fbpx

معالجة المياه الثقيلة وسياسات سكانية متوازنة…
حتى لا يموت العراق عطشاً!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد دخل العراق في نفق العطش، يهدده اللسان الملحي البحري جنوباً وتخنقه سياسات تركيا وإيران المائية شرقاً وشمالاً، وبينهما جفاف قاس ناتج عن تغير المناخ المتصاعد، ناهيك بجرائم محلية منظمة بحق كميات المياه المتوفرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احتلت الموضوعات المتعلقة بالبيئة والأزمات الناتجة عن تغير المناخ، مساحة واسعة في “ملتقى أريج السنوي للصحافة الاستقصائية العربية” في الأردن 2021. كنت واحداً من المشاركين في النقاش عن تفاقم التحديات البيئية في جلسة بعنوان: أين يلتقي التغير المناخي والنزاعات مع الصحافة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وبما أن الصحافيين يعتمدون قصصاً وروايات يومية للإجابة على مثل هذه الأسئلة الموجهة إليهم، حاولت قدر الإمكان نقل صوت سكان محليين في العراق تقاسمت معهم معاناة الحرّ والعطش أثناء عملي الصحافي الميداني. ولم أخرج بذلك عن قاعدة الرواية الصحافية التي، لا استثناء فيها، سوى أن القصة قد تحدث في اليمن أو المغرب، أو في العراق. إنما كانت معظم الحكايات المتعلقة بالمياه والبيئة التي توالدت أثناء حديثي في الجلسة، تتمحور حول العراق، وذلك بسبب قربي من تفاصيل قصص هذا البلد الذي سوف يحنّ الى اسمه القديم، بلاد الرافدين في العقود المقبلة بسبب الجفاف.

لا أتذكر بالتحديد تسلسل الصور التي نقلتها للحضور، ولكن حين سألتني إعلامية وأكاديمية أردنية بعد انتهاء الجلسة: كيف تستطيع النوم وأنت تحمل كل هذه القصص الحزينة عن البيئة والمياه؟ أدركت بأن العطش أصابنا حقاً! وبما أننا اعتدنا على القصص الحزينة وتأقلمنا معها في العراق، تجدر بنا إعادة طرح السؤال ذاته على أنفسنا بشكل آخر: كيف ننام ونحن نواجه عطشاً “عظيماً” ليس في بلاد الرافدين فحسب، بل في جميع البلدان الأخرى في العالم العربي؟ وقد لا يفيدنا الغوص في تفاصيل الحكايات التي نعيد سردها وتكرارها في جميع المناسبات، ذاك أن أسباب العطش أصبحت معروفة للجميع، منها ناتجة عن تغير المناخ، ومنها بشرية ناتجة عن سياسات مائية عدوانية تمارسها البلدان الواقعة على منابع الأنهار الدولية. 

أجدني هنا مرة أخرى، أكتب عن العراق، وفرص انتشاله من الضياع، ولا مبالغة في الكلام إن قلت انتشاله من الضياع على خارطة المنطقة، ذاك أن وجوده كجغرافيا بشرية- بيئية مهدد بالزوال حقاً. يجتاح التصحر نحو 40 في المئة من أراضيه، تهدد الملوحة الناتجة عن تناقص تدفق المياه في أنهاره وقلة الأمطار أكثر من نصف أراضيه الزراعية، وسط نمو سكاني “مفرط” إن صحت التسمية، ويقدّر أن يلامس سكان البلد 80 مليوناً عام 2050، وقد تفقد الأرض السوداء أكثر من نصف الأمطار الفصلية في التاريخ ذاته. تالياً، من أين يشرب العراق ومن أين يأكل؟ بخاصة أن سوق النفط لن يغذي البلاد ولا يمكن تبديل برميل منه ببرميل من الماء. 

لقد دخل العراق في نفق العطش، يهدده اللسان الملحي البحري جنوباً وتخنقه سياسات تركيا وإيران المائية شرقاً وشمالاً، وبينهما جفاف قاس ناتج عن تغير المناخ المتصاعد، ناهيك بجرائم محلية منظمة بحق كميات المياه المتوفرة. من مدن كُردستان القريبة من المنابع وصولاً إلى مدن الجنوب الواقعة على مصبات الأنهار، أصبح أمراً مألوفاً وعادياً أن نرى تفريغ المياه الآسنة في الأحواض الطبيعية. جميع الأحواض والمنابع والمجاري المائية التي تكونت بمقتضاها البيئة البشرية في العراق، تحولت اليوم الى مكبات للنفايات والمياه الثقيلة، بينما يمكن الاستثمار في تلك المياه العادمة وتحويلها الى مصدر ينقذ البلاد من محنته البيئية. وفي الحقيقة، ليس أمام العراق سوى إعادة صياغة وجوده وفق معطيات المياه، والمياه الآسنة ضمناً، وإلاّ تعرض الى هلاك سوف لن تنتشله فيه السرديات التاريخية والغيبيات. ما أنوي قوله هو أن سبل إدامة الحياة في ظل تغير مناخي قاس ووجود جيران أشرار، تكمن في ما تمكن تسميته “إحياء الماء في ساعة الصفر”. 

ما هو ظاهر للعيان، لن يهبط ارتفاع درجات الحرارة الناتجة عن المناخ المتغير، وذلك يعني أن موجات الجفاف والحرّ الشديد تزداد وتتكرر مرتين أو ثلاث مرات خلال عقد واحد. استمرار الجارتين، تركيا وإيران، في تعطيش العراق، بخاصة في ظل تناقص الهطول المطري في المنطقة؛ أي أن الأنهار الدولية قد تختفي جراء حبسها في السدود العملاقة التي انشأتها كل من إيران وتركيا. تالياً، ماذا يعمل العراقيون، وكيف يحمون وجودهم من الفناء؟ وقد يعد طرح مثل هذه الأسئلة على النخبة العراقية الحاكمة نوعا من العبث أو انتظار شيء يستحيل ان يحدث، ذلك انها نخبة جاهزة ومستعدة لترك البلاد متى ما شعرت بتعرض مصالحها للخطر، وهناك بطبيعة الحال من لا يتردد في تقديم العراق قرباناً في احتفالات الجيران الأشرار. لكل ذلك يفضل أن توجه المبادرات والحلول إلى الأفراد والمجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة والمدارس، الأمر الذي من شأنه أن يشكل ضغوطاً على الحكومات المحلية للحيلولة من دون استفحال النتائج المترتبة عن العطش، لا سيما أن الإدارة اللامركزية للموارد المائية وفقاً لتجارب عالمية تعتبر أفضل من الإدارة المركزية. 

إقرأوا أيضاً:

تعد معالجة المياه الثقيلة وإعادة استخدامها وسيلة ناجعة وفعالة في مواجهة الندرة والعطش، ذلك أن إعادة التدوير إضافة الى إغناء الموارد المائية المتوفرة وتوفير مياه إضافية للسقي والري والصناعة، تخلص الأحواض والمجاري الطبيعية من التلوث، كما يمكن تحويلها إلى مصدر لإنتاج الطاقة والمخصبات الزراعية. كما يمكن التطرق في سياق الحديث عن المبادرات والحلول، إلى تفعيل دور المجتمعات المحلية عبر وسائل متعددة مثل القوننة المحلية للمصادر المائية السطحية والجوفية، واستعادة الأساليب المتعارف عليها في تخزين المياه في برك جوفية، وذلك عبر حصاد الكميات المتوفرة من الهطول المطري. 

إن الطفرة السكانية التي يشهدها العراق، تزيد مسألة توفير المياه للشرب وإنتاج الغذاء صعوبة، ما يقتضي وضع الصحة الإنجابية في أولوية سياسات تأمين المياه والأمن الغذائي. فعندما نفكر بآثار تغير المناخ على الأجيال الآتية، علينا التفكير بعدد السكان الذين يأكلون، يتنقلون، يستهلكون الطاقة، يبنون، يشترون، يستخدمون ويهدرون… وكل ما يتعلق بحاجة الإنسان للحياة. وهي بمجملها نشاطات بشرية تتفاعل مع الدوافع الأساسية التي تؤدي إلى نفاد المياه، ما يدفعنا بالتالي إلى إعادة التفكير في المسألة السكانية ومعدلات الخصوبة على حساب النساء في ظل غياب الصحة الإنجابية وعدم ضمان المساواة الجندرية في الحصول على التعليم والغذاء والشرب في العراق، حيث يعاني أكثر من 25 في المئة من سكانه من الفقر اليوم. وتضاف الى كل ذلك، ضرورة استغلال المياه كمورد ثمين لا يمكن تبديله بشيء، وإلا تعرضنا جميعاً للفناء. 

إقرأوا أيضاً:

كريم شفيق - صحفي مصري | 29.03.2024

محمد جواد ظريف… حبال السلطة الصوتية في إيران بين المنع والتسريب!

ظريف، وبحسب التسريب الأخير، قام بعدّة أدوار وظيفية، ربما جعلته يتفادى هجوم الأصوليين، وجاهزيتهم للعنف والاتهامات سواء كانت بـ"الخيانة" أو "العمالة" أو "الجهل".