fbpx

في السنة السابعة…. لا حرب في اليمن ولا سلام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا كانت الحرب قد انتهت كخيار للحسم وتوقفت معظم الجبهات فعلياً، فلماذا تأخر السلام في اليمن؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد سبع سنوات وصلت الحالة في اليمن إلى جمود في الوضع فلا يمكن القول إن هناك حرباً بالمعنى التقني للحرب كسلسلة من المعارك التي تهدف للانتصار على الخصم، ولا يمكن الحديث من الناحية الأخرى عن سلم سواء بانتهاء الحرب أو بسكوت المدافع.

لم يصبح السلام بعد الخيار الاستراتيجي لأطراف الصراع، وذلك يعود الى أن القوى المتصارعة ترى أن فاتورة السلام ستضر بمصالحها أكثر مما تضرها متطلبات الحرب.

وترى حكومة هادي إن القبول باتفاقية السلام مع السلطة الحوثية التي تسيطر على ثلث الأرض وثلثي السكان وكل سلاح الدولة تقريباً يؤدي لا محالة إلى تمكين الحوثيين من الانقلاب على الاتفاقية مسقبلاً وتكريس نفسها كقوة مسيطرة ولو من خلف الستار على طريقة “حزب الله” في لبنان.

ترتبط رغبة الحكومة الشرعية بتأجيل التوصل لاتفاق سلام حتى ولو كان عادلاً، بتوقعاتها حول الفوائد التي يمكن أن تجنيها من تطبيق القرار الأممي 2216 الذي يعطيها الكعكة كاملة ويطلب من الطرف الآخر، القبول بشراكة محدودة وتسليم سلاحه الثقيل والتخلي عن كل ما استطاع إنجازه على الأرض مقابل الشراكة في السلطة.

أما بالنسبة إلى الحوثية فما زالت الأغلبية داخلها ترى أن القبول باتفاقية السلام سيعرضها لغضب كبير وسط أعضائها  العقائديين، بخاصة أنها ستأتي على حساب الثمن البشري الباهظ الذي قدمه سابقاً من تم الزج بهم في الجبهات بدون حساب لأرواحهم. إن السلام سيضعها أمام مسؤولياتها الأساسية التي تهربت منها تحت عذر الحرب، وبخاصة إعادة المرتبات والخدمات الصحية  والتعليمية وتخفيف عبء الحبايات عن كاهل المواطن. وهذا تحد ضخم بخاصة ان الصمود المالي للحوثي بني على دعامتين: الدعامة الأولى تهربها من مسؤولياتها الخدمية ومصادرة كل موارد الدولة لمجهودها الحربي وللإثراء غير المشروع لقياداتها الصاعدة.

يرى الحوثيون أنهم الأقوى عسكرياً على الأرض بخاصة بعدما استولوا على 12 مديرية من إجمالي 14 مديرية من مديريات محافظة مأرب الاستراتيجية. تبدو مأرب معركة اقليمية لا محلية فقط ركزت عليها كل آلات الدعاية التابعة لإيران و”حزب الله باعتبارها معركة فارقة أشبه بمعركة حلب في سوريا. ويرى الحوثيون أن حسم معركة مارب سيلغي أي وجود فعلي للحكومة المعترف بها دولياً وسيجعل المفاوضات الآتية تدور معهم حصرياً، باعتبارهم الممثلين لكل مناطق الشمال. كما يطمحون إذا ما سقطت مأرب إلى الامتداد مرة أخرى نحو الجنوب بخاصة نحو حضرموت ومأرب الغنيتين بالنفط، بالاعتماد على هشاشة الوضع العسكري فيهما بسبب صراعات الشرعية مع المجلس الانتقالي الجنوبي. 

لقد تم تأسيس السردية الدولية للصراع في اليمن باعتبارها بين طرفين رئيسيين هما الحكومة المعترف بها دولياً والانقلاب المتمرد على الاتفاقات السياسية المقرة دولياً. استمرت هذه السردية صالحة لتفسير الوضع منذ عام 2015 حتى عام 2018. لكن عجز الحكومة الشرعية عن العودة إلى اليمن وتأسيس حكومة طوارئ تمهيداً لاستعادة العاصمة صنعاء، واقتصار وجودها على الوجود الرمزي السياسي الهش في الرياض وتحت رعاية الحكومة السعودية هز صلاحية سردية (شرعية/ انقلاب) وهو ما مكن الحوثيين من التحول إلى القوة العسكرية الأولى على الأرض. 

هذه التطور أضاف للمشهد أطرافاً أخرى مؤثرة استبعدت من المحادثات. 

قررت “القوات المشتركة” المدعومة من الإمارات الانسحاب المفاجئ من مدينة الحديدة وخوض معارك ضد الحوثيين في مناطق أخرى بدعوى إعادة التموضع والتغلب على شروط “اتفاق ستوكهولم” الذي أوقف أي مواجهات عسكرية قد تؤدي الى تدمير ميناء الحديدة. لكن معارك إعادة التموضع لم تؤد إلى خلق توازن جديد للقوى على الأرض. وفي ظل وضعها العسكري المشتت (مكونة من تشكيلات سلفية ومن بقايا قوات الحرس الجمهوري السابق) لا يبدو السلام في مصلحتها، بخاصة أنها لا تسيطر على مناطق ذات بعد استراتيجي يكفل لها وجوداً مؤثراً في المفاوضات.

وما زال التجمع اليمني للإصلاح يشكل القوة السياسية الأكبر ضمن محور الشرعية، كما أنه يشكل الخصم العسكري الاقوى على الارض في مواجهة الحوثيين. لكن الإصلاح يفضل عدم الظهور بوجهه الصريح، والاختباء خلف لافتات الحكومة الشرعية والجيش الوطني. ويبدو من سياسة “الإصلاح” الحالية أنه يرى أن التوصل إلى اتفاقية سلام قد يكون مبكراً، قبل أن يتمكن من حل معضلة الحرب الإقليمية ضد الإخوان المسلمين من قبل السعودية والإمارات. وتوقف الحرب وانحسار التهديد العسكري للحوثيين سيجعلان “الإصلاح” هو الخصم الأخطر من وجهة نظر السعودية والإمارات في مرحلة ما بعد الحرب.

تم ترحيل كلفة الحرب على عاتق ملايين المواطنين وتحويل كل مكاسبها إلى مصلحة النخبة الصغيرة التي تدير أطراف الصراع. هذه المعادلة الظالمة تساهم في تأجيل فرص السلام مدفوعة بالكثير من المخاوف والأطماع.

على رغم أن “حزب الاصلاح، ما زال يختبئ خلف الحكومة الشرعية، إلا أن حضوره القوي في مفاصل الشرعية يحفز أطماعه في الإصرار على الضغط نحوي تطبيق القرار 2216 كما هو وبدون تعديل، وبالتالي يرى أن تأجيل الوصول إلى اتفاقية سلام يصب في مصلحته في الجانب السياسي والتمثيل الحكومي.

والمخاوف أيضاً ليست بعيدة من بال المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر فعلياً على القرار في معظم أراضي الجنوب. ويتهرب من أي اتفاقية سلام مع الحكومة الشرعية لأنها من وجهة نظره ستمكن الحكومة الشرعية من العودة القوية إلى الجنوب وتأسيس قوة عسكرية وسياسية، تمكنها من تقاسم السيطرة معه. لهذا يفضلون الاستمرار في سياسة فرض الأمر الواقع حتى تسمح الفرصة الاقليمية والدولية بفرض سلطة رسمية مستقلة على المحافظات الجنوبية.

لقد تم ترحيل كلفة الحرب على عاتق ملايين المواطنين وتحويل كل مكاسبها إلى مصلحة النخبة الصغيرة التي تدير أطراف الصراع. هذه المعادلة الظالمة تساهم في تأجيل فرص السلام مدفوعة بالكثير من المخاوف والأطماع.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!