتقل من الآباء إلى الأبناء، ما ينعكس سلباً على إنتاج الجسم  نوعاً من البروتين، ما يؤدي إلى موت الخلايا العصبية المسؤولة عن التحكم في العضلات، فتفقد الأعصاب قوتها وتعجز عن تنفيذ أوامر الدماغ. وهكذا تضعف العضلات وتتفكك الخلايا فيكون من الصعب على الأطفال، وبخاصة الرضع، استخدام عضلاتهم والتحكم بها حتى تتلف تدريجيّاً، فتتأثر جميع عضلات الذراع والساق والجهاز التنفسي. وعلى رغم صعوبة تشخيص مرض ضمور العضلات الشوكي في بدايته، إلا أن أبرز المؤشرات تتمثل بضعف الحركة الفموية واللسانية العجز عن الرضاعة.

في السياق، تتحدث أم أفراح وهي من سكان العاصمة صنعاء لـ”خيوط”، أنه طُلِبَ منها بعد ولادتها في أحد المستشفيات الحكومية، وضع طفلتها (أفراح) في الحاضنة للعناية بها لبضعة أيام، إلا أن الأمر طال وكلما كان الزوج يحاول استكمال الإجراءات، طلب الأطباء منه الانتظار.

بعد مرور شهر على الولادة، توجه الزوجان إلى المستشفى لزيارة طفلتهما، فكانت الصدمة حين أخبرهما الطبيب أن أفراح تعاني من مرض نادر وعليهما توقيع ورقة لإجراء تدخل جراحي لأخذ عينة من النخاع الشوكي للطفلة الرضيعة.

يشدد طبيب على ضرورة أن يكون البرنامج العلاجي لمرضى ضمور العضلات الشوكي متعدداً ومتخصصاً من جهات عدة، ويجب التعامل مع كل مريض ببرنامج علاجي خاص، إذ يحتاج مرضى ضمور العضلات الشوكي إلى جلسات علاج فيزيائي ونظام غذائي محدد تحت إشراف طبيب مختص

خضعت الصغيرة للعملية، لأخذ عينة من النخاع الشوكي وهي لم تكمل شهرها الثاني بعد، للتأكد من إصابتها بضمور العضلات الشوكي… لكن الطفلة لم تحتمل هذا العذاب ففارقت الحياة سريعاً. لم تتمالك الأم نفسها، وهي تخبر كيف استخدم بعض الأطباء ابنتها “كحقل تجارب دون أدنى إنسانية”.

الطبيب المختص في المخ والأعصاب طاهر حسن (اسم مستعار) أوضح لـ”خيوط”، أن مرض ضمور العضلات يختلف من طفل إلى آخر، معبراً عن أسفه لما حدث مع الطفلة أفراح، إذ يرى أن ما قام به الطبيب لا يتوافق مع القيم المهنية وغير إنساني، فمرضى ضمور العضلات الشوكي، وبخاصة الرضع، لا يحتاجون لعمليات جراحية، ويتم تشخيص مرضهم من خلال مراقبة المواليد المهددين بخطر الإصابة.

يندر تشخيص مرض ضمور العضلات الشوكي خلال فترة الرضاعة المبكرة وفق الدكتور طاهر، ولا يتم إلا بعد ستة أشهر من طريق استخدام الأشعة المقطعية CT أو الرنين المغناطيسي MRI وهو الأكثر ضمانة، عدا أن الأدوية والعقاقير الطبية غير كافية لتجاوز مرض ضمور العضلات الشوكي. 

ويقول الدكتور طاهر حسن: “إن الدراسات الطبية، على رغم كثرتها لم تتوصل إلى أدوية تحارب المرض فعلياً حتى الآن، لكن هناك أدوية تمت الموافقة عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية سبينرازا/ SPINRAZA والذي لا يزال يستخدم في علاج الأطفال ويساهم في تقليل معاناة الأطفال المصابين بالمرض”.

ويشدد على ضرورة أن يكون البرنامج العلاجي لمرضى ضمور العضلات الشوكي متعدداً ومتخصصاً من جهات عدة، ويجب التعامل مع كل مريض ببرنامج علاجي خاص، إذ يحتاج مرضى ضمور العضلات الشوكي إلى جلسات علاج فيزيائي ونظام غذائي محدد تحت إشراف طبيب مختص لحماية عضلات المريض والقضاء على المضاعفات التي قد تطرأ عليه وتعرضه لتشوهات المفاصل، ولتأخير تدهور حالته.

أُسر لا حيلة لها

يدرك حاشد (14 سنة) جيداً أنه أثقل على شقيقته رابعة والتي تكبره بسنوات قليلة، فالصبية تعين أخاها في كل تفاصيل مرضه، كأن تغير وضعية جلوسه، تحمله، وتلبي مختلف احتياجاته بعد وفاة والدتهما، التي ضاعف غيابها شدة مرضه، وقد فقد الأمان بفقدانها. 

أصيب حاشد في سن مبكرة بشلل الدماغ المختلط والذي يؤثر في الخلايا الدماغية، ويسبب تشنجات تفقده السيطرة على نفسه، وتعرضه للمخاطر نتيجة اضطرابات عصبية في الدماغ أدت إلى تلف الخلايا المسؤولة عن الحركة.

ويعتبر الشلل الدماغي من أكثر أمراض الضمور انتشاراً في اليمن لأسباب عدة؛ أهمها تقصير الجهات المعنية بالصحة، وعدم السير وفق خطة تساهم في تطوير الخارطة الطبية لرعاية مرضى الضمور، فآخر إحصاء قامت به وزارة الصحة بشأن مرضى الشلل الدماغي يعود إلى عام 2007، وقد بلغ عددهم آنذاك مليون طفل مصاب.

تقول آية محمد وهي معالجة فيزيائية لـ”خيوط”، إن استخدام الأدوية لعلاج مرضى الضمور من دون زيارة مراكز إعادة التأهيل، غير كافٍ، فالصغار يحتاجون إلى تمارين معينة تساعدهم على سرعة تقبل العلاج وقد يحمي العلاج الفيزيائي في بعض الأحيان المريض من الانتكاسات، كما أن للدعم النفسي دوراً كبيراً في تعافي الكثير من الحالات.

ويفتقد اليمن إلى مرافق حكومية حديثة متخصصة بمرضى الضمور، مجهزة بأحدث معدات العلاج الفيزيائي، إضافة إلى نقص في عدد الأطباء المتخصصين. 

تتحدث أم شهد المصابة بمرض الضمور الدماغي لـ”خيوط”، بالقول: “منذ إغلاق الصندوق (الخاص برعاية مرضى الضمور الدماغي وذوي الإعاقة التابع لوزارة الصحة والسكان ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل) الذي كان يتكفل بالأدوية وجلسات التأهيل للأطفال في المراكز الحكومية ونحن نعاني، فمعظم الأطباء غير متخصصين في هذا النوع من الأمراض”. 

تضيف: “عندما نتحدث إليهم يتأففون بحجة أنهم يعملون من دون رواتب، مع أن تسجيل الحالة في اليوم الواحد يكلف المريض ألف ريال يمني (ما يعادل 1.6 دولار)”.

عائلات كثيرة امتنعت عن الذهاب إلى المرافق الحكومية، بخاصة مع دمج مرضى الضمور الدماغي بمختلف أعمارهم مع مرضى التوحد، ومنع الأمهات من الصعود مع صغارهن في الحافلة والاعتماد على مشرفة واحدة فقط، ما جعل الجميع يتوجهون إلى مراكز متخصصة مقابل كلفة عالية، على رغم تبني بعض المنظمات توفير الدعم لمراكز العلاج الفيزيائي بشكل عام بما يشمل مرضى الضمور إلا أن لا أثر لها في الواقع.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.