fbpx

إقرار المساواة في الإرث في تونس: خطوة جريئة أم معركة مؤجّلة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شهد الشارع التونسي انقساماً حاداً بشأن إعلان الرئيس السبسي انحيازه للمساواة في الإرث وتأكيده أن الدولة مرجعيّتها الدستور وليس الدّين. فهل سيمرّ اقتراح القانون في البرلمان أم ستعمد حركة النهضة الإخوانية إلى عرقلته؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أخيراً، أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عن موقفه من تقرير لجنة الحريّات الفردية والمساواة، ليُقرّ مسألة المساواة في الإرث بين الجنسين، مع ترك الحريّة لمن يريد تطبيق الشريعة. قرار اعتبره البعض ثورياً واعتبره آخرون مخالفاً للدّين. وفي انتظار أن يبُتّ البرلمان في الأمر، انقسم الشعب التونسي بين مناهض للقرار من جهة ومؤيّد له من جهة أخرى، وعبّر كل من الطرفين عن رأيه بالنزول إلى الشارع.

تظاهرة داعمة للمساواة في الإرث – الصورة لأيمن الطويهري

يومان فقط فصلا التظاهرة المناهضة للتقرير التي نظّمتها جمعيّات دينية، عن أخرى نظّمتها أكثر من 30 جمعيّة حقوقية يوم الاحتفال بعيد المرأة التونسية في 13 آب/ أغسطس 2018. حاول الجانبان خلال هاتين التظاهرتين حشد مناصريهما، وكل فريق ادّعى أنه يمثّل الشعب التونسي الذي بقي في مجمله غائباً عن هذه المعركة، وغير واعٍ لحقيقة التحدّيات المطروحة، نتيجة غياب جدل حقيقي داخل المجتمع وحملات توعويّة للتعريف بالتقرير وما جاء فيه.

راهن الطرفان على حجم الحضور الذي جاء تقريباً متقارباً. ففي كل تظاهرة، لم يتجاوز عدد المشاركين 3000 شخص.
اختار الشق الأول المناهض للتقرير، يوم السبت 11 آب للتظاهر، أي قبل يومين من إعلان رئيس الجمهورية موقفه من تقرير لجنة الحريّات الفردية والمساواة، وذلك في محاولة للتأثير في الرأي العام وفي الرئيس نفسه عبر إحراجه، من خلال التركيز على عدم تلاؤم محتوى التقرير مع الشريعة الإسلامية. تجمّع المتظاهرون الذين تم استقدامهم بحافلات من مختلف أنحاء الجمهورية في ساحة باردو أمام البرلمان ورفعوا شعارات من قبيل “أحكام المواريث خط أحمر” أو “تقرير اللجنة، دعوة للفتنة وخراب الأسرة”. لم تحط من عزيمتهم شمس آب الحارقة وهم يردّدون “نحن على حق! حق! هذه اللّجنة… خاطئة” بنغمة تذكر بفيلم “الرسالة” حين يطوف “الكفّار” حول الكعبة وهم يردّدون “نحن غرابا عك عك!”.

تظاهرة معارضة للمساواة في الإرث

نزل الشق الثاني المساند للتقرير مساء يوم 13 آب إلى شارع الحبيب بورقيبة، رمز الثورة التونسية. كان أكثر المتظاهرين من النساء اللواتي جئن يحتفلن بعيدهن ويساندن التقرير الذي جاءت فيه مكاسب جديدة للمرأة من قبيل المساواة في الإرث وإلغاء قوامة الرجل على العائلة. ازدان الشارع باللّون الأحمر للعلم التونسي وتعالت الشعارات مثل “المساواة في الإرث حق”، “لا فتوى لا استفتاء على حقوق النساء” و”حقوقنا كونية لا تمييز ولا دونية”. كان من المنتظر أن يكون العدد أكبر، نظراً إلى الحملة الشعواء التي شنّها معارضو التقرير على اللّجنة وعلى كل المشروع الحداثي التونسي الذي أقرّه الزعيم الراحل بورقيبة. لكن الاختلافات بين الأحزاب التي تسمّي نفسها “بالحداثية” حول محتوى التقرير، وبخاصة حول مسألة المساواة في الإرث، ضعّفت من موقف الحداثيين وأبرزت انقسامهم.

انقسام في الجبهة الحداثية

الانقسام ظهر أيضاً في ردود الفعل إزاء خطاب رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، بين من اعتبر إقراره المساواة في الإرث حدثاً تاريخياً وبين من عدّ ذلك خطوة منقوصة، بما أنه سلّم المسألة في يد البرلمان، حيث تحتلّ حركة النهضة الإسلامية موقعاً قوياً ويمكن أن تعطّل مرور القانون.
نائلة السليني، أستاذة الحضارة الإسلامية والناشطة الحقوقية، التي التقيناها في تظاهرة 13 آب، لم تستبشر كثيراً بقرار رئيس الجمهمورية، فبالنسبة إليها، القرار لم يضف شيئاً إلى الواقع الذي تعيشه المرأة التونسية في مسألة الميراث، “ما يحصل حالياً على أرض الواقع هو أن الأب الذي يريد تطبيق المساواة يكتب ذلك في وصيّته قبل موته، ومن لا يريد ذلك، فإنه يحتكم إلى القانون التونسي في صيغته الحالية والذي يكرّس التمييز، فما الذي سيتغير؟”.

لا يشاطرها الرأي، هادي يحمد، باحث في الجماعات الإسلامية وناشط حقوقي، الذي يعتبر أن ما أعلن عنه السبسي هو حقاً مكسب جديد للمرأة. “لقد حصلت النساء في تونس أخيراً على الحق في المساواة مع الرجل في الإرث وهو ما ناضلن من أجله طويلاً، ولا أظن أن مشروع القانون الذي سيعرضه الرئيس على البرلمان لإقرار هذا المبدأ سيكون مختلفاً عما تم الإعلان عنه”.

خطاب الرئيس وفن المراوغة

تابع التونسيون باهتمام كبير خطاب الرئيس الباجي قايد السبسي، الذي أعلن خلاله عن موقفه من تقرير لجنة الحريّات الفردية والمساواة، لجنة كان أطلقها سنة 2017 للبحث في مسألة المساواة في الإرث. سبق الخطاب تجييش كبير وتحشيد من قبل الجمعيات الدينية ضد التقرير واللّجنة التي أعدّته، وصل إلى حد الدعوة إلى التكفير والقتل. واستغلّ المناهضون المساجد والساحات العامة، إلى درجة أن أحد الأحزاب طلب من مناصريه أداء الصلاة في شارع الحبيب بورقيبة، كتدليل على الطابع الإسلامي للدولة، أمام أعين المارة المذهولة. وقبل عيد المرأة بيومين، قدّمت حركة النهضة رسالة إلى رئيس الجمهورية ضمّنت فيها موقفها من تقرير اللجنة، معبّرة عن احترازها من بعض النقاط وأهمّها مسألة المساواة في الإرث.

كل هذا خلق مناخاً من الضغط على الباجي قايد السبسي وجعل أنظار التونسيين تتّجه إليه يوم ألقى خطابه صبيحة عيد المرأة. بدهائه السياسي المعتاد وقدرته على التملّص من المواقف الحرجة، اختار الرئيس أن يبدأ كلمته بمقدّمة طويلة عن الدستور وسموّه على كل القوانين وضرورة احترام ما جاء فيه، وهو الذي نص في فصله 21 على أن “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من دون تمييز”، مشدّداً على دوره كرئيس للجمهورية في تطبيق الدستور. كما ذكّر السبسي أيضاً بالطابع المدني للدولة الوارد في الفصل الثاني من الدستور، متعمّداً إغفال الفصل الأول الذي يقول إن تونس دولة “الإسلام دينها”. ولم يفته أن يُحمّل المسؤولية للنهضة، مذكّراً بمشاركتها الفعلية في صياغة دستور البلاد والموافقة على ما جاء فيه. ثم انتهى أخيراً إلى إعلان اعتماده مبدأ المساواة في الإرث وتحويله إلى قانون ستتم إحالته إلى التصويت في البرلمان، مع ترك حرية الاختيار لمن يريد الاحتكام إلى الشريعة. وبهذا استطاع السبسي أن يضرب عصفورين بحجر واحد: أن يتملّص من المسؤولية الكاملة في قراره بتحويل مشروع القانون إلى المصادقة في البرلمان، وأن يسجّل نقاطاً انتخابية استعداداً للانتخابات المقبلة في أواخر 2019، بخاصة عند النساء اللّواتي انتخبنه في 2014 وأعطينه مليون صوت. ولكن يبقى هدفه الأكبر هو تسجيل اسمه في التاريخ، كما فعل الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عندما أصدر مجلّة الأحوال الشخصية في 13 آب 1956. إلا أن السبسي أغفل في خطابه تماماً كل الجزء المتعلق بالحريات الفردية في التقرير، ومنها إلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء تجريم المثلية الجنسية، بحجة أنه يحتاج إلى تعميق النقاش حوله داخل المجتمع.

ماذا بعد؟

من جهة ثانية، لم تخفِ حركة النهضة اعتراضها على خطاب الرئيس، ففي تصريح للمتحدّث باسمها، عماد الخميري، لإحدى الإذاعات الخاصة، أكّد أن “الحركة تعتبر أن مسألة المساواة في الإرث تحتاج إلى حوار واستشارة ولا يمكن الحسم فيها بهذه السرعة”.
ووفق متابعين، إن النهضة لا تنوي ترك السبسي وحزبه يسجّلون نقاطاً على حسابها في هذه المسألة، لذلك قد تضع كل ثقلها في البرلمان لإعطاء القانون صيغة ترضيها وترضي قواعدها الانتخابية، وإلا فلن تدعه يمرّ.
بقي الآن أن ننتظر الصيغة التي سيكرّسها القانون بمعنى: هل الأصل هي المساواة في الإرث والاستثناء هو الاحتكام إلى الشريعة أم العكس؟
يُذكر أن لجنة الحريّات الفردية والمساواة سلّمت تقريرها إلى رئيس الجمهورية يوم 8 حزيران/ يونيو 2018 وجاء فيه مشروعا قانونين: الأوّل حول إحداث “مجلّة الحقوق والحريّات الفردية” والثاني حول “القضاء على التمييز ضد المرأة وبين الأطفال”. وهي مشاريع قوانين تحتوي على نصوص ثورية تكرّس المساواة التامة بين الجنسين داخل الأسرة وتضمن حريات مثل الحق في الحياة وفي حريّة المعتقد والحق في الحرمة الجسدية.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.