fbpx

سبعة وخمسون عاماً من عمر الحركة الوطنية الفلسطينية : “يا للهول”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في العام 2022 يكون قد مر على نكبة فلسطين 74 عاما، وتكون الحركة الوطنية الفلسطينية بلغت 57 عاما من عمرها لكن لا يبدو أن تلك الحركة تكبر بقدر تجاربها الغنية، وبقدر تضحيات ومعاناة شعبها

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مرّ العام 2021 من دون أي تغيير نوعي في الوضع الفلسطيني، في مواجهة إسرائيل، لصالح الفلسطينيين، على الصعيدين الداخلي والخارجي، رغم أنه شهد هبّة شعبية عارمة عمّت كل فلسطين الجغرافية (أيار/مايو)، من النهر إلى البحر، كما شهد إزاحة بنيامين نتنياهو من موقعه كرئيس لحكومة إسرائيل، ورحيل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صاحب خطة “صفقة القرن”، الذي شكل كابوسا ثقيلا على القيادة الفلسطينية، سيما بتعمده عزلها، وبتقديماته السياسية الهائلة لصالح إسرائيل.

 بيد إن ذلك العام شهد، مجدّداً، تعذّر قدرة الفلسطينيين على استثمار تضحياتهم وبطولاتهم، أو استثمار التغيرات الدولية والإقليمية، بسبب ضعف إمكانياتهم، وتخلف إدارتهم لأحوالهم. 

شهدنا انكفاء جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وإقلاع السلطة عن إجراء انتخابات تشريعية، لتجديد شرعيتها واستنهاض أحوالها، وقيام إسرائيل بشنّ حرب جديدة مدمرة على قطاع غزة (هي الرابعة من نوعها في غضون 13 عاما)، وتمنّع الإدارة الأمريكية الجديدة عن القيام بأي جديد للفلسطينيين يعدل ما فعلته إدارة ترامب، مع حماسها لاتفاقات التطبيع، التي شهدت سخونة زائدة هذا العام، سيما مع زيارة رئيس حكومة إسرائيل لدولة الإمارات العربية المتحدة (كانون الأول، ديسمبر). 

انتهى ذلك العام بتصريحات لافتة لـ منصور عباس، عضو الكنيست الإسرائيلي عن القائمة الموحدة، وعن الحركة الإسلامية (الجنوبية)، لاقت ردود أفعال شديدة ومستنكرة، لتسليمه باعتبار أن “إسرائيل ولدت وستبقى يهودية”. كما انتهت بمجرد تهديدات لإسرائيل، إن من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بقرارات ستصدر من الاجتماع القادم للمجلس المركزي، أو بتلويح من قبل “حماس” بوقف التهدئة ومعاودة التصعيد؛ علما إنها تهديدات مكررة، ولم تفض إلى شيء، أو لم تغير شيئا في الواقع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وفقا للتجارب المريرة والمكلفة في السنوات السابقة.


ثمة محطات رئيسية، من وجهة نظري، مر بها الوضع الفلسطيني، أهمها:

الإطاحة بعملية الانتخابات

كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رئيس المنظمة والسلطة وحركة فتح) أصدر مرسوما (في كانون الثاني/يناير2021) أعلن فيه الشروع في تنظيم عملية انتخابية متكاملة، تبدأ بالانتخابات التشريعية، وتتم في 22/5، ثم بالانتخابات الرئاسية، وتتم في 31/7، وصولًا إلى المجلس الوطني، على أن يتم ذلك في 31/8. ومعلوم إن التوافق على هذا الترتيب جاء كثمرة للحوارات التي جرت بين الفصائل الفلسطينية، سيما الفصيلين الأكبرين والمهيمنين، “فتح” وهي السلطة في الضفة و”حماس” وهي السلطة في غزة، على امتداد العام 2020. بيد أن تلك العملية التي تأخّرت أصلا خمسة عشر عاما، بدت كأنها دبرت على عجل، وكأن المطلوب فقط تعويم النظام السياسي السائد، أو مجرد تجديد شرعيته بانتخابات شكلية، مع محاولة إقامة نوع من شراكة بين الحركتين المهيمنتين على النظام السياسي الفلسطيني، أي فتح وحماس، عبر قائمة مشتركة تجمع مرشحيهما أو عبر قائمتين منفصلتين، لكن متكاملتين. 

بيد أن الآمال بتغيير أو إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وإرساء المصالحة الداخلية، سرعان ما تبددت، إذ أجهض الرئيس محمود عباس تلك العملية بإصداره مرسومًا بتأجيلها (أواخر إبريل/نيسان)، معللًا ذلك برفض إسرائيل تمكين الفلسطينيين إجرائها في القدس. 

مع ذلك فإن هذه العملية حركت المشهد السياسي الفلسطيني، وبيّنت الحيوية المختزنة عند الفلسطينيين، وكشفت توقهم إلى إحداث تغيير أو فارق في تعبيراتهم وعلاقاتهم وكياناتهم السياسية، رغم كل الإحباطات وحال الجمود، والفجوة بينهم وبين فصائلهم. وقد تجلى كل ذلك بالإقبال على التسجيل للانتخابات (2,546,449 شخصًا)، أي 93 بالمئة من أصحاب حق الاقتراع، وبـ 36 قائمة لـ 1389 مرشحًا، 405 نساء (29 بالمئة)، في حين تقدم إلى الانتخابات السابقة (2006) 11 قائمة، تمكّن ست منها من اجتياز نسبة الحسم.

نجم عن التأجيل (الإلغاء) عودة الخلافات بين حركتي فتح وحماس إلى المربع الأول، وتصدع “فتح” ببروز جماعات فيها خارج سيطرة الرئيس، وظهور أقطاب جدد مثل قائمة (الحرية) التي تزعمها الأسير القيادي مروان البرغوثي، الذي تحالف معه ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لفتح، ما أدى إلى فصله من الحركة، ناهيك عن طرح محمد دحلان، القيادي السابق في الحركة، لقائمة منافسة أيضا، والأهم انكشاف الوضع الفلسطيني عن هشاشة النظام السياسي ولا شرعيته وحاجته الملحة للتجديد، وعن الفجوة بين السلطة والشعب، إضافة إلى عدم ادراك القيادة الفلسطينية للمأزق المحيط بها.

وربما يجدر التذكير هنا بأنه في عهد الرئيس محمود عباس حصل الانقسام في الكيان الفلسطيني، وخسرت فتح الانتخابات (2006) كما خسرت قطاع غزة (2007)، وتراجعت مكانتها القيادية مع صعود حركة حماس، وفي عهده تم تهميش المنظمة، وبات الشعب الفلسطيني يفتقد إلى مرجعية قيادية جامعة، وهو ما زال على رأس الكيانات الثلاث (فتح والسلطة والمنظمة) منذ 15 عاما (ياسر عرفات استمر 10 أعوام).


هَبّة القدس

جاءت هبة أيار/مايو الشعبية الفلسطينية، على خلفية محاولة إسرائيل انتهاك المسجد الأقصى، والتحكم بدخول الفلسطينيين إليه، في سياق نهجها مصادرة المكان والزمان والرواية الفلسطينية، وكمحاولة رمزية منها لإخضاع الفلسطينيين لمنطقها بأنها هي صاحبة المكان. وقد ترافق ذلك مع محاولات اقتلاع عائلات فلسطينية من مساكنها في حي الشيخ جراح في القدس، ما يذكّر بأحداث النكبة (1948)، وذلك في الذكرى الـ 73 للنكبة. 

تميزت تلك الهبة بشمولها الفلسطينيين من النهر إلى البحر، أي بمشاركة واسعة من فلسطينيي 48، مشكلة نقلة غاية في الأهمية في إدراك الفلسطينيين لذاتهم كشعب، وفي طابع حركتهم الوطنية، علماً أن تلك الحركة كانت سلّمت تاريخيا بالتعاطي معهم كخارج، وكمعطى داخلي في المعادلة الإسرائيلية، بدعوى خصوصيتهم، بدل التعامل معهم بدلالة انتمائهم لشعب فلسطين. كما تميزت بتوحيدها السردية التاريخية للفلسطينيين، في تأكيدها أن قضيتهم نشأت مع مواجهة المشروع الصهيوني، لاسيما مع إقامة إسرائيل، كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه (1948)، وليس فقط  باحتلال الضفة والقطاع (1967)، وباعتبار أن إسرائيل هي المستوطنة الأكبر في فلسطين.

بالنتيجة فقد أثمرت تلك الهبة في تراجع إسرائيل عن مخططاتها في باب العمود وحي الشيخ جراح (ولو مؤقتا)، قبل التحول من الهبّة الشعبية إلى العمل المسلح، وقبل إطلاق حماس لصواريخها، ما يرجّح تفسير ذلك التحول بسعي حماس، التي هي في الواقع سلطة في غزة (مثل فتح في الضفة)، الاستثمار في اللحظة السياسية، لتعزيز مكانتها في القيادة، ولتأكيد أنها صاحبة القرار في الساحة الفلسطينية.

إقرأوا أيضاً:

الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة

وجدت غزة نفسها في مواجهة حرب رابعة، تضاف إلى سلسلة الحروب الوحشية والمدمرة التي تعرضت لها منذ سيطرة حركة حماس عليها (2007). حماس اعتبرت أن فرصتها التاريخية حانت، وأنه يجب الاستثمار في أخطاء أبو مازن، وفي تراجع مكانة فتح، على خلفية العوامل الآتية: أولا، تأجيله أو إلغائه الانتخابات. ثانيا، تعثر مباحثات استعادة وحدة النظام الفلسطيني. ثالثا، تعاطيه القاصر مع هبّة القدس. رابعا، تراجع مكانته في حركته فتح، لاسيما مع بروز كتل جديدة وازنة، تحدّت إرادته، أو تمردت عليه (على خلفية الانتخابات). 

كانت ثمة حاجة لدى حماس إلى عمل كبير، لإضفاء شرعية وشعبية على مسعاها أخذ دفة القيادة، على الأرجح، يصنع ما يمكن تعريفه بمعركة “الكرامة” خاصتها، ما يذكر بمعركة الكرامة (1968) التي خاضتها فتح، وتبوأت بعدها مركز القيادة في الحركة الوطنية الفلسطينية، علما أن ذلك لم يتحقق ولا بأي شكل، بسبب أن ظروف ما بعد حرب يونيو (1967) كانت تتطلب دورا للكفاح المسلح الذي أطلقته حركة فتح، لتغطية هزيمة الأنظمة العربية، في حين لا تتوفر، اليوم، مثل تلك الظروف لحماس، كي تؤمّن لها تلك النقلة، رغم إبدائها جهدا قتاليا بين قدرات واستعدادات كبيرة، مع اطلاق أكثر من 4000 صاروخ على مختلف مناطق إسرائيل. 

توقفت الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة، التي استمرت 11 يوما، تعمدت خلالها إسرائيل تدمير البنى التحتية، والمناطق السكنية والمؤسسات العامة، فضلا عن قتل أكثر من 234 فلسطينيا، وإصابة المئات، وتشريد حوالي 40 ألفا من بيوتهم.

التحول من الهبة الشعبية إلى الصراع المسلح، على شكل صواريخ مقابل صواريخ، كشف مجددا محدودية القدرات الفلسطينية، وقدرة إسرائيل الهائلة على التدمير في ظل ذلك، كما بين أن هذا التحول أضعف من مسار تفاعل فلسطينيي 48، الذي هو أحد أهم ثمار هبّة القدس، وأحد أهم تطورات الكفاح الفلسطيني منذ عقود، بانتقالهم من هامش العملية الوطنية الفلسطينية، على اعتبار خصوصيتهم كمواطنين في دولة إسرائيل، إلى قلب العملية الوطنية الفلسطينية، بدلالة انتمائهم لشعبهم، وفي تأكيد على وحدانية الشعب والقضية والأرض والرواية التاريخية.

التحول نحو الصراع المسلح لم يؤد إلى خلق معادلات جديدة لصالح الفلسطينيين، سيما لصالح رفع الحصار عن مليوني فلسطيني في غزة، ولم يمكن الفلسطينيين هذه المرة، أيضا، من استثمار تضحياتهم وبطولاتهم، ثم إن هذه الحرب عززت مجددا الشرخ بين حماس وفتح، أو بين سلطتي الضفة وغزة، مع زيادة مخاوف القيادة الفلسطينية من ترسّخ هذا الشرخ بدفع دولي وإقليمي لإقامة كيان فلسطيني مستقل في غزة بقيادة حماس، وفقا لخطة صفقة القرن أو خطة التسهيلات الاقتصادية أو لخطة “تقليص الصراع”.

ثلاثة صور مختلفة وتهديدان مختلفان

في نهاية العام 2021 برزت ثلاثة صور، الأولى، صورة الأسرى الستة (سبتمبر) الذين استطاعوا بعمل مضني وطويل ومدهش تحرير أنفسهم من سجون الاحتلال، في ظروف صعبة ومعقدة، التي أكدت على دور التصميم وحرية الإرادة والإدارة الرشيدة في تحقيق أي إنجاز، رغم النهاية المريرة، وهي صورة ظلت برسم القيادة الفلسطينية العاجزة والمتخلفة والمتكلسة. 

الثانية، وهي صورة مئات الفلسطينيين في قطاع غزة (أكتوبر) الذين تجمعوا أمام أحد مكاتب العمل لتسجيل أنفسهم للعمل في إسرائيل، وهي صورة نقيضة للصورة التي تحاول حماس ترويجها عن قطاع غزة، كقاعدة للمقاومة وفقط، من دون اعتبار لإمكانيات فلسطيني غزة وأوضاعهم الصعبة منذ 14 عاما من الحصار. 

الصورة الثالثة، هي صورة انفجار مستودع تحت مسجد في مخيم برج الشمالي في جنوبي لبنان، مع صورة جنازة أحد ضحايا الانفجار نجم عنه اطلاق نار على الجنازة ومصرع أربعة أشخاص من المشيعين، ما يطرح السؤال عن جدوى السلاح الفلسطيني في لبنان، وعن حقيقة وظيفته.

كان ثمة تهديدان لإسرائيل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن حركة حماس، أبرزهما التصريح المشين لمنصور عباس، وهنا ثمة سؤال بريء وافتراضي مفاده: هل كان منصور عباس، أو أي أحد أخر، يتجرّأ بما صرح به (حول يهودية الدولة أو بما يشبه ذلك) لولا أن القيادة الفلسطينية ذاتها تجرّأت على السردية الوطنية المؤسسة، وأزاحتها، بعقدها اتفاق أوسلو، وبنقلها تلك السردية من ملف النكبة 1948، إلى ملف الاحتلال 1967، وضمن ذلك اختزال قضية فلسطين وشعبها، والصراع مع إسرائيل، باحتلال الضفة والقطاع؟ 

أقصد أن الإحباط الفلسطيني من التهديدات السياسية و”العسكرية”، هي التي تسهل ذلك. فكم مرة طرحت مقولة “سنزلزل الأرض تحت أقدام إسرائيل”، وكم مرة اتخذ المجلس المركزي أو المجلس الوطني قرارا بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وجرى التراجع عن ذلك بقرار من الرئيس! 

يمكن مراجعة مقررات دورات المجلسين المركزي والوطني، فثمة قرار غاية في الأهمية والخطورة يجري نسخه او تكراره كل مرة، ينص على: “إن علاقة شعبنا ودولته مع إسرائيل هي علاقة تقوم على الصراع بين شعبنا ودولته الواقعة تحت الاحتلال وبين قوة الاحتلال”. هذا يعني انه في قاموس تلك القيادة بات الصراع بين مجموعتين قوميتين، بحل وهمي في دولتين، وذلك يعني أساسا نسيان طبيعة إسرائيل التي قامت في48 كدولة استعمارية واستيطانية واحتلالية وإجلائية وعنصرية”.

في العام 2022 يكون قد مر على نكبة فلسطين 74 عاما، وتكون الحركة الوطنية الفلسطينية بلغت 57 عاما من عمرها لكن لا يبدو أن تلك الحركة تكبر بقدر تجاربها الغنية، وبقدر تضحيات ومعاناة شعبها.

57 عاما، يا للهول…

إقرأوا أيضاً: