fbpx

الأيادي على الزناد… هل تتأجّل الانتخابات الليبية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو الوضع عموماً في ليبيا شديد الضبابية والتعقيد، لكن الصورة التي رسختها الأحداث الأمنية والسياسية على مدى الأشهر الماضية وقبل بضعة أيام من الانتخابات الرئاسية، تشير إلى أن الاستحقاق الانتخابي تتجه إلى التأجيل، بينما يبقي الجميع أياديه على الزناد.  

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بضعة أيام تفصل الليبيين عن أول انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد، وهو استحقاق مفصلي في خارطة سياسية مربكة تُشكل وفق واضعيها محلياً ودولياً خلاصاً لليبيا من عشر سنوات من الفوضى والاقتتال وتؤسس لبناء دولة مدنية ديموقراطية، بينما ينظر إليها آخرون على أنها قد تنهي أزمة وتفتح الباب على مصراعيه لأزمات أشدّ في ظل خلافات وانقسامات متناثرة وسلاح عشوائي، إذا قدّر لها أن تتم في موعدها المحدد.

وترخي الانقسامات والتجاذبات بين الفرقاء الليبيين بظلال من الشك حول إتمام الاستحقاق الانتخابي في موعده المقرر في 24 كانون الأول/ ديسمبر، بينما لا تملك القوى الغربية المتدخلة في الأزمة والداعمة للعملية السياسية إلا التلويح بسيف العقوبات على معطلي المسار الانتخابي.

وبينما يفترض أن يتوجه الليبيون إلى صناديق الاقتراع بعد أيام قليلة تبدو أيادي الميليشيات وأمراء الحرب على الزناد استباقاً للانتخابات أو انتظاراً لنتائجها إذا ما قدر لها أن تنجز.

وتجمع مؤشرات على أن الانتخابات سائرة إلى التأجيل لا محالة في ظل عقبات قانونية وسياسية وأخرى لوجستية وفنية على رغم نفي المفوضية العليا للانتخابات ذلك.

إلا أنه وقبل أيام قليلة من الاستحقاق الانتخابي لم تنشر المفوضية القائمة النهائية للمرشحين بعد طعون في أهلية عدد منهم وردود على تلك الطعون، بما أعاد ثلاثة من أبرز المرشحين لسباق الرئاسة وهم على التوالي سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وخليفة حفتر رجل الشرق القوي الذي يقود الجيش الوطني وهو من أكبر التشكيلات العسكرية التي لا تفارق أياديها الزناد، انتظاراً لمآلات الانتخابات.

كما أعاد قرار قضائي رئيس حكومة الوحدة الوطنية (السلطة الانتقالية) عبدالحميد الدبيبة إلى سباق الرئاسة بعد طعن في أهليته لأنه لم يتخلَّ عن منصبه كرئيس للحكومة قبل الموعد القانوني المحدد أي قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات.    

وفي مؤشر على أن الاستحقاق الانتخابي سائر إلى التأجيل ربما لشهرين أو ثلاثة، قال المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند في مؤتمر صحافي في العاصمة الليبية طرابلس، إنه “لا توجد عوائق فنية أمام إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، لكن العقبات سياسية وقانونية”.

بينما يفترض أن يتوجه الليبيون إلى صناديق الاقتراع بعد أيام قليلة تبدو أيادي الميليشيات وأمراء الحرب على الزناد استباقاً للانتخابات أو انتظاراً لنتائجها إذا ما قدر لها أن تنجز.

وقبل تصريحات نورلاند صدرت عن المفوضية العليا للانتخابات واللجنة البرلمانية المكلفة بمتابعة الانتخابات، تصريحات متناقضة.

وقال رئيس المفوضية عماد السايح إن المفوضية “ليست لديها مشكلة فنية في إجراء الانتخابات بموعدها”، مشيراً إلى أنه في حال تقرر التأجيل، فإن مجلس النواب وحده من يعلن ذلك لا المفوضية.

وجاء ذلك رداً على رئيس اللجنة البرلمانية الهادي الصغير الذي صرّح لقناة “فبراير” المحلية الخاصة بأن “تأجيل الانتخابات أمر محسوم وواقع”.

ويبدو واضحاً أن ثمة قناعة لدى الكثير من الفاعلين السياسيين في ليبيا بأن الانتخابات لن تنجز في موعدها، لكن لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية الإعلان عن ذلك بما يترك الباب مفتوحاً لكل التأويلات حتى يحل الموعد، من دون أن تنفذ السلطة الانتقالية تعهداتها بإنجاز الانتخابات وحتى لا تلام على ذلك باعتبار أن العراقيل تتجاوز إرادتها.

وحالة التداخل والتشابك في الوضع الليبي الراهن بأبعاده السياسية والأمنية، تستدعي ضرورة الوقوف عند أكثر من علامة استفهام، سبقت مؤتمر باريس الذي عقد في تشرين الثاني/ نوفمبر وتأججت بعده على رغم وجود إجماع دولي على اعتبار الانتخابات هدفاً ومخرجاً للأزمة السياسية وأساساً لبناء الدولة، فيما يبدو المسار أشبه بحقل ألغام، فكيف يمكن أن تكون خواتمه انتخابات رئاسية وتشريعية في ظل انقسامات وخلافات لا تهدأ وأي دور يمكن أن تلعبه القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا لتعديل كفة التوازنات في مشهد شديد الاختلال؟ 

وإذا سلمنا جدلاً بأن الفرقاء الليبيين سيتجاوزن الخلافات حول القاعدة الدستورية والقانون الانتخابي وكلاهما فجر معركة قبل أشهر قليلة من الانتخابات، فأي ضمانات يمكن أن تُحصن منجزاً ديموقراطياً يبدو هشاً؟ 

وهل تكفي أيام معدودة لتهيئة مناخ ملائم دستورياً وأمنياً ولوجستياً لإتمام الانتخابات في موعدها؟ ثم هل ستستجيب القوى الأجنبية المتدخلة في الأزمة وبعضها شارك في مؤتمر باريس، لدعوات سحب قواتها ومرتزقتها؟ وماذا عن معضلة الميليشيات المنفلتة وترسانة السلاح التي بحوزتها ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين التي تهيمن على غرب ليبيا وتحظى بدعم تركيا التي تنشر قوات على الأرض الليبية وآلاف من المرتزقة السوريين في قواعد عسكرية.

الوضع بتجلياته وبتداخلاته يستدعي قراءة متأنية لملامح المرحلة الحالية في ليبيا، إلى وصولاً إلى الهدف الذي تدفع نحوه القوى الدولية والإقليمية وهو انجاز الانتخابات في موعدها.

والشكوك حول تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا كانت قائمة أصلاً في الفترة الأخيرة مع تفجر خلافات وتوترات بين طرفي النزاع (شرق ليبيا وغربها) حول قانون الانتخابات والقاعدة الدستورية وتجلت في سجالات واتهامات متبادلة بين رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري. 

وقد رجح خالد المشري (وهو قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين) بعد يوم واحد من مؤتمر باريس، تأجيل الانتخابات ثلاثة أشهر أخرى من أجل التوافق على قوانين الانتخابات.

وثمة معضلة أخرى تثقل الاستحقاق الانتخابي في ظل وجود ميليشيات محلية مسلحة سواء في شرق ليبيا أو غربها، داعمة لطرفي الصراع. وفي حال إتمام الاستحقاق الانتخابي قبل توحيد مؤسسات الدولة ولجم سلاح تلك الميليشيات، تبقى الأبواب مفتوحة على كل السيناريوات بما يجعل من الانتخابات، أنجزت في موعدها أم لم تنجز، حلاً لإنهاء أزمة ومساراً لتفجير أزمات.

ومن غير الوارد أن تتخلى الميليشيات بمختلف توجهاتها عن سلاحها، لكن قد يسار في النهاية إلى حل مشابه لما تم تطبيقه في العراق حين تم دمج ميليشيات “الحشد الشعبي” في القوات الأمنية والعسكرية، لكن هذا السيناريو ينطوي في حدّ ذاته على مخاطر على غرار التجربة العراقية، حيث تحول الحشد إلى دولة داخل الدولة.

وتُسلط حوادث أمنية في الفترة الأخيرة، الضوء على مآلات الوضع مستقبلاً، أُنجزت الانتخابات أم لم تنجز.

وكانت البداية حين طوقت قوة عسكرية تابعة لحفتر مقر محكمة في سبها ومنعت المرشح سيف الإسلام من الطعن في قرار استبعاده من السباق الرئاسي وتكررت العملية التي أدانتها حينها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وقوى عربية وغربية أخرى.

وكشفت تلك الحادثة أن حفتر الذي تنحى من منصبه موقتاً وأحال مسؤولية قيادة قوات الشرق إلى نائبه، مستعد لاستخدم السلاح مجدداً في حال منحت صناديق الاقتراع الرئاسية لغيره.

وتعددت الحوادث الأمنية التي عززت فرضية أن الانتخابات الرئاسية وأيضاً التشريعية، لن تكون الترياق المنشود لإنهاء الأزمة طالما غاب التوافق بين القوى المتنازعة.

إقرأوا أيضاً:

وفي واقعة أخرى قامت قوة مسلحة بالاستيلاء على بطاقات الناخبين من مراكز اقتراع، في حادثة حضر فيها السلاح بقوة.

كما طوقت تشكيلات مسلحة مقرات حكومية وسط أنباء عن محاولة اقتحام مقر مجلس الوزراء في العاصمة طرابلس وهي تشكيلات تابعة لوزارة الدفاع وأخرى لوزارة الداخلية، وذلك رفضاً لإقالة المجلس الرئاسي (الذي يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة) مسؤول عسكري وتعيين آخر.

وكان قام أفراد من حرس المنشآت النفطية بإغلاق أربع حقول بالقوة وقطع الوصل بينها وبين موانئ رئيسية لتصدير النفط وهو الشريان المالي الوحيد للبلاد، في عملية ابتزاز واضحة وفي مؤشر على أن السلاح لن يغيب عن الساحة الليبية في كل الحالات وهو المنطق الغالب في مشهد شديد الضبابية والإرباك.

عبدالحميد الدبيبة أحد المرشحين الذي يخوض السباق الرئاسي برصيد شعبي كبير بعد حملة دعاية تميزت بسخاء مالي لمصلحة فئات أبرزها الشباب وذلك حين كان رئيساً للحكومة، قبل أن يفوض نائبه موقتاً برئاسته، يبقي بدوره على مفاتيح إدارة البلاد بيده تحسباً لخسارة الانتخابات.

ويحظى الدبيبة وفق بعض التسريبات بدعم غربي وأممي وأيضاً بدعم من القوات والميليشيات المسلحة في مصراتة، التي تبدو كدولة داخل الدولة ولها ثقل انتخابي وتمتلك ترسانة ضخمة من السلاح، لكن هناك في المقابل اعتراضات كبيرة على ترشحه، علماً أنه كان تعهد بعدم الترشح ثم نقض تعهداته. 

وبالنسبة إلى سيف الإسلام الذي كان له حضور قوي في سبها التي كانت عاصمة منطقة فزان في جنوب غربي البلاد، فثمة اعتراضات قوية أيضاً على ترشحه بالنظر إلى إرث النظام السابق وما نسب إليه من جرائم بحق الليبيين. 

ويقول سيف الإسلام إن المسلحين الذين اعتقلوه في الزنتان وأفرجوا عنه بعد سنوات من الاحتجاز، أصبحوا أصدقاءه كما لايزال مسلحون من كتائب القذافي ينشطون في ليبيا أو يحتفظون بوجود مسلح قوي.

وثمة مرشح آخر يبدو إلى حدّ الآن توافقياً، وهو من داعمي المصالحة الوطنية وهو وزير الداخلية الليبي السابق في حكومة الوفاق الليبية السابقة، فتحي باشاغا الذي نجح في الاحتفاظ بقدر كبير من الدعم العسكري والأمني، على رغم تركه منصبه.

إلا أن باشاغا تعرض لأكثر من محاولة اغتيال وهي في حدّ ذاتها من المؤشرات السلبية التي تشير إلى رفض مشحون بقوة السلاح لأن يكون رئيس ليبيا المقبل.

كثر من المرشحين الآخرين غير معروفين بشكل وازن إلا محلياً باستثناء عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الذي لعب دوراً مفصلياً في تفصيل قانون الانتخابات المثير للجدل وهو أيضاً مرشح خلافي لا يحظى بدرجة كبيرة من القبول الشعبي، إلا في بعض المناطق التي يتحدر منها.    

ويبدو الوضع عموماً في ليبيا شديد الضبابية والتعقيد، لكن الصورة التي رسختها الأحداث الأمنية والسياسية على مدى الأشهر الماضية وقبل بضعة أيام من الانتخابات الرئاسية، تشير إلى أن الاستحقاق الانتخابي تتجه إلى التأجيل، بينما يبقي الجميع أياديه على الزناد.  

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.