fbpx

صفاء السراي ابن ثنوة الذي مات
من أجل الثورة… “محد يحب العراق بكدي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثورة تشرين كانت بحاجة الى قائد شاب، ملهم للآخرين. وجاء صفاء ليلعب هذا الدور الذي كلّفه حياته. لكنه كان مؤمناً بالتضحية من أجل الثورة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صفاوي، كما يناديه أصدقاؤه كان يدرك أن روحه المولعة بالعراق، ستحلق من أجله ذات مرة، كان مدافعاً عن وطنه، ويحبه، نيابة عن أربعين مليون عراقياً، يركض من تظاهرة إلى أخرى بحثاً عن الحرية، حتى أوقفته قنبلة دخانية، يفترض أن تكون مسيلة للدموع، لكنها أسالت عمره وامنياته بوطن حر وأسقطته في ساحة التحرير، قرب نصب “الحرية”، في تظاهرات تشرين عام 2019. مات صفاء السراي بعمر يناهز 26 سنة، أمضى الكثير منها في ساحات الاحتجاج، يصرخ في وجه الظلم والبؤس والديكتاتوريات التي مرت على العراق منذ عام 2003. 

موت الشاب لم يطو حكايته، وإن كان لكل ثورة عربية في العقد الأخير رمزها، كبوعزيزي تونس، فيبدو أن العراقيين اختاروا صفاء السراي ليكون رمز انتفاضتهم الجريحة.

كانت أمنية صفاء الذي أصبح “أيقونة ثورة أكتوبر العراقية” أن يشيع في ساحة التحرير، وهكذا كان، إذ منح وداعاً أخيراً معانقاً ساحته… لكن غيابه الجسدي، لم يمنع حضوره بالروح، فعباراته وهتافاته تضج بالنشطاء، وصوره على ثياب اصدقائه ومن أثّر بهم من شباب جيله، وقد بقيت دعواته تتكرر: “تظاهروا من اجل العراق، العراق يستاهل”. وهكذا تحوّل صفاء إلى أحد أهمّ المؤثرين وصناع ثورة تشرين أول/ أكتوبر العراقية 2019.

صفاء الذي عاش حياة قاسية للغاية، أكمل دراسته الإعدادية بمعدل عال جداً، وتخرج من الجامعة، بتفوّق، فيما لم يحصل على الدعم في حياته سوى من أمه ثنوة، التي كانت وبرغم مرضها منذ عام 2011، مشجعة ومؤازرة له.

الثائر والشاعر والموسيقي

ولد صفاء السراي، لأسرة من أربع أخوات، وخمسة أشقاء، في العاصمة بغداد، عام 1993، وفقد والده وهو في الثانية عشرة، وتحمّل من يومها مسؤولية والدته ثنوة التي كانت قضيته أيضاً.

أكمل صفاء دراسة علوم الحاسوب، في الجامعة التكنولوجية، لكنه كمعظم الخريجين لم يجد عملاً في اختصاصه. يصفه صديق عمره، علي حسين، بأنه “كان محباً وشغوفاً بالحياة، مرحاً وصديقاً للجميع، حتى الذين لا يعرفهم”. 

ويرى علي، أن صفاء كان بطبيعته ثورياً، رافضاً للظلم والعنصرية والطبقية، وكان يعتمد الاحتجاج كأسلوب حياة، حتى في المقاهي والجلسات الشبابية، يحاول دائماً توعية زملائه والذين لا يعرفونه، بحقوقهم المسلوبة: “كان ناقماً على حياة جيلنا المزرية، حاملاً هموم الآخرين فوق رأسه، لا أعداء له سوى السلطة وأتباعها، وغالباً ما كان يقوم بتأديبهم، كلما سنحت له الفرصة، أمام الملأ”. 

صفاء الاستثنائي، المميز والعفوي، صاحب الحضور الجريء، كان أيضاً رافضاً للعنصرية اللغوية المنتشرة ضد أبناء اللهجة الجنوبية العراقية. فتراه متعمداً، يستخدم المفردات الجنوبية بصوت عال، امام كل من يحاول الانتقاص منها. 

كان يكتب الشعر، وتحديداً الشعبي باللهجة العراقية. كما كان ناجحاً وفق علي في بناء علاقات اجتماعية مدهشة، حتى مع أساتذته في الجامعة، يجلس معهم ويناقشهم بأمور الأدب والحياة. كان علي يستغرب كيف لشاب يافع القدرة على مجاراة كبار السن، والجلوس معهم، لكن صفاء كان يبحث عن التجربة والتعلم والحب بين الآخرين بكل وسيلة، ليجمع المهتمين بالأدب، حتى أسس معهم تجمعاً ثقافياً يعنى بالشعر، يدعى “حراك لنص آخر”، وكانت لهذا الحراك مساهمة كبيرة في مجال الشعر العراقي، عبر مقالات نقدية وغيرها. كان أحد أهداف صفاء داخل الحراك، هو إظهار صورة أخرى للشعر، أكثر حداثة، بعيداً من التكرار والفوضوية. 

أما صديقه، علي خريبط، رفيق الثورة والنضال، فيتحدث عن صفاء الذي تعرف إليه عام 2014 في ساحة التحرير، وفي إحدى التظاهرات، حيث كان صفاء مشاركاً في “منتدى التحرير” لقراءة الشعر والردود الاحتجاجية، وانتسبا معاً إلى تجمع “حراك لنص آخر”، ويضيف: “صفاء كان مستعداً للتضحية من أجل أصدقائه ووطنه، يحب العراق لدرجة الجنون، كان همه الوحيد أن يجد حلولاً لمشكلات الناس، وأن يساهم في التغيير”. يقول خريبط إن صفاء كان يبكي على العراق كما يبكي الطفل على أمه. وكان يهتم بأصدقائه ورفاقه وأبناء بلده ويخاطر بحياته من أجلهم: “في إحدى التظاهرات، اعتقلتني رجال ملثمون، وفيما كان الجميع يتفرج، جاء صفاء للشجار معهم والصياح عليهم، كان يطلب منهم، أن يعتقلوه هو بدلاً مني، حتى أجبرهم على اعتقاله والصعود معي في السيارة، الموقف كان خطراً، ذلك أننا لم نكن نعرف الجهة التي تخطفن. من يخاطر من أجل أصدقائه ووطنه كما فعل صفاء؟”.

وكان صفاء مولعاً بالموسيقى، لا سيما أعمال محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وطالب القره غلي وكوكب حمزة وغيرهم. قام مع مجموعة من اصدقائه بتأسيس فرقة موسيقية، سموها “فرقة البنفسج” مستوحاة من قصيدة البنفسج، للشاعر العراقي مظفر النواب. واختار العزف على العود، فيما استلم بقية زملائه الآلات الاخرى، ولم يكتمل المشروع، لعدم توفر الدعم، والمكان المناسب للتدريبات والعزف. 

إقرأوا أيضاً:

وبحزن، يبيّن علي حجم حب صفاء لمظفر النواب: “لو لم تقتل الدخانية صفاء لفعل مظفر النواب ذلك”. يروي علي كيف كان صفاء يستعين بشعر مظفر ليواسي نفسه بمصاب أمه حينما كانت تعاني من السرطان في المستشفى: “كان حزيناً على والدته، ويشعر بأنها قد تموت في أي لحظة، لأن حالتها صعبة للغاية، والسرطان كان سيطر عليها، فكان يستعين بقصائد مظفر، وهو يسير قرب ثلاجة الموتى. كان يشرح لي قصائد مظفر بطريقة يعجز عنها النقاد، يحفظ جميع ما كتبه، ويقرأ القصائد ويبكي على ثنوة الراقدة في المستشفى”. 

صفاء الذي عاش حياة قاسية للغاية، أكمل دراسته الإعدادية بمعدل عال جداً، وتخرج من الجامعة، بتفوّق، فيما لم يحصل على الدعم في حياته سوى من أمه ثنوة، التي كانت وبرغم مرضها منذ عام 2011، مشجعة ومؤازرة له. وفي المقابل كان صفاء يهتم بجميع أصدقائه، ويستوعب مشكلاتهم وظروفهم، ويتدخل لإنقاذ الجميع.

شارك صفاء في معظم التظاهرات العراقية، المعروفة منها وغير المعروفة، المركزية والمناطقية منذ عام 2011، منها تظاهرات المتقاعدين والأطباء وتظاهرات عامي 2013 و2015 ضد الفساد. شارك في تظاهرات النجف والبصرة عام 2018، وكان رمزاً وقدوة لتظاهرات تشرين الأول/أكتوبر 2019، قبل أن تقصف عمره الطري قنبلة دخانية بعد 28 يوماً من انطلاق ثورة أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، صارت صوره تملأ التظاهرات والقلوب المحتجة الهائمة في حب الحرية.

قائد الثورة وملهمها

ثورة تشرين كانت بحاجة الى قائد شاب، ملهم للآخرين. وجاء صفاء ليلعب هذا الدور الذي كلّفه حياته. لكنه كان مؤمناً بالتضحية من أجل الثورة. كان عصامياً، عمل بعد تخرجه لفترة في شارع المتنبي، حيث افترش “بسطة” لبيع الكتب، ثم عمل في كتابة العرائض، عند باب دائرة المرور في مدينة الكاظمية/ بغداد. ثم حاولت الحياة ان تبتسم له ومنحته عملاً باختصاصه في إحدى الجامعات الأهلية، لكن القنبلة الدخانية كانت أسرع من الحلم. 

بعد موت صفاء، ساهم علي حسين في جمع نصوصه وقصائده، التي كان يحتفظ بها، ومنحها لدار “تكوين”، بإشراف الروائي العراقي سنان أنطون، لطباعتها تحت عنوان “ديوان ابن ثنوة”، “كان صفاء يرسل لي بشكل دوري قصائد يكتبها ولا ينشرها، وأفعل أنا الأمر ذاته، وكان أيضاً يرسلها إلى صديقنا كرار جواد، بخاصة النصوص النثرية. عدت بالمحادثات بيني وبينه قبل أن يتم إغلاق حسابه، وجمعت كل ما ارسله لي من قصائد وذهبت بها إلى دار النشر، ليكون الديوان بمثابة تكريم وتخليد للشاب الذي عرف بعبارته الشهيرة: محد يحب العراق بكدي”. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.