fbpx

عام على جريمة إحراق المراهقة اللبنانية زينب الحسيني:
تدخلات سياسية وارتباك قضائي وترهيب محامي الضحية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كيف يمكن لأناس في حيّ أن يعرفوا بوجود طفلة بعمر الرابعة عشرة في شقة كهذه وتتعرض لما تعرضت له وأن يمرّ الأمر عادياً؟ أين القوى الأمنية وأين قوى الأمر الواقع؟ هناك شيء غير طبيعي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل عام وثلاثة أشهر بدأ عاطف الحسيني معركته لمعاقبة قتلة ابنته زينب، بالقانون. واجه بداية مجتمعاً تقليدياً يحتضن القتلة ويجلد الضحية حتى بعد قتلها بأفظع الطرق. “هو مجتمع أشفق على كل أنثى تعيش فيه”، يقول الوالد لـ”درج”. واليوم، وبعد محاولات طمس جريمة إحراق طفلته وسلبها حقها بالحياة، نجح الوالد عبر فضح الجريمة إعلامياً بإحراج المعنيين، والدفع لتسلك القضية مسارها القضائي، وإن أبطأته تدخلات سياسية تحدث عنها سابقاً، ومحاولات العرقلة وقلة مهنية العناصر الأمنية التي حققت بالجريمة وجمعت الأدلة. وتكلل نجاحه مؤخراً في الاستحصال على تقرير الدفاع المدني عن الحريق الذي، بعد أكثر 14 شهراً من الانتظار، رغم أهميته في القضية.

يجلس اليوم خلف القضبان 6 شبان ارتكبوا جرائم مروعة بحق ابنة الأربعة عشر عاماً، بينهم علي سبيتي، الذي رمى عليها مادة البنزين لرفضها التجاوب معه، ومن ثم أشعل النار بجسدها، أغلق عليها باب الغرفة ورحل تاركاً إياها تحتضر وتصرخ فيما تأكل النيران لحمها. واليوم، لا يبدو القاتل نادماً على جريمته أو مدركاً فظاعتها، بل وكأنه يخطط لغيرها، إذ وبدل أن يطأطئ رأسه خجلاً من عاره، ذهب حد تهديد المحامي الموكل بمتابعة القضية من قبل عائلة الضحية، واصف الحركة، لحثه على التراجع عنها، وفق ما يؤكده الحركة لـ”درج”. حصل ذلك خلال جلسة التحقيق التي جرت مؤخراً “في مكتب قاضي التحقيق نديم الناشف وأمامه”، بحسب المحامي. 

يفيد الحسيني بأن والدة سبيتي عمدت وقبل الدخول إلى جلسة المحاكمة إلى الصراخ بوجه الحركة ومحاولة استفزازه، بينما كان يتمنى على محامي الدفاع عن القاتل رد الوالدة عنه. بل وذهبت أبعد من ذلك فتهجمت على والد الضحية ووجهت له كلاماً قاسياً.

أكثر من 14 شهراً في انتظار تقرير الدفاع المدني

التطور الأهم، هو صدور تقرير الدفاع المدني في القضية، والذي كان يفترض أن يرفق بتقرير لمخابرات الجيش مع محاضر التحقيقات التي أجرتها القوى الأمنية في مسرح الجريمة قبل أكثر من سنة، إنما يقول الحركة إن التقرير لم يكن مفصّلاً، “لكنه رجّح في فقرته الأخيرة أن القاتل رمى البنزين وأشعل النار وأقفل باب الغرفة”. 

وقعت هذه الجريمة المروعة، في أيلول/ سبتمبر 2020، داخل إحدى الشقق في حيّ سكنيّ مكتظّ في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأريد لها أن تطمس، أن تبدو وكأنها “قضاء وقدر”. واستباقاً لأيّ تحقيق راح مقربون من القتلة ينشرون في المنطقة قصصاً مضللة تحمي أبناءهم وتصف الطفلة بأبشع الأوصاف. أما الجيش اللبناني فأصدر بياناً، بعيد الجريمة، يوحي وكأن إحراق الطفلة لم يكن جريمة متعمدة متهماً إياها بالتسبب بخلاف بين شابين. وهو ما جعل الأمر يمر كخبر عادي في بعض الإعلام، قبل أن يفضح الوالد الجريمة ويفشل محاولات طمسها.

12 يوماً في قبضة مجرمين والأجهزة الأمنية لم تتحرك

بإصرار من الوالد، وبعد لجوئه للإعلام توسعت التحقيقات، لتفضح سلسلة جرائم فظيعة ارتكبت بحق الطفلة من قبل مجموعة من شبان المنطقة، على مرأى ومسمع من الجيران ومن دون تدخل من أحد. 

كابوس طويل عاشته زينب خلال 12 يوماً غابت فيها عن منزلها مكرهة. أبلغ الوالد القوى الأمنية باختفاء ابنته، لكن القوى الأمنية لم تكن مهتمة بالبحث عن الطفلة، ولم تبذل جهداً جدياً لذلك. بل ترك الشبان ليطلقوا العنان لوحشيتهم ويرتكبوا ما شاؤوا من جرائم بحق طفلة وجدوا فيها صيداً سهلاً، قبل أن تتصل القوى الأمنية بالوالد وتدعوه ليتعرف Yلى جثة ابنته المتفحمة، بعدما محا الحريق ملامحها.

شكلت هذه الجريمة مؤشراً مقلقاً حول جرائم قتل النساء في لبنان ومحاولات إظهارها كحوادث عرضية. وطرحت سؤالاً حول نسبة النساء اللواتي يقتلن ولا يحاسب قتلتهن في ظل مؤسسات أمنية تتحكم بها العقلية الذكورية التي تبرر قتلهن، وكذلك الفساد وقلة الخبرة وضعف الحرفية في التحقيق، وهو ما دفعت الطفلة حياتها ثمناً له. فلو بذلت القوى الأمنية جهداً للبحث عن زينب ربما لكانت عادت إلى أهلها.  وتطرح القضية سؤالاً إضافياً حول تعاطي لبنان مع قضايا الاتجار بالأطفال وحماية الأحداث. 

استُدرجت، اغتُصبت، ابتزّت وقُتلت

 في التحقيقات بدأت تتكشف الفظائع التي ارتكبت بحق الطفلة. اتضح أنها تعرفت إلى أحد الشبان الموقوفين من آل السباعي عبر تطبيق على هاتفها، فأقدم مع غيره على استدراجها إلى إحدى الشقق واغتصبها بعد تخديرها. استيقظت الطفلة لتجد أنها فقدت “غشاء البكارة”. بعد جريمته، عمد المغتصب مع غيره من الشبان إلى ابتزاز الضحية بالأمر وتخويفها من العودة إلى منزلها خشية رد فعل الوالد. 

هكذا صارت الطفلة ضحية اتجار بالبشر، وضحية للاغتصاب بشكل مستمر. بل وأجبرت على ممارسة الجنس مع أشخاص آخرين لقاء بدل مالي يحصل عليه الخاطفون. ولم يكتف هؤلاء بكل ما ارتكبوه من همجية، بل تعرضت الطفلة قبل قتلها للضرب والتعنيف مراراً كي ترضخ لرغبات المجرمين. استمرت معاناتها هذه أياماً، ليبلغ الإجرام ذروته بإحراقها حيّة. أشعل سبيتي النيران بجسدها وأغلق عليها باب الغرفة ومضى ليتابع حياته.

يرى الوالد أن تقرير الدفاع المدني هو أهم ما استجد في القضية، “التقرير أثبت أن باب الشقة التي تعود لشخص من آل السباعي كان مقفلاً. ما يطرح السؤال: من أين حصل سبيتي على المفتاح إن كان على خلاف مع السباعي كما يدعون؟”. ويعتبر أن امتلاك القاتل مفتاح شقة السباعي دليل على أن الاثنين لم يكونا على خلاف، بل إن قصة الخلاف، والتي وردت في بيان الجيش، كانت مختلقة لتبرئة القتلة. ويتهم الوالد الشبان بالتواطؤ والتخطيط المسبق لحرق ابنته بهدف إخفاء جرائمهم المرتكبة بحقها.

بهذه الوحشية قتلت زينب. وبوحشية توازيها أريد للجريمة، وعلى رغم فظاعتها، أن تمرّ من دون عقاب، أن تبدو وكأنها مجرد حادث عرضي ذهبت الطفلة ضحيته من دون قصد، وأن تدفن الحقيقة مع الجثة المتفحمة. بحثت العقلية الذكورية المسيطرة عما تعتقد أنه ينزع عن طفلة حقها بالحياة ويمنح للقتلة مبرراً لارتكاب الجريمة وللبقاء طلقاء بين الطفلات في المجتمع، فلامت الضحية ودافعت عن القتلة. بينما لم يصدر موقف من الجريمة من قبل نواب المنطقة الحريصين جداً على كسب رضا ذوي المجرمين كونهم وبحسابات النواب الانتخابية، ينتمون إلى عائلات تملك نسبة أصوات وازنة في الانتخابات. وهو ما حاولت والدة القاتل ابتزاز الحركة فيه داخل المحكمة متوجهة إليه بالقول: “لا أحد يحبك في برج البراجنة، لن ينتخبك أحد”.

إقرأوا أيضاً:

موقوفان بتهمة قتل زينب و4 موقوفين بتهمة الاتجار بها

إلى عهدة القضاء انتقلت القضية. هناك اتخذت مسارين، الأول يتعلق بالاتجار بالبشر والثاني بجريمة القتل. ووفق المحامي واصف الحركة استقر عدد الموقوفين في دعوى الاتجار بالبشر على 4 موقوفين، تم التحقيق معهم حول الإجبار على الدعارة وخطف طفلة بالإكراه عبر التهديد والضرب والإغراء بالمال. وقد أخذ هذا الملف مساره وصدر فيه قراراً ظنياً، وتمت إحالته إلى الهيئة الاتهامية لتحيله بدورها إلى محكمة الجنايات.

أما في جريمة القتل، فهناك موقوفان حتى الآن، هما علي سبيتي، الذي أشعل النيران بالطفلة، وعلي الزين. واستمع القاضي لشخصين آخرين، غير الموقوفين بملف الدعارة، تركا بكفالة مالية. فيما لم يتم الاستماع بعد، بقضية القتل، إلى شخصين من آل سباعي، أحدهما صاحب الشقة، وهما اللذان أجبرا الطفلة على ممارسة الجنس بحسب الحركة. 

ويبدو أن التحقيقات تأخذ مسارها الطبيعي، بعد ممارسات أدت إلى تأخيرها. منها عدم إرفاق محضر التحقيقات بتقارير الدفاع المدني ومخابرات الجيش، ومماطلة قاضي التحقيق كمال نصار، والذي تمت تنحيته عن الملف بطلب من الحركة بعد الارتياب من أدائه. ورغم متابعة القضية لمسارها القضائي، بعد تعيين القاضي نديم الناشف بدلاً من نصار، إلا أن قلة خبرة ومهنية العناصر الذين تولوا التحقيقات في مسرح الجريمة وجمعوا الأدلة الجنائية انعكست سلباً على التحقيقات القضائية.

ويقول الحركة إن “هناك تفاصيل متشعبة جداً وتحقيقات طويلة ومستمرة. القاضي الناشف يترك لجميع مجالات التحقيق أن تأخذ مجراها. البعض يحاول التنصل من جريمة القتل. لكن من المؤكد أن سبيتي قام بإحراق الطفلة”. 

شركاء كثر في الجريمة

يعمل المحامي على شقين: القتل المباشر والقتل غير المباشر. “فحتى الذين لم يشاركوا بالقتل مباشرة كانوا شركاء به نظراً لمعرفتهم لما تعرضت له الطفلة من تعنيف وبالمخاطر المحدقة بها، ولم يقوموا بواجبهم. برأيي هناك أكثر من مشترك بجريمة القتل. والاشتراك الجرمي قد لا يكون مادياً فحسب، بل هو معنوي، فمن يرى طفلة تتعرض لكل ما تعرضت له زينب من ضرب وتهديد ولا يمارس دوره بالإبلاغ فهو شريك”، يقول المحامي، “هؤلاء شركاء بالفعل السلبي أي بالامتناع عن منع وقوع الجريمة أو إنقاذ الطفلة”. 

ومن المرجح أن تتجه القضية إلى الحكم على سبيتي بتهمة القتل العمد، وتصل عقوبتها إلى السجن المؤبد مع أشغال شاقة. لذا يحاول القاتل مع والدته الضغط مباشرة على المحامي لترهيبه وحثه على عدم المضي قدماً في الدعوى، بينما يرفض والد الضحية فتح أي مجال لمحاولة طرح مصالحة على حساب دم ابنته. ويؤكد الحركة أنه “في مكتب القاضي وأمامه عمد سبيتي إلى ضرب كتفه بكتفي وتهديدي”. وكما القاتل كذلك والدته، بدل أن تشعر بفظاعة ما ارتكبه ابنها وتراعي مشاعر أهل الضحية عمدت سابقاً إلى لوم المحامي وعائلة الطفلة واتهامهم بظلم ابنها. ووفق الحركة، فقد هاجمته سبيتي علناً خلال الجلسة وهددته، ما دفعه لتسجيل محضر بذلك. ويتجه لتقديم دعوى قضائية ضد الأم وابنها بتهمة تهديد محام في معرض ممارسة عمله.

وبرغم اعتباره أن القضية تتخذ مساراً قضائياً سليماً، يشير الحركة إلى ضرورة الاستفادة منها لمنع تكرارها، والبحث عن أسباب استسهال القيام بها. ولا يرى تعاطياً جدياً يدفع لتشكل هذه الحالة لمنع ارتكاب الجرائم بحق النساء، والتي تتخذ أشكالاً متعددة. ويرى الحسيني أن الفساد هو السبب في كل ما حصل مع ابنته ويحصل في المجتمع.

وبعد وفاة الابنة الأصغر في عائلتها، تشتتت العائلة بفعل الانهيار الاقتصادي. وكما هي حال الكثير من العائلات، اضطر الوالد، وهو عسكري متقاعد في قوى الأمن الداخلي، لترك المنزل الذي كان يستأجره في الشياح والعودة إلى قريته في البقاع. أما بقية أبنائه الثلاثة فقد توزعوا في منازل أقارب لهم في بيروت لضرورات العمل. وبات الوالد يرى ابنته المقتولة في كل طفلة، “كلما رأيت فتاة بعمرها أقول في نفسي الله يبعد عنك ولاد الحرام”، يقول الحسيني.

وفي ظل انهيار اقتصادي يتهدد أرواح مزيد من النساء، ويزيد من هشاشة أكثرهن فقراً وضعفاً، يبقى السؤال الأهم الذي يطرحه الحركة، والذي على سكان الحي الذي لفظت فيه زينب أنفاسها الأخيرة أن يطرحوه على أنفسهم: “كيف يمكن لأناس في حيّ أن يعرفوا بوجود طفلة بعمر الرابعة عشرة في شقة كهذه وتتعرض لما تعرضت له وأن يمرّ الأمر عادياً؟ أين القوى الأمنية وأين قوى الأمر الواقع؟ هناك شيء غير طبيعي”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.