fbpx

نساء سوريا بعد حرب الرجال…
مقاتلات في صفوف الحياة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل الخنوع صفة وراثية؟ وهل الامتثال للسلطة البطريركية الأبوية جينة مزروعة في تكوين الأنثى تحكمها طوال حياتها؟ الجواب القطعي بالنفي يجعلني أحلم بثورة ممكنة، تقودها نساء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الحروب يشعلها في الغالب رجال. يدافعون عن عقائدهم أو ممتلكاتهم بالهجوم على عقائد الآخرين وممتلكاتهم. ينتصرون أو يهزمون، يبحثون عن الثروات وراء الآفاق، يجدونها أو تخيب آمالهم…

 لكن من يعمّر الأرض؟ غالباً النساء.

هل تعرفون حرباً قرّرتها امرأة؟  

غالباً ما تكون نتائج الحروب كارثية، لا سيما على النساء، اللواتي يعانين أصلاً من التهميش والعنف الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، ويكون عليهن بعد حين استكمال حياتهنّ على أنقاض الحرب والدمار.

اليوم تبحث كثيرات في سوريا عن لقمة لهن ولأولادهن. أرامل وثكالى بالآلاف بقين بلا مأوى ولا معيل. الحكايات كثيرة والدراما الحقيقية أن تكرارها لم يعد يوحي بالاستثناء، إذ يبدو أننا نعتاد رؤية المآسي ثم نؤرشفها في أذهاننا لتصبح في خانة مهملة اسمها: “لا ذنب لي في ما يحصل”. 

والمؤلم فعلاً أن نساء بلدنا تربين تقليدياً على فكرة أنّهن مجرد متلقيات، ومهما كانت هذه البيوت فقيرة وبحاجة إلى دعم إضافي فإن مهمة تأمين تكاليف العيش منوطة دوماً بالرجال. وعادةً ما كانت التي تغادر بيتها للعمل، تعتبر خارجة عن السياق العام. فمهمة المرأة في ضمير مجتمعنا العناية بمنزلها وإنجاب الأطفال. لا فرق بين الغني والفقير، ولا بين جامعي وخريج دورة محو الأمية.

 وفجأة تجد هذه المرأة نفسها مرغمة على اكتساب قوت يومها وما يتطلبه من جهد وتخلٍّ عن “منطقتها الآمنة ” وحرّاسها التقليديين، الأب، الإخوة، أو حتى أبناء حارتها، نتيجة حرب لم تستوعب ماهيتها بعد، ومن دون تأهيل معنوي أو مهني أو علمي أو مادي.

وبينما استفادت اللاتي نلن نصيباً من التعليم من الأماكن الشاغرة التي خلّفها الرجال في سوق العمل، وجدت معظم النساء أنفسهن غير مؤهلات مهنياً سوى للخدمة في المنازل.

المساعدة المنزلية التقليدية في دمشق  سيدة تربّت على العمل في البيوت وتتقن كل تفاصيل المنازل السورية ومتطلباتها.

 فالعناية في بيوت الشام أكبر من مجرد تنظيف الغبار وكنس السجاد وتعقيم الحمّام. هناك تعقيدات لا يعرفها سوى ربات المنزل. لن أذكرها كلها هنا لأنها تسبب لي شخصياً صداعاً حادّاً مذ كنت صغيرة في بيت أهلي. فالمهمات اليومية من مسح وتطهير وتلميع  وتعقيم، والأسبوعية من تبديل المفارش المتنوعة وغسلها وكيها وترتيبها، تجعل صيانة المنزل عملاً يستهلك ساعات النهار المتاحة. عدا مواسم “التعزيل” الذي يتضمن شطف الجدران والأسقف وتلميعها، في نهاية الفصول.

وبمنظور عملي وبحسبة بسيطة يمكننا أن نعتبر أي بيت مهما كان حجمه، بحاجة إلى يد إضافية تعمل على الحفاظ على مستوى الهوس العام بالنظافة والترتيب.   

هذا إذا لم نتكلم عن متطلبات المطبخ وتفاصيل تحضير المونة التي تمتد مواسمها طوال أشهر السنة، لكنها تشتّد في أشهر الصيف. فكل أنواع الخضار تُشترى وقت توفرها وتخزّن لبقية السنة. وكل نوع له طريقة. وفي هذه الأيام العجاف، حرمت معظم البيوت صيفاً من ساعات الكهرباء اللازمة لتجميد المونة، فعمدت غالبية ربات البيوت إلى تجفيفها وحفظها يابسة. ومثلها أنواع الفواكه التي تتحول إلى مربيات وحلوى مجففة. 

غالباً ما تتقن المساعدة المنزلية أيضاً كل ما يتطلبه المطبخ السوري من أعمال شاقة، تحضير وتنظيف الدجاج واللحوم، غسل الخضار الورقية بتفاصيلها المملّة، تحضير الخضار من حفر وتقطيع، لفّ ورق العنب، تحضير الكبة… القائمة تطول. 

اليوم تعطى العاملة الممتازة  أقل من 5 دولارات مقابل 6 ساعات من الخدمة المنزلية، مقابل دولار واحد كان أجرتها من خمس سنين فقط. وبحسبة بسيطة للتضخّم الذي وصل إلى نسبة ألف في المئة، تعتبر الأجرة السابقة كافية والأجرة الحالية مجحفة.

وبما أن هذه الطبقة تسكن غالباً في أطراف المدينة وريفها أصبح الوصول إلى مكان العمل مكلفاً ومضنياً وغير محسوب من أجرة العمل. 

 تعيل العاملات حالياً أسراً تضمّ مصابين وأيتاماً، بسبب حرب، لم يكن لهنّ فيها أي رأي، وتتحملّن الغلاء والبقاء في بيوت هدم معظمها وتحتاج إلى إعادة تأهيل. وفي الوقت الذي يقبع فيه الرجال دون عمل بسبب سوء الأحوال الاقتصادية أصبحن معيلات البيوت المنكوبة. 

سيطرة الرجال على هذا المجتمع لم تتغير إلا بالحد الأدنى، لكن التغيير آت لا محالة.

تزوجت يسرى في الرابعة عشرة وتطلقت قبل أن تبلغ الثامنة عشرة. وخدمت في البيوت لإعالة طفلتيها. وما زالت تخدم وقد بلغت الستين. لم تخضع لسلطة رجل من أربعين عاماً فما الذي يجعلها تقول لي: عمارتك هذه تحتاج إلى رجل وليس امرأة، يكون على رأس اللجنة المشرفة على صيانتها؟

علّمت فوزية أولادها وعمّرت بيتها بأموال خدمتها في منازل الآخرين، وبكفّيها العاريتين. زوجها يعيش عالة عليها ويأخذ مصروف جيبه منها. فما الذي يجعلها تسكت بعد أن يضربها بإبريق الشاي الساخن مسبباً حروقاً في وجهها؟

هل الخنوع صفة وراثية؟ وهل الامتثال للسلطة البطريركية الأبوية جينة مزروعة في تكوين الأنثى تحكمها طوال حياتها؟ الجواب القطعي بالنفي يجعلني أحلم بثورة ممكنة، تقودها نساء. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.