fbpx

عن محاكمات علاء عبد الفتاح ورفاقه:
هذا ليس فيلماً لإمير! كوستوريتسا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

لم ير المعارضون اليوغسلاف في “تحت الأرض” الشمس لربع قرن، وعلاء عبد الفتاح الآن بعد الحكم عليه، سيمضي أعواماً جديدة داخل السجن ممنوعاً من التريض ورؤية الشمس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يختلط المشهد المصري بكثافة مع مشاهد فيلم “تحت الأرض” للمخرج الصربي إمير كوستوريتسا، الذي زار مصر قبل أيام قليلة من إعلان الحكم على الناشط المصري علاء عبد الفتاح بالسجن خمس سنوات، والمحامي الحقوقي محمد الباقر بأربع سنوات، والصحافي محمد أوكسجين بأربع سنوات، ليتم عزلهم سنوات إضافية في سجن شديد الحراسة 2، في مجمع سجون طرة.

مصادفة زيارة كوستوريتسا في أوج محاكمات نشطاء “تحت الأرض” يشبه زيارة مخرج لفيلمه، بعد 26 عاماً من إنتاجه، زيارة داخل بلد آخر ذابت فيه الفروق الزمانية والمكانية بينه وبين “مملكة يوغسلافيا السابقة”، حين حكم تيتو  وجيشه الأحمر  الشعب بالحديد والنار وعزل المعارضة لأكثر من ربع قرن.

 أنتجت فترة العزل القسرية  للمعارضة في مملكة يوغسلافيا السابقة قصصاً قد يتصور المشاهدون أنها من وحي خيال المؤلف، لكن إن تركنا المساحة الكاملة للشك في واقعية مشاهد فيلم إمير كوستوريتسا، فهنا والآن، في مصر يمكنك أن تَعبُر من داخل الفيلم إلى واقع أحداثه الحية والطازجة، ليس عليك سوى أن تحجز تذكرتك إلى مصر  وتسأل عما يحدث في مجمع سجون طرة والقناطر ووادي النطرون بل وفي المجال العام كله.

كواليس ما قبل كتابة بداية السيناريو 

لم يعلن الجيش المصري ومجلسه العسكري عن عداوات واضحة للتيار المدني والمعارضة المصرية وقت ثورة يناير وبعدها، حتى حكم الإخوان المسلمون مصر، ورغم المحاكمات العسكرية للمدنيين واصطيادهم كالفراشات من داخل المظاهرات، إلا أن التحضير للسيناريو الجاهز للعرض والإثارة كان مدروساً، يحتفى الجيش بصوت الشباب الثائر تارة وتارة أخرى يدعوهم لساحته كأصوات مسموعة من الشعب كي يكسر بهم خصومة من الإخوان، ويشترى ذمم معارضين آخرين ليبني صورتان عن المعارضة “المعارضة الوطنية والمعارضة غير الوطنية” ليكون مصير “غير الوطنية”في نظره، العزل الكامل، ليس من ممارسة السياسة وحسب، بل من الظهور فوق سطح الأرض.

علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وهيثم محمدين ومحمد الباقر وغيرهم عشرات الآلاف كانوا أفراداً يتم تجهيزهم في سيناريو الجيش الأخضر المصري ليؤدوا أدوار اً لأشباح أبطال، ماتوا نظرياً وغير مسموح لهم أن يظنوا أنهم على قيد الحياة. 

أحمد دومة معتقل منذ عام 2013 حتى الآن وانقطعت أخباره عدا خبر الغرامة المالية المفروضة عليه شريطة إطلاق سراحه وقيمتها 330 ألف دولار أميركي، وعلاء عبد الفتاح لم يمض خارج السجن من عام 2011 سوى عامين حتى الآن، إلى عشرات آلاف النشطاء الذين انقطعت أخبارهم وعُلّقت مصائرهم.

إقرأوا أيضاً:

الفيلم الصربي ببصمة مصرية

كما فعل الجيش الأحمر وتيتو بإيهام الشعب يوغسلافيا بأن المعركة ضد “أعداء الدولة” لم تنتهِ برحيل الاحتلال الألماني، اقنع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شعبه بأن معركة حماية الدولة لن تنتهي برحيل الإخوان، وكل ما يحاول التشكيك في هذا معرض لاتهامات جاهزة “نشر أخبار كاذبة ومحاولة زعزعة نظام الحكم” .

وفي الحرب “كل الوسائل مشروعة” ولا آذان صاغية لتشريعات قانونية حقوقية، محلية ودولية، حتى الصوت الذي قال أن ما يحدث في سيناء ليس حرباً على الإرهاب بل جرائم حرب ضد مدنيين وتهجير قسري تم اعتقاله وإخفاؤه… كالصحافي إسماعيل الإسكندراني المنسي منذ عام 2015.

جمد “تيتو” عقول الشعب بالخوف وجمّد المعارضة بمحاولة زعزعة إيمانها السياسي، لتظهر في فيلم إمير كوستوريتسا معارضة مشدودة بحبال متينة أطرافها في يد تيتو، لن تتسلق الحبال لتخرج، لأن خروجها فوق سطح الأرض لن يعني سوى اغتيالها.

لم ير المعارضون اليوغسلاف في “تحت الأرض” الشمس لربع قرن، وعلاء عبد الفتاح الآن بعد الحكم عليه، سيمضي أعواماً جديدةاً داخل السجن ممنوعاً من التريض ورؤية الشمس.

مواقع التصوير حقيقية ولا تمت للسينما بصلة

قابلت الدكتورة ليلى سويف بعد الحكم على ابنها علاء عبد الفتاح بالسجن خمس سنوات، كانت عائدة لتوها من زيارة استثنائية لعلاء بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان- وهنا مفارقة أخرى-  تحكي ليلى سويف التي اعتادت الجلوس على رصيف سجن طرة لسنوات لمحاولة زيارة ابنها المعتقل السياسي، “اليوم كانوا يخرجون علاء للزيارة ويتعاملون معه معاملة المجرم شديد الخطورة، لدرجة أنهم خافوا خروجه وسط مساجين آخرين ينتظرون ذويهم للزيارة الاستثنائية، افرغوا عنبر الزيارات كله حتى يخرج علاء وحده للزيارة السريعة”.

تحفظ ليلى سويف الكادرات الكئيبة لسجن طرة شديد الحراسة 2 جيداً من الخارج، وتعلم أن ابنها هناك، لا يعلم الوقت ولا الأيام ولا الأخبار “ممنوع يكون معاه ساعة، ممنوع يعرف الوقت ممنوع حتى يقرأ جرائد النظام“، وكأنها داخل كادر موازٍ لأماكن عزل المعارضين في بلغراد، حيث كان “ماركو” المؤيد لتيتو يلعب في عقارب الساعة يومياً ويؤخر الزمن كي لا يشعر المعارضون المعزولون تحت الأرض أن السنوات تمضي وأكلت من أعمارهم ربع قرن، حتى يفاجأوا بعد خروجهم بأنه لم تعد هناك دولة اسمها يوغسلافيا.

الأبواق… آلات موسيقية للتحفيز على الفُرجة 

المشهد الأكثر شهرة في فيلم “تحت الأرض” هو الفرقة التى تمضي دائماً في ذيل “بلاكي” المعارض اليوغسلافي، يعزفون بالأبواق بصوت عال، يشوشون على كل ما يقال، ويوهمون الجميع بالوضع السعيد.

 في الكادر المصري، الأبواق كانت أكثر إثارة، بخاصة بعد الصور والبيانات التي أصدرتها وزارة الداخلية ونشرتها الصحف المصرية، عن أن السجون في مصر أصبحت خمس نجوم، تشمل هذه الصورة مشهداً لسجين يرسم بورتريه لطبيعة مفتوحة وهو  يجلس أمام حائط صلد، وأماكن رياضة وصالات للتمارين البدنية، ومكتبة كبيرة تحوي آلاف الكتب، لكن هذا الصوت الخفيض الآن لعلاء عبد الفتاح قد يصير مسموعاً على نطاق أوسع في كتابه الذي يحوي سلسلة مقالات منشورة له، يقول “أنا في السجن لأن السلطة ترغب في أن تجعل منا عبرة. لنكن عبرة إذن ولكن بإرادتنا. الحرب ضد المعنى لم تحسم بعد في بقية العالم . لنكن عبرة لا فزاعة، لنتواصل مع العالم مجدداً، لا للاستغاثة ولا للبكاء على اطلال أو لبن مسكوب وإنما لاستنباط دروس وتلخيص خبرات وتكثيف مشاهدات عساها تفيد المناضلين في زمن ما بعد الحقيقة”.

لم يتوقع أحد من إمير  كوستوريتسا أن يعلق في مهرجان القاهرة السينمائي على الوضع السياسي في بلد يستضيفه رسمياً، لكنه لم يشأ أن تنتهي زيارته دون جملة اعتراضية، قال: “في مصر رأيت الوحش ولم أرَ الجميلة”.

 قد تكون جملته تعليقاً على وضع المرور والكباري أو العشوائية أو أي شيء لا يحمل معنى سياسياً مباشراً، لكنها كانت جملة كافية لوصف الوضع ببساطة، حتى وإن لم يعلمه أحد أن سيناريو فيلمه “تحت الأرض” يتكرر من جديد على مسافة ساعة من مهرجان القاهرة السينمائي. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.