fbpx

“سوق الزواج” في العراق:
المرأة وحدها تدفع “الحساب”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مرة اتجهت الى ساحة التحرير عام 2015 ونشرت صورة لي قرب نصب الحرية، احدهم شارك منشوري وكتب “حتى العوانس تريد وطناً”. لم أفعل شيئاً، دست على زر الإعجاب وحسب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تعرف جارتي ما العبارات التي يجب أن تعثر عليها لتنقذ نفسها، كلما فُتح موضوع لون بشرتها الداكن في الجلسات النسائية. وصل الأمر بروحها المشبّعة بعبارات الإهانة الخارجة من الأفواه، والنصائح المكررة لاستعمال خلطات تبييض العروس، إلى أن تجلس حبيسة المنزل ولا تخالط الأخريات. ومع ذلك، لم تسلم من ألسنتهنّ. كلما صادفن أمها عند عتبة الباب، أو في السوق، يتساءلن بفضول مزعج: “ألم تتزوج سمر بعد؟ مسكينة من سيرضى بها؟”. 

لا بأس بهذا، لأن بعض الجارات والأقارب، سيقدمون الدعم المعنوي في معظم الأحيان، وذلك بإلحاح على امها، لإيجاد زوج “نص عمر” يجلبنه من المجالس والعروض منتهية الصلاحية، فهو مهما كان، لا يعيبه شيء. والأهم أن تعيش هي تحت ظل رجل. 

هي بمفهوم الجارات، اللواتي يقاربن بتفكيرهن عدداً كبيراً من أبناء البلد الخشن (العراق)، “غير مكتملة” لتملك حرية أن تختار زوجها كما تطمح. بل تتحول إلى سلعة في “سوق الزواج”، وعليها القبول بأي عريس متوفر. لكن جارتنا لا تريد أن تساق إلى هذا النوع من “الصفقات” التي قد تحرمها إكمال رسالة الدكتوراه خاصتها، وتحقيق حلمها في أن تصير استاذة مساعدة في كلية العلوم السياسية. 

تواجه العراقيات أحكاماً مجتمعية مطلقة خصوصاً في ما يتعلق بمسائل الزواج والحياة العاطفية، وهي تقوم غالباً على شكل المرأة الذي يحدد مستقبلها وفق المفهوم السائد.

ترويض الفكر الأنثوي العراقي 

حين تولد الفتاة في العراق،  يتم تهيئة عقلها، على مدار سنين طويلة، على فكرة أن جمالها نجاتها. تبدأ الحكاية معها، من الأقارب الذين سيقومون بحجزها لأبنائهم، او جعلها “مزحة” الجلسة، فنوع الأحاديث يعتمد على وجهها وهندامها، ولا مكان لمواهبها، وهواياتها، أو ذكائها. تبقى الفتاة، مجرد وجه وجسد، وعقل يتم حشوه، بعبارات سمجة، وأقاويل ذكورية، ويتم منحها صكوك النجاح، ولقب الزوجة المثالية، والرفعة بين الناس، كلما كان وجهها منمطاً بالملامح التي يبحثون عنها، فالشقراء الممتلئة قليلاً على سبيل المثال، يمكنها الزواج بمن تريد، وستقف طوابير من أمهات “العرسان” عند الباب، للتبارز واستعراض مؤهلات أولادهن الرائعين. بالتأكيد، هذا لن يحدث مع فتاة تميل بشرتها إلى السمرة، في كثير من الأحيان. ولن يحدث طبعاً، مع فتاة ولدت بتشوه ما، في جسدها أو وجهها. هؤلاء لا يحق لهن التفكير بنوع الزوج ومواصفاته، إذ تتردد عبارة “لا تتبطرين على ربج” بشكل دائم. ويتم تشجيع فتاة ما على القبول بسبعيني، سبق أن تزوج ثلاث نساء، ويقال، “مو زين اخذها؟”. نعم، يتم التعامل معها على انها “عالة” لأن حظوظ المرأة العراقية بالعريس، مطلقة كانت او أرملة او عزباء، لن تتعدى مقعداً تعويضياً لرجل طاعن بالسن، سوف “يستر عليها”، فمن سيرضى بها ما دامت أتت إلى العالم بعيب خلقي؟

فارق العمر لمصلحة الرجل

تواجه العراقيات أحكاماً مجتمعية مطلقة خصوصاً في ما يتعلق بمسائل الزواج والحياة العاطفية، وهي تقوم غالباً على شكل المرأة الذي يحدد مستقبلها وفق المفهوم السائد. والأمر لا يقتصر على الوجه والجسد، بل يتعداه الى العمر والحالة الاجتماعية، فهناك قائمة طويلة من النساء اللواتي لا يحق لهن أن يحلمن بأكثرِ من ارمل في السبعين. وإن كان فرق العمر عادياً في حال توافق الطرفان وجمعهما انسجام ما، لكن في حالة المرأة العراقية، لا فرصة لذلك، إذ يفرض عليها العريس وعليها أن ترضى من دون اعتراض أو سؤال. مرة اتجهت الى ساحة التحرير عام 2015 ونشرت صورة لي قرب نصب الحرية، احدهم شارك منشوري وكتب “حتى العوانس تريد وطناً”. لم أفعل شيئاً، دست على زر الإعجاب وحسب. 

قد تقوم القيامة، لو فكرت امرأة بالزواج من شخص تحبه، ويصغرها بسنوات. ستتعرض لحملة تنطلق من الأم وأخوات العريس مروراً بالأقارب والجيران، ولا تنتهي بطلب رأي سكان الدولة المجاورة والكواكب القريبة، وتبدأ الأسئلة: كيف؟ “وشلون؟” هل ستربيه على يدها؟ فالسائد أن يحصل الرجل على فتاة تصغره بكثير، يتحكّم بمصيرها ويفعل بها ما يشاء، ولكن أن تكبر امرأة زوجها ببضع سنوات، فهي جريمة تستحق الرجم!

 بثوا في قلوب النسوة، رعباً من فكرة الزواج بشبان أصغر منهن ولو بيوم واحد. حتى إذا التقت فتاة بشاب يصغرها بسنتين، يقول لها “انت بكد أمي”، أي بعمر والدتي. وفي كل حال، وعلى المنوال نفسه، كلمة “عمو” تزعج الكثير من الرجال، فمهما صغرتِ أو كبرتِ في السن، حين تقولين لرجل “عمو”، سيجيب: “هاز كاروكج اني؟” وتعني “هل هززت مهدك ولا أعرف؟”. 

إقرأوا أيضاً:

تنّوع أشكال الرفض 

للمطلقة والأرملة، نصيب كبير من الإجحاف والصد، لدرجة أن لا أحد مستعد أن يفخر أمام أهله بها أو يجرؤ على مواجهتهم برغبته في الزواج منها، خصوصاً في حال كانت أماً. سيظل الزوج الأول مثل شبح يطارد السيدة، عبر ألسنة الأهل والأقارب، مهما حاولت الهرب. وستتحول إلى مادة للتنمر، خصوصاً إذا كانت أرملة: “لم لا تتركه لفتاة عزباء؟ مسكين ستقضي على حياته وتجلب له الشؤم والموت”…

من هنا تحديداً تبدأ المعركة مع القوالب المجتمعية التي تظل تُلاحق النساء الهاربات من تجاربهن القديمة وندوبهن الجسدية وأعمارهن التي تتحول إلى تهمة، في محاولة لإعادتهن إلى بيوت الطاعة المجتمعية، عبر محو حقوقهن واحلامهن وفق معايير سوق الرجال المعفيين من دفعِ أي فاتورة في المجتمع. فالمرأة العراقية وحدها تدفع الحساب.

إقرأوا أيضاً: