fbpx

أن تواعد امرأة نشأت في نظام أمومي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد تعلّمت أن إخبار الرجال في الموعد الأول بأن أماً عزباء ربّتني، هو مَجلبة لكثيرٍ من المتاعب. هم دائماً حسنو النية، مغازِلون، فضوليّون، لطفاء… لكن جاهلون تماماً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في سنتي الأولى في الكليّة، ذهبتُ في موعد مع فتى من المسكن الذي كنت أقطنه. كان جاداً وله أذنان مميّزتان تظهران بوضوح فور تبسّمه ابتسامة عريضة. كان قد نشأ كاثوليكياً وتعلّم في مدرسة للبنين فقط، ولقد سحرني. كنت متحمّسة عموماً للمواعدة الجامعية، لأنني لم أجرّبها كثيراً. جلسنا نتغازل في كشك بالقرب من الجانب الخلفي لملهى يدعى  Elevate،وكانت الأمور على ما يرام، إلى أن ساقنا الحديث إلى طفولتي.

حينها، وقعت في الشرك الذي أغواني وأغوى الرجال الذين أُعجبت بهم آنذاك. كان موضوعاً بإمكانه أن يحوّل لقاءنا الجميل إلى لقاء لا يطاق في ثوانٍ، وقد تعلّمت أن أحيد -بأي شكل- عن الحديث عن أمّي العزباء عند مقابلة شركاء الحياة المحتملين.

“كيف كانت نشأتك بلا أم؟” هكذا سألني بلطف، وبجدّية، ليوجّهنا سؤاله نحو لحظة اتّصال عميقة. كنت متأثرة بالأضواء المتوهّجة أعلى الكشك وبقربه منّي. كما كنت أرغب في أن أكون فتاة من النوع المرح، إنما قادرة على أن تكون هشّة وضعيفة عندما يتطلّب الأمر. كانت المشكلة أنني لم أكبر من دون أم. بل على العكس، لقد نشأت وترعرت مع أم عزباء. سكتَ للحظة ونظر إليّ باهتمام، ثم قال “عذراً، كنت أقصد بلا أب”.

“كان الأمر وكأنني أعيش حياتي كلها بالطريقة الوحيدة التي عشتها بها” كان هذا هو الجواب الحقيقي. فأنا لا أعرف كيف سيكون الأمر إن كان لدي رئتان بدلاً من الخياشيم؟ (إن كان لدي خياشيم واستبدلتها برئتين).

لقد علمت منذ ذلك الحين أن إخبار الرجال في الموعد الأول، بأن أماً عزباء ربّتني، هو مَجْلبة لكثيرٍ من المتاعب. هم دائماً حسنو النية، مغازلون، فضوليون، لطفاء لكن جاهلون تماماً. اعتقدت في البداية أنهم يفتقرون فقط إلى التخيّل. لكنني أدركت أن ردود أفعالهم كانت بمثابة مؤشر إلى خوف بدائي، إذ يعتقد كثر من البشر أن النساء في حاجة إلى الرجال، إن لم يكن من أجل جاذبيتهم وسحرهم، على الأقل من أجل قدرتهم على ممارسة دور الأب بجدارة. لكن فتاة بلا أب ترى الرجال عديمي الأهميّة في أي حال.

“أين ذهب الأب؟ ألم يكن هناك رجال؟ ماذا حدث للرجال؟ هل تكره أمّك الرجال؟”

لقد نشأت في نظام أمومي بالكامل. طلبت جدّتي الطلاق من جدّي عندما بلغت الـ31 وكان لديها أربع بنات صغيرات. لكنها أرادت المزيد من الأطفال، لذلك تزوّجت لفترة وجيزة جداً من رجل قابلته في معملٍ في الجوار من أجل الحصول على حيواناته المنوية ليكون لها طفل خامس.

اختارت أمي أن تكون أماً عزباء، وأن يكون لديها خمسة أطفال: لم أكن أنا وأخوتي الأكبر سناً أشقاء، إذ كان آباؤنا من المتبرّعين بالحيوانات المنوية، أمّا أخوتي الأصغر سناً فقد تبنّتهم أمي من غواتيمالا.

عندما أخبر من أواعدهم أنني نشأت بلا أب، أستطيع أن أرى الوصلات العصبية في أدمغتهم تبدأ بالشرارة. السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهنهم هو -كما أعتقد- مجرّد سؤال فضولي: كيف تكون الحياة من دون أب؟ وعندها يشعر بالذعر يسأل: أين ذهب الأب؟ ألم يكن هناك رجال؟ ماذا حدث للرجال؟ هل تكره أمّك الرجال؟ ومن ثم، يتدخّل مرّة أخرى الجزء العقلاني والنبيل من الدماغ لينتج فكرة مطَمْئِنة: لا بد من أنها عاشت حياةً غريبة وغالباً ما يصعب شرحها، لذا يمكنني محاولة التنقيب فيها من خلال أسئلتي الذكية.

بعد الكلية، ذهبت في موعد أول مع رجل أشقر وطويل القامة، التقيته في حفلة. أخذني إلى مستودع تحوّل إلى مطعم في وسط مدينة أوكلاند، وطلب لنا الكثير من الأطباق الصغيرة.

“بعد العشاء، تبادلنا القبل بجانب سيارته، وأخبرته أنني لا أريد أن أخرج معه في موعدٍ ثانٍ”

سألني عن والدي بعد أن قدّم شرحاً مثيراً للقلق عن عمله على مساعدة شركات المرافق العامة في رفع سعر الماء من دون مقاضاتها (الشركات). شعرت بأنني مكرهة على الإجابة، فأخبرته أن أمي العزباء هي من ربّتني.

“إذاً، كم عمر جدّتك؟” هكذا سألني على الفور. لم أستطع حقاً معرفة علاقة السؤال بما تبادر إلى ذهنه، كما كانت جدّتي قد توفيت منذ فترة. فأخبرته بذلك، لكنه تابع قائلاً “أنا أسأل لأنني أريد فقط أن أعرف مدى صغر سن والدتك عندما أنجبتك”.

كانت أمّي في الرابعة والثلاثين من عمرها، وقد حملت بطريقة مخطّط لها جيداً، إذ إنها لم تعاشر سوى النساء فقط وكانت تعيش بشكل أساسي في مجتمع انفصالي للمثليّات. عندما علم الفتى طويل القامة أنني لم أحظَ بأمّ مراهقة/صغيرة في السن -كما توقّع على ما أظن- شعر بالارتباك. بعد العشاء، تبادلنا القبل بجانب سيارته، وأخبرته أنني لا أريد أن أخرج معه في موعدٍ ثان.

من الطبيعي جداً، في هذه الأيام، أن يكون لدي أم عازبة. أربعون في المئة من الأطفال الأميركيين تلدهنّ سيّدات غير متزوّجات. أنا هنا لأخبرك أن لا داعي للقلق إذا كانت التي تواعدها نشأت في كنف أم عازبة. لن تقوم قيامتك. نحن على الأرجح نحبّ الرجال، ولذلك نواعدهم.

في بعض الأحيان، يمكن أن يتّسع نطاق السؤال حول والدي المفقود إلى سؤال حول الطبيعة الوجودية لجميع العلاقات الخاصة بعائلتي. في أول موعد غرامي لنا في حانة في بروكلين، بعد أن تناولنا بضع كؤوس من الويسكي وتحدثنا عن الحي والجيران، سألني عن عمل والدي.

– “أمي تعمل حاخاماً، هكذا أجبته

– وماذا يعمل والدك؟

– ليس لدي سوى أم عزباء (كانت هذه طريقتي لإنهاء النقاش)

– لا يوجد أب؟

أخبرته أن أبي كان متبرّعاً بحيواناته المنوية.

– وهل كل إخوانك لديهم الأب المتبرّع ذاته؟

قلت لا، فقد تبنّت أمي البعض. ثم حاولت أن أتناول جعتي.

-إذاً، أي من إخوتك هم إخوتك الأشقاء؟”

كان هذا بمثابة ضربة ضدّه ولحظة تحمل درساً ليعتبر منه كل الرجال. لا تبحث أبداً عن الأشقاء الحقيقيين في المجموعة.

كنت مسافرة، في الآونة الأخيرة، من نيويورك إلى لوس أنجلوس مع رفيقي الحالي وكنا نشاهد فيلم المرأة الخارقة Wonder Woman ،وهي قصة ملهمة عن النساء اللواتي يعشن في جزيرة ويحقّقن نجاحاً من دون الحاجة إلى رجال. في مرحلة ما، أدركت المرأة الخارقة ورفيقها المحتمل ما أدركته أنا خلال المحادثة التي جرت في الموعد الغرامي الأول لفتاة نشأت في نظام أمومي.

سألها النقيب/ الكابتن ستيف تريفور قائلاً “هل قابلت رجلاً من قبل؟ ماذا عن والدك؟”

“لم يكن لدي أب، نحتتني أمي من الطين”، هكذا قالت المرأة الخارقة

فاحتفظت بهذه الإجابة للمرّات المقبلة.

زوي غرينبرغ

هذا المقال مترجم عن موقع صحيفة nytimes ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي