fbpx

المُصالحة السياسية في مصر:
هل يسعى النظام إلى “تتويب” الإخوان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على جماعة الإخوان إن أرادت المُصالحة وإقناع النظام بالحديث معها، أن تتنازل بشكلٍ جدّي، وهذا من خلال طرح مراجعات فكرية وتنظيميّة، كما فعلت الجماعة الإسلامية أواخر التسعينات من القرن الماضي إثر أزمتها مع نظام حسني مبارك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من حين إلى آخر، يعلو صوت المصالحة السياسية بين النظام المصري ومُعارضته وخصومه، خصوصاً الإخوان المسلمين منهم، وكل مرة تتعالى فيها الأصوات، تكون بأسباب مختلفة ومتقاطعة مع ما سَبقها أو لحقها، مثل إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما يسمى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر 2021. 

يحصل هذا أيضاً عند صدور رسائل شبابيّة مستقلة ومن تيارات مُختلفة، يناشدون فيها رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر والأصوات “العاقلة” في الدولة، بالعفو عنهم والتدخل من أجل مصالحة بينهم وبين النظام، أو ما يُعرف بِمبادرة “أول سبع خطوات” التي أطلقتها شخصيات ومنظمات مدنية وحقوقية في أيار/ مايو الماضي. 

لكن، بعد أن يعلو الصوت، يُخفض مرّة أُخرى. الإخوان المسلمون في جُل تصريحاتهم يقولون إنهم لا يمانعون المصالحة مع النظام، وإنهاء معاناة المعتقلين وذويهم، لكن، هل بالفعل بإمكان الإخوان المسلمين أن يطرحوا حلولاً حقيقية تُقنع النظام المصري وتَجعله يقدم على تخفيف معاناة المُعارضة وفتح الفضاء السياسي، ليصبح أكثر مرونة وانفتاحاً على مشاركة فئاتٍ سياسيّة أُخرى؟ 

مع الوقت، طرح المصالحة مع الإسلاميين ربما يزداد، ضيقاً أو وِسعاً، من ناحيتين متوازيتين.

فروقات المعارضة

هناك اختلافات ظاهرة بين المعارضة المدنية في مصر، المُتمثلة ببعض التيارات الفكرية الليبرالية واليسارية بجانب منظمات العمل المدني، من اجتماعية وسياسية وحقوقية، وبين المعارضة الإسلامية، العدو والمنافس التاريخي اللدود على السلطة مع القوة العسكرية في مصر، متمثّلة في دولة ضباط يوليو. وهنا التفريق، ليس من باب تمايز معارضة أو فصيل فكري على الآخر، بل يكمُن التفريق هنا في نظرة النظام المصري نفسه لكلٍ منهُما، فهو لا سيما بعد تموز/ يوليو 2013، يعامل الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان كأخصام سُلطة، لا كمُعارضة سياسية، وهذا مفهومٌ في سياقه، إذ جاء النظام المصري الحالي بعدما خلع الإخوان من الحكم، بل وكانت معارضة الإخوان ومطالبهم منذ تموز 2013 حتى موت الرئيس السابق محمد مرسي في حزيران/ يونيو 2019، هي عودة الحكم لهم مرّة أُخرى، وليست إصلاحاً سياسياً وتحولاً ديموقراطياً، كما كانت بقية التيارات المدنية. ومن هذه المُفارقة يمكننا التمييز بين مطالب، مثل مبادرة “أول سبع خطوات” التي أطلقتها منظمات، لتحديد ما على النظام فعله للوصول إلى انفراج سياسي، وبين مصالحة الإسلاميين مع النظام المصري. 

مبادرات كثيرة جاءت من شخصيات فكرية وسياسية مصرية وعربية باءت بالفشل، فضلاً عن تصريحات دائمة من قيادة الإخوان لاستِعدادهم التام للحديث مع النظام وتهدئة الأزمة بينهم، ورسائل كثيرة خرجت من الشباب المُعتقلين تُطالب الدولة بإعطائهم فرصة للحياة بعيداً من أقبية السجون التي تدفن أعمارهم. كلَّ هذا لم يكن محل ثقة أو اهتمام بالنسبة إلى النظام المصري الحالي، لبدء التفاوض مع الإسلاميين. وهذا يتمفصل في أسباب عدة منها اثنان رئيسيان، أولهما أن النظام المصري ومع حلول عام 2018، لم يعد في حاجة إلى مصالحة مع الإخوان المسلمين، بفضل تمكّنه من الاستقرار سواء السياسي المحلي أو الخارجي، ومن الناحية الأمنية، فقد قضى بشكل كبير، بفعل أدواته الأمنية على أي احتجاجات سواء سلمية أو عنفية ينظمها الإسلاميون ضد مؤسساته وأفراده. السبب الثاني، هو أن كُلّ ما طُرح من مُباردات ورسائل إما أنّها كانت طموحة للغاية، بعضها طالب السلطة بإجراء استفتاء شعبي على بقاء السيسي في رئاسة الجمهورية، وكانت من السفير المصري معصوم مرزوق، أو أنّها بلا أهمّية حقيقية بالنسبة إليه، مثل رسائل المُعتقلين الشباب، فهي عاطفية بحتة، لا تملك مراجعات فكرية ولا تنظيميّة بخصوص ما تبنّوه سابقاً. 

مع الوقت، طرح المصالحة مع الإسلاميين ربما يزداد، ضيقاً أو وِسعاً، من ناحيتين متوازيتين. يزداد ضيقاً، على أساس أن النظام المصري استقرّ وهو يولي ملفات أُخرى إقليمية ودولية اهتمامه، وهو يواصل في تنفيذ مشروعاته الريادية من حيث العُمران، المدن الجديدة وتأطير المدن مرّة أُخرى بوساطة الكباري والممرّات، غير آبه بالمصالحة الداخلية والانفراج السياسي، إذ كانت فرصة التصالح مع الإسلاميين منذ سنوات أوفر حظاً وأهم سياسياً بالنسبة إلى النظام مما هي الآن. كما فقدت جماعة الإخوان المسلمين أهمّ حليفين لها، النظام التركي الذي تراجع وقيّد أفواه الإعلاميين في تركيا، حيث مُنعت برامج ومُذيعين من الظهور، ومن بقي هدَّأ نغمة الهجوم على النظام المصري، وذلك إثر تفضيل النظام التركي التقارب مع نظيره المصري في ملفات خارجية، كما سعت قطر إلى التقارب مع مصر إثر مصالحتها مع دول الخليج. يرجع ذلك إلى، ضعف جماعة الإخوان المسلمين على مستواها الإداري والذي لا يخفى على أحد، والذي جعل منها دُمية/ ورقة ضغط تتلاعب بها الأنظمة سواء الحليفة لها أو المُعادية، ما عرّضها باستمرار إلى النبذ أو التقارب بحسب مصلحة النظام الذي يدعمها، سواء القطري أو التركي. 

أيضاً ومن زاوية أُخرى، يزداد أُفق المصالحة وسعاً، لأن استقرار النظام المصري، سيجعل مطالب الإخوان هشّة جداً بلا أي أُفق استراتيجي سوى التخفيف من مُعاناتهم، وربما يحسب النظام أنّ الإخوان لن يشكّلوا خطراً على بقائه السلطوي، وربما يضمن لنفسه مكاسب أُخرى. 

لكن، على جماعة الإخوان إن أرادت المُصالحة وإقناع النظام بالحديث معها، أن تتنازل بشكلٍ جدّي، وهذا من خلال طرح مراجعات فكرية وتنظيميّة، كما فعلت الجماعة الإسلامية أواخر التسعينات من القرن الماضي إثر أزمتها مع نظام حسني مبارك. وتكون مراجعات الإخوان خارجة بشكلٍ نصّي مكتوب، ومن القيادات الأولى للجماعة، المرشد محمد بديع وأبرز القيادات الإسلامية مثل محمد البلتاجي وصفوت حجازي وخيرت الشاطر، كما فعل مفكرو الجماعة الإسلاميّة وكتبوا نصوصاً طويلة في نقد التطرف والعنف، لا أن تخرج المبادرة في شكل رسائل كما يفعل الشباب. بهذا قد تكون الجماعة أعلنت عن مراجعاتها أو بمعنى أدق ندمها الفكري والسياسي، طيلة عقود، سواء من الناحية الفكرية، التَبرؤ من العنف الذي وُجّه للدولة بخاصة بعد عام 2015، في ما يعرف بجبهة القيادي محمد كمال، أو حتى مراجعات تنظيمية سياسيّة، مثل الإعلان عن حلّ الجماعة على المستوى السياسي، والاكتفاء بالوجود الدعوي. لكن، هل إثر ذلك، يقدم النظام المصري على خطوات جادة بشأن تخفيف المعاناة على الإسلاميين كما فعل نظام مبارك مع الجماعة الإسلامية؟

إقرأوا أيضاً:

على رغم استبعاد جماعة الإخوان مثل هذه الخطوات، لأسباب عدة، منها أنها لا تملك مراجعات فكرية حقيقيّة، فهي لم يتبنَّ العنف كإطار منهجي، وربما يتبرأ الإخوان من جبهة القيادي محمد كمال، وعلى المستوى الفكري، من تنظيرات الراحل سيد قطب، فقط لا غير. لكن، النظام المصري إن بادرت الجماعة بأي خطوات للمراجعة، أياً كان شكّلها ومضمونها، ربما سيقبل هو أيضاً، ليس من باب المصالحة وتقبّل التوبة الفكرية والسياسية، بل من أجل ما يُعرف بالتَتويب النظامي للجماعة، إذ سيكون على النظام أن يستغل هذه المبادرة من قيادة الإخوان على أصعدة عدة، منها إجراء مقابلات مع متبنّي المراجعات من القيادات، كما فعل الصحافي مكرم محمد أحمد مع قادة الجماعة الإسلامية، وقد دوّن مراجعاتهم على شكل سؤال وجواب في كتابه “مؤامرة أم مراجعة: حوارات مع قادة التطرف في سجن العقرب”.

وبذلك سيوجّه النظام المصري ضربة فكرية وإعلامية لجماعة الإخوان، ويبيّن مدى الخلل المنهجي التي كانت تتبنّاه الجماعة، فضلاً عن التسلّط الإعلامي التي ستناله الجماعة. وسيعلن النظام المصري فوزه على الجماعة سياسياً وفِكرياً ومنهجياً، ناهيك بتحكّم النظام ومرونته في مدى تقبّل المراجعات، ومدى تنفيذ مطالب الجماعة والتي أبرزها الإفراج عن المعتقلين. ويستطيع النظام المصري لسنوات عدّة، ألّا يفرج عن المعتقلين، وأن تكون سياساته هي تخفيف القبضة الأمنية، متمثلةً في تخفيف الاعتقال، والكفّ عن إعادة التدوير على ذمّة قضايا، فضلاً عن إعطاء السجين حقوقه، من زيارات وتريّض وتوفير طعام ودواء جيد، وهذا مشابه لما فعله نظام حسني مبارك مع التائبين من قيادات وأفراد في الجماعة الإسلاميّة، إذ لم يفرج عنهم جملة واحدة، بل خرجوا على مدار سنوات كثيرة لكنّه خفف القمع السجني بحقهم. 

ما ذكرناه بشأن الإخوان كخصم سياسي للنظام الحالي، لا كمعارضة، لا ينفي أن المعارضة المدنية خاضت سجالات وجولات مع النظام الحالي. فالنظام لا يستثني النشطاء من الاعتقال والتضييق، لكن، تبقى أمامهم فرصة أكبر في الخروج، عبر إخلاءات السبيل من سرايا النيابات العامّة، وهم بشكلٍ أوّلي ما يعتني به النائب البرلماني ومؤسس “منتدى الحوار” و”رئيس حزب الإصلاح والتنمية”، محمد أنور السادات، المسؤول عن ملف المفاوضات بين المعارضة المدنية وأجهزة الأمن، إذ ظهر في أحاديث صحافية وتلفزيونية كثيرة، وشرح بالتفصيل أنّه يستقبل طلبات من الأهالي والحقوقيين بشأن أسماء المعتقلين، ليطرحها على الأجهزة الأمنية المعنية، لتفرز هي الأسماء وتراجع القضايا وتقرر إن كانت ستفرج عن بعضهم أم يبقى محتجزاً. 

إقرأوا أيضاً: